إن المضادات الحيوية هي عبارة عن مواد كيميائية تقوم بتدمير أو إيقاف نمو البكتيريا الضارة وبالتالي حماية الجسم من تأثيرها السيئ، ومن باب المفارقة فإن تصنيع المضادات الحيوية في الأصل يتم عبر استخراج المواد الأولية من كائنات حية أخرى ثم يتم إدخالها إلى سلسلة من الخطوات الصناعية تنتهي بالحصول على المضاد الحيوي المرغوب. وعلى الرغم من أن خطوات تصنيع المضادات الحيوية لم تكن معروفة بعد قبل القرن العشرين إلا أن هناك العديد من الأدلة التاريخية التي تثبت نجاح الصينيين في استخدام أول مضاد حيوي في التاريخ قبل أكثر من 2000 سنة، واليوم تنتج المصانع الطبية آلاف الأنواع من المضادات الحيوية ضمن منظومة صناعية ضخمة تدر ملايين الدولارات سنوياً.
تعرف على طرق تصنيع المضادات الحيوية المختلفة
أسلوب عمل المضادات الحيوية
وتختلف طريقة تصنيع المضادات الحيوية تبعاً لأنواعها والتي تتمحور حول طرق مقاومة المواد الموجودة بها للبكتيريا التي تهاجمها؛ فهناك مضادات حيوية تعمل على تفجير الغشاء الخارجي لخليك البكتيريا مما يؤدي إلى موتها وأنواع أخرى تعمل على إحداث قطع في الغشاء مما يؤدي إلى تسرب محتويات الخلية بشكل تدريجي حتى تصبح فارغة تماماً من الداخل، ونوع آخر من المضادات الحيوية يكتفي بمجرد إيقاف عمليات تكوين الغذاء الخاصة بالبكتيريا مع الإبقاء عليها حية لكن غير فعالة أو نفس الغرض بطريقة أخرى وهي منع تصنيع بروتينات الحمض النووي الخاصة بها.
وبسبب وجود العديد من مركبات المضادات الحيوية يصل عددها للآلاف فإن عملية التصنيع تكون عملية طويلة ومتعددة الخطوات ومعقدة للغاية؛ ففي البداية يتم اختيار نوع البكتيريا الذي يستهدف الحصول على مضاد حيوي له ودراسة كافة خصائصه ومزاياه ومقارنتها بغيره من أنواع البكتيريا المعروفة، ومن ثم يتم توجيه العديد من مركبات المضادات الحيوية حتى يتم التوصل إلى أكثر مركب يؤثر في ذلك النوع من البكتيريا. بعد ذلك يتم فصل المركب نفسه إلى عناصر متعددة لبحث أيهم يؤثر في نوع البكتيريا حتى يتم اختياره كالمضاد الحيوي الجديد الذي سيتم تصنيعه، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن هناك العديد من الاختبارات لهذا المضاد لمعرفة تأثيره وأعراضه الجانبية على الحيوانات أولاً ومن ثم على الإنسان.
المواد الخام المستخدمة
تصنيع المضادات الحيوية باختلاف أنواعها يتفق دوماً في اختيار المادة الأولية للتصنيع وهي عبارة عن خليط تخمير غرضه إنضاج المادة الرئيسية المستخدمة في التصنيع حيث يتكون ذلك الخليط من مصدر أساسي للكربون وهو الدبس (المستعمل في الخل المنزلي) أو أحياناً يستبدل بخليط فول الصويا المعروف كبديل عن البروتين، وفي كلا الحالتين يتم إضافة مركبات الجلوكوز والسكروز واللاكتوز والتي تعمل على توفير نسبة من الغذاء تعوض الخلايا التي مهاجمتها بالبكتيريا ولو بقدر بسيط مؤقت. كذلك تحتاج تلك المركبات لعنصر النيتروجين لذلك يتم إضافته في صورة أملاح الأمونيا (النشادر) مع إضافة نسب متفاوتة من عناصر الزنك والنحاس والكبريت والمغنسيوم والفوسفور بعد إذابتها في الماء لتكون في صورة محلول مائي.
كل تلك العناصر السابقة ليست هي العناصر الرئيسية المكونة للمضاد الحيوي؛ فالعنصر الرئيسي قد تم ذكره من قبل وكيفية الحصول عليه من وسائل طبيعية كالنبات أو الحيوان، لكن ما يتطلب إضافة العناصر السابقة جميعاً هو أن المكون الرئيسي للمضاد الحيوي لا يتواجد بالنسب الكبيرة التي تصلح لإنتاج كمية هائلة منه تكفي حاجة المرضى حول العالم لسنوات متواصلة؛ ولذلك تقوم الشركات بمحاولة زيادة تركيز تلك المواد وذلك عبر إضافة عناصر تخمر لها لفترة محسوبة من الوقت تساعدها على زيادة تركيزها وكميتها بشكل ملحوظ.
زيادة عدد الكائنات المنتجة
في أغلب الأحيان يعتمد تصنيع المضادات الحيوية على تواجد كائنات دقيقة لا تعرى بالعين المجردة وإنما بالمجهر فقط تكون هي المنتجة للمادة الأولية المستخدمة في التصنيع، ولذلك يتم أولاً الحصول على تلك الكائنات ووضعها فيما يعرف بالمزرعة؛ والمزرعة هي عبارة عن صحن مليء بمادة الآجار حيث تضاف إليه تلك الكائنات ويضاف إليها كافة المواد والعناصر التي تحتاجها للغذاء والنمو حتى تتكاثر ويزيد عددها إلى أضعاف العدد الأصلي وبالتالي يتم إنتاج كميات كبيرة من المضاد الحيوي، بعد ذلك تنقل الكائنات من طبق المزرعة إلى خزانات عملاقة تعمل على ضمان مزيد من النمو والتكاثر.
والخزانات تلك هي عبارة عن أوعية ضخمة مصنوعة من المعدن وموفرة بكافة العناصر البيئية التي تحتاجها الكائنات الدقيقة للنجاة والنمو كدرجة الحرارة ومستوى الرطوبة ونسب المواد الغذائية والغازات في الهواء وهكذا، كما تحتوي على مصادر منضبطة لعنصري الكربون والنيتروجين والفيتامينات والأحماض الأمينية وكافة المعادن التي ذكرت ضمن خليط المواد الخام. كما تزود تلك الخزانات بخلاطات عملاقة تعمل طيلة الوقت لتضمن وصول كافة عناصر المواد الخام المضافة إلى كل الكائنات الدقيقة الموجودة داخلها وكذلك تتواجد مضخة في جانب الخزان تعمل على تعقيم وتنقية وتدفئة الهواء الداخل إلى داخل الخزان والتحكم في معدل وصوله بالقدر المطلوب. يستمر بقاء ذلك الخليط داخل الخزان لمدة يوم أو يومين بعد ذلك تنقل الكائنات إلى خزانات التخمير الأولية.
مرحلة التخمير
تستخدم في تلك المرحلة خزانات التخمير الأولية وهي صورة مكبرة عن الخزانات السابقة حيث تتسع لأكثر من 30 ألف جالون ويتم ملؤها بنفس الخليط السابق الذي تم وضعه في الخزانات السابقة، وفي تلك الخزانات يتم العمل على توفير كافة الوسائل البيئية والغذائية التي تهدف إلى تحفيز الكائنات الموجودة بداخلها لإنتاج أكبر كميات ممكنة من المواد الرئيسية التي ستدخل في تصنيع المضادات الحيوية، ويتم تقليب تلك المكونات باستمرار مع ضخ كمية من بخار الماء الدافئ لزيادة كمية الإنتاج؛ وبسبب ذلك تضاف مواد قلوية وحمضية بنسب محددة لمنع تكون رغوة في أعلى السطح وهو ما يعد ضروري في تلك المرحلة.
مرحلة العزل والتنقية
بعد مرور أربعة أو خمسة أيام داخل خزانات التخمير يكون قد تم إنتاج أكبر كمية ممكن الحصول عليها من المضاد الحيوي (بصورة أولية) وبقاء الكائنات داخل الخزان بعد ذلك لن يفيد بل على العكس قد يؤثر سلباً على عملية الإنتاج؛ لذلك يتم عزل المادة المرغوب بها بعد انقضاء تلك المدة. بعد الانتهاء من مرحلة العزل يبدأ الشق الثاني وهو مرحلة التنقية والتي تتم بوسائل متعددة تبعاً لطبيعة المضاد الحيوي ذاته؛ فالمضادات الحيوية الذائبة في الماء يتم تنقيتها عبر عملية تبادل الأيونات الموجبة مع السالبة والعكس، أما المضادات الحيوية الذائبة في الدهون فيتم تنقيتها عبر الإذابة في مذيب عضوي كمشتقات الكحول المختلفة والتي تقوم باستخلاص كافة الشوائب العالقة بها.
معاينة الجودة
تعد هي الخطوة الأهم على الإطلاق في تصنيع المضادات الحيوية، فلأن عملية التصنيع تتضمن استخدام مواد تخمر مختلفة لذلك يجب التأكد تماماً من عدم وصول أي ملوثات إلى المادة الكيميائية المراد تصنيع المضاد الحيوي منها؛ لذلك تعتبر مراقبة الجودة عدة خطوات متسلسلة بداية من اشتقاق العنصر الرئيسي ومروراً بمرحلة المزرعة ثم التخمر ثم الخزانات وغيرها من المراحل حيث يتم التأكد من تمام تعقيم كافة الأدوات المستعملة عبر وسائل عدة، كما يخضع النتاج النهائي لعملية التصنيع إلى خطوة معاينة نهائية قبل مرحلة التعبئة والتغليف.
أضف تعليق