في هذا الجزء من هذه السلسلة التي نتحدث فيها عن فيروس الايبولا المرعب المنتشر كما ذكرنا في الجزء الاول والثاني في مناطق وسط افريقيا بامتداد النطاق الذي يحده شمالا خط الاستواء وجنوبا مدار الجدي, سوف نخصص الحديث عن الفعل الذي يقوم به هذا الفيروس اللعين داخل جسم الانسان. نتعرف على الكيفية التي يسبب بها هذا الفيروس كل اعراضه المرضية القاتلة التي تودي بحياة الانسان في غضون ايام او اسابيع على اكثر تقدير. ونذكر هنا ان معدلات الوفاة للحالات المصابة بالمرض يحددها العلماء حاليا بنسبة 90% أي ان هناك 10% من الحالات تستجيب للعلاجات والعناية المركزة ومضادات الفيروسات التقليدية ومثبطات النزيف التي يستخدمها الاطباء حاليا لصد المرض في محاولات تفشل في معظمها بكل اسف.
انتقال عدوى ايبولا
ذكرنا في الجزء الاول من هذه السلسلة من المقالات ان فيروس الايبولا ينتقل من شخص مريض الى شخص اخر غير مصاب من خلال تلامسهما المباشر او لمس الشخص الغير مصاب لأي سائل من سوائل الجسم الخاص بالشخص الحامل للمرض سواء كان عرق أو دم أو رذاذ. وفي هذه السوائل يتواجد الفيروس بكميات كبيرة يسهل معها اختراق جسم الشخص الغير مصاب وتنتقل عبر العضلات واللحم حتى تصل الى اقرب وعاء دموي, ومنه تسبح الفيروسات في مجري الدم وتختار اي وعاء دموي عريض وتلتصق بجدار هذا الوعاء, ثم تبدأ في اختراق خلية من الخلايا وتنقل اليها نسخة من حبلها الوراثي او الجيني “شريط DNA” وهو الشريط الحامل لكل الجينات الخاصة بفيروس الايبولا, لتبدأ هذه الخلية في تنفيذ اوامر الفيروس باكثار عدده داخل الجسم, ففي خلال ساعات وايام يتزايد الفيروس في جسم الانسان الى اعداد كبيرة تنتنشر من داخل الخلية المصابة الى غيرها وكل منهم ينفذ نفس الفعل السابق وتتزايد وتتكاثر اعداد الفيروسات.
شل مناعة الجسم
ومن الامور العجيبة التي يتسبب فيها فيروس الايبولا القاتل انه اثناء اختراق خلايا الجسم الموجودة في جدران الاوعية الدموية سواء الشرايين او الاوردة يصنع شيئا لا يعرفه العلماء حتى الان يتسبب في تثبيط جهاز المناعة داخل جسم الانسان. فمن الطبيعي ان يتدارك جهاز المناعة اي اختراق للجسم ويقاومه بكافة الاسلحة المتاحة مثل انتاج مكثف لخلايا الدم البيضاء بأنواعها المختلفة , وخلايا الماكروفاج الهاضمة للفيروسات, لكن ما يحدث هو ان فيروس الايبولا يتصرف داخل الجسم بحرية كاملة دون ان يدرك جهاز المناعة وجوده اصلا وهذه مشكلة كبيرة وعجيبة تثير حنق العلماء بسبب عدم ادراكهم لأسبابها. فكثير من الفيروسات التي تصيب جسم الانسان يتم مواجهتها اصلا بتقوية جهاز المناعة نفسه من خلال اعطاء المريض جرعات محددة من مادة الانترفيرون المقوية للمناعة, أما في حالة فيروس الايبولا فهذه الطريقة لن تفعل شيئا ولن تحدث الفارق بتاتا.
نزيف حاد
وبعد ان ينتج الفيروس ملايين منه نسخة من بعضها تبدأ هذه الفيروسات في جرح الاوعية الدموية بجسم الانسان مما يتسبب في حدوث نزيف حاد لا يتوقف داخل الجسم, ومع تدهور الحالة تظهر اعراض النزيف حتى خارج الجسم عبر فتحة الانف والفم والشرج وفتحة البول, وهذه تعد اشارة الى تدهور حالة المريض واقترابه من الوفاة. وبكل اسف لا توجد اي علاجات ناجخة حتى الان تنجح في ايقاف حتى هذا النزيف المستمر الذي يحدث بعد الاصابة بفيروس الايبولا, ولذلك فهناك حمي ورغبة محمومة في انتاج مصل مضاد للفيروس في اقرب وقت ممكن. ولا توجد اي وسائل لانقاذ المريض بعد وصول حالته لمراحل متقدمة ولكن الاختيار الوحيد امام العلماء والمتخصصين في مكافحة المرض هو عزل المريض اجباريا عن المحيطين به حتى يستطيعوا تحديد ومنع انتشار المرض بقدر الامكان.