جنكيز خان إمبراطور الإمبراطورية المغولية التي في مدة ثلاثين عام فقط كانت قد قتلت عُشر البشر على الأرض، واحتلت ربع أراضي العالم (12 مليون ميل مربع) في أسيا، وكانت عهد تلك الإمبراطورية مليء بالأعمال العنيفة والدموية ومن أشد العهود حقراً التي مرت بالقارة الآسيوية على مر التاريخ. ويقال إن عدد الموتى بسبب حملاته العسكرية تقدر ب40 ميلون شخص وهو ما يساوي 11% من سكان العالم آنذاك، ومن أكثر الدول المتضررة كانت الصين بعشرات الملايين وكذلك إيران (حملاته ضد الدولة الخوارزمية الإسلامية). وكل ذلك في 21 سنة فقط من تاريخ سيطرته على الحكم فعلياً. في هذا المقال سأعرفك لماذا كان جنكيز خان رجلاً مجنوناً بالأفعال والأقوال، ولكن أولاً سأعطي لك نبذة أولية عن ذلك الرجل.
جنكيز خان وقصصه الأغرب من الخيال
نبذة عن إمبراطور المغول جنكيز خان
تيموجين (اسم الولادة) ولد على ضفاف نهر أونون بأسرة كانت تعرف السياسة وكان جده وأباه وأخوه قواد بالاتحاد المغولي، ولا نعرف بالضبط ميعاد مولده ولكن يقدر بين 1155 و1162 ميلادياً، ومعنى اسمه الحديد أو الحداد. قبله كانت تلك البلدان عبارة عن دويلات أو ما تعرف بالخانات، وعندما وحدها تيموجين أطلق على نفسه (جنكيز خان) أي ملك ملوك العالم أو قاهر العالم باللغة المغولية، وأخذ هذا الاسم أثناء اجتماع للقبائل في سنة 1206 فأعلنوه قائداً للمغول رسمياً.
سمى يسوغي (أبو جنكيز خان) ابنه تيموجين، تيمناً باسم قائد التتار الذي كان قد قُتل على يده بعد ولادة جنكيز خان بفترة قصيرة، ويقال إن جنكيز خان ولد وفي يده دم متجلد أو ما كان في رأيهم قطعة لحم وهذا دليل عندهم أنه سيصير قائداً مغولياً مهماً وقوياً في يوم ما رغم أنه ثالث طفل لأبوه، الذي كان قائد قبيلته أباً عن جد في ذلك الوقت، مما سهل بعد ذلك على جنكيز خان طلب مساعدة باقي القبائل لأن من قبلية كبيرة بالإضافة إلى كون نسله نسل حاكم.
وكما وصفه الكثير من المؤرخين الذين عاصروه أو ما بعده أنه كان ضخم الجثة وطويل القامة، وكذلك طويل اللحية، شعره أحمر وعيناه زرقاوان مائلان للأخضر، وتلك المواصفات ما زالت موجودة بالعرق المغولي خاصة في القبائل البعيدة التي ما زالت تتزوج من داخل القبيلة، ولكن باقي العرق فقد اندمج مع العرق القوقازي الأوروبي والأوسط أسيوي فنتج عنه تغير في بعض تلك الصفات.
عند سن التاسعة وكما هي العادات أرسله أبوه لقبيلة أخرى (قبيلة أونجيرات) حتى يخدم هناك قائد القبلية ليتزوج ابنته (بورته) عند سن الزواج (12 عام فقط) ولكن أبوه توفي غدراً على أيدي أعدائه التتار، وعندما رجع تيموجين للقبيلة حتى يطالب بحقه كقائد لم توافق عليه القبيلة لصغر سنه وطردته هو وأمه وأخوته، فعاش في فقر شديد وكان يذهب للصيد حتى يأكل وكانت تمر به ثلاثة أو أربعة أيام دون طعام. فاضطر لطلب الاحتماء من حليف والده (وانغ طغرل خان زعيم الكرايت) وبعدها رجع ليتزوج من بورته كما رتب أبوه، في سن السادسة عشر، لتصبح هي بعد ذلك إمبراطورية المغول الوحيد رغم تعدد زيجات جنكيز بعدها وأولاده وأحفادها هم من حكموا خلفاً لجنكيز فقط دوناً عن باقي الأولاد حيث قسم جنكيز المملكة بين أولادها الأربعة، وكذلك بناتها كان لهن دور كبير خلف الستار لمساعدة أبيهن. وحين خطفاها مجموعة من الميركيت فجر يوم زواجها من تيموجين، أصر هو على استعادتها، وهجم بالفعل عليهم وأخذها بعد ثمانية شهور كانت فيهم أسيرة وزوجة لقائد منهم، ولكنها أنجبت له ابنه البكر جوجي بعد شهراً واحداً والذي دار حوله الجدل حول ما إذا جنكيز هو أبوه الحقيقي ولكن جنكيز خان قبله كواحد من أبناءه بالفعل، وتلك الحادثة هي من رسغت بداية جنكيز خان العسكرية حسب رأي المؤرخين.
بدأ تيموجين بعد ذلك حياته السياسية والعسكرية وكان يضم القبائل واحدة تلو الأخرى بالتحالفات (أخوية الدم كما كانت تمسى) حتى أصبح القائد العظيم لتحالفات المغول، وكتب دستور لقواعده وقوانينه سمى بالياسا، وكان يحرص على تنفيذه، وكان يسمح لباقي القبائل بإدلاء رأيها فيه وتغيره إذا رأى ما يستدعي ذلك. وبدأ في تنظيم هجماته على باقي الممالك من إمبراطورية الصين وبلاد المسلمين وغيرها. ورغم أنه سفاكاً للدماء لا يعرف الرحمة في الحروب، إلا أنه كان يسمح لأمه بضم يتامى الحروب في عائلته، وكذلك كان متسامحاً دينياً وكان يطلب رأي مستشارين من جميع الأديان البوذية والمسيحية والإسلامية فكان بذلك ذو حظوة كبيرة عند جميع البلاد. وهو بالأصل يؤمن بالديانة الشامانية أي يقدس الأرواح في السماء ويعبد الرياح والجبال وهذه الديانة لها تقاليدها وصلواتها، ولكنه كان متسامحاً دينياً ولم يفرض ضرائب على غير دور العبادة ولم يمنع بناءها، وضرائب الشعب متساوية للكل بصرف النظر عن دين الفرد.
هزم جنكيز خان في أيامه كل قوات التتار وكذلك الأسرة الحاكمة في شمال الصين (أسرة جين) وكذلك جلال الدين ملك الدولة الخوارزمية الإسلامية، وبذلك كانت مملكته أكبر أضخم وأوسع إمبراطورية فالتاريخ من كوريا شرقاً إلى الدولة الخوارزمية غرباً ومن بحر الصين جنوباً إلى سهول سيبريا شمالاً أي أنها كانت تحتل الجزء الأكبر من أسيا. أما أبناءه وأحفاده فقد امتدوا بفتوحاتهم إلى ما أبعد من ذلك وأهمهم الإمبراطور تولوى ابنه وحفيده الإمبراطور هولاكو خان الذي اجتاح بغداد. ويعد جنكيز خان مؤسس الدولة المغولية وكان عهده وعهد أبناءه يعد من أعنف العهود حيث قتلوا الملايين في حملاتهم العسكرية ليحتلوا كل تلك الأراضي. مات عن سن ال65 في عام 1227 وقد أوصى بأن يكون قبره مجهولاً، فلا يعرف أحد حتى الآن أين دفن.
لم تكن الأعمال الحربية والعسكرية هي تاريخ جنكيز خان الوحيد الذي يخلد اسمه فبالإضافة إلى إنشاءه دستوراً يحدد قوانين الإمبراطورية، كان هو أول من عمل نظام بريدي بين ممالك الإمبراطورية وكانت عبارة عن بيوت موسعة بشكل مرتب ومنطقي في كل الأراضي حول الإمبراطورية، وحين يبغى أن يرسل شيء أو رسالة ما إلى مكان أخر كان يخرج بالرسالة من عنده فارس ويذهب في اتجاه تلك البيوت على طريق المرسل له، فيتم تبديل الفارس عند كل بيت فلا يحتاج الفرسان إلى التوقف، فتقطع الرسالة حوالي مئتين ميلاً في اليوم، وبذلك كانت أسرع طريقة بريدية في عصره. أيضاً تلك الطريقة مكنته من وضع جواسيسه في كل مكان بالإمبراطورية وحماية طريق التجار والضيوف المهمين المارين بتلك الطرقات.
يعتبر جنكيز خان الأب المؤسس لدولة منغوليا والتي حاول الاتحاد السوفيتي كتم أنفاسهم عندما كان قائماً فيها، فأخذ يحاول منع ذكرى جنكيز خان وأمجاده ومنع حتى نطق اسمه وتعليم تاريخه في المدارس، ولكن حين تحررت منغوليا في 1990 من ذلك النظام الظالم أخذت تتذكر تاريخها وتلك الشخصية الهامة التي أثرت في تاريخ تلك البلد.
وبعد أن أطلعتك عن ملخص لسيرة حياته الكبيرة والضخمة والتي كتب فيها الكتب سأخبرك عن عشرة أسرار من حياة ذلك الرجل لتجعلك تتأكد أنه مجنون حربياً بالفعل وأن مثل ذلك الرجل لا يستعجب له الفرد إن عرف أنه في يوم ما قد امتلك أكثر من ربع العالم.
قتل أخيه لعدم مشاركته الطعام
في الفترة التي تعرض لها جنكيز خان وأمه وأخواته إلى الجوع الشديد واضطرارهم إلى الصيد وأكل جثث الحيوانات الميتة، اصطاد جنكيز سمكة وأخذها إلى البيت لأمه معه إلا أن أخيه غير الشقيق خطفها منه وهرب لكيلا يأكلها أحد معه فضربه جنكيز بقوسه سهماً أماته في الحال، بدون رحمة أو تردد، فوبخته أمه قائلة نحن لا نقتل أخواتنا ونعتته بالقاتل. إلا إن جنكيز خان كبر بالفعل ليصبح من أكبر قاتلي التاريخ.
ذبح كل من كان أطول من 90 سم
حين تمكن جنكيز خان من لف المغول حوله قاد جيشه للهجوم على قبائل التتار التي قتلت والده بالسم غدراً، وبعد انتصاره وجمع الأسرى ابتكر طريقة لقتلهم عجيبة تدل على دموية هذا الشخص، فقد جلب محور عربته التي كان طولها حوالي التسعين سم وأصطف جميع رجال القبيلة بجانبها ومن كان أطول منها قطعت رأسه، فقتل بذلك جميع رجال القبيلة عدا الأطفال.
جبل من العظام
في ذروة قوة جنكيز خان وجه حروبه ناحية أسرة جين الحاكمة في الصين والتي كانت تحكم ما يقارب ال53 مليون نسمة، ورغم أن المغول كان عددهم مليوناً واحداً إلا أن دهاء وعبقرية جنكيز خان الحربية استطاع هزمتهم في ثلاث سنوات فقط. وتقدم نحو العاصمة تشونغدو (بكين الآن) والتي كانت تمتلك سوراً ضخماً طوله 12 متر ويمتد حوالي ال29 كيلومتر، فطوق الحصار حولها لمدة كبيرة، فجاع أهلها وزادت حالات أكل لحوم البشر مما دفعها للاستسلام في الأخير، وحين دخلتها قواته لم يتركوا بها حي وأشعلوا فيها النيران وقتلوا الناس بهمجية شديدة، فكانت مذبحة مروعة ونهبوا كل شيء. ومن أقوال شاهد عيان ماراً بتلك المدينة بعدها، أنه رأي عظام البشر تشكل جبل أبيض والتربة دهنية جداً نتيجة دهون البشر المتراكمة.
جعل من قاتل حصانه قائد في قواته
في واحدة من غاراته على قبيلة مغولية، ضرب واحد من رماة السهم على حصان جنكيز خان قاصداً من ذلك جنكيز نفسه إلا إن الحصان هو من أصيب في عموده الفقري ومات في المعركة وأكمل جنكيز المعركة بدونه وتقدم بقواته حتى تغلب في الأخير، وحين هدأت الحرب وجمع الأسرى طلب منهم أن يعرف من الفاعل لينتقم لحصانه ولم يتوقع بالطبع أن يكون هناك اعتراف ولكنه كان يبحث عن سبب ليقتل باقي أفراد القبيلة فقط. ولكن الغريب بالأمر أن مطلق السهم (جيب) تقدم له وقال إنه هو مطلق السهم وإن كان يرغب في أن يقتله فليفعل، فأعجب جنكيز خان بشجاعته وجعله قائد وجنرال في جيشه، وكأنها مكافأة لقدرته على الاقتراب من قتله.
زواج بناته العسكري
واحدة من الطرق التي كانت يستعملها جنكيز خان لسيطرة على البلاد هي بتزويج بناته لأعدائه الملوك حتى يعقد معهم السلام، ولنيل ذلك الشرف كان يجب أن يقتل الملك كل زوجاته السابقين أو يبعدهم على الأقل، حتى يضمن جنكيز خان أن يتولى نسل أبناء بناته الحكم في مملكة الأعداء. وحين تلد البنات يضع بعدها هؤلاء الملوك في الخطوط الحربية الأولى في المعارك وبذلك قتل كل أزواج بناته تقريباً، وقرب فترة موته كانت بناته وأحفاده كحكام على الكثير من الممالك من بحر الصين الأصفر حتى بحر قزوين في إيران.
قتل 1.7 مليون شخص انتقاماً لشخص واحد
صحيح أن زواج بناته كان ضمن خطط حربية ولكن ذلك لا يعني أنه لا يتضمن قصص الحب، ولكن قصص الحب عند ذلك الرجل دموية زيادة عن الحد، فكانت له ابنة أحبت زوجها مما جعله مثل الابن المفضل عند جنكيز خان واسمه توكشار، وحين مات في الحرب بسهم من مدينة نيسابور التي كان يهجم عليها طالبت الابنة من أبيها الانتقام لزوجها. فدخل جنكيز خان بنفسه إلى المدينة بعد حصارها قاتلاً كل شخص بها رجال ونساء وحتى الأطفال والكلاب والقطط وجعل عظامهم تتكدس على شكل أهرامات حسب رغبة ابنته. ويقدر عدد الموتى ب1748000 شخصاً بعد المؤرخين يقللون من هذا العدد قليلاً ولكن ما لا شك فيه أن قصة الحب تلك دفع ثمنها عدد كبير من البشر.
الاحتفال فوق رؤوس الأعداء
في عام 1223 كان جيش جنكيز خان قد توسع في حروبه داخل روسيا واستسلم له الجيش الروسي بعد معركة نهر الكالكا فقرروا الاحتفال بالنصر. فأجبروا الأمراء والأعيان بالبلاد بالنوم على الأرض مصطفين وألقوا فوقهم بوابة خشبية كبيرة ووضعوا عليها الطاولات والكراسي وبدؤوا الاحتفال والشرب والأكل فوق رؤوس الأمراء التي تسحق تدريجياً.
عنفه مع الدولة الخوارزمية الإسلامية
حين قرر جنكيز خان التعامل مع جلال الدين ملك الدولة الخوارزمية، بدأ تعامله بالسلم (بطريقة غريبة عن طبيعته المعتادة) فأرسل مجموعة من الدبلوماسيين ليتفاهموا معه على إنشاء طريق التجارة والتعاون السلمي، فشك بهم جلال الدين وقتلهم وكذلك قتل الدفعة التي تلتهم، فأغضب ذلك جنكيز خان جداً وكون جيشاً من مئتي ألف محارب وقضى بهم على جميع أجزاء المملكة ولم يترك قلعة أو مدينة ولا حتى مزرعة إلا ودمرها بالكامل ونهبها، وحتى إنه غير مجرى النهر ليتغير على الخريطة للأبد ويضيع كل إثر لتلك المملكة.
شي شيا تمحى من التاريخ
حين كان جنكيز خان يغزو المملكة الخوارزمية طلب من مملكة شي شيا أن ترسل له قوات المساعدة، ولكن ملكها رفض ووقف أمام هذا الطاغية، الأمر الذي ندم عليه جداً، فقد أرسل جنكيز خان قواته لقتل كل شخص بالمملكة، حتى إن تاريخ تلك المملكة لم يعرفها الباحثون سوى من الممالك المجاورة ولغتهم ضاعت لمدة 700 سنة حتى منتصف القرن العشرين حين وجد الباحثون بعض الآثار والأحجار التي كتبوا عليها بلغتهم مدفونة تحت الأرض، ومات جنكيز خان بتلك المعركة بسبب سقوطه من على حصانه ورغم ذلك لم يتوقف جنوده الهمجيين من تنفيذ مطالبه بالقضاء التام على تلك المملكة وتاريخها.
مذبحة بعد موته
كانت مطالب جنكيز خان بعد موته ألا يعرف أحد مكان دفن جثته، لذلك قام مجموعة من العبيد بحمل جثته والسير بها أميالاً في البرية ودفنه في مكان لن يعثر عليه أحد، وحين فعلوا تم ذبحهم كلهم على يد الجنود المرافقين وردم الجنود على القبر وزرعوا عليه بعض الأشجار حتى لا يستطيع أحد العثور عليه. وحين عادوا الجنود إلى المخيم تم ذبحهم هم أيضاً حتى يضمنوا تماماً ألا يعرف أحد مكان القبر. والذي بالفعل لم يعثر عليهم الباحثون حتى الآن فكان له ما أراد. من المرجح أن القبر على أو حول جبل مرتفع يسمى برخان وهو بالأصل بركان ويسمى أيضاً ببركان خلدون ولكن المكان المحدد مازال غير معلوم.
أخيراً عزيزي القارئ أنت الآن تعرف كيف كان جنكيز خان رجلاً دموياً وهمجياً وامتلك جيشه وأبنائه وخاصة حفيده هولاكو تلك الصفات الهمجية والعنيفة، ولكن إمبراطورته هي أكبر إمبراطورية بالتاريخ وله أعمال كذلك غير الأعمال العسكرية في شتى المجالات، وحُكم أبنائه امتد لقرون طويلة بعده. لذلك يستحق لقب المجنون بالفعل.
أضف تعليق