تسعة
الرئيسية » فن وموضة وجمال » جمال » كيف تحول تجميل النساء إلى صناعة اقتصادية رائدة بالمليارات؟

كيف تحول تجميل النساء إلى صناعة اقتصادية رائدة بالمليارات؟

تمكنت منتجات تجميل النساء من تحقيق مبيعات 12 مليار دولار عام 2010، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم في 2008، وذلك النجاح جاء بعد تطور كبير في صناعة الجمال عبر آلاف السنين من الفراعنة إلى اليوم.

تجميل النساء

صناعة تجميل النساء ومنتجاتها المتعددة بين مستحضرات التجميل وأدوات المكياج ومنظفات الشعر والبشرة، هي صناعة رائدة في العالم، وتجلب المليارات سنويًا للشركات، حيث حققت قيمة سوقية في عام 2017 بمقدار 532.43 مليار دولار، ومن المتوقع أن تزيد إلى 805.61 في عام 2023، وهذا التضخم كبير جدًا مقارنة بباقي الصناعات حول العالم، والشعار الأساسي لهذه الصناعة هو التوسع في استقطاب جمهور أكبر، وعرض منتجات تقدم تجارب جديدة من الجمال الخارجي، ولم يصبح الجمهور مقتصرًا على النساء كالماضي، بل توسع ليشمل المنتجات الخاصة بالرجال والأطفال كذلك، وتلك الصناعة ليست عهدًا جديدًا على البشر، بل عهدها يرجع إلى آلاف السنين، فقد اهتمت النساء دائمًا بإبراز جمالهن بكل ما استطعن من مساحيق وأدوات، وعبر السنين تحولت الصناعة من مجرد أدوات إلى صناعة رائدة بالمليارات، وهذا ما يستعرضه المقال في العصور المتتالية.

تجميل النساء في مصر الفرعونية

تجميل النساء تجميل النساء في مصر الفرعونية

الفراعنة كانوا من أوائل الشعوب التي تهتم بصناعة تجميل النساء وتعطير الجسم والنظافة الشخصية، وأدوات التجميل التي وُجدت في مقابر الملكات أكدت على أهمية التجميل في حياة السيدة المصرية، بل وابتكاراتهم العديدة في هذا المجال، فقبل 10 آلاف عام قبل الميلاد، استخدم المصري القديم مجموعة من الزيوت العطرية بهدف تعطير الجسم وتنظيف وتنعيم البشرة، ويعتبر زيت اللوز وزيت الزيتون وزيت السمسم من أشهر الزيوت العطرية التي عرفها المصريون، والتي لا زالت تُستخدم في العصر الحديث، كما عرفوا في هذا الوقت المبكر أهمية الكريمات التي تُستخدم كواقي من شمس مصر الحارقة، وعادة ما كانت تحتوي على خليط من الأعشاب والزيوت العطرية مثل: أعشاب البابونج والبردقوش والزعتر والنعناع والخزامى والزنبق والصبار وإكليل الجبل، وصنعوا منهم نوع من الكريمات العطرية الواقية من الأشعة الضارة.

وبتقدم السنين والطب المصري، عرفت صناعة تجميل النساء المصرية مستحضرات أكثر تعقيدًا لإضافة لون على البشرة، مثل الغالينا، وهي خليط من النحاس والرصاص تُستخدم لتجميل وتوسيع العيون، والملكيت وهي عجينة خضراء تُصنع من النحاس بهدف تلوين الوجه وإعطاء إشراقة مثل كريمات الأساس الحالية، واستخدموا الكحل المصنوع من النحاس والرصاص واللوز المحروق، وأضافوا إليه ألوان متعددة، أما عن أحمر الخدود والشفاه فاستخدموا خليط من الدهن الحيواني والمائي مع الطين الأحمر، وعرفوا الحناء واستخدموها لتلوين الشعر والأظافر، وكانوا يهتمون للنظافة الشخصية، فكانت الحلاقة أمرًا أساسيًا لدى الرجال والنساء في العصر الفرعوني، واستخدموا صابون مصنوع من الزيوت الحيوانية والنباتية والعطور لتنظيف الجسم وإزالة المكياج، واهتمت النساء الأغنياء من أخذ حمامات من الزيوت ووضع الكريمات وتعطير الجسم يوميًا، وكثيرًا ما كان الرجال والنساء يستخدمون شعر مستعار ليظهر الشعر بشكل أكثر كثافة.

تجميل النساء في الثقافة الآسيوية

بالنسبة إلى الحضارات الآسيوية وخاصة الصين، قبل 3 آلاف عام قبل الميلاد، كانت لصناعة تجميل النساء دلالة اجتماعية أكثر من كونها دلالة على النظافة والجمال، فقد اهتموا بتلوين الأظافر، ولكل طبقة اجتماعية لونها الذي تحتكره، وكانوا يستخدمون خليط من شمع العسل والصمغ العربي والجيلاتين والبيض إضافة إلى الألوان لصناعة الطلاء، وفي البداية احتكرت العائلة المالكة “تشو” اللوني الفضي والذهبي، وبعد ذلك احتكروا اللوني الأسود والأحمر، وفي الحقبة المتقدمة أي قبل 1500 قبل الميلاد، استخدمت الحضارة الصينية واليابانية، بودرة مصنوعة من الأرز، لهدف تلوين الوجه باللون الأبيض مثل بودرة التفتيح في العصر الحالي، واستخدموها بكثرة بجانب مستحضرات لتلوين الشفاه والخدود، وقاموا عادة بحلق الحواجب بالكامل ورسمها مرة أخرى، وصبغوا الأسنان باللون الذهبي وأحيانًا الأسود، وكالمصريين عرفوا نبات الحناء واستخدموه في صباغة الشعر.

تجميل النساء عند اليونانيين

بالنسبة إلى الحضارة اليونانية، فقد مرت بعدة مراحل حتى تقبلت فكرة استخدام مستحضرات التجميل، فمن القرن ال12 قبل الميلاد إلى القرن ال8 قبل الميلاد، لم يكن لصناعة تجميل النساء ذكر أو أهمية أبدًا، لأنها كانت محظورة اجتماعيًا، ورأوا فيها كسرًا للطبيعة الجسدية واختلال بين أعضاء الجسم، واكتفوا باستخدام الزيوت والمواد المُنظفة للجسم، أما بين القرن ال5 قبل الميلاد إلى القرن ال4 قبل الميلاد، فبدأت مستحضرات التجميل في الظهور، ولكنها كانت محظورة على النساء ذو المكانة الاجتماعية العالية، إذ ارتبطت في أذهانهم بالفتيات التي يريدن جذب أعين الرجال بالجمال الزائف، ولتحافظ المرأة اليونانية على سمعتها لابد ألا تستخدم المكياج.

أما بحلول القرن الثالث قبل الميلاد، فأصبح استخدام المكياج في صناعة تجميل النساء أمرًا عاديًا ومرغوبًا، لتبيض الوجه استخدموا بودرة مصنوعة بالرصاص أو الطباشير الأبيض، وكالمصريين استخدموا الطين الأحمر الذي يحتوي على نسبة كبيرة من الحديد وأضافوا التوت الأحمر المطحون لصناعة أحمر الشفاه والخدود، واستخدموا الكحل الأسود والبخور لتكحيل العين، وظهرت لديهم موضة غريبة، وهي حلق الحواجب واستخدام شعر الثيران بدلًا من الشعر الطبيعي، وصنعوا حواجب صناعية كثيفة تمامًا مثل الحواجب الصناعية الحديثة التي تستخدم في الوقت الحالي.

صناعة تجميل النساء في أوروبا

تجميل النساء صناعة تجميل النساء في أوروبا

على الرغم من أن أوروبا عرفت صناعة تجميل النساء في وقت متأخر وتدريجي، إلا إنهم أصبحوا رواد الصناعة فيما بعد، حيث بدأت الصناعة عندما انتقلت تلك العادات عبر تجار التوابل والحرير القادمين من الشرق قبل ألف عام قبل الميلاد، حيث جلبوا معهم بعض الخدع والمستحضرات، وبحلول عام 1300 بعد الميلاد وأثناء العصور الوسطى، أصبحت النساء في إنجلترا يبدعون في صنع تقاليدهم الخاصة، فقد انتشرت لديهن صبغة الشعر باللون الأحمر، وظهرت موضة الوجه الشاحب، فاستخدموا بياض البيض لإعطاء هذا الشحوب للبشرة، وحتى عام 1500 ميلاديًا، كانت صناعة التجميل حكرًا على الطبقة الأرستقراطية والأغنياء، إلا إن فرنسا وإيطاليا دخلوا إلى الساحة وبقوة وأصبحوا البلاد الرائدة في صناعة تجميل النساء ومستحضراتهم في أوروبا، ومن هذا الوقت المبكر وعُرف عن فرنسا قدرتها في صناعة العطور المعقدة والجديدة باستخدام مواد كيميائية وعطور الأزهار الفرنسية، واشتهرت صناعة بودرة الوجه باستخدام الزرنيخ.

وبحلول القرن السادس عشر الميلادي، أصبحت النساء الأوروبيات مهوسات بمستحضرات التجميل، لم يعد الأمر مقتصرًا على النظافة بل على تزيين الوجه والشكل الخارجي كله للمرأة وللرجل أيضًا، وكذلك لإخفاء العيوب بسبب الأمراض التي اجتاحت أوروبا في هذه العصور، مثل الملكة إليزابيث الأولى، التي كانت تضع بودرة بيضاء من أكسيد الزنك والرصاص بطبقة كثيفة جدًا لإخفاء العيوب التي أصابتها من الجدري، وارتدت شعر مستعار أحمر اللون ميز مسيرتها كلها كملكة عذراء لإنجلترا، ووضعت مساحيق التجميل مثل أحمر الشفاه والخدود، وكان يُسمى بقناع الشباب، وهذا الضغط والطلب المتزايد على الظهور بمظهر الشباب لم تكفيه مساحيق التجميل المنزلية، بل بدأت موضة صالونات التجميل، والنساء المتخصصات في تجميل النساء وتمشيط الشعر وتنظيف وتعطير الجسم مثل الحمامات القديمة، وبدأت موجة من الشركات التي اعتمدت مبيعاتها على هذه الصناعة واجتاحت العالم بالإعلانات عن المظهر الجمالي المفروض على المرأة العصرية، وكيف يُمكن للنساء الظهور بهذا المظهر ببعض المستحضرات، وارتبط الجمال الخارجي بالثقة بالنفس.

مستحضرات التجميل والثقة بالنفس

منذ انطلاقة صناعة تجميل النساء في العالم وما تريد الشركات بثه عند النساء هو أن ثقة المرأة بنفسها ستزيد عندما تضع مساحيق التجميل وأبدعت هذه الشركات في إقناعهن بالظهور بمظهر جذاب يختلف عن الحقيقة، هذه الفكرة ترسخت في عقول نساء العالم على مدار العقود الأخيرة، فارتبط وضع المكياج لديهن بفرص الحصول على عمل أفضل ومكانة اجتماعية أعلى وجاذبية أنيقة في عيون الرجال، وأشارت الدراسات الأخيرة بأن أغلب النساء يشعرن بالخجل عندما يخرجن من المنازل بدون مكياج، ويشعرن بالارتياح والثقة بالنفس أكثر عند وضع المساحيق واستخدام منتجات العناية بالبشرة والشعر وإن كانت فاعليتها قليلة، النساء تحكمن على أنفسهن بالجاذبية عند وضع المكياج، على الرغم من أن هذا الحكم قد لا يكون مماثل لحكم الرجال عليهن، وهذا الأمر تعتمد عليه شركات مستحضرات التجميل بقوة، “حيث الشعور بالأناقة والراحة يبدأ عند استخدام المكياج”، هذه الحيلة جعلت من استخدام المكياج عادة وإدمان عند الكثير من النساء التي تغذي هذه الشركات بالمليارات سنويًا.

ضغط المجتمع

تجميل النساء ضغط المجتمع

الأفكار المسيطرة على عقول النساء ليست السبب الرئيسي في نجاح صناعة تجميل النساء بهذا المستوى لوحدها، بل المجتمع له دور كبير في هذا الأمر، فمنذ نعومة أظافر الفتاة وهي ترى صور النساء في المجلات ومواقع الإنترنت بصورة نمطية معينة، وهذه الصورة تترسخ في عقلها بأنها ستحقق الجمال إن وصلت لهذه الصورة، وعلى قدر احتياجها الداخلي لتجميل نفسها ولكن ضغط المجتمع الغير منطوق يجعلها تتجه تلقائيًا لمستحضرات التجميل المختلفة، ومن أجمل تعريفات الجمال التي قالها الكتاب، هو تعريف الكاتب الفرنسي “ستندال” بقوله أن الجمال هو وعد بالسعادة، يصر المجتمع على وعد المرأة بالسعادة سواء الزوجية أو العملية عند وضعها للمكياج والوصول لهذه الصورة النمطية، التي عادة ما تختلف من عصر إلى آخر، فتارة يكون القوام الرشيق والمكياج الكثيف هو الجمال، وتارة أخرى يكون القوام الممتلئ والمكياج الخفيف هو مقياس الجمال، مما دفع العديد من النساء ليس لاستخدام المنتجات المكونة من مواد كيميائية ضارة فقط، بل وعمل عمليات تجميل متعددة للوصول إلى النتيجة المرغوبة.

في السنوات الأخيرة اتجهت صناعة تجميل النساء إلى الإعلان عن مستحضرات خالية من المواد الضارة، وكلها مواد طبيعية، وهي تساعد المرأة على الشعور بمظهر جيد جدًا وغير مكرر أو منسوخ من بعضهن، حيث تتجه الإعلانات إلى تعزيز صورة المرأة عن نفسها وتحويل تعريف الجمال من “السعادة” إلى “الرضى عن النفس” بالشكل الطبيعي للمرأة وغير المصطنع، وهذا الإدراك المتزايد بتأثير صناعة تجميل النساء على النساء أنفسهن، جعلت مبيعات هذا الاتجاه في مستحضرات التجميل تتزايد أيضًا بشكل كبير، وبحسب شركة إكوفيا إنتليجينس، فإن صناعة مستحضرات التجميل العضوية والتي توجه النساء إلى طبيعتهن تخطى سوقها 9.6 مليار دولار عام 2016، بمتوقع زيادة مليار دولار سنويًا، ففي كل الأحوال ومهما كانت أفكار المجتمع عن التجميل، لن يتأثر أو يخسر سوق مستحضرات التجميل لأنه دائمًا ما يجد طريقه للتفاعل مع الموجه الجديدة.

أيمن سليمان

كاتب وروائي، يعشق منهج التجريب في الكتابة الروائية، فاز ببعض الجوائز المحلية في القصة القصيرة، له ثلاث كتب منشورة، هُم "ألم النبي (رواية)، وإنها أنثى ولا تقتل (رواية)، والكلاب لا تموت (مجموعة قصص)".

أضف تعليق

تسعة + خمسة =