الحياة مليئة بالتحديات والمصاعب الملقاة على عاتق كل أم وأب، ما يستلزم أتباع الأساليب التي تساعدهم في تربية أطفالهم على تحمل المسؤولية ، من أجل أن يتعودوا على الشعور بذلك فأطفال اليوم هم شباب الغد فكما يقول خبراء النفس والتربية أن التعود يقتل الشعور بألم تحمل المسؤولية، ومن أكثر الأخطاء التي يرتكبونها الآباء هي المبالغة في تدليل طفلهم والاهتمام المفرط به اعتقادا منهم أنه مازال في سن صغير ما يجعله شخص متواكل لا يعتمد على ذاته في أداء أي مهام، لكن من الممكن تعليم الطفل تحمل المسؤولية بما يتناسب مع قدراته بداية من سن ثلاث سنوات من خلال بعض المهارات، وهذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال.
استكشف هذه المقالة
تعريف تحمل المسؤولية
المسؤولية هي أحد أهم القيم التي يجب غرسها في تفكير الإنسان منذ الصغر فهي المعنى الحرفي للتكليف بمعنى أن يكون الإنسان مكلفًا بإنجاز مهمات محددة موكله إليه فإما أن يؤديها بنجاح أويحاسب عنها؛ نتيجة إخفاقه في أدائها حيث تأتي أهمية المسؤولية في بناء المجتمعات بداية من الأسرة الصغيرة والعمل حتى بناء الأمم والحضارات، فالمسؤولية لا تقتصر على الصعيد الفردي فقط بل تشمل العديد من الجوانب مثل الأسرة والعمل والمجتمع.
مهارات تحمل المسؤولية
مهارة تحمل المسؤولية يمكننا تعريفها على أنها إحدى مهارات التفكير التي تستخدم لتعلم الاعتماد على الذات، وأداء الواجبات حتى يتمكن الإنسان من العبور من جميع مشكلاته وحلها بمنتهى البراعة، وتتمثل في بعض الخطوات والقواعد التي سنسلط عليها الضوء فيما يلي:
- ينبغي أن يتعلم الطفل ويتدرب على عدم الاعتماد على غيره بل يجب أن يتعلم الاستقلال عن الآخرين والاعتماد على ذاته في القيام لواجباته، وتلك إحدى المبادئ الأساسية في تربية الأطفال فإذا رغبت في أن يعتمد طفلك على نفسه أبدا أنت أولاً أن تسند إليه بعض المهام التي تناسب سنه وقدراته وتعتمد عليه في قضائها فكيف سيتسنى له أن يتعلم الاعتماد على ذاته وأنت غير واثق في إمكاناته، فذلك سيؤدي إلى تعزيز عدم ثقته في نفسه.
- ومن القواعد الهامة أيضا هي ضرورة أن ترفع يدك في بعض الأمور عن مساعدته حتى تفسح له المجال في أداء واجباته بنفسه، فإذا لزم الأمر عليك مهمة التوجيه والإرشاد فقط على سبيل المثال اتركه يقدم أوراقه في المدرسة بنفسه أو واجباته التي يطلبها مدرسيه ترتيب غرفته، وكن أنت معه بمثابة المشرف والموجه وهكذا في جميع أمور حياته مثل المأكل والمشرب والملبس.
- يجب على الآباء وخاصة الأمهات عدم التدخل بالشكل الزائد عن الحد في شؤون الأطفال، نعلم أن هذا التدخل ناتج عن الحب الشديد للأبناء أو بغرض حمايتهم ولكن في واقع الأمر يعتبر ذلك هو إعاقة الطفل عن القيام بدوره بل وسلبه فرصة تجربة الاعتماد على ذاته، لذا لا ينبغي على الإطلاق أن يكون حبك وحمايتك لطفلك يصل إلى حد الأذى.
- يجب على الوالدين الأخذ بعين الاعتبار أن الإفراط في تدليل طفلهم من أكبر الأخطاء التي يقعون بها دون قصد، فمن المفترض أن تتركوا لأبنائكم فرصة للتصرف في بعض المواقف منفردين نظرًا لأن التركيز على الاهتمام بالطفل أو ما يطلق عليه علماء الصحة النفسية تسمية الحماية الزائدة، تؤدي إلى خلل شديد في تربية الطفل خاصة كلما تقدم في عمره.
- من المهارات الهامة كذلك هو تشجيع الطفل وتحفيز بشكل دائم فمن المفترض بعد أن يقوم بقضاء أي شيء بنفسه ينصح بأن تثني عليه وتمدح سلوكه الصحيح، حتى أمام الآخرين ومن ثم يشعر بفخرك وتباهيك به ما يعزز ثقته في نفسه، لكن احرص أن يكون ذلك في الحد المعقول أيضا دون مبالغة.
- ينبغي على الأبوين تدريب طفلهم على المسؤولية الاجتماعية بمعنى أنه يجب أن يتعلم أن لديه مسؤولية تجاه إخوته ثم الأقارب ثم الجيران، ويتدرج في ذلك ليشمل الحي الذي يسكن به ثم المدرسة التي يتعلم بها وأصدقائه حتى مشكلات المجتمع، وهكذا فذلك سيجعل منه طفل اجتماعي يشعر بالمسؤولية غير أناني.
- ينصح بمشاركة الطفل والتعاون معه في أداء المهام التي يمكنك مشاركته في القيام بها من أجل أن يتشجع على تحمل المسؤولية وذلك بتحديد الالتزامات التي من المفترض إنجازها، بالإضافة إلى تحديد الغرض المنوط بوجوب القيام بها مع ضرورة التدريب على تنظيم الوقت وضبطه، فجميعها أمور تجعل منه شخص ملتزم جاد في مواعيده حريص على القيام بواجباته.
تحمل المسؤولية وتقدير الذات
تقدير الذات هو نظرة الشخص تجاه نفسه وإدراكه لقيمة ذاته وتأتي أهميته في تحقيق التوازن بين صحة الشخص النفسية مع ذاته ومع الآخرين، ومدى تكيفه مع البيئة المحيطة به وشعوره بالأمان ما يحفز الفرد على تحديد اتجاهاته بدقة والسعي وراء تحقيق أهدافه، علاوة على إكساب الفرد مهارات ضرورية وإيجابية فيفكر في النجاح، وكيفية الوصول إليه بطموح عال وهذا قمة تحمل المسؤولية.
عند تنشئة الطفل على تقدير الذات سيجعل منه شخصية قوية ذات قيمة في المجتمع ومكانة عالية لمن حوله، ليس ذلك فقط بل الحوز على احترام الآخرين وتقديرهم له وتقديره هو الآخر للمحيطين به
يجب أن يغرس الآباء في أطفالهم أن تميزهم ببعض القدرات وكفاءتهم في قضاء الكثير من الأمور مهما كانت بسيطة هي منحة من الله ينبغي أن يشعروا بالامتنان إليه، حتى يزداد لديهم الشعور بتقدير النعم والشكر والحفاظ عليها.
الكثير من الآباء يقومون بتربية أطفالهم على أسس محددة ما يمنعهم من الشعور بالحماس والشغف وعدم حب المغامرة والإقبال على الحياة، بل يجب أن يتحلوا بالتفاؤل والاستقلالية والثقة بالذات والاعتزاز بها على الدوام إلى جانب تحمل المسؤولية وحب المشاركة والتعاطف مع الآخرين، فذلك سيجعل منهم أفراد قادرين على حل المشاكل من خلال التفكير في حلول مبتكرة ناجحة.
كوني أمامه شخصية مسؤولة حتى يصبح مثلك في المستقبل، شاركي والده في اتخاذ القرارات وكوني شخصية منجزة وناجحة في حياتك، ولا تجعلي يومك قاصرًا على الطبخ وترتيب المنزلي، ولكن اهتمي بغذائك العقلي بالقراءة ومزاولة مواهبك وتنمية قدراتك والسعي للأفضل طيلة الوقت.
تحمل المسؤولية في المدرسة
لا جدال عن دور المدرسة الفعال في تنمية الإحساس بضرورة تحمل المسؤولية من خلال العديد من الأساليب أولهم المناهج التعليمية يليها المعلم والأنشطة والبيئة التعليمية المحيطة به، وبدورنا سنناقش معكم كيفية تعلم الطفل تحمل المسؤولية فيما يلي:
- المناهج التعليمية وهي أول الطرق تعليم الطفل معنى المسؤولية من خلال تعزيز الشعور بها بتنمية روح الاحترام، وتعزيز ثقة التلميذ في ذاته عن طريق مصطلحات المنهج ومفرداته الموجهة للطالب وتظهر بوضوح من الأنشطة والواجبات المنزلية التي تطرحها كل مادة، والحديث مع الطلاب المتكرر عن النماذج القائدة التي تعبر عن تحمل المسؤولية في المجتمع حتى يقتادون بها ويمتثلون إليها، ما يشحن في نفوسهم الشغف بالتعرف على مواطن الجمال في تلك الشخصيات العظيمة.
- مشاركة الطفل زملائه في التخطيط لما يتعلمونه حيث يتشارك التلاميذ معًا في رسم خطة لما يتعلمونه، ما يجعلهم أكثر ثقة بالإضافة لتعزيز تحمل المسؤولية والإحساس بالاحترام، فلابد له من اجل أن يكون فاعلا أن يعلم إجابة هذه الأسئلة ماذا أتعلم؟ وما الذي أتعلمه؟ وكيف أتعلم؟
- دور المعلم مهما في هذه الحالة فمن المفترض أن ينمي ضرورة تحمل المسؤولية والثقة في نفوس التلاميذ من خلال تعامله اليومي معهم، وهذا ما تحدث عنه جون لوك عندما قال أن أعظم عمل للمعلم هو تقويم سلوك الأطفال وتشكيل عقولهم وأن يزرع في تلاميذه المبادئ والقيم والسلوكيات الصحيحة، وأن ينمي في عقله فكرة عن النوع الإنساني وقيادته إلى حب كل ما هو طيب وحميد ويستحق الشكر عند جدارة كما يغرس فيه حب الاجتهاد والإتقان فيما يؤدي من واجبات على صعيد المدرسة أو البيئة المحيطة حوله، فقد يتأثر الطفل بمعلمه تأثيرًا بالغًا حيث يصبح صورة عنه فإذا كان المعلم مترددًا ينطبع ذلك على الطالب وإذا كان لا يجيد التصرف في المواقف التي تحتاج إلى الحنكة والحكمة والتصرف السريع فإن التلميذ يتأثر بمعلمه فكما قال الإمام الشافعي رحمه الله موصيا معلم أولاد الخليفة ليكن ما تبدأ به من إصلاح أبناء أمير المؤمنين إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تبغضه.
نصائح تعلم الطفل تحمل المسؤولية
- اتركي طفلك يتحمل نتيجة أفعاله على سبيل المثال إن كان طفلك على الدوام يضيع أدواته المدرسية أو ما شابه، أطلبي منه تحمل عواقب إهماله إما بالاقتراض من أخوته أو شراء أدوات كتابية جديدة من مصروفه الشخصي، فإذا وفرتي له أدوات أخرى سيفقدها مرة أخرى.
- تكلمي دائما عن تحمل المسؤولية في حضور أطفالك ناقشي هذا الأمر بشكل مستمر في الأحاديث الأسرية مع اطلاع أطفالك بأهمية تحمل المسؤولية، وأنها من الأمور الضرورية الضروري العمل بها طيلة الوقت مع إخبارهم ببعض المواقف التي توضح ذلك.
- كوني قدوة لطفلك من خلال سلوكياتك التي تظهر لهم المفهوم الحقيقي لتحمل المسؤولية، فتلك هي أفضل وسيلة لغرس هذه القيمة في نفوس الأطفال هو أن يروا آباءهم يتعاملون بالقيم والمبادئ الفضيلة، وسرعة التصرف في المواقف التي تحتاج إلى قرارات سريعة ومجدية.
- أعطي لطفلك مصروفه الخاص بشكل يومي حتى ولو مقدار صغير من المال، مع منحه قدر كبير من حرية إنفاقه مع إرشاده بهدوء إذا تصرف فيه بشكل غير جيد من وجهة نظرك.
- حدثي طفلك دائما بأنه جدير بالمسؤولية وأنك تؤمنين بما يفعله وبقدراته، تلك الوسيلة تحفز الطفل على محاولة إثبات ذلك من خلال التصرف بثقة في أحد المواقف حتى يصبح عند حسن تقديرك ومستحقًا لثقتك.
- دربي طفلك على أن يكون شخصا على قدر من المسؤولية وذلك من خلال استدعاء أمثلة تجسد معنى المسؤولية، وبالتالي يتنامى في تفكيره ويترسخ في عقله مفهوم تحمل المسؤولية.
- عند يبدأ طفلك في التصرف في موقف ما بمسؤولية لا بد أن تخبريه برأيك، وكيف أنه أصبح جديرًا بثقتك ومؤهلا لتحمل المسؤولية وتحديدًا في ذلك التصرف بذاته.
أدركي عزيزتي في النهاية أن معظم المشاكل المتعلقة بالمفاهيم الذكورية وعدم إدراك مفاهيم الرجولة هي نتيجة التربية الخاطئة من الأمهات لأطفالهم، فقد رسخن فيهم قيمًا وتفكيرًا مشوهًا في طفولتهم نتج عنها أنهم أصبحوا غير قادرين على تحمل المسؤولية، لذلك اهتمي دائما بتربية طفلك على القيم والمفاهيم الصحيحة من أجل أن يصبح إنسانًا صالحًا لنفسه ولمن حوله، سويًا ليس مثل أشباه الرجال.
أضف تعليق