تجارة السلاح واحدة من أضخم مجالات التجارة حول العالم. القوي يأكل الضعيف بالتأكيد ليس هذا هو قانون الغابة كما يدعي البعض بل هو قانون الحياة الذي يسري على جميع المخلوقات على وجه الأرض وأولها الإنسان. لننظر إلى العالم بنظرة موضوعية فما هو إلا مجموعة من الشعوب والدول التي تسلط كل واحدة منها السلاح في وجه الآخرين، الكل يعيش في رعب وخوف وأقل حركة من هذا أو ذاك تجعل العالم كله يقف على قدميه.
تجارة السلاح : ملف كامل من الألف إلى الياء
هل الأسلحة أداة لحماية البشر حقاً؟
لم تكن الأسلحة يوما أداة لحماية البشر من الخطر بل هي نفسها أداة قتل وتخريب وتدمير. بفضل طبيعة البشر الوحشية والرغبة في السيطرة والانتقام والأنانية والجشع الذي يسيطر على قلوب الكثيرين كل هذه الصفات جعلت من امتلاك القوة حلماً يراود الكثيرين فسعوا وراء امتلاك الأسلحة الفتاكة. ربما يكون هذا هو الجزء الظاهر من الحقيقة ولكن ما خفي كان أعظم فهناك من يسعى دائماً إلى إشعال نار الفتنة وهناك من يستفيد من إبقاء النار مستعرة ومن استمرار الحروب بين الشعوب أطول فترة ممكنة، فكلما انتهت حرب بدأت أخرى وكلما تصالح شعب تحارب آخرون. تجارة السلاح هي منظومة متكامل يستفيد منها صغار التجار وكبارهم على حد سواء، وهم أكبر المستفيدين من استمرار الحروب والنزاعات والصراعات بين الجماعات والشعوب والدول حتى أن اقتصاد كثير من الدول يعتمد بشكل رئيس على هذه الصناعة التي تدر المليارات من الدولارات.
حجم تجارة السلاح حول العالم
في الحقيقة إن تحديد حجم تجارة السلاح حول العالم بشكل دقيق يعتبر أمراً صعباً ولكن كثيراً من التقديرات والإحصائيات تشير إلى أن المبالغ التي تنفق على شراء الأسلحة حول العالم تتراوح بين تريليون ونصف واثنين تريليون دولار في العام الواحد وهو رقم ضخم للغاية حيث أن تجارة السلاح بهذا الرقم تحتل المركز الأول دون منافس في قائمة أكثر السلع تداولاً حول العالم متخطياً بذلك تجارة المخدرات التي تحتل المركز الثاني بعد تجارة السلاح.
أرباح شركات صناعة السلاح أموال طائلة
أما نصيب شركات الأسلحة من هذه المبالغ لا تقل بأي حال من الأحول عن نصف تريليون دولار (500 ألف مليار دولار) سنوياً فما تجنيه مئة شركة من شركات صناعة الأسلحة في العالم يصل إلى حوالي 30% من الأموال التي تدفع في عمليات شراء الأسلحة سواء كان ذلك عن طريق بيع الأسلحة للجيوش النظامية أو غير هذا من صفقات الأسلحة التي لا يعرف أحد عنها شيئاً. وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية المركز الأول في الدول المصدرة للأسلحة يليها روسيا والصين ويأتي بعد هذه الدول وبفارق كبير أربع دول أوروبية هي فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا في أكثر الدول المصدرة للسلاح. أما الدول المستوردة لهذه الأسلحة فإن الهند تحتل المركز الأول يليها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعقد صفقات ضخمة لشراء الأسلحة لا تتناسب البتة مع حاجتها للأسلحة وفي المركز الثالث تأتي المملكة العربية السعودية وباكستان أما مصر فإنها تأني في المركز الثاني عشر عالماً.
لا أحد ينافس الولايات المتحدة الأمريكية
تمتلك وحدها الولايات المتحدة الأمريكية سبعة شركات لصناعة الأسلحة تصنف هذه الشركات ضمن قائمة تضم أكبر عشر شركات في العالم منتجة للسلاح حيث تتجاوز مبيعات الشركة الأكبر في العالم وهي أمريكية 36 مليار دولار سنوياً. ومن ناحية أخر فإن إنفاق الولايات المتحدة الأمريكية على خدمات الدفاع والأمن القومي يبلغ قيمته 680 مليار دولار محتلة بذلك المركز الأول عالمياً وبفارق شاسع عن صاحبة المركز الثاني وهي الصين التي تنفق 166 مليار فقط على خدمات الأمن والدفاع والتسليح. كل هذه الأرقام تبين وتوضح بشكل لا يدع أي مجال للشك مدى اعتماد اقتصاد هذه الدولة على تجارة السلاح والفائدة الكبيرة التي تعود عليها وعلى شركاتها من بقاء الدول المستوردة في حاجة ماسة إلى الإمداد بالسلاح والأنظمة الأمنية والدفاعية المختلفة. وتوضح أيضاً من هو المستفيد من استمرار الحروب والنزاعات بين الشعوب والجماعات طالما كان ذلك بعيداً عن أراضيها ومواطنيها.
تجربة فعالية الأسلحة
الأسلحة في الحقيقية لم يتم صناعتها ليتم وضعها في المخازن فليس من يمتلك أكبر عدد من الأسلحة في مخازنه هو الأقوى بل لابد أن تكون هذه الأسلحة على قدر كبير من الفعالية فالعبرة بمدى قدرة هذه الأسلحة على الصمود ومدى قدرتها التدميرية أثناء الحروب الفعلية لذلك فلابد من تجربة هذه الأسلحة على أرض الواقع لتزدهر بعد ذلك تجارة السلاح في العالم، تلجأ بعض الدول إلى إجراء اختبارات لهذه الأسلحة في المحيطات أو الأماكن المفتوحة من الجبال والصحاري ولكن هذه الطريقة ليست مجدية لبعض الدول فهي تريد أرض معركة حقيقية تستعرض فيها هذه الأسلحة وتعرضها أمام العالم ومن ثم يزيد إقبال المستوردين عليها الأمر أشبه بالدعاية والترويج. ولذلك فإن الأماكن التي تشتعل فيها الحروب والنزاعات تعتبر أرضا خصبة لتقوم كل دول وكل شركة باستعراض أسلحتها ومدى تطورها والوقوف على مدى فعالية السلاح وحاجته إلى التطوير وبناء على ذلك يتم إنتاج عدد أكبر من هذه الأسلحة أو استبدالها بإصدارات جديدة إذا لم تثبت جدارتها.
ربع مليون ضحية التباهي بقوة السلاح
وأفضل مثال على هذا هو ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية. حيث قامت بأول تجربة للقنابل النووية بإلقاء إحدى هذه القنابل على مدينة هيروشيما وإلقاء نوع آخر من قنابلها النووية على مدينة ناجازاكي مما أدى إلى وفاة أكثر من ربع مليون شخص، رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن في حاجة لفعل ذلك، فالحرب العالمية قد انتهت بالفعل وانتصر الحلفاء واليابان لم تكن تشكل أي تهديد بل إن القنابل النووية استهدفت المدنين بشكل مباشر، كل ما في الأمر أن أمريكا أرادت تجربة أسلحتها النووية لا أكثر وليس هناك أفضل من الحرب العالمية لفعل ذلك.
القضاء على الفقر
إذا تم مقارنة هذه الأرقام الفلكية بما يتم يحتاجه العالم للقضاء على الفقر نهائيا من هذا الكون، سنجد أنه من أجل القضاء على الفقر يحتاج العالم إلى 30 مليار دولار سنوياً فقط لا غير طبقاً لمنظمة الصحة العالمية. هذا الرقم الذي لا يمكن بأي شكل من الأشكال مقارنته بما ينفقه العالم على تجارة السلاح يكفي لإنقاذ حياة ملايين الأطفال الذين يموتون جوعاً في دول العالم الثالث ولكن من يهتم طالما أن الشركات العالمية تحقق أرباحا طائلة وطالما أن الدول المتقدمة تعيش في أمن وأمان بعيداً عن الحروب والفقر والجوع.
شبكة عالمية تدير تجارة السلاح
تجارة السلاح هي عملية معقدة تتكون من طبقات كثيرة فهي لا تشمل فقط الدول والشركات والجيوش النظامية وإن كانوا يمثلون الجزء الأكبر من التجارة ولكن إلى جانب هؤلاء أو لنقل بفضل هؤلاء تنشط التجارة غير المشروعة التي ربما تضم بعض الجنرالات أو بعض الخارجين عن القانون الذي يتمكنون من تهريب الأسلحة والحصول عليها أثناء فترات الأزمات والحروب التي تقضي على بعض الدول وتخلق حالة من الهرج والمرج يستغلها هؤلاء المهربون للاستيلاء على الأسلحة وبيعها لعصابات وجماعات إرهابية ليبدأ بعد ذلك فصل جديد من الدماء وإزهاق الأرواح البريئة التي تكون دائما ضحية هذه التجارة التي جلبت الخراب لكثير من الدول. في النهاية أقول نعم من يملك القوة يملك كل شيء حقيقة أثبتها التاريخ وأثبتتها الأيام والسنوات على مر العصور والأزمنة ولكن الثمن دائماً يكون باهظاً.