الكثير من الناس تصف الزواج بأنه مشروح فاشل، ولا يتكلمون عليه بالصورة التي يجب أن يكون عليها بالفعل. بل تجد أن الناس يتكلمون بكلام يشيع الندم أنهم تزوجوا، وأن لو الزمان رجع بهم لكنوا لن يفكرون أبدًا في الزواج لأنهم جربوه. والذي يجبرهم على أن يكملون حياتهم الزوجية، ليس سوى الواجب والشعور بالمسئولية ليس أكثر ولا أقل، ولا أحد يتكلم أبدًا على راحة بعد الزواج . ولو ذكر هذا الموضوع أمامهم يضحكون بسخرية ويصفون المتكلم أنه متفائل ولا يعلم عن الحقيقة شيء.
ولكن وبالرغم من كل هذا يجب علينا جميعًا أن نفهم أن الزواج هو ليس مجرد مشروع، بل هو حياة متكاملة ومتبدلة مع شخص أخر تختار أنت بنفسك أن تعيشها برضى وتحمل مسئولية، طوال العمر. وما سأتكلم عنه الآن هو أن راحة بعد الزواج حقيقة ولا تجعل أحد يشوه لك هذه الحقيقة. فليس ذنبك أن تأخذ الخبرات السيئة للناس منهجًا في حياتك، فالحقيقة أن الزواج مبهج، ولكن للذين يتزوجون عن فهم ونضوج وقبول وحب. الأربعة أركان مهمين جدًا في مسألة الزواج فلو تعديتهم ليس ذنب الزواج، بل هو ذنبك أنت لأنك لم تتزوج عن فهم ونضوج وحب وقبول. الأمر بسيط جدًا لو ارتبطت بالشخص المناسب فزواجك سيكون سعيد وستشعر براحة بعد الزواج. ولذلك في هذا المقال لا نوجه الكلام لهؤلاء السلبيين أو النادمين على اختيارهم لشريك حياتهم بل نتكلم للذين قرروا أن يتزوجوا عن محبة ورغبة حقيقية وناضجة. ولذلك لا تقول إن هذا ليس واقعي لأنه واقعي بالنسبة للمتزوجين على أساس صحيح.
راحة بعد الزواج : كيف تحصل عليها ؟
التخلص من الضغط
أول مراحل راحة بعد الزواج دون شك هو التخلص من الضغط الذي يكون قد وصل إلى أوجه قبل الزواج. ولا سيما في بلادنا الشرقية، التي يتميز فيها الزواج بعادات وتقاليد معينة لا يمكن التخلص منها ولا تجنبها وإلا ستفشل الزيجات نظرًا لتدخل الأهالي من قبل الطرفين، العريس والعروس. وكمثال للضغط، يكون أن الشاب بعد الزواج ملزم أن يكون لديه شقة ليعيش فيها، ويكون لديه مهر كتقدمة قيمة للعروس، ثم ثمن شراء قدر من الذهب كهدية للعروس تعبر عن قيمة العروس لدى أهل العريس أمام الناس، ومن ثم تجهيز الشقة التي سيتزوجون فيها، ثم أخيراً عرس عَلني يتكلف الآلاف. كل هذا الذي ذكرناه يكون بمئات الآلاف من العملات حسب الدولة التابع لها العرس، وهذا في حد ذاته يكون حمل ليس بسهل جداً على شاب في مقتبل العمر. ولا سيما لو لم يمتلك هذا الشاب أباً ثرياً يستطيع أن يساهم في زواجه. بل وأحياناً يكون الأب لديه أكثر من ثلاثة أبناء ذكور، فكيف سيقدر على مساعدة ثلاثة بكل هذه المبالغ. ولذلك حين يتم نهاية العرس يشعر الزوج أو العريس بشعور كبير من التحرر والوصول إلى مرحلة راحة بعد الزواج عن خبرة شعورية حقيقية.
ضغط المشاعر والناس
أحيانًا أخرى يشعر الشباب والشابات بنوع من أنواع الضغط عند وصولهم إلى عمر معين وخصوصاً أخر العشرينيات. حيث يبدأ المجتمع من حولهم، يستفهم عن عدم زواجهم لحد هذا العمر المتأخر. ومن ثم أحيانًا يتكلم الناس بكلام سيء، مثل أن فلان تزوج وأنجب وأنت لم تفعل شيء حتى الآن. ومن هنا ينتج شعور أنك لست طبيعي وهذا في حد ذاته شعور سيء جداً يضع على الشباب ضغطًا كبيرًا. ومن هنا وبعدما يجد كل واحد منهم الشريك المناسب ويتزوج يشعر أخيراً بالتحرر من كل الضغوط ويشعر بقيمة الراحة بعد الزواج من كلام الآخرين والحكم عليهم باستمرار. بل ويتحول الأمر لتفاخر بالشريك الذي جاء ليرد على كل الضغوطات التي سببها لك الآخرين من قبل.
الاستقرار
وهو كلمة شاملة وكبيرة ولكنا هنا سنجيزها لك حتى تفهم قيمة الاستقرار الحقيقية في راحة بعد الزواج. فالرجل أو المرأة قبل الزواج، دائماً يكونان غير مستقران، لأنه من داخله يعلم أنه سيأتي يوم ويعيش مع الشخص المناسب ببساطة وانطلاق وروتين حلو، وليس روتين قاتل. ثانيًا هناك فكرة مهمة في الاستقرار وهي الاهتمام الموجه لك فقط، فالزوجة ستهتم بالزوج فقط والزوج سيهتم بالزوجة فقط، ليس هناك أخوة وأخوات. هناك خصوصية مطلقة للزوجين، هناك مسئوليات مقسمة على اثنين. فالفتاة قبل الزواج تكون هي المسئولة عن أنها يجب أن تهتم بحاجياتها بنفسها ولا أحد سيذهب لها خصيصاً، وعندما تطلب من أحد أن يأتي معها سينفر منها ويقول لها ليس لدي وقت. أما في الزواج فطلباتها مُجابة في الحال، سواء أكل أو شرب أو ملابس أو الذهاب إلى الطبيب أو تصليح الأشياء أو الذهاب معها لتشتري حاجياتها بنفسها، لتشعر بالأمان في حضرة الزوج. وهذا في حد ذاته استقرار كبير بالنسبة للفتيات وحلم لكل شابة أن تجلس وتستمع بالحياة فقط وزوجها يكون هو المسئول عن المال والطلبات.
استقرار الزوج
في المقابل الرجال عمومًا غالباً ضائعين دون نساء، فالشاب دون أمه لن يأكل ولن يغسل له أحد ملابسه ولن يجد غرفته مرتبة، ولن يشعر أنه على ما يرام. فما بالك لو كان لديه أخوة غيره يتقسم عليهم هذا الاهتمام؟ ثانياً هناك حاجة عاطفية أخرى للمرأة كزوجة، كل هذا تفعله الزوجة، ليكون الرجل لا يفكر سوى في شيء واحد وهو عمله. وجود المرأة في حياة الرجل يعني الاستقرار الذي يسبب راحة بعد الزواج، فغالبًا حتى لو المرأة تعمل فهي المسئولة عن صنع الطعام وعن غسل الملابس وعن ترتيب الشقة. كل التعب الذي تعبه الشاب في توفير شيء ملائم لزوجته في فترة الخطوبة ستتحمله أي زوجة بقية عمرها في توفير سبل الراحة للرجل، فهذه هي سنة الحياة. لأن المرأة هي الأقدر على التنظيم والتوفيق بين أكثر من عمل في وقت واحد والذي هو أمر لا يعرف كيف يفعله الرجل حتى ولو بعد مئة عام.
التبادل العاطفي الحر
قبل الزواج وخصوصًا في عمر العشرينيات يكون لدى الشباب والشابات طاقة عاطفية كبيرة، هذه الطاقة يجب أن تفرغ بشكل لائق. وأفضل إطار لممارسة الحياة العاطفية بشكل ملائم وصحي، هو الزواج الناضج، النابع من محبة ورضى وقبول حقيقيين. وهذا يوضح لنا سر راحة بعد الزواج من ناحية أخرى وهي الناحية النفسية، التي لا يستطيع أحد أن ينكر تأثيرها على الإنسان. فبالطبع في الزواج كلمات الحب في كل وقت وليس في البدايات فقط كما يعتقد البعض تكون حرة، والغزل يكون صريح وليس عفيف، وهذا مفيد للطرفين نفسيًا. لأن تفريغ العاطفة الجياشة يجعل النفس البشرية متزنة، عكس الكبت العاطفي الذي يترتب عليه اكتئاب نفسي. ومنه يتأثر الشاب في حياته بالكامل بسبب أنه لا يجد الشخص المناسب الذي يقول له أنه يحتاج إلى الحنان والمحبة، أو يحتاج إلى أن يعطي محبة. وهذا يزيد لدى الشابات خصوصًا، فالمرأة بطبيعتها تستمتع بالمنح أكثر من الأخذ، وربما لهذا كان لها الأساس في عملية الحمل والولادة.
الحرية بين الزوجين
في فترة الخطوبة، أو التعارف أو العلاقة العاطفية التي تكون قبل الزواج، كل من طرفين العلاقة يكون لديه بعض المحظورات لا يقدر أن يتكلم عنها، أمام الأخر، وهذا طبيعي في بلاد الشرق عمومًا. ولكنه غير طبيعي في البلاد الأوروبية، ولكنا هنا نتكلم عن الشرقيين عموماً، حيث أن العادات والتقاليد لا تسمح للرجل أو المرأة أن يتكلموا بصراحة مطلقة مع بعضهم، إلا بعد الزواج. وهذا في حد ذاته يكون جيد نوعًا ما للطرفين، ويجعل الطرفين ينتظران لحظة الزواج حتى ينفتحان ويشعران بالحرية. ومن هنا تكون الراحة التي يشعرون بها في الكلام والصراحة والاحتياج المتبادل يعمق معنى راحة بعد الزواج أكثر داخلهم ويشعرهم أن الزواج هو قيمة حقيقة. لأنه جعلهم يتعرفون على بعضهم بصورة أوضح وأحلى. وسأكرر أيضًا مرة أخرى أننا هنا نتكلم عن الذين يتزوجون زواج ناضج وعن حب وقناعة، وليس كما الناس الذين يصدمون بحقيقة بعضهم بعد الزواج.
الشعور بالاستقلال عن الأهل
قد يكون هذا الشعور في البداية مربك لأن الطرفين لم يعتادا أن يعيشان معًا، بل ولم يعتاد أن يعيشا مستقلين عن أهاليهم مما سيجعل كل واحد منهم يستغرب الموضوع. ولكن الحقيقة هي أن هذا الشعور يذهب إلى حاله سريعًا، ويتكيف الزوجان المحبان معًا، ثم يكتشفان أن العيش بقرب واحد فقط يجعلك لا تتحمل مسئوليات أكبر، ويجعل الهدوء يسود أكثر. ويجعل طاقة الحب بين الاثنين فيها خصوصية أكثر، فالأزواج قبل الزواج عادة، لا تكون لهم حياتهم الخصوصية، أو المركزة عليهم فقط، بل تكون هناك أسرة والتركيز دائمًا موزع على أب وأم وأخوة، ولذلك لا يشعر الشباب والشابات بنوع من الخصوصية.
حتى في ارتداء الملابس بحرية دون أن يسمع أحدهم تعليقًا من الأخر، فالشاب لا يستطيع أن يقول كلمات معينة كي لا تسمعها أخته الصغيرة، والشابة لا تستطيع أن تتكلم عن شيء شخصي بصورة علنية أمام الجميع. ولكن بعد الزواج كل هذه الجُدر تتحطم، ويعيش الزوجان بصورة حرة جدًا من حيث الحياة البسيطة جدًا في التكلم بحرية مطلقة دون وجود رقيب أو ارتداء ما يحلو لهم فهم أزواج جدد ولن يخجلون من هذا. فتشعر السيدات خصوصًا بنوع من راحة بعد الزواج يتلخص في الشعور بالحرية المطلقة والخصوصية في وقت واحد، مع وجود شريك يتقبل كل هذا في إطار الزواج الناتج عن حب واحترام.
متعة الحياة الأسرية
هناك جانب أخر من راحة بعد الزواج وهو الحياة الأسرية. فبعد الزواج روتين الحياة كله يتغير وتصير أنت أو أنتِ شخصًا جديدًا، من حيث الاهتمامات ومن حيث المسئوليات وطريقة التفكير. فقبل الزواج كنت تفكر في تغير الهاتف المحمول أما بعد الزواج فأنت ستفكر في ملابس الشتاء التي ستشتريها لزوجتك وأطفالك، وهكذا الحياة ستتحول من مجرد أنت إلى نحن. وهذا في حد ذاته من الممكن أن يكون غير مريح جسديًا وأحيانًا نفسيًا ولكنه في الحقيقة مشبع ذاتيًا. فالإنسان عمومًا لا يشعر بالإنجاز سوى مع أشخاص آخرين، ولن يشعر بقيمته الشخصية سوى مع أشخاص آخرين لهم قيمتهم الخاصة يقدرون أعماله ومجهوده، والأسرة هي هذه الأشخاص، من حيث الزوجين ومن حيث الأطفال. فالأزواج المتحابون عادة تكون أسرتهم سعيدة ومستقرة، لأن الزوجين على وفاق وهدوء دائم حتى لو كانت الحالة المادية غير كافية للزوجين. ولكن سيكبر الأطفال على فهم لمعنى القناعة والعمل والاجتهاد، وهذا في حد ذاته يجعل أي أب أو أم يبكيا من كثرة الفرحة والفخر أنهم أنجبوا أطفال وكبروهم وعلموهم، كيف يكونوا أشخاص محترمين في المجتمع ويعتمدون على أنفسهم وليس على الآخرين. وحتى إذا تأخر ذلك بعد الزواج ولكنه سيجعل الزوجين يعرفان قيمة راحة بعد الزواج النفسية التي يسكنون داخلها وهم كبار وسط أولادهم وأحفادهم.
إنجاب الأطفال
أي زوجين في هذا العالم يحلمان حتى من قبل الزواج بوجود أطفال في حياتهم الأسرية. والذين هم في حد ذاتهم يكونون أحياناً قتلة لراحة بعد الزواج الذي يبحث عنها أي زوجين. ولكن في المقابل هذه الأمنية تغلب على الأب وخصوصًا الأم، فإشباع غريزة الأمومة في حد ذاته يسبب راحة كبيرة للأم بعد الزواج. لأنها تشعر أنها أم وزوجة، ولا يوجد سيدة ترضى بأحدهم فقط. فالشبع الحقيقي لدى المرأة والشعور بالكمال ينتج داخلها عندما تشعر أنها أم وزوجة في نفس الوقت. وهناك أبحاث تقول إن شعور المرأة بالحب من زوجها وبالاحتياج من طفلها يعادل نفس شعور الرجل عندما ينجح في انتخابات رئاسة دولة. فتحقيق الذات يختلف كليًا لدى كل واحد منهم ولكن الشعور واحد.
الاقتصاد المنزلي
ربما يكون بالنسبة للذين لم يتزوجوا هذا أمر غير مهم بالمرة، ولكن هذا ناتج ببساطة عن أن الغير متزوج نظرته أنانية كليًا. أما المتزوج فهو نظرته تعتمد على التوفير والعطاء لأن هناك آخرين معتمدين عليه في كل شيء. ومن هنا مثلًا تجد أن الشاب قبل الزواج يأكل البيتزا والأكلات في المطاعم الفاخرة مرة أو مرتين أسبوعيًا كنوع من المتعة بالأكل والمكان والخدمة، وفي الأخير يكتشف أن نصف مرتبه ضاع في أربع أو خمس أكلات بالضبط. في حين أن المتزوج يأكل نفس الأكلات والأكثر أنها تكون من يدين زوجته، وأيضًا عندما يريد أكثر يطلب دون حرج، وفي المقابل يجد التكلفة لا تتعدى ال10% من السعر الخارجي لنفس الأكلة. وهذا هو الاقتصاد المنزلي الذي نتكلم عنه، وهذه هي فائدة الزوجة. ولذلك أحيانًا كثيرة لا يعرف الرجال قيمة ربات البيوت، الذين يوفرون لزوجهم ما يزيد عن نصف مرتبه بأفعالها وهي لا تأخذ أي مقابل مادي. وسيعلم ذلك الرجل المتزوج وفجأة لم يجد زوجته بجواره حينها سيضطر ليأكل من الخارج. ويغسل ملابسه ويفردها في الخارج ويفعل كل شيء تهتم به الزوجة دون مقابل بمقابل مادي، ليعرف في الأخير أن الذي توفره له زوجته هو في حد ذاته مرتب أخر تذخره الزوجة لزوجها وأطفالها. بسبب عملها الشاق في الاهتمام بالجميع ليشعر الرجل في الأخير بنعمة وراحة بعد الزواج في ظل وجود زوجه تفعل كل هذا.
الرجولة والأنوثة
الرجل لا يجد نفسه سوى مع أنثى والعكس صحيح. فالأصدقاء رائعين والأطفال رائعين والأخوة والأب والأم والأسرة كلهم رائعين. ولكن يبقى شيء مهم جدًا لا يتجلى سوى مع وجود نقيضه، وهو الأنوثة والرجولة، وهذا يحدث بشكل كامل بعد الزواج في وجود العلاقة المتكاملة بين الرجل والمرأة. من حيث الحميمية والعاطفية والمشاعر الفياضة التي تشبع الرجولة والأنوثة في كل منهم. ولأن كل هذا لا يحدث إلا تحت إطار واحد محترم وهو الزواج، فيشعر الرجل والمرأة بذروة الرجولة والأنوثة بعد الزواج ليشبع كل منهم نفسيًا وجسديًا من بعضهم ليترجم الأمر في عقولهم أن هذه هي الجنة، حيث راحة بعد الزواج.
أخيرًا أيها القارئ العزيز راحة بعد الزواج ليست حُلم، بل حقيقة ولا تنظر للأمثلة الرديئة في الزواج. لأن الزواج كان ولازال وسيظل هو أكثر سر مقدس بين الرجل والمرأة طول الزمان، من فجر التاريخ حتى الأبد. ولذلك ركز جيدًا في اختيارك لشريك حياتك ومن ثم ستشعر حقًا براحة بعد الزواج لم تكن تعلم عنها شيء، وستكتشف كذب من كانوا يشوهون الزواج بالكلمات السلبية لمجرد أن تجاربهم في الاختيار كانت سيئة.
أضف تعليق