كيف استمر تطور السينما عبر العصور وإلى أين سيصل بنا تطورها؟ يُمكن الإجابة على هذا السؤال عن طريق البدايات النظرية لصناعة السينما والتي يُمكن تحديدها في الملاحظات التي دوّنها ليوناردو دافنشي ونقلها جيوفاني باتستا دي لابورتا في كتابه السحر الطبيعي الذي نُشر في العام 1558. فوقتها كتب دافنشي أن من يجلس في حجرة مُظلمة يوجد في أحد جوانبها ثقب فإنه يمكنه رؤية خيالات على الحائط للأشياء الموجودة خارج الغرفة ناتجة عن شعاع من الضوء الداخل إلى الحجرة من خلال الثقب. ما معنى هذا الكلام وإلى ماذا يهدف؟!
فيما يلي نُقدم ملف شامل عن تطور صناعة السينما على مر العصور وكل من أسهم في هذا التطور من علماء وفنانين لتصل السينما على وضعها الآن.
استكشف هذه المقالة
تطور السينما والبداية الحقيقية لصناعتها
تعود البداية الحقيقة لصناعة السينما إلى العام 1895م حين تم الجمع بين اختراعات اللعبة البصرية والفانوس السحري والتصوير الفوتوغرافي في جهاز واحد لإتاحة الإمكانية لعرض الصور المتحركة على شاشة كبيرة. هذا الجمع قام به الأخوان أوجست ولويس لوميير في فرنسا في أوائل العام 1895م، وكانت أول محاولة عملية أمام الجمهور في أواخر ديسمبر من نفس العام، ومن هنا يعتبر مؤرخي السينما أن الأخوان لوميير هما المخترعين الحقيقين للسينما.
وبعدها بقليل قام آرمان وجينكينز بصنع جهاز عرض أفضل في صورته وأدوات تحكمه، ولهذا دعاهم توماس إديسون ليكونا ضمن فريق الشركة التي أسسها، وهي الشركة التي كانت تعمد إلى استغلال تقنية الكينيتوسكوب في عرض الصور، بعد انضمامها للشركة بعام واحد استطاع إديسون صنع جهاز عرض سينمائي يجمع بين خصائص جهاز الأخوان لومبير ومزايا جهاز آرمان وجينكيز.
مراحل تطور السينما
مرت السينما بالعديد من المراحل وقد أثرت كل مرحة من تلك المراحل في صناعة السينما تأثيرًا ملحوظ، بدايةً من عصر الريادة وصولًا إلى العصر الحديث، وقد قسّم المؤرخ السينمائي فيليب كونجليتون مراحل تطور الفيلم السينمائي إلى المراحل الآتية:
عصر الريادة
عصر الريادة هو العصر الممتد من الفترة 1895 إلى 1910م، وهنا بدأت صناعة الأفلام بكاميرا واحدة وممثل واحد ومخرج واحد، وكانت أفلام صامتة، وكان معظمها إما وثائقي أو خبري أو تسجيل لبعض المسرحيات، وبدأت أولى المحاولات لصنع دراما روائية في العام 1902، حيث أُنتج فيلم مدته 5 دقائق عن رواية رحلة إلى القمر للأديب الفرنسي جورج ميلييه، وأبطال الصناعة في هذه المرحلة هم: إديسون، لوميير، ميلييه.
عصر الأفلام الصامتة
أم عصر الأفلام الصامتة فهي المرحلة الثانية في تطور السينما وامتدت ما بين عامي 1911 وحتى 1926، ورغم أن غالبية ما أُنتج في هذه المرحلة كان عبار عن أفلام صامتة، إلا أنه كانت هناك بعض محاولات لإدخال مؤثرات صوتية وأصوات طبيعية على الفيلم أثناء المونتاج، لكن بخصوص الحوار فلم يكن موجودًا بالمرة. وأبطال صناعة السينما في هذه المرحلة هم: شارلي شابلن، ديفيد جريفيث، وغيرهم الكثير.
عصر ما قبل الحرب العالمية الثانية
وهو الممتد خلال الفترة ما بين عام 1927 وحتى العام 1940، ويمكن وصف هذه المرحلة من تطور السينما بمرحلة الصوت، حيث أُنتج أول فيلم ناطق في العام 1927م وكان بعنوان مغني الجاز، ومن بعده تعددت الأفلام الناطقة الأخرى وتنوعت. وبحلول الثلاثينيات تعدد استخدام الألوان والرسوم المتحركة، وأصبح للسينما نجوم وصناع انتشرت أسماؤهم في الآفاق، وأبرزهم كلارك جابل، فرانك كابرا، جون فورد، ستان لوريل، وأوليفر هاردي.
والجدير بالذكر أن جوائز الأوسكار بدأت تظهر خلال تلك الحقبة، وهو ما أثر في صناعة الأفلام من حيث الجودة والتكاليف المالية للإنتاج.
العصر الذهبي
وامتدت هذه المرحلة منذ العام 1941 وحتى العام 1954، وهنا أثرت تداعيات الحرب العالمية الثانية على تطور السينما بشكل ملحوظ وواضح، حيث ازدهر الاتجاه إلى الأفلام الكوميدية، والموسيقية، والرعب بإمكانيات محدودة، أفلام قصص المخابرات، وأفلام الخيال العلمي.
العصر الانتقالي
ويبدأ العصر الانتقالي من العام 1955 حتى العام 1966، وتشكل تلك المرحلة من تطور السينما قمة النضج الحقيقي، حيث ظهرت التجهيزات الفنية التي يعتمد عليها بشكل حقيقي مثل الموسيقى والديكور والملابس.. إلخ، خصوصًا مع المنافسة الشرسة التي بدأت تظهر بين السينما والتليفزيون. وأبرز صناع السينما في هذه المرحلة المخرج ألفريد هتشكوك، ومارلين مونرو، وإليزابيث تايلور.
العصر الفضي
ويعتبرها المؤرخون الفترة الحقيقية لنشأة الفيلم السينمائي الحديث، وهي مرحلة تطور السينما الممتدة من عام 1967 وحتى العام 1979م. وظهرت خلال تلك المرحلة أيضًا الأفلام الخالية المعتمدة على الصور المتحركة، وأصبحت هوليوود تصنع أفلامًا بميزانيات مالية ضخمة. كما بدأت تتعالى الأصوات بفرض رقابة على المحتوى السينمائي من خلال التشريعات القانونية حفاظًا على الذوق العام.
العصر الحديث
نظريًا يبدأ هذا العصر في العام 1980 وينتهي في العام 1995، لكنه عمليًا قد بدأ بالفعل في العام 1977 عندما تم إنتاج فيلم حروب النجوم الذي أسهم في إنتاج المؤثرات الخاصة به بشكل ملحوظ تقنيات الكمبيوتر الحديثة. واعتمد تطور السينما خلال تلك المرحلة على الميزانيات المالية الضخمة بغض النظر عن الاهتمام بالنص المكتوب أو أداء الممثلين.
أين سيصل بنا تطور السينما ؟
من بعد العام 1995 كانت قد انتشرت في كل منزل ألعاب الفيديو والطلائع الأولى لأجهزة الكمبيوتر في شكلها الحديث خاصةً مع تسهيل استخدامها بابتكار شركة مايكروسوفت لأنظمة التشغيل ويندوز المعتمدة على النوافذ المنبثقة.
هذا التطور التكنولوجي الهائل ألقى بظلاله على تطور السينما، فقد أصبح المُشاهد يرفض الفيلم الذي تقل أو تنعدم فيه التقنيات الحديثة التي يستخدم مبادئها في منزله، ومن هنا اتجهت شركات واستوديوهات الإنتاج وبخاصة الهوليودية إلى الاعتماد المكثف على المؤثرات البصرية والسمعية في الأفلام، فأصبح من الممكن أن تكون بنية الفيلم السينمائي كلها بعيدة عن الممثلين من البشر، بأن تكون القصة منذ كتابتها وحتى تنفيذها النهائي تتمحور حول كائنات فضائية أو حيوانية غريبة.
هذا التطور في الصناعة يُضاف إليه العولمة وإمكانية وصول مخرجات الثقافات الأخرى إلى المنازل في كل أرجاء الأرض دون حواجز، هذه العناصر مجتمعة جعلت السينما ذات تأثير مباشر وقوي على أساسيات الثقافة والأعراف الاجتماعية في المجتمعات، وأصبح الفيلم السينمائي عنصر من عناصر التأثير السياسي والتاريخي والفكري على البشرية.
وإذا ما أردنا الجواب على السؤال الأزلي أين سيصل بنا تطور السينما؟! فلن نجد ردًا حاكمًا أو شافيًا، طبقًا لعدم القدرة على السيطرة على تطورها من ناحية، ولا على منع تأثيرها من ناحية أخرى، فصناعة السنيما لن تتوقف عن التطور ولن يكون لها نهاية وستأتي بمفاجئات لمشاهديها على مر تاريخها لا يُمكن الوقوف عليها والقول بأن تلك هي نهاية ما وصلت له السينما في التطور.
أضف تعليق