الأوريجامي (أو طي الورق كما يحلو للبعض تسميته) الفن الياباني القديم، نعم هو فنٌ وليس مجرد لعبة أطفال، كان بداية خروجه من اليابان وتقديمه للعالم على يد ألفريد بيستول أحد هواته ومحبيه حين قدمه لإنجلترا أولًا في زمن ما بعد الحرب ثم للعالم ثانيًا في The Daily Express بطولة الدب روبرت، ولقد منحت تلك البداية للروائيين ومحبي الخدع السحرية الفرصة لاستخدام الأوريجامي في التقديم أو لمشاهدة عروضه وما ينتج عنه ذلك الفن الجميل.
إن الأوريجامي لفنٌ راقٍ وتجربةٌ ممتعةٌ وفرصةٌ لإعطاء الحرية والمساحة للخيال والقدرة على إبراز الجمال من مجموعة ورقٍ صغيرة وطريقةٌ لتبادل الأفكار ومشاركتها، و كما قال بعض محبيه إن الأوريجامي سعادةٌ لا تنتهي.
الأوريجامي اسمٌ مشتقٌ من كلمتين يابانيتين “أوري” تعني طي و”جامي” أو “كامي” تعني الورق، وقد عُرف بأنه فن تجسيم الطيور والأشكال الورقية، وقد يكون هذا التعريف وذكريات طفولتنا عذرًا لنا لاعتقادنا كون الأوريجامي قاصرًا على بعض العصافير والطائرات والضفادع الورقية فحسب، حتى أن البعض سيُدهش أيما الدهشة حين يسمع بأنه فنٌ عالمي، وربما يستهجن فكرة أن الكبار وبعض الفنانين يقضون وقتهم في صنع الطائرات الورقية التي نعلمها لأبنائنا من باب الترفيه واللعب!
الأوريجامي : مقدمة وافية
تاريخ وأصل الأوريجامي
بدأ الأوريجامي أولًا في الصين لكنه مع الوقت انتقل إلى اليابان ثم انتشر للعالم من اليابان فعُرف أنه فنٌ ياباني، كان اليابانيون يستخدمونه لاعتقاداتٍ في ثقافتهم وعقائدهم وليس كأحد الفنون حيث كانوا يستخدمون المجسمات للطيور أو الحيوانات أو أي حيٍّ لاستدعاء روحه ومخاطبتها، ومع تقدم الزمن وتتابع الأجيال بدأت الأوريجامي تصبح جزءًا من الثقافة اليابانية ككونها طريقةً لتبادل الهدايا بين محاربي الساموراي والنبلاء كذلك فكان يُستخدم كنوعٍ من طرق التفرقة والتمييز بين رتب محاربي الساموراي المختلفة، استخدم أيضًا في الأعراس والمهرجانات الشعبية وصنع الرسائل السرية حيث تكتب الرسالة وتُطوى ليصنع منها المجسم ثم تُرسل، فما إن تُفتح الرسالة حتى يصبح مستحيلًا إعادة طيها كما كانت بدون صنع تجعداتٍ جديدةٍ فيها، وكانت تبلغهم تلك الطريقة بأن رسائلهم السرية تم قراءتها من أحدٍ أخرى أو أنها مازالت سرية.
رمز السلام الياباني
يوم سقوط القنابل النووية في هيروشيما ونيازاكي وإزهاق عشرات الآلاف من الأرواح وتلتها أرواح أخرى صعدت إلى السماء بسبب تبعات تلك القنابل وآثارها كانت هناك طفلةٌ تدعى ساداكو ساساكي تبلغ من العمر عامين، ومع تقدم العمر بها أصيبت بسرطان الدم أشهر الأمراض الناتجة من آثار القنبلة ودخلت إلى المستشفى، وهناك أهدتها صديقةٌ لها مجسمًا من الأوريجامي للطائر المقدس الشهير في الثقافة اليابانية بأنه يعيش لآلاف الأعوام وله القدرة على تحقيق أمنيات أي شخصٍ يصنع له ألف مجسم أوريجامي.
الإلهام
كانت تلك الهدية الرمزية إلهام ساداكو لتبدأ رحلتها في صنع الألف طائر وهي تتمنى الشفاء من مرضها، ولكن مع زيادة المرض والضعف الذي ألم بها تحولت أمنيتها لتصبح السلام العالمي، حين ماتت ساداكو تحت وطأة المرض كانت قد صنعت 644 طائرًا فتكفل أصدقاؤها بصنع البقية، ثم بدؤوا بجمع التبرعات لصنع تمثالٍ تذكاريٍّ لذكراها وللسلام العالمي وبعد ذلك بثلاث سنواتٍ خرج التمثال للنور، ومازال الاحتفال بيوم السلام ذلك يُقام حتى الآن في اليابان حيث يصنع الجميع مجسماتٍ لذلك الطائر ويضعونها عند النصب التذكاري.
اعتقاداتٌ خاطئة
كما قلت فمن حقنا أن نندهش ما دمنا غير عالمين ولا ملمين بهذا الفن وبقدراته وما يستطيع المرء أن يبدع فيه ويصنع من أساساته، فقد تقدم فن الأوريجامي كثيرًا خلال الأربعين أو الخمسين سنةً الماضية وأصبع من الممكن عمليًا تجسيم كل شيءٍ وكل شكلٍ منه، ومن الاعتقادات الخاطئة حول الأوريجامي أنك لا تستخدم فيه إلا ورقةً مربعة الشكل أو ذات أبعادٍ محددة لأنك في الواقع تستطيع استخدام أوراقٍ بكل الأشكال والأبعاد والزوايا حتى أنك قد تستخدم أوراقًا دائريةً لبعض التصميمات والأشكال!
الأوريجامي ليس من الورق فحسب
بل إن الأوريجامي لا يقتصر على الورق فحسب كمادةٍ أولية وإنما هو فنٌ لكل ما هو قابلٌ للطي والتشكيل، فبعض فنانيه يستخدمون ورق الفويل والبعض يستخدم صفائح المعدن الرقيقة القابلة للطي والتشكيل كما يمكن أن تستخدم أشكالًا قمت ببنائها وإعدادها سابقًا كوحداتٍ لبناء مجسمٍ أكبر، كما قام الهولنديون باستخدام أكياس الشاي المزخرفة كمادة أوليةٍ لتصاميمهم بينما انتشرت فكرة استخدام مناديل المائدة القماشية في صنع المجسمات حول العالم كله، وأي شخصٍ شغوفٍ بذلك الفن ومحبٍ له يستطيع أن يصنع ما يشاء من أي شيءٍ يقع تحت يده طالما كان قادرًا على ثنيه وطيه.
قواعد الأوريجامي
بخلاف بقية الفنون التي قد تتيح لك مساحةً أكبر فللأوريجامي قواعد وضعها الأولون تجعلك مستَنكرًا وتقلل من شأن تصميمك إن تجاوزتها أو خرجت عنها، كأن تستخدم القص أو أن تُرى بعض الشقوق والتمزقات الغريبة هنا أو هناك في تصميمك التي استخدمتها لتسهيل عملك، وباعتبار كل ذلك مرفوضًا والناتج الوحيد المقبول هو من طي الورق فحسب بلا أي مساعداتٍ أخرى سيظهر تعقيد وصعوبة ذلك الفن الذي يتطلب منك خيالًا واسعًا في حدود قيد الطي فحسب.
أنواع الورق
سواءً كان الورق الذي تستخدمه في تصاميمك أو أي مادةٍ أخرى فمع تقدمك بالتصميم ستبدأ باكتشاف أنواع الورق والمواد المختلفة، واختلافها من حيث السمك والحجم والقدرة على الطي وعدد المرات التي يمكن أن تُطوى بها بدون أن تفسد وقابليتها للمرونة والتشكيل في يدك، وكل هذه العوامل تحددها وتختار من بينها حسب التصميم الذي تود صنعه، ليست هناك قواعدٌ ثابتةٌ لذلك وإنما خبرتك وممارستك مع الوقت يكفلان لك القدرة على الاختيار الصحيح لمادة عملك، ومع الوقت ستصبح من خبراء الورق حيث تستطيع من مجرد إمساك الورقة للمرة الأولى أن تعرف ما يُمكن أن يُصنع بها وحدود قدرتها، كما أنك ستتحول إلى واحدٍ من هواة جمع الورق من كل نوعٍ وشكلٍ ولون وتصبح مجموعتك الورقية مرجعك ومخزنك الخاص لصناعة تصاميمك.
الأوريجامي اليوم
دأت شهرة الأوريجامي كفنٍّ تُقام له المسابقات المختلفة في التسعينيات، وكان ارتفاع درجة التنافس في تلك المسابقات وفي رغبة الفنانين في الوصول لأعلى درجات الإبداع يؤدي إلى زيادة صعوبة وتعقيد النماذج المبنية والمقدمة حتى أن بعضها كان يتألف من آلاف الوحدات أو الأوراق.
يُبنى فن الأوريجامي على الهندسة بزواياها وخطوطها المستقيمة وحدة طياتها، لكن ذلك كان نافعًا في تشكيل الجمادات والنماذج فحسب أما في تشكيل الكائنات الحية احتاج الفنانون إلى وضع المنحنيات كمعيارٍ لهم وجعل الخطوط الحادة المستقيمة مجرد استثناء، لكن الأوريجامي كان بحاجةٍ إلى زوايا وطياتٍ حادةٍ وقويةٍ تضمن للمجسم البقاء على حاله وقوته بغير أن ينفك أو يفسد، لذلك واجهتهم صعوبةٌ في النماذج التي احتاجت الطيات البسيطة أو النصف طية لأنها تعرضت للفشل السريع بسبب عودة الورق إلى حاله الأول وعدم الثبات.
الورق الرطب
عندها قام بعض الفنانين بإيجاد فكرة صنع المجسمات من الورق الرطب الذي يحمل خواص لاصقة عند تعرضه للماء، فيتم تشكيله مبللًا ثم يُترك ليجف فيظل على حاله الذي تُرك عليه بدون أن يتغير، لكن برغم ذلك فما زال البعض يتجنب استخدام تلك الطريقة لصعوبة التعامل مع الورق المبلل أو الرطب وتشكيله حسب إرادتهم لسرعة تمزقه وانفصاله عن بعضه، كذلك فإن نسبة التمزق تزيد كلما زاد تعقيد المجسم وتطلبه لطياتٍ أكثر أو وحداتٍ أكثر مركبةٍ على بعضها.
فن الأوريحامي من أكثر الفنون الممتعة للكبار والأطفال معًا والتي لا تحتاج سوى للورق والخيال فحسب، ومن الممتع أن تمارسها أنت أو تُعلمها لأطفالك لإمتاعهم وقضاء أوقات الفراغ أو شغل نفسك في رحلة سفرٍ طويلةٍ بالسيارة أو الطائرة، ولاستخدام الخيال والفكر معًا كما أنك لست بحاجةٍ لموهبةٍ جبارةٍ أو فطريةٍ للقيام بها، فخيالك يكفي.
أضف تعليق