عندما نفكر بالعالم الجليل إسحاق نيوتن، نحن نفكر بالعلم والعقل والمنطق، ولكن توقعات نيوتن عن نهاية العالم قد تغير لنا هذا المفهوم قليلًا. فالرجل الذي اكتشف الجاذبية وحاول شرحها بالعلم، قد يحتاج لمن يجذبه من عالم الخيال هذه المرة. كان نيوتن معروفًا بقوة إيمانه بالله. وبأنه كان يثق في تعاليم الإنجيل كما لو أنها تفسيرات علمية منطقية. ولكن قلة يعرفون بأن يوتن كان يعتقد بأن الإنجيل يحمل في طياته توقعات بنهاية العالم، ويحتاج إلى من يمعن النظر ليكتشف خفاياه وشفراته. فما هي توقعات نيوتن لنهاية العالم، التي استنتجها بحساباته الدقيقة والمعقدة؟
استكشف هذه المقالة
سبب نيوتن من وراء نشر توقعاته
منذ انطلاقة العلم والفلسفة في العالم، ويبحث الجميع عن كيفية انتهاء هذا العالم ويقدمون اقتراحاتهم وتوقعاتهم. البعض يفعل ذلك بدافع أسباب دينيه، والبعض الأخر بدون سبب واضح. في القرن السابع عشر زادت المحاولات بجنون، وبدأت التوقعات تأخذ منهجين. الأول ديني، والثاني علمي. وحاول العلماء تقديم أسباب لنهاية العالم ومتى سيحدث. البعض استخدم علم الفلك، والبعض الأخر السحر. بالنسبة إلى نيوتن فكانت مشكلته مع رجال الدين في عصره. إذ شاهدهم وهم يقدمون توقعات لنهاية العالم غير منطقية بالمرة. واعتبرها من نسج الخيال. وكان هدفه من تقديم توقعات نيوتن لنهاية العالم، هو مزج الدين والعلم في هذه التوقعات. وبذلك يوقف التخمينات المتهورة والخيالية لرجال الدين آنذاك. ولكن توقعاته الخيالية لم تفلح كما اعتقد هو.
وهناك من يعتقد أن نيوتن لم يكن يملك في ذهنه أي مصالح معينة. وأن توقعات نيوتن مثلها مثل توقعات المايا، أو توقعات بوذا، أو أي توقع للمستقبل أخر. كلها محاولات لفهم ما سيحدث وكيف يمكن الاستعداد له. لأن الإنسان يكره الجهل ويخاف منه، خاصة جهله بنهاية العالم.
ما هي حسابات نيوتن التي استخدمها؟
إرث نيوتن العلمي لم يعد كما الماضي، بعد تقدم الفيزياء الحديثة. خاصة وإن قوانين نيوتن تم التعديل عليها أو اختصار عملها في حسابات أقل مما كانت عليه سابقًا. لأن نيوتن كانت له أفكار عجيبة بعيدة عن العلم، مثل اعتقاده في قدرة تحويل المعدن إلى ذهب. ولكن عندما نتحدث عن الحسابات التي استخدمها في توقعاته، فهو لم يلجأ إلى حساباته المعروفة. بل اعتمد على وجهة نظره في تفسير آيات من “سفر الرؤيا” في الإنجيل. وصنع منها تنبؤات للمستقبل؟ والسنة التي سينتهي العالم عندها في تنبؤاته، هي 2060. أي إن البعض منا اليوم قد يتمكن من العيش ومشاهدة توقعات نيوتن بنفسه.
توقعات نيوتن لنهاية العالم
اعتقد نيوتن أن نهاية العالم ستأتي بعد فترة طويلة من الفساد داخل الكنيسة الكاثوليكية. كما اعتقد أن العام 800 ميلاديًا هو بداية هذا الخراب والفساد، بزيادة سلطة البابا في روما. ومن خلال نظرته لسفر الرؤيا، فإنه حسب مجموع 3.5 سنة بالإضافة إلى 42 شهر، وهذه السنوات والشهور هي الفترة ما بين فساد الكنيسة ونهاية العالم. وبحسب التقويم العبري القديم، فإن هذه السنوات والشهور تعطي مجموع 1260 يوم. وهناك آية أخرى تشير إلى أن اليوم قد يعني سنة كاملة في الإنجيل. مما يعني أن الفترة بين الفساد ونهاية العالم هي 1260 سنة.
بحساب 800+1260، نخلص إلى أن نهاية العالم ستحدث في عام 2060 ميلاديًا. وقد عرض نيوتن توقعاته في خطاب له بعام 1704، عُرض في الجامعة العبرية في القدس. وقد اعتبر نيوتن توقعاته عقلانية وعلمية ومنطقية. إذ إنه يعتبر ضمن المجتمع العلمي العقلاني في العالم. وقد أكمل نيوتن حديثه في الخطاب قائلًا، بأنه لا يرى مشكلة في حدوث نهاية العالم قبل أو بعد بقليل من 2060.
مخطوطات جديدة لنيوتن
في فبراير 2016، قدمت منظمة اليونسكو، 7500 مخطوطة لنيوتن لمشروع “ذكرى العالم المرموق”. وهذه المخطوطات كلها لم تنشر في عهد نيوتن، لأنه وبحسب الدكتورة ميلكا روبن، لم يرغب أن يراها المسيحيين حتى لا يعتقدون أنه مهرطق. وهذه المخطوطات محفوظة بعناية شديدة، داخل خزانة مخصصة للحفاظ على هذا النوع من الأوراق القديمة. هذه المخطوطات تظهر جزء جديد من عقل نيوتن لم نعرفه. فيه يحاول دراسة الإنجيل باستخدام العلم.
فقد حاول نيوتن قياس مساحة الهيكل الخاص باليهود، من خلال نصوص من أسفار العهد القديم. كما بين النص أنه معجب بالصوفية. وفي إحدى المخطوطات الأخرى، سنجد خطاب نيوتن التي حمل توقعات نيوتن لنهاية العالم. هذه المخطوطات ثمينة جدًا، ولم تأخذها جامعة كامبردج من عائلة نيوتن لأنها لم تكن علمية. وبقيت في عهدة العائلة إلى أن عُرضت في مزاد عام 1936. وصلوا في الأخير إلى شالوم يهودا وهو جامع مقتنيات ثمينة يهودي، وجون ماينارد كينز وهو اقتصادي بريطاني. وتبرعوا بهم إلى المكتبة القومية الإسرائيلية.
خطاب توقعات نيوتن
في فيلم وثائقي لقناة البي بي سي بعنوان “نيوتن: الهرطقة المظلمة”. يعرض الفيلم توضيحًا أعمق لمجموعة تنبؤات نيوتن التي صدق في قدرته للتنبؤ بها. فقد ألقى البروفيسور سنوبلن الضوء على خطاب نيوتن الذي كتب فيه توقعاته، كما ألقى الضوء على بعضًا من كتابات نيوتن الأخرى التي كتبها بخط يده وكأنها مسودة لحساباته. ويعتقد البروفيسور أن خطاب نيوتن يرجع للعام 1705، وليس 1704. وهذه الفترة كانت نهاية حياة نيوتن، وهذا يظهر كثيرًا في رعشة يده أثناء الكتابة. بسبب طغيان السن.
ومن خلال تحليل البروفيسور، فإن المسودة تظهر مجموعة من التوقعات لنهاية العالم. فقد ظهرت تواريخ أخرى مثل 2344 ميلاديًا، 2090م أو 2132م، 2374م. وكلها تواريخ كان نيوتن يناقشها في رأسه. ولكن تاريخ 2060، هو أكثر التواريخ التي ظهرت بالمسودة، كما أنه التاريخ الذي ظهر في الخطاب. لذلك يظن البروفيسور أن نيوتن يعتقد في هذا التاريخ بعد عدد من الحسابات المختلفة الأخرى لعدة تواريخ. إنه التاريخ المميز الذي اصطفاه نيوتن في الأخير.
الطريقة التي سينتهي بها العالم حسب توقعات نيوتن
بعكس توقعات بوذا على سبيل المثال، لا يعتقد نيوتن أن العالم سينتهي باختفائه، أو احتراقه نحو العدم. فكوكب الأرض لن يختفي من الوجود، ولن يحترق ويتحول إلى أبخرة. بل بالنسبة إلى نيوتن، هذا التاريخ هو تاريخ عودة المسيح إلى الأرض، أو بمعنى أخر يوم القيامة أو يوم الدينونة. الذي سيحاسب فيه الأشرار ويعاقبون، وسيكافئ الله المؤمنون عن إيمانهم ويسكنهم في الجنة. وهو العام الذي سيتجمع فيه اليهود من أقاصي الأرض. وعندها سيبدأ حكم الألفية الوارد في سفر الرؤيا بالإنجيل. وستتحقق باقي نبوءات هذا السفر المرعبة، عن دمار في الأرض وعن كائنات عجيبة تدمر الأرض.
يعتقد بعض المفسرين، أن نيوتن لم يقصد يوم القيامة في توقعاته، بل قصد فجرًا جديدًا وبداية جديدة للبشرية. نهاية التاريخ القديم، وبداية تاريخ أفضل.
ختام
إسحاق نيوتن الذي أثمر علمه في تحقيق المعرفة والحسابات الفيزيائية الدقيق، انتهى به الحال في نهاية حياته بكتابة توقعات نيوتن لنهاية العالم. فنظريات نيوتن كانت تهدف للوقوف في وجه اللاهوت الكنسي القديم، ولكنه لم يفلح في وقف الجنون الممتد لمحاولة توقع نهاية العالم بشتى الوسائل. الفيزياء الحديثة أثبتت اليوم أن الكون هش وغير مستقر أكثر مما كان يتوقع نيوتن، ولكن نظرياته كما يقول إسحاق أسيموف “ليست خاطئة وإنما غير كاملة”. وهذا ما احتاج نيوتن فهمه قبل أن يكتب تنبؤاته. فلا أحد يستطيع أن يصل إلى كمال فهم كل الأشياء، حتى يتمكن من تنبؤ المستقبل بدقة.
أضف تعليق