تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » كيف نشأت حركة الحقوق المدنية وما علاقتها بـ “السير لواشنطن”؟

كيف نشأت حركة الحقوق المدنية وما علاقتها بـ “السير لواشنطن”؟

في الثامن والعشرين من أغسطس من عام 1963، ارتبطت حركة الحقوق المدنية بدعوة “السير لواشنطن” وحرك الحدث أنظار العالم والإعلام بأسره.

حركة الحقوق المدنية

بدأ العالم يسمع للمرة الأولى مصطلح حركة الحقوق المدنية في العام 1963 عندما فوجئ المجتمع الدولي والرأي العام الأمريكي بشاشات التلفزيون والأخبار التي تبث عبره، بكلاب بوليسية وخراطيم مياه الإطفاء وهي تستخدم بكل عنف من الشرطة تجاه متظاهرين كثر ويتم التنكيل بهم ومعظمهم من المراهقين. عقب ذلك أيضًا يتم القبض على مارتن لوثر كنج إيداعه في السجن، ومنه كتب خطابه المدوي الذي حرض على العصيان المدني والثورة ضد القوانين والظواهر غير العادلة في المجتمع. تعدت المظاهرات الولايات المختلفة وخرج المتظاهرون في مسيرات ضخمة عابرة للحدود ومن كاليفورنيا إلى نيويورك ومنها توجهوا رأسًا إلى واشنطن.

حركة الحقوق المدنية الأمريكية

غيرت حركة الحقوق المدنية في أمريكا من تاريخ هذا البلد وفي العام 1963 عقب هذه الأحداث نشأت تحالفات عدة بين المجتمع الحقوقي في أمريكا ومنظمات حقوق الإنسان؛ لذا كان لابد من لحمة وتكاتف يضم الصفوف ويقوي من شوكة القضية والمدافعين عنها، وتم التحالف بين تنظيمات عدة ليست لجميعها نفس الأجندة ولا السياسات، ولكنه كان التحالف الحذر. ضمت هذه التحالفات قائمة طويلة كجيمس فارمر عن مؤتمر المساواة العرقية، ومارتن لوثر كنج عن مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية وغيرهم الكثير.

أهداف حركة الحقوق المدنية

كانت مطالب حركة الحقوق المدنية مكتوبة وواضحة ومتضمنة في حركة السير لواشنطن، واشتملت على عدة مطالب كان أهمها: تشريع وسن قوانين تكفل وتضمن تفعيل الحقوق المدنية، القضاء على الفصل العرقي في المدارس، حماية المتظاهرين من بطش الشرطة، برنامج تخطيطي لوظائف عامة للقضاء على البطالة، سن قوانين تحول دون التمييز العرقي في برامج التوظيف، وحكم ذاتي لمقاطعة كولومبيا التي يشكل أغلبيتها السود.

الاعتراضات على حركة السير لواشنطن

كان الرئيس جون كينيدي وقتها محبط وغير متفائل بتلك المسيرة؛ خشية أن تثير حفيظة الكونجرس إذا استشعروا بخطر تلك المسيرة عليهم، فيتوجه الأعضاء للتصويت ضد حركة الحقوق المدنية ككل، ومحاربة المساواة والحقوق المزمع سنها. ولكن ما إن واصلت المسيرة التقدم كان الرئيس كينيدي مؤيدًا وداعمًا لها. بالطبع شكلت حركة الحقوق المدنية ومن بعد السير لواشنطن خطرًا على المجموعات العنصرية، وأظهرت العديد من جماعات وحركات البيض عدائها الواضح لهده الحركة. على الجانب الآخر لم تنجح حركة السير لواشنطن في أن تجمع حولها كل أطياف السود، والمضطهدين، فقد رأى فيها بعض الناشطين الحقوقيين انعدام للدقة والعدالة وغياب للتوازن العرقي بداخلها، كما أطلق عليها مالكوم اكس “مسرحية واشنطن” بدلًا من “السير لواشنطن”، وتم تعليق عضوية الكثير من أعضاء “أمة الإسلام” بداخل أمريكا ممن شاركوا في المسيرة.

السير لواشنطن

في الثامن والعشرين من أغسطس من العام 1963 بلغت نسبة المتظاهرين الذين تحركوا وتجمعوا عند نصب واشنطن التذكاري ومنه للنصب التذكاري للينكولن، بدعوة من قادة و حركة الحقوق المدنية بلغت نسبتهم ما يقارب ربع مليون متظاهر، ربعهم من البيض. وذلك رغم المضايقات والتهديدات التي واجهها الجنوبيون أثناء تحركهم توجهًا لواشنطن، وتهديدهم من الشرطة ومن جماعات عنصرية أخرى. ولكن جاء اليوم المرتقب، وصارت الحركة أشبه بكوميونة احتفالية للسلام؛ الأمر الذي أفقد الشرطة مبرر وجودهم، فقد كان المتظاهرون مسالمين وحضاريين ولم ينتهجوا العنف أو التخريب. وتم تغطية الحدث عبر شاشات التلفزيون الأمريكي.

مشاهير شاركوا في السير لواشنطن

كأي حدث عالمي واحتجاجي، كان هناك العديد من المشاهير والقادة والفنانين من مجالات عدة يشاركون في هذا الحدث. ولأن القضية كانت عالمية بشكل ما، وتحمل الكثير من تسجيل المواقف، وإبراز الموقف الشخصي لكل فرد تجاه الحقوق والحريات، ضمت حركة الحقوق المدنية نخب ومشاهير كثر كانوا في قلبها سواء بتأييدهم أم بمشاركتهم فعليًا. شهدت فعاليات السير لواشنطن حضور عدة موسيقيين لإقامة عروض موسيقية شارك فيها العديد من المؤيدين لـ حركة الحقوق المدنية ، كماريان آندرسن، جون بيز، بوب ديلان، بيتر بول، وجوش وايت وغيرهم. كما حضر عديد من الفنانين المؤيدين للحركة، وتم رصد وجود هاري بليفونت، مارلون براندو، أوسي دافيس، لينا هورن، وبول نيومان. كما كان هناك العديد من الخطب والرسائل التي ترسل من أصحابها في السجون لتقرأ على أسماع الحشد الموجود. تولى قادة المنظمات الست الكبرى الحديث، وتناول آخرون قراءة رسائل أولئك المعتقلين. كما كان الحضور النسوي واضحًا وتولت جوزفين باكر الحديث وقدمت هناك العديد من النساء.

خطاب كنج

يعد الخطاب الذي ألقاه مارتن لوثر كنج في هذا الحشد، من أكثر الخطابات بروزًا، وتأثيرًا، وقوة في تاريخ أمريكا، ينافس ويجاور به الآباء المؤسسين، ويرسم بكلماته تاريخ جديد للولايات المتحدة الأمريكية ولـ حركة الحقوق المدنية . لقد اثبت مارتن لوثر كنج بفصاحته الخطابية وصدقه، أن الجماهير قادرة، أنها تفتقد للحماس والصبر لمواصلة النضال، وأن دور القائد يكمن في بث الكثير والكثير من الحماس والقوة بداخلهم. لتصبح جملته الشهيرة “لدي حلمًا ما..” من أشهر الجمل في تاريخ أمريكا وتاريخ حركة الحقوق المدنية . ليس فقط خطاب لوثر كنج، ولكن كانت هناك خطابات أخرى كالذي ألقاه جون لويس وقد كان طالبًا، ولكنه كان خطابًا حماسيًا وراديكاليًا بالدرجة الأولى، أصر على انتزاع الحقوق وعدم تجزئها، وأننا نرغب بحريتنا، لا أن نكون أحرارًا على مراحل زمنية متفاوتة.

حركة الحقوق المدنية للمسيحيين

لم تكن حركة الحقوق المدنية بمعزل عن الوازع الديني الكاثوليكي، بل كان القادة والرموز الميدانيين هم رموز دينية بالأساس. من بين تسعة قادة كان هناك أربعة رموز دينية، وكان الجو مشحون بمصطلحات كاثوليكية، وخلاص ما يتحقق من خلال المشاركة في الحركة. كانت هناك دعوات صريحة لقادة دينيين ممن اعتلوا المنصة بأن يأتي الناس للاعتراف والانضمام لإخوانهم وأخواتهم للحصول على الحرية مكتملة والخلاص. بالطبع كانت الدعوة واضحة وصريحة أنها من أجل الحرية والعمل، ولكن الإيمان والإصلاح الكاثوليكي ظل مهيمنًا ومكتنف المشهد تمامًا. إن حركة الحقوق المدنية كانت مصهورة بالإيمان الكاثوليكي وكان الإيمان نبراسًا وخيط متين للتمسك به حتى نيل الحقوق والمطالب كاملة. نبعت حركة الحقوق المدنية بالأساس من الكنائس ومن خطب ووعظ الأساقفة والرموز الدينية. كتعبير عن رفض لانحلال ديني ومظاهر تهتك مجتمعي مختلطة بطلم بين واقع على عرق بعينه. ولذا ليس غريبًا أن يكون القادة البارزين في حركة الحقوق المدنية هم بالأصل قادة ورموز دينيين، لإيمان المجتمع بتملكهم من الكلمة والعظة والقدرة على قيادة المجتمع نحو خطوات حقيقية في سبيل الحقوق المدنية غير المنتقصة. لذا لم تكن العبارات الدينية في خطاب كنج هي محض تزيين وسفسطة فحسب، ولكنها كانت المصدر الرئيسي المحرك له وللقادة غيره، وهو الإيمان الكاثوليكي.

لقد حققت حركة الحقوق المدنية ومجموعة السير لواشنطن نجاحًا منقطع النظير، أثبت أن البشر يستطيعون. لقد كان الحدث كوميونة بحق جمعت ما يقارب ربع مليون من البيض والسود معًا، من القادة الميدانيين ورجال الدين، من الفنانين والمشاهير، كان الحدث يقول نحن نستطيع، أننا لدينا حلم، أننا نستطيع العمل معًا بلا نزاعات عرقية وبلا حروب طائفية. وأصبحت جملة لوثر كنج المشهورة “لدي حلم ما” من أشهر المقولات التاريخية علي مر العصور.

أحمد مكاوي

طالب كلية الهندسة، قسم قوي ميكانيكية يتطلع لإثراء لغته العربية من أجل المساهمة في إثراء لغة ومعلومات القراء، يتخذ كتابة المقالات كهواية له بجانب الدراسة يستفيد ويفيد من خلالها.

أضف تعليق

ستة عشر + 11 =