تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » أبوة وأمومة » كيف تغرس روح المغامرة في الأطفال بطريقة ذكية؟

كيف تغرس روح المغامرة في الأطفال بطريقة ذكية؟

روح المغامرة تكنيك مطلوب بشدة، وهو في الحقيقة مُكتسب أكثر من كونه فطري، بمعنى أن الأطفال الذين يكبرون وهم يرون آبائهم يتمتعون بروح المغامرة فيُصبحون مثلهم.

روح المغامرة

روح المغامرة من الأشياء المطلوب توافرها في الأطفال قبل المغامر، فالطفل المغامر طفل قوية بالتبعية، قادر على اتخاذ القرارات الجريئة والحساسة في الوقت المناسب دون خوف، لأنه وببساطة يتمتع بروح المغامرة، والتي عادة ما تنشأ بعد أن يجتاز المغامرة عدة مطبات، منها الثقة، والتي تُعتبر من أهم عوامل روح المغامرة، فالشخص الواثق بنفسه يمكنه أن يغامر ويتخذ أي قرار، لأنه يثق في نفسه ويعرف أن القرار الذي اتخذه صحيحًا، وذلك على خلاف الشخص ضعيف الشخصية، والذي لا يُمكن أن يُغامر بسبب خوفه من الفشل، وكم نعرف جميعًا، من يخاف من الفشل يكون أول الفاشلين، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على ما تعنيه روح المغامرة وفائدتها وكيف يتم زراعتها في الأطفال بطريقة ذكية.

ما هي روح المغامرة؟

روح المغامرة درجة من درجات الثقة الممزوجة بعدم الخوف والقلق، فأغلب الذين يمتازون بروح المغامرة لا يشعرون بالخوف من الأشياء التي من المفترض أن يشعر الآخرون بالخوف منها، والحقيقة أن المغامرة بحد ذاتها شعور يستند إلى المخاطرة، بمعنى أدق، تكون احتمالية النجاح أقل بكثير من احتمالية الفشل، ولهذا نجد أن أغلب الناس لا يُفضلون المغامرة ولا يطمحون في أن يتمتعوا بها في يوم من الأيام، لأنها قادرة بحق على تغير حيواتهم.

التمتع بروح المغامرة لا يعني أن تتمتع بقدر كبير من الثقة فقط، وإنما أيضًا الشجاعة، فالثقة أصلًا تستند على الشجاعة، والشجاعة والثقة هما الوقود الأساسي للمغامرة، لكن هذا لا يجعلنا نغفل أمر هام جدًا، وهو الفوارق بين كلمات مثل المغامرة والمخاطرة والمُجازفة، فهي تدور في نفس الفلك، لكن ثمة فوراق طفيفة وفارقة بين كل مُصطلح من المصطلحات الثالث، على من يُريد التمتع بروح المغامرة أن يعرفهم جيدًا.

المغامرة والمخاطرة والمجازفة

الاختلاف بين الكلمات الثلاث أمر هام جدًا معرفته من أولئك الذي يطمحون في التمتع بروح المغامرة، فكل كلمة تحمل معنى مُبطن قد لا يُدركه البعض منذ الوهلة الأولى، ولنبدأ بالمخاطرة، فهي تعني اتخاذ قرارات فارقة دون الاستناد على الثقة في النجاح وتجاوز الأمر، بمعنى أدق، الشخص الذي يُخاطر تكون احتمالية نجاحه قليلة جدًا، لأنه في الأصل لا يمتلك الأُسس الصحيحة التي تؤهله لذلك، ولهذا تم تسميتها بالمُخاطرة، أي أنها محفوفة بالمخاطر والصِعاب.

على العكس تمامًا من المخاطرة نجد المغامرة، وهي الإقدام على الأمر مع وجود احتمالية نجاح أكبر بكثير من احتمالية الفشل، وهي تحتاج كذلك الثقة الشديدة بالنفس، لكنها كما ذكرنا ثقة تستند إلى سند بخلاف المخاطرة التي تكون الثقة فيها محفوفة بالمخاطر، ثم تأتي المجازفة، وهي الأمر الوسط بينهما حيث أن احتمالية الفشل تكون بنفس قدر احتمالية النجاح.

غرس روح المغامرة

نادرًا ما تكون المغامرة سجية في الشخص المُغامر، فالبشر بطبيعتهم خائفون طوال الوقت مما هو قادم، بل إنهم يحسبون كل خطوة قبل أن يخطوها، هذه فطرتهم، ولهذا نقول أنه من النادر أن تجد شخص يمتاز بروح المغامرة طبيعيًا، دون أن يتعرض لموقف ما أو يمتاز بشجاعة خاصة، والحقيقة أن الآباء مع الوقت بدأوا يُدركون مع الوقت أن المستقبل الذي ينتظر أبنائهم لن يكون هينًا إذا لم يكونوا مُتمتعين بروح المغامرة التي ستُساعدهم بلا شك على تجاوز اللحظات العصيبة، ولهذا سعوا إلى تطبيق الطرق التي من شأنها غرس روح المغامرة في أطفالهم، ولنبدأ بالطريقة الأهم، وهي تكثيف الثقة.

زرع الثقة وتكثيفها

الثقة كما ذكرنا هي العماد الرئيسي للمغامرة، فبدونها لا يُمكن للمغامر أن يتخذ قراره بالمغامرة، وإلا فأنه سوف يكون مُجرد مخاطر كما أشرنا، والحقيقة أنك قبل أن تُكثف وتُزيد من معدل الثقة لدى الأطفال عليك أولًا أن تزرعها فيهم، وهذه الزراعة لا تتم إلا عندما يشعر الطفل أنه قادر على اتخاذ قرار، بل ويدرك جيدًا أن قراره صائب، أو على الأقل لن يتسبب بأذى لأي شخص، ومع تكرار القرارات العصيبة تبدأ ثقة الطفل بنفسه في التزايد، ثم تتكاثف وتُصبح ثقة متناهية يستطيع الطفل الاعتماد عليها فيما بعد عند اتخاذه قرار المغامرة، أصلًا فكرة أن يُغامر الشخص فكرة أساسها في الثقة العمياء بالنفس.

تعريض الأطفال لمواقف عصيبة

هذه الطريقة بالتأكيد مُترتبة بشكل أو بآخر على الطريقة القديمة، فعندما يكون الطفل يمتلك الثقة الكافية من أجل تمتعه بروح المغامرة فيجب عليك أن تُعرضه للمواقف والضغوط التي من شأنها أن تختبر هذه الثقة، وهل هو حقًا يستحق أن يتمتع بروح المغامرة أم أن ما سيُقبل عليه مجرد مجازفة أو مخاطرة، والحقيقة أنه يجب مراعاة أمر هام عند تعريض الأطفال لمثل هذه الاختبارات، وهو السن، فليس كل شخص في أي سن صالح للتعرض لأي موقف، فمثلًا، عندما تُريد أن تختبر طفل في السابعة من عمره فلا تضعه في حريق وتضع أمامه خيار المغامرة بالقفز في البحر أو البحر، هذا جنون لا أكثر، وإنما عليك أن تُراعي كونه طفل وتُعطيه اختبارات ومواقف مناسبة له.

غرس روح التحدي

التحدي والمغامرة وجهان لعملة واحدة، فالطفل الذي ستتمكن من غرس روح التحدي به بنسبة كبيرة سوف يُصبح مؤهلًا تأهيلًا كاملًا لغرس روح المغامرة، فالأمر ببساطة أن تخلق دوافع جديد لطفلك تدفعه إلى الاستمرار في مغامرته أو حتى اتخاذ قرار بدايته، بكلمات أخرى، يجب أن تجعل لطفلك هدفًا من مغامرته، وأن يشعر وكأن الأمر بمثابة تحدي له، فعلى سبيل المثال يُمكنك أن تُخبره بأنك إذا فعلت كذا ستكون كذا، وتتحداه أنه لا يمتلك القدرة على فعل ذلك، تلقائيًا ستجده يُغامر من أجل كسب التحدي، ولا يعني ذلك أبدًا أنك ستُقلل من ثقته بنفسه أبدًا، فأنت في الأساس سوف تطلب منه شيئًا يفوق قدرته بعض الشيء، وهنا تكمن المغامرة الحقيقية.

تكوين الشخصية

طبعًا من المفترض أن تؤدي كل الخطوات السالف ذكرها إلى تكوين شخصية الطفل، وتكوين الشخصية في الحقيقة أمر هام جدًا، فالشخصية هي التي تتحكم في كل العناصر السابقة، وبالتالي تتحكم كذلك في تمتع الشخص بروح المغامرة من عدمه، ولابد أنكم تتسألون الآن عن كيفية تكوين هذه الشخصية، والإجابة ببساطة تبدأ من إعطاء الطفل الحرية في اختيار أي شيء، حتى ملابسه وطعامه وشرابه ومكان نومه وكل شيء يُمكن أن يشعر من خلاله بأنه شخص مُستقل بذاته، فشيء بشيء تكبر هذه الأمور وتتحول إلى أمور مصيرية يجب فيها تحكيم عنصر المغامرة، وهنا تظهر الفائدة الحقيقية لتكوين الشخصية، وإن كان يجب التنويه أن كل ذلك يجب أن يكون مصحوبًا بالمراقبة والمتابعة، لأننا في النهاية نتحدث عن مجرد طفل غير مُتزن القرارات أو الخطوات، ومُعرض بالطبع لفعل الخطأ والصواب.

أهمية روح المغامرة

تحدثنا في السطور السابقة عن كيفية زرع روح المغامرة في الطفل، لكن بالتأكيد ثمة سؤال هام ربما لم نلتفت إليه، ما الهدف من زرع روح المغامرة هذه؟ بمعنى أدق، ما هي أهمية روح المغامرة التي قد تجعل البعض يفعلون كل ما هو ممكن من أجل زرعها في أطفالهم، والحقيقة أنه ثمة الكثير من الفوائد لذلك الأمر، على رأسها مثلًا مواجهة المجتمع بكافة تناقضاته، أجل فالطفل الذي يتمتع بروح المغامرة يمكن القول إنه طفل لا خوف عليه من شيء، فهو سيستطيع مواجهة كافة المخاطر الموجودة في المجتمع بحس المغامرة الذي يمتلكه، كذلك سيتمكن من مجاراة الأحداث حوله، فعندما يتطلب الأمر المغامرة سيُغامر دون خوف، لأنه أصلًا قد تربى عليها وزُرعت به مُنذ الصغر.

المغامرة كذلك مفيدة في كونها حصاد الشجاعة، بمعنى أدق، كل شخص مُغامر يُمكن وصفه بالشجاع، والعكس ليس صحيحًا دائمًا، كما أن روح المُغامرة تُحرر الفرد من الضغوطات التي قد تُفرض عليه مع الوقت، فبالتأكيد لن تسير الحياة على وتيرة واحدة، وسوف يتعرض بالطبع إلى ما يُعرف بالأيام السوداء، وهنا سوف يجد روح المغامرة داعمة له.

حياة المُغامرون

إذا ما وُجدت روح المغامرة في شخص فاعلم أنك أمام حياة فريدة من نوعها، فحياة المُغامرين لا تخلو أبدًا من المتعة، أي نوع من المتعة يمكن تخيله، فقد تصور أن ثمة شخص لا يخاف من شيء ويُقدم على الأمور دون حساب، أنظر كيف ستسير الأمور معه، وكيف سيصادف المشاكل ثم يُغامر في الحلول ليجد بعدها من يصفه بأنه قد اتخذ القرار الأشجع والأصح بالتأكيد، والحقيقة أننا لن نكون جائرين إذا ما قلنا إن تسعين بالمئة من القرارات التي يتخذها المغامر تؤدي إلى نتائج جيدة جدًا، وأن أغلب الذين لم يتخذوا أي قرار به مغامرة يندمون أشد الندم فيما بعد، بخلاف الذي غامروا وفشلوا حتى، فهؤلاء يظلون فخورين بمغامرتهم، والنجاح بالنسبة لهم يكون في قرار المغامرة نفسه، هذه هي حياة المُغامرين باختصار، وبالتأكيد هي حياة مثالية يطمح فيها أي يشخص لا يُريد أن يقضي حياة نمطية مثل الجميع.

نهايات المُغامرون

كل ما مضى كان حديثًا عن كيفية غرس روح المغامرة في الآخرين، لكن هذا قد لا يُقنع البعض ويظل في حاجة إلى دليل مادي يجعله يتخذ قرار كالمغامرة، أو يُخاطر بغرس روح كهذه في أطفاله، وهذا ما يقودنا بالطبع إلى معرفة نهايات أشهر المغامرين وكيف سارت الأمور معهم، لنعلم بعدها هل الأمر يستحق مجرد المحاولة أم لا، ولتكن قصتنا ومثالنا على ذلك هي قصة المُخرج المصري الشهير بيتر ميمي.

بيتر ميمي، مغامرة تأخذه للمجد

كان بير ميمي، المخرج المصري صاحب الثلاثين عام، طبيب مرموق، له راتب ووظيفة ثابتة، لكنه كان لا يهوى مهنة الطب كما يهوى مهنة الإخراج، والتي لم يكن قد درسها أو يعرف أي شيء عنه، ولا يعرف أصلًا إن كان سيجد فرصة في هذا العالم الكبير أم لا، لكن، على ما يبدو أن روح المغامرة كانت قد تمكنت جيدًا من بيتر ميمي لدرجة أنه قد تقدم باستقالته نهائيًا من مجال الطب واتجه لتعلم الإخراج من الألف للياء، وفي غضون خمس سنوات أثبت بيتر أن مغامرته قد نجح بأن أصبح من أشهر المخرجين المصريين، وله عدة أعمال ناجحة مثل الأب الروحي وكلبش والقرد يتكلم، كل هذه أعمال كان من الممكن ألا تكون، مثلها مثل مخرجها، لو لم يتخذ ذلك القرار الجريء بترك مهنة مضمونة مثل الطب والتوجه لدراسة شيء آخر نادر جدًا من يجدون فرصتهم فيه، إنها المغامرة ولا شيء آخر.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

17 − خمسة =