سجن الذات أو السجن يعني عدم الحرية، أياً كان نوع السجن، ولأن الحرية هي أهم حوائج الإنسان على الإطلاق. فكان القانون هو عندما يتعدى الإنسان على حقوق الآخرين يُحرم من حريته لمدة زمنية من عمره، وهذا يبين لنا جيداً ما هي قيمة الحرية لدى الإنسان في كل دستور في العالم. ولكن يوجد نوع أخر من السجن غير الزنزانة التي يكون عليها شرطي كحارس، وهو سجن الذات فأحياناً يكون السجن داخلي، حيث الإنسان لديه الحرية المطلقة أن يفعل ما يريد ويذهب حيثما يريد ولكنه في نفس الوقت يشعر دائماً أنه مسجون لشيء ما ولا يقدر على الفكاك منه. مثل الغربة الداخلية التي يشعر فيها الشخص أنه غريب عن وطنه ومعارفه. سجن الذات يكون شعور داخلي وعميق ولا أحد يستطيع تفسيره في هذا الوقت، فالإنسان غالباً يشعر بضيق بشكل مستمر، رغبة في الصراخ، رغبة في الجموح، وفي نفس الوقت عدم فعل أي شيء من هذه الرغبات. يكون الإنسان منقسم على نفسه يريد ولا يريد في نفس الوقت.
ولكن ما لا يعلمه الكثيرين أننا أحياناً نكون سجناء للذات ونحن لا نعلم، والسبب الرئيسي هنا يكون الكبرياء الذي يجعلك تكابر على فكرة أنك لست على ما يرام. وهنا في هذا المقال سنتكلم باستفاضة عن ستة أسباب لسجن الذات يفعلها الإنسان بنفسه وفي كل سبب، الشعور بالذنب يجعلك تشعر أنك سجين وعبد لهذه العادة أو الصفة التي لا تستطيع أن تغيرها كي تكمل حياتك بشكل طبيعي. ومن هنا يصيبك اليأس الداخلي وتصبح فعلياً عاجز داخلياً وتشعر أنك محبوس من داخلك، لأن لديك كل شيء من إمكانيات وحياة وحرية ولكنك يائس من فعل أي شيء بسبب شعورك بالذنب تجاه هذه الستة أسباب.
سجن الذات : كيف تنطلق بعيدًا عن سجنك الخاص ؟
الأنانية
السبب الرئيسي لأي إنسان في سجن الذات هو الأنانية، والأنانية هي الرغبة في امتلاك كل شيء لنفسك فقط دون أن تشاركه مع الآخرين. ومشكلة الأنانية هنا هي أنها لا تجعلك مكتفياً أبداً بل باستمرار ستريد أكثر ولن تشبع. وهذا مع الوقت سيجعلك تشعر أنك عبد للأشياء التي تجري خلفها ولا تشبع منها، سواء مال أو مناصب أو كل شيء لأن الأنانية غالباً تطلب كل شيء ولا تكتفي. بل كلما امتلكت تطلب أكثر وهذا هو سبب كونك في سجن، أنك تكون مقاد في زاوية أنت تشعر من داخلك أنها ليست صحيحة. أنت تعرف أن هذا الاتجاه ليس صواب، ولكنك لا تقدر على مقاومة الأنانية بداخلك. وهنا تتحول الأنانية من مجرد صفة فيك إلى زنزانة تدمر حياتك. ستجد في حياتك الأسرية مع شريكك وهو يتهمك دائماً بأنك تريد أن تأخذ فقط ولا تريد أن تعطي، وهذا مع الوقت سيدمر حياتك لأنك ستجد نفسك وحيد ولا يوجد أحد بجانبك. ببساطة لأنك لا تريد مشاركة حياتك مع أحد بل تريد كل شيء لنفسك. ولكن لو تخطيت الأنانية فغالباً ستكون تخطيت نصف المسافة لأن بقية أسباب سجن الذات مبنية غالباً على فكرة الأنا.
سجن الذات في الغضب
الشخص الغضوب هو شخص دائماً صعب التعامل معه، ولكن ماذا عن حقيقة تعامله مع نفسه؟ ففي بعض الأوقات الشخص يكره نفسه لأجل الغضب، ولا سيما الناس الذين يعانون من أمراض تتأزم من خلال الغضب مثل القلب والقولون العصبي. فكل مرة يغضبون فيها هم يشعرون أنهم يؤذون أنفسهم، ولذلك مثل هؤلاء يعانون من سجن الذات على طريقتهم الخاصة. فالغضب دائماً يكون إجابتهم وسرعة بديهتهم، وبالتالي يجدون نفور من الناس تجاههم. وهذا النفور يستمر حتى يتساقط من حوله من الأقارب. والغريب أن الغضب يجعل الشخص يشعر أنه مسجون فعلاً، وهذا في حد ذاته يشعره بالغضب أكثر. حيث أنه يعرف أنه لا يستطيع التحكم في غضبه، وحتى لو تحمله الناس مرة أو اثنان أو عشرة فلا أحد سيحتمل الغضوب دوماً، بل سيأتي عليه يوماً وبسبب غضبه وجد نفسه في مشكلة كبيرة مع شخص أخر لم يتقبل غضبه أو صوته العالي. فتصير حياة هذا الشخص جحيم وعداوات ويكره نفسه لأنه يشعر أنه بغيض وسيشعر فعلاً أنه مسجون داخل عقله وأنه لا يتحكم في أي شيء. وعندما يشعر الشخص أنه لا يتحكم في حياته فهذا هو الوصف الأسهل لسجن الذات.
سجن الذات عند الكراهية
الكراهية تجعل من النفس البشرية مسخ. حيث الشخص الذي لا يمتلك المحبة للآخرين بل الكراهية، دوماً سيجد نفسه غير راضي عن حاله، لأنه يكره الآخرين وينظر لهم ويجد منهم الجيد فيكره هذا الأمر. ولن يكتفي بهذا بل الإنسان الذي يكره يبدأ في أن تكون أفعاله كلها كريهة وعدوانية. وهنا الإنسان لو استسلم لهذا النوع من الكراهية فهو سيدمر حرفياً ويصير مجرم وبضمير مرتاح. حيث أن الكراهية التي في داخله ستؤهله لأن يفعل أي شيء لمجرد أن يلحق الأذى بالآخرين، وسيدخر كل وقته ومجهوده لأجل التخطيط لدمار الآخرين. وهذه الكراهية لن تنتهي عند أشخاص معينين، بل ستصل في الأخير إلى أنه سيكره نفسه غالباً وسيصير في شتات دائم وحزن. الكراهية تظلم الروح الداخلية للإنسان وتؤجج الشعور بالوحدة، بذلك سجن للذات بطريقة بشعة. وفيها يكون الإنسان ليس سوى شيطان مسجون داخل بني أدم.
الحسد والمقارنات
غالباً الإنسان الأناني والكاره للآخرين سيكون حاسد وحاقد على غيره، لأنه لا يرى الآخرين من الأساس ولا يحبهم بل كل ما يريده هو امتلاك ما لديهم. والحسد هو أن يتمنى الشخص أن تزول الأشياء الجيدة من الآخرين حتى لا يصيروا أفضل منه. ومشكلة الحاسد أنه يسجن نفسه بنفسه في المقارنات مع الآخرين، فيكرس مجهوده ووقته في مراقبة الآخرين وماذا يملكون وعلى ماذا يحصلون وكيف يتقدمون للأمام. ومن ثم يبدأ الحسد في التطور ويصير حقد، فلا يتمنى أن تزول الأشياء الطيبة من الآخرين فقط، بل يتمنى أن يمتلكها هو. والحقيقة أن الحقد أحياناً يحث البشر على أذية بعضهم، لمجرد أنه حاقد ويريدك أن تقع وتفشل ليأخذ هو مكانك ويسرق تعبك أو ممتلكاتك منك. والمشكلة هنا هي أن الحسد والحقد يسجنون الإنسان فعلياً داخل أوهام غير حقيقية، فمثل هؤلاء الأشخاص لا يعملون ولا يجتهدون ولا يبذلون أي شيء من أجل أن يحققوا أحلامهم. بل حتى أحلامهم تكون عبارة عن أنهم يريدون امتلاك ما يمتلكه غيرهم ولا ينظرون من الأساس على فكرة كيفية تحقيقه.
الكبرياء
الكبرياء عاهة نفسية تصيب الكثير من البشر. ولكن هذه العاهة إن كبرت عن حدها ستصير سجن للذات البشرية بطريقة متطرفة. المتكبرين هم غالباً أشخاص يرون أنهم أعلى من كل الأشخاص الآخرين في هذا العالم، وهنا هو السجن الحقيقي. مثل هؤلاء الناس لا يتعلمون أبداً من أخطائهم بل يكونون عبارة عن أشخاص بليدين، كل حياتهم عبارة عن التعالي على الآخرين، وإسقاط أخطائهم الشخصية على الآخرين. فكرة الشماعة لديهم عادية جداً فهم لا يعترفون أبداً بأخطائهم وبالتالي هم سيكررون هذه الأخطاء لأنهم لا يعترفون من الأساس أنهم يرتكبونها. وغير كل هذا فالشخص المتكبر هو الوحيد الذي ليس له علاج من سجن الذات سوى أن يتخلى عن كبرياءه. لأن كونه لا يعترف بأخطائه فهذا لن يجعله يتخلى عنها ومن هنا سيصبح سجين أخطاءه مدى حياته، وسيعاني من كل ما يزرعه مع الوقت وسيفهم أن قانون الزرع والحصاد حقيقي، وكل الكبرياء الذي كان يتعامل به مع الآخرين سيجد يوماً ما أنه لم يكن سوى لعنة.
سجن الذات في الإدمان
أي نوع من أنواع الإدمان هو سجن للذات، ففي الإدمان أنت تترك قيادة عقلك لغرائزك، وهذا نوعًا ما يجعلك تتنازل عن إنسانيتك. بمعنى أبسط، عندما تدمن شيء فالشيء هو الذي يتحكم فيك، أنت تصبح عبد لهذا الشيء، لا تقدر على العيش بدونه. وهذا فقدان للحرية، لأنك لا تشعر بالحرية سوى لو فعلت هذا الفعل أو تناولت هذا الشيء. وكون أن حريتك تكون مرهونة بشيء أخر فهذا نوع من أنواع سجن الذات. ولكن المشكلة هنا أن أغلب المدمنين يكونون على دراية تامة أنهم عبيد، وأنهم ليسوا أحرار، بل بالعكس هم يعشقون كونهم يفعلون ذلك. ولكن أنا أتكلم هنا شخصياً لأي شخص يعاني من نوع إدمان معين. حتى لو كان الإدمان يعجبك وأنت مرتاح على هذا والأمور تمشي مثلما تريد، فكر مراراً وتكراراً، هل هذا ما تريد أن تصبح عليه، بمعنى أوضح، هل كل طموحك في هذه الحياة هو أن تكون عبد؟ أعتقد حتى لو قلت “نعم” فمن داخلك ترفض الفكرة فعلاً وتريد أن تكون شخص حر لا يتحكم فيك إدمان أي شيء.
كيف نتحرر جميعاً من سجن الذات؟
وقلت جميعاً لأن أسباب سجن الذات الستة السابقة غالباً أحدها يكون موجود لدى كل واحد منا بقدر معين، كنتيجة للطبيعة الحيوانية داخل البشر. هناك إجابة وهناك حل لكل سؤال في هذا الكون، وكوننا نعاني من سجن للذات في حياتنا فليس نهاية المطاف بل الأمر عادي جداً ويمكن تخطيه في خطوات معدودة وبسيطة. ولكن يلزم هذه الخطوات شيء واحد لتدمير هذا السجن الداخلي للنفس، الإرادة. يجب أن تكون لك إرادة حقيقية في أن تصبح شخصاً أفضل بصورة جدية وليس مجرد صوت داخلي. بل يجب على إرادتك أن تتخذ قرار في حياتك، ولو كنت لم تتخذ هذه القرارات بعد فما زالت لديك الفرصة.
الحب يحرر من سجن الذات
ربما من قالوا إن الحب يصنع المعجزات ليسوا مبالغين. الأمر حقيقة فعلية، فلا يمكن أن ننكر أن الحب يغير اتجاه الناس كثيراً. ولكن المشكلة هي في أن الأنانية والكبرياء وكل هذه الصفات السيئة، هل يمكن أن يمحوها الحب؟ الإجابة هي نعم، ولكن بشرط واحد لو كان لدى الشخص نفسه من الداخل النية السليمة والإرادة القوية لأن يضع مكان الكراهية والأنانية والكبرياء محبة. لأن حينها ستنفتح عيون الشخص على الآخرين وسيبدأ في مشاركة عواطفه ورؤية الناس الذي كان لا يراهم سوى أنهم أقل منه. الحب سيكشف له حقيقة نفسه وحقيقة الآخرين، وأن الناس ليسوا أعداء بل أحياناً يكونون نعمة ويستحقون أن نقدم لهم تنازلات. ومن هنا سيتحرر الإنسان بالحب من الكراهية والأنانية والحسد والمقارنات. بل بالعكس سيحاول أن يتعلم وأن يجتهد حتى يفعل أشياء جيدة لنفسه. فمحبة الآخرين ستعلمه كيف يحب نفسه، وكيف يميز بين الصواب والخطأ. فكم من فيلم أو قصة أو رواية حكت عن شخص كان مدمن ولكنه قرر أن يتحرر من الإدمان من أجل أطفاله. فالدافع الأساسي هنا كان محبته لأطفاله، ولذلك وجدت كلمة “أن الحب يصنع المعجزات”. والأشياء التي تقول عنها أنك من المستحيل أن تتغير فيها، ربما المحبة تكون قادرة على فعل ذلك داخلك.