رعب المهرجين هو أمر حقيقي ومخيف جدًا بالنسبة للكثير من البشر. وتسمى فوبيا المهرجين أو “coulrophobia”. إن الأمر ليس هزلي، فهؤلاء البشر يجدون في المهرجين مسوخ، ولا يضحكون منهم أبدًا. على الرغم من رؤية كشخص طبيعي للمهرج على إنه مجرد شخص ساخر يضع الكثير من الألوان، إلا إن نفس تلك الألوان والضحكة العجيبة تشكل تهديد ورعب نفسي للكثيرين. هنا ستتعرف معنا على أسباب ذلك الرهاب النفسي، وتلك الأسباب منها السيكولوجي ومنها الفسيولوجي، وبطريقة علمية مؤكدة. فما الذي يجعل ضحك المهرجين يتحول إلى رعب المهرجين؟
مالذي يؤدي إلى رعب المهرجين و الخوف منهم؟
الضحكة المرسومة
هناك شيء غريب بالتأكيد في تلك الضحكة المرسومة بشكل دائم وثابت على وجه المهرج. فلا يوجد إنسان طبيعي مبتسم تلك الابتسامة العريضة بشكل مبالغ فيه، طيلة الوقت. مما يجعلها تبدو مفتعلة وغير حقيقة. وبذلك تجعل من الصعب جدًا على الفرد تحديد ما إذا كان الشخص نفسه الذي يضع المكياج، يعطي تفاعلًا عاطفيًا حقيقيًا، فتصبح الضحكة رمز مخيف لرعب المهرجين. الفنان القدير والكوميدي “جوني ديب” قال في إحدى المقابلات أن أحلام مخيفة كان تراوده وهو صغير بسبب تلك الضحكة المرسومة على وجه المهرجين. موضحًا أنها تمنع الإنسان من تحديد ما إذا كان المهرج يضحك بالفعل، أم هو على وشك أن يهجم عليك ويعض وجهك بشكل مخيف.
من الطبيعي أننا كبشر نقدم ابتسامات خفيفة في حديثنا مع الآخرين، وذلك لتقريب الكلام، وتجميل الحوار. ويعتبر هذا الأمر تفاعلًا اجتماعيًا صحيًا ومفيدًا. ولكن تخيل معي أنك تحاول أن تكلم شخص مبتسم بشكل كامل طيلة الوقت، سيبدو الأمر غريبًا بل ومخيفًا. لأنك ستبدأ في التفكير في حقيقة تلك الابتسامة وما تخفي ورائها. والأصعب أن ابتسامة المهرجين دائمًا حمراء أو سوداء اللون، مما يجعلها تزيد من رعب المهرجين وكأنهم للتو أكلوا لحمًا وشربوا دماء. بالإضافة إلى الشعر المجعد والكثيف المخيف، مع بياض الوجه بطريقة غير طبيعية أبدًا وكأنهم مرضى. والأصعب حين تكون الابتسامة لا تعبر عن ضحكة بالفعل، وهي ما بين ابتسامة وحزن، ليزيد الأمر تعقيدًا في محاولتك لفهمها.
كتب الدكتور جوردن جاينز لويس، الابتسامة المطلية على وجه المهرج تحد من إمكانيتنا لرؤية المشاعر الحقيقة على وجه المهرج، وهذا أكثر ما يرعب الفرد. بالإضافة إلى إن المهرج يطلب بشكل دائم بتلك الطريقة أن نرد له الابتسامة. رغم كوننا لا نريد الضحك ولسنا في ذلك المزاج في تلك اللحظة بالتحديد. وهذا يحول المهرج إلى إرهابي مزعج، وفي أفضل الأحوال سيكون مصدر ضيق لا فرحة.
رعب المهرجين يأتي من كونهم غير جدرين بالثقة ولا يمكن توقعهم
من صفات المهرجين وجزء من الكوميديا الخاصة بهم، أنك لا تستطيع التنبؤ بخطوتهم القادمة. إنهم مجانين ويفعلون كل شيء بغير سابق إنذار، وبشكل عفوي. قد يحشرون عشرين صديق بشكل كوميدي في سيارة صغيرة. أو يرشون عليك المياه من الوردة المعلقة على ملابسهم. أو يلقون بالفطيرة في وجهك ويضحكون عليك. جزء من هوية المهرج هو أن يخرج عن المألوف، يخرج عن التصرف الطبيعي والمتوقع، يبالغ في ردود الفعل والتصرفات. أما البشر الطبيعيون فهم في أمان طالما حياتهم تتسم بالقليل من الروتين اليومي والنظام. أنا الفوضى العارمة، عدم التنبؤ بالمستقبل، عدم الاستقرار، فهو أمر مرهق وغير أمن ومقلق بالنسبة لهم.
ولذلك فطبيعة المهرجين تعطي نوع من عدم الأمان وعدم الاستقرار في النفس. رعب المهرجين يتمثل في جنونهم الغير متزن. نشر مقال في مجلة ساينتفيك أمريكان، يقول بأن المهرجين هم محتالين، ويعطونا الشعور بأننا نستطيع أن نهجر التصرفات المقبولة اجتماعيًا. إنها نقطة نحو اللا أمان، لأن الإنسان بطبعه يحتاج إلى نوع من الاستقرار الاجتماعي ليشعر بأنه في أمان. نحن لا يمكننا معرفة ما الذي يخططون له، لأن هذه طبيعتهم، إلغاء الحد الفاصل بين التصرفات المقبولة والأخرى المفاجأة المجنونة.
رعب المهرجين والخوف من المجهول
الدكتورة بيني كورتيس من جامعة شفيلد بإنجلترا، لاحظت في إحدى زياراتها لمستشفى أطفال بأنهم يعلقون الكثير من اللوح للمهرجين على جدران الممرات. فقامت بتقديم بعض الأسئلة ل250 طفل مقيمين في هذه المستشفى، ويتراوح أعمارهم ما بين أربعة سنوات إلى 16 سنة. الدراسة جاءت بأن صور المهرجين تعطي انطباع مرعب لدى أغلب الأطفال، رغم أن من بينهم من لم يشاهد فيلم رعب يحتوي على مهرج من قبل أبدًا. الاستنتاج كان بأن صور المهرجين تمثل ببساطة لهؤلاء الصغار “الخوف من المجهول”. فتلك الصور ليست مثل صورة قطة صغيرة جميلة، وخاصة بأنهم يروها في اليوم الواحد أكثر من مرة.
الأطفال والكبار على حد سواء، يستطيعون تصنيف صورة القطة الصغيرة ويفهموها. اما صورة المهرج فلا يمكن تصنيفها، وهي غير مفهومة بالنسبة لهم ومجهولة المعنى. وما لا تعرفه هو دائمًا شيء مخيف. إنها تمامًا كرؤية صورة لكائن فضائي، ولكن الأخطر بأننا نعرف أن من المفترض أن المهرج بشر.
إنهم مخفون ويصعب التعاطف معهم
عندما يضع المهرج المكياج الخاص به، يتحول بالكامل إلى شخصية مختلفة، ولكن المشكلة أن البشر يعرفون القليل عن تلك المهنة، وبالتالي يظل هذا الشخص مرتبط في ذهنهم بكونه مهرج وبتلك الشخصية العفوية. من السهل علينا أن نفرق بين الممثل الذي نشاهده طبيعيًا في المقابلات الصحفية وفي المشاهد خلف الكواليس، وبين تلك الشخصية التي يمثلها في الفيلم. أما المهرج فيصعب الفصل بين شخصيته الهزلية وشخصيته الحقيقية، ونحن لا ندرك ما الذي يدفع الفرد للقيام بهذه المهنة. وفي الكثير من الأحيان، لا يفصل المهرج نفسه عن شخصيته الحقيقة في الحياة الطبيعية.
في كتاب بعنوان “أفكار جديدة في علم النفس”، أجرى الباحث فرانسيس ماكأندرو دراسته. وأوضح فيها المحفزات المختلفة التي تجعل رعب المهرجين حقيقة بالنسبة إلى البعض، ويسببون تلك القشعريرة المختلطة بمشاعر الرعب والخوف. وقد أوضح أن رعبهم يمثل إحساسًا بالخطر، ولكنه ليس بدرجة كبيرة يجعل الجهاز الدفاعي داخل الإنسان يعمل، ويقوم الإنسان بالهرب بعيدًا. ولذلك بأنت تشعر بنوع من عدم الراحة والانزعاج بالقرب من هذا الشخص، ولكنك لا تتبع نصيحة الغرائز الطبيعية داخلك وتقوم وتهرب، ولذلك أدبًا منك. وعندما سال الباحث بعض الأشخاص عن أراءهم في مدى رعب المهرجين، قالوا بأنهم مرعبين ومخفين جدًا. وصل الأمر إلى قول البعض بأنهم أكثر رعبًا من المحنطون أنفسهم.
هستيريا ورعب المهرجين
في 2016، بدأت موجة ظاهرة “القاتل المهرج”، مع أعداد الفيديو المتزايدة والتقارير عن مهرجين مخفين يقومون بفعل أشياء غريبة ومجنونة ومقلقة حول بلدان العالم كله. مجلة التايمز أطلقت على هذه الظاهرة “هستيريا المهرجين”. مع إن أغلب هؤلاء المهرجين يقدمون على فعل تلك التصرفات الغريبة بدافع المزاح وإضحاك الناس، إلا إنهم اعتبروا عن قصد جنائي. الكثير من المواطنين شمروا أياديهم استعدادًا للدفاع عن أحبائهم تجاه أي خطر محتمل. كما اعتقل أكثر من تسعة مهرجين في ولاية ألاباما بسبب هذه التصرفات.
الكثير منهم اتهموا بالأعمال الإرهابية، لأنهم كانوا يرتدون ملابس المهرج المخيفة ويقتحمون فصول المدارس أثناء الدوام الدراسي، ليخيفوا بمزاحهم السخيفة هؤلاء الطلاب، ويسببوا لهم رعب المهرجين وفوبيا. في علم النفس السيكولوجي وعلم الاجتماع، تُعرف تلك الظاهرة “بالهستيريا الجماعية”. أي إن مجموعة ليست بقليلة من الناس يتبنون وهم على إنه خطر بشكل جماعي في وقت قصير. ولا تهم عدم منطقية هذا الخوف، ولكنه يسبب رعب بنطاق واسع في المجتمع. في مقال في ناشيونال جيوغرافيك، تم إلقاء اللوم على مواقع التواصل الاجتماعي لتسبب في هذا الرعب الجماعي، والهستيريا. بسبب سرعة انتشار المعلومات، وانتشار الفيديو كالنار في الهشيم بشكل جنوني. فتسبب حالة أكبر من الرعب، لأنها تجعلك تشعر بتلك الظاهرة بشكل أكبر من حجمها الحقيقي وانتشارها الفعلي.
رعب المهرجين في الثقافة الشعبية
لدى كل إنسان نوعين من الخوف: خوف فطري أو طبيعي، وخوف يتم تعلمه أو تبنيه من المجتمع. مثال على الخوف الفطري هو الخوف من المرتفعات، ومنا الكثيرين من يشعروا بنوع من الرهبة والخوف حين يصعدون على مكان مرتفع، أو مبنى عالي. وهذا الخوف هو طبيعي وجزء من غريزة البقاء. أما المثال المثالي على الخوف من النوع الثاني سيكون متجسد في شخصية جون واين جاسي، إنه السفاح الذي كان يلبس كمهرج في وقت فراغه. قصة هذا الرجل كانت تصلح لأفلام الرعب والكوابيس، وأيقظت مشاعر رعب المهرجين حتى فيمن لم يعانوا منها قبلًا. فكرة أن تعتقد أن المهرج يمتلك نية للقتل.
في السنوات التي تلت قضية هذا الرجل، امتلأت أفلام الرعب بالمهرجين القاتلين. مشاهدة فيلم واحد أو قراءة رواية من روايات ستيفن كينج، كفيلة بتنمية فوبيا المهرجين داخلك. ولك أن تعلم أن هذا الخوف من رعب المهرجين ليس جديدًا على الثقافة الشعبية المتأصلة في ثقافات العالم أجمع. قصة أخرى تراها في المهرج جوزيف غريمالدي، وهو أحد أقدم وأشهر المهرجين الأصليين خفيفي الظل. بعدما مات نتيجة إدمان الكحول، اعتنى تشارلز ديكنز بذكرياته ومذكراته، وقام بتأليف كتاب يحكي عن الجزء المظلم من حياة هذا المهرج. وقد اقتبس تشارلز في كتبه من قول جوزيف: “أنا تعيس طيلة النهار، مع إني أجعلك تضحك طيلة الليل”. وكان ذلك الكتاب من أول من لمس الجانب المظلم والتعيس لحياة المهرجين بشكل مقرب. ملقيًا الضوء على جوانب نفسية ومجتمعية لم نكن ندركها، خلف قناع المهرج السعيد. ولكن في ذات قال كثيرين عن هذا الكتاب أنه شرارة الخوف وفوبيا المهرجين. لأنه أوضح كذلك بأن نفسية المهرج ليس كما تعتقد وتراها. الخلاصة إن رعب المهرجين يمكن أن يربط بأفكار وثقافة مجتمعية، مثلما يرتبط بسيكولوجيا وفسيولوجيا الإنسان نفسه.
رعب المهرجين والصدمة الطفولية
في فيلم وثائقي تم تصويره من قبل قناة ناشيونال جيوغرافيك، عرضت المشتركة مشكلتها وتعرضها لصدمة طفولية تتضمن المهرجين. وحين تراهم تبدأ فجأة بالبكاء والصراخ بلا هوادة. وحتى إنها تكره وتنفر من ألعاب وصور المهرجين، والتي كانوا يقدمونها لها كجزء من علاجها النفسي. وحينما قام المعالج النفسي بإدخال مهرج إلى الغرفة، كانت المرأة الخائفة بالكاد تجمع شتات نفسها.
في مقال أخر لجريدة علم النفس اليوم، كانت هناك امرأة تعرضت لصدمة في طفولتها، عندما كانت متطوعة في برنامج بوزو المهرج، وهو برنامج تلفزيوني في الستينيات من القرن الماضي. لقد أجبرت الفتاة الصغيرة على الجلوس في حضن المهرج، فكانت على مقربة من ابتسامته المخيفة، وكانت ترى بنفسها أنه مقطب رغم تلك الابتسامة المرسومة. كما أنها تتذكر كون رائحته تشبه الكحول. وحينها بدأت الفتاة الخائفة في التقيؤ على ملابس المهرج كلها، والذي بدأ يشتم ويسب فيها بطريقة مجنونة. وهم المهرج الضاحك ضاع إلى الأبد، وتكون مكانه رعب المهرجين والفوبيا منهم، وأثرت تلك الصدمة النفسية فيها باقي العمر. من المرجح أن كثيرين أيضًا عانوا من مثل تلك الصدمات النفسية في سن صغير، سواء في السيرك أو في حفلة عيد الميلاد، جعلتهم يدركون رعب هؤلاء المهرجين، ويلتصق بدماغهم بطرق أكثر رعباً رغم عدم منطقية الأمر.
المغزى الحقيقي من المهرج وتعقد الأمور
على مر التاريخ ومنذ فجر معرفة الإنسان بشخصية المهرج، كان المغزى من وجوده هو تنمية حب واحترام الذات. لأنك عندما ترى من هو أغبى منك وتضحك عليه فأنت بذلك تعتز أكثر بنفسك، لأنك تعرف أن هناك من هو أقل منك. كما استخدمت فكرة المهرج في الضحك والسخرية على السياسات والأوضاع المجتمعية، وهذا الأمر كان يريح عقول المتعبين والمظلومين ولو قليلًا. وكانوا يسمون “الحمقى”. في دراسة أجرتها مؤسسة ثيودورا، سافر فيها الباحثون مع مجموعة من المهرجين المضحكين إلى مستشفيات الأطفال في أنحاء أونتاريو، بكندا. وقد لاحظ الباحثون أن وجود المهرجين بطريقتهم السخيفة والمضحكة تعزز ثقة الأطفال المرضى في أنفسهم. لأنهم وجدوا من هم أقل منهم وأسخف منهم، وبذلك وجدوا في أنفسهم كبرياء لم يكن موجود من قبل.
ولكن من ناحية أخرى هذا مؤشر على عدم الصحة النفسية الكاملة. بحسب الدراسة فإن الشخص الطبيعي متوسط السعادة، لا يحتاج إلى شخص سخيف وأحمق كالمحرج ليضحك عليه. هو لا يحتاج لرفع معنوياته بالتقليل من شخص أخر. ومن يفعل ذلك هو شخص غير أمن ويبحث عن الرضى عن نفسه في الآخرين، ويحتاج لهم لكي يكون مطمئنًا. إذًا مغزى وجود المهرج في الأساس هو لسد احتياج نفسي لأشخاص معينين. وبما إن هناك أشخاص لا يحتاجون لذلك النوع من الضحك المبالغ فيه بتلك الطريقة السخيفة، فإنهم يشعرون بعدم راحة بجانب هذا الشخص الذي يحاول فرض الابتسامة على وجوههم بطريقة مستفزة بالنسبة لهم. إنها نظرية نفسية تفسر رعب المهرجين وتلك الفوبيا لدى البعض، ولكنها بالتأكيد ليست السبب الوحيد في كل الظروف.
إنهم لم يعودوا مضحكين كما الماضي
على مر التاريخ تتغير الكوميديا الشعبية بناءً على الأحداث المتزامنة، والثورة الثقافية في الحس والتذوق الكوميدي الحالية. على سبيل المثال: لو أنك رأت مهرج يسقط بعد التزحلق على قشرة موزة، أو يضرب صديقه بمطرقة تصدر بعض الأصوات، سيكون ذلك بمثابة كوميديا بدنية. في وقت ما كان ذلك النوع من الكوميديا غير مضحك أبدًا، لأن التفكير العام للمجتمع كان يتعاطف مع الآلام بشكل سريع، ولن يكون الألم مضحك بالنسبة له أبدًا. وبالمثل، فإن جزءً من كوننا لا نرتاح إلى المهرجين يعود إلى تغير الذوق العام لدينا في حس الكوميديا. وما يفعلونه لا يضحكنا بعد الآن.
في مقابلة مع NPR، الباحثة ليندا رودريغيز قالت بأن المجتمع كان يهاب المهرجين لفترة طويلة من الزمن. ولكن مع بداية الستينيات عادت شهرة المهرجين بالازدهار، مع أمثلة المهرج بوزو ورونالد ماكدونالد. ولكنها تعتقد أن تلك الشهرة المفاجأة كانت مجرد بدعة، ومن ثم عاد المجتمع إلى طبيعته الأولى في رؤية حقيقة رعب المهرجين والخوف منهم، أكثر من كونهم مضحكين. سواء الأطفال أو الكبار، يصبحون غير مرتاحين ومنزعجين ومشوشين، حين يُطلب منهم الضحك على شيء هم لا يجدونه مضحك أبدًا. هذا الأمر شائع بين الناس، وخاصة الأطفال، أن يشعروا بقلق اجتماعي وخوف في حالة عدم معرفتهم لكيفية التصوف ورد الفعل الصحيح لما يقدم لهم. عالم الكوميديا اليوم تغير كثيرًا جدًا عما كان سابقًا. والضحك يملئ الشاشات والبرامج والفيديوهات على الإنترنت. فما الذي يميز المهرج عن غيره ليتمكن من إضحاك الناس! سوى إنه مجرد فكرة عتيقة لأسلوب لم يوجد غيره في الأزمنة السابقة. خاصة أطفال هذه الأيام التي تمل سريعًا من كل قديم، والتكنولوجيا بيدها تجعلها سريعة جدًا في التنقل من كوميديا إلى أخرى. فكيف تظن أن يضحك الأطفال على شيء سخيف ويخيف؟
نظرية سيغموند فرويد
بالطبع لن يسعنا الانتهاء من هذا المقال الشيق إلا بعد أن نقول رأي أشهر عالم نفس في التاريخ. سيغموند فوريد كان قد نشر في كتابه “The Uncanny” عام 1919، عن نظريته في سبب خوفنا من شيء مألوف، وفي ذات الوقت غير مألوف. وقد أخذ مثال إنسان مقطوع الرأس أو طرف. وقال بأننا فورًا سنبدأ في التركيز على الأطراف المقطوعة وننسى الأطراف الباقية كما هي. إنه مجرد جسد إنسان مألوف بالنسبة لنا، ولكن في ذات الوقت غير مألوف أن نرى طرف مقطوع. وقد كان مثاله ناجحًا وعمليًا جدًا. فالأطفال يخافون من رؤية إنسان فاقد لقدمه أو يده، لأنهم لا يفهمون لماذا. وكذلك الكبار لأنهم يشعرون بالشفقة وعدم الراحة لذلك المنظر، والكثير من الأسباب الأخرى أيضًا.
ستيفن جيم، وهو أستاذ في جامعة هارفارد، شبه الخوف من رعب المهرجين بنظرية فرويد. قائلاً: إن المهرج يرسم أعضاء شبيه بأعضاء الإنسان الطبيعي على وجه وباقي جسده. أنف مبالغ فيها، قدم كبيرة جدًا، أرجل طويلة بشكل غريب، وجه مبيض وشعر ملون وشفاه حمراء. كل هذه الأمور تجعل الإنسان الطبيعي يركز على الأعضاء المبالغ فيها. هي أعضاء مألوفة ولكنها غير مألوفة في ذات الوقت. مما يعطي شعورًا بالانزعاج وعدم الراحة مع تلك المبالغة، تمامًا كمن يشاهد رجل مبتور القدم. إذًا رعب المهرجين يتجسد في كل تفصيله في شكلهم، ويعطي إحساس مرعب وليس مضحك.
كيف تعرف أنك تمتلك فوبيا المهرجين؟
الأمر ليس معقد عزيزي القارئ، فإن كنت تمتلكها ستعرف بهذا الأمر ومنذ الصغر. خوفك عند رؤية مهرج، أو كوابيس عنهم وأنت صغير، أو حتى اشمئزازك من أشكال وجههم، كلها أدلة على إنك تعاني من رعب المهرجين. والأمر ليس مرضيًا في الحدود المعقولة، فكل إنسان لديه مخاوف وفوبيا من أشياء معينة. ولكن المشكلة إن زاد الأمر وبدأت تتصرف بشكل غريب عندما ترى مهرج منهم. قد يكون الأمر مرتبط بصدمة نفسية في الصغر وأنت لا تعلم. غير ذلك فأنت في أمان ولا داعي للقلق. ولكن ما عليك ان تحمي نفسك من رؤيتهم، كمن يفضل عدم الصعود إلى الأماكن العالية، لأنه يحترم خوفه حتى وغن لم يكن مبرر.
هل كل المهرجين مرعبين؟
علينا هنا أن نكون منصفين عزيزي القارئ، فليس كل مهرج مرعب بتلك الطريقة التي نتحدث بها. هناك مهرجين لا يبالغون ولا يستفزون الأطفال، وفقد يقدمون كل ما يستطيعون من أجل إضحاك الجمهور. المشكلة تكمن في نفسية المتلقي، ومبالغة بعض المهرجين. المهرجين الذين يضعون مكياج مبالغ فيه، وبالألوان السوداء، ويقومون بفعل أمور سخيفة ومفاجأة، هم من يجب أن تحذر منهم. وتحاول حماية أطفالك عنهم، حتى تحمي نفسيتهم الصغيرة. ولا تنسى أن شخصية المهرج هي شخصية جميلة وكوميدية إن لم تتخطى حدود المعقول. وقد شكلت جزء من مهم في المجتمع، وكانت مصدر إلهام كبير للعديد من شخصيات الأفلام التراثية الجميلة.
في النهاية، رعب المهرجين يتوقف على نفسيتك أنت ومدى تقبلك لهذا النوع من الكوميديا. وليس من العيب أبدًا أن تعترف بأنك تخاف منهم، وتحترم رغبتك في الابتعاد عنهم.
أضف تعليق