أصبحت عمليات تأجير الرحم واحدة من أكثر المواضيع إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، فمن الطبيعي أن يكون ميلاد الطفل من أم وأب بطريقة طبيعية ولكن مع تطور العلم ظهر ما يعرف بأطفال الأنابيب وهي عملية يتم فيها تلقيح البويضة خارج رحم الأم في معامل متخصصة ومن ثم يتم إعادة زرع الجنين في رحم الأم بعد فترة معينة غلى أن تحين فترة الولادة، فمن الواضح أن هذه العملية تتم بالكامل خارج جسم المرأة ومن ثم فليس من الضروري زرع الجنين في رحم الأم بل من الممكن أن يتم زرع هذا الجنين في رحم امرأة أخرى غير التي أخذت منها البويضة.
ومن هنا بدأت ظاهرة تأجير الرحم وهي عملية تلجأ إليها بعض النساء التي تعاني من مشاكل في الحمل أو أنها غير قادرة على تحمل أخطار الحمل والولادة فتقوم الأم بتأجير رحم امرأة أخرى حيث يأخذ الطبيب البويضة من الأم وتتم عملية التلقيح في المعمل تماماً مثل أطفال الأنابيب ولكن لا يتم إعادة البويضة إلى رحم الأم بل يتم زرع هذه البويضة في رحم امرأة أخرى يطلق عليها اسم الأم البديلة. ومن هنا تبدأ تساؤلات كثيرة في الظهور أولها بالتأكيد أسئلة دينية وأخلاقية عن مدى جواز تأجير الرحم من الناحية الدينية وما موقف الفقه الإسلامي من هذه العملية؟ وما مدى قانونية هذا الأمر وإلى من ينسب الطفل إلى الأم صاحبة البويضة أم إلى المرأة التي احتوت الجنين في بطنها وكان طيلة فترة الحمل يتغذى وينموا من هذه المرأة مع العلم أنها هي التي ولدته؟
تأجير الرحم : ملف كامل من الألف إلى الياء
أسباب تأجير الرحم
تلجأ كثير من النساء إلى تأجير نفسها لتكون حاضنة لجنين أبوين آخرين من أجل الحصول على المال، فأغلب اللاتي يقمن بتأجير أنفسهن إن لم يكن كلهن يكن من أسر فقيرة هدفها الحصول على المال فتقبل أن تعرض نفسها لأخطار العملية ومتاعب الحمل والولادة نظير هذا المبلغ الذي يصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات في بعض الدول. والعملية بالتأكيد ليس آمنة فالجنين قد لا يستقر في الرحم والمرأة مهددة دائما بالتعرض لعملية إجهاض ولذلك فإن الأطباء يلجئون دائماً إلى زرع أكثر من جنين في رحم الأم البديلة لزيادة نسب نجاح العملية وهو ما قد ينشأ عنه نمو توأم أو أكثر في رحم المرأة فمما لا شك فيه أن كل هذا يؤثر كثيراً على صحة الأم البديلة ويعرضها لكثير من المخاطر والمشاكل الصحية.
أما من ناحية الأم وأسباب إقدامها على زرع جنينها في رحم امرأة أخرى فالغالب أن ذلك يرجع لعدم قدرة الأم على الحمل بسبب وجود تشوهات في الرحم أو لضعفها الجسدي أو بسبب تعرضها لحالات إجهاض مستمرة أو أنها تعاني من أمراض تؤدي إلى وفاة الجنين فتكون عملية تأجير الرحم هي الحل الأمثل. ولكن إلى جانب هذه الأسباب يوجد بعض الأمهات تقوم بهذه العملية لأسباب قد توصف بأنها من الرفاهية، كأن تكون الأم لا ترغب في تحمل الحمل والولادة طيلة تسعة أشهر أو لأنها لا ترغب في ترك عملها على سبيل المثال.
حكم تأجير الرحم
أثارت هذه العملية جدلاً واسعاً بين الفقهاء المسلمين الذين عكفوا على دراسة هذه المسألة بكافة صورها ونتج عن هذا تباين في الآراء بين الفقهاء بعضهم البعض. ولكن الرأي الراجح في هذه المسألة أن تأجير الرحم هو حرام شرعاً وقد أفتى بذلك كل من مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في الدورة الخامسة لعام 1402 هجرياً المنعقدة في مكة المكرمة وكذلك مجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثالثة لسنة 1407 هجرياً وقد أفتى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف بتحريم تأجير الرحم في عام 2001 م. وأما أبرز الأدلة التي استندوا عليها هي قوله الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم “والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين” فالواضح من الآية الكريمة أن إباحة المرأة مقصورة على زوجها فقط وأن الأم البديلة ليس بينها وبين الرجل أي علاقة مشروعة فبالتالي لا يكون له أي حق على رحمها بأي صورة من الصور. وأدلة القائلين بالتحريم كثيرة ومفصلة في الفتاوى السابقة.
تأجير الرحم عند اليهود والمسيحيين
قام الفاتيكان بإصدار القرار رقم 2376 والذي حرم فيه تأجير الرحم واعتبره علماً غير أخلاقي يرتقي إلى كونه من الزنا إذ أن الإنجاب المشروع لابد أن يكون بين الزوج وزوجته فقط. وأما الديانة اليهودية فمعظم رجال الدين أجازوا عملية تأجير الرحم وهي أمر مقنن في إسرائيل واختلفوا في نسب المولود فالبعض قال بأن الأم التي ولدته هي أمه وقال آخرون بأن العبرة بصاحبة البويضة لأنها هي التي تحمل الجينات الوراثية فصاحبة البويضة هي الأم الحقيقية للجنين وللطفل المولود.
هل للأم البديلة أثر على الجينات الوراثية للطفل
يقول أحد الباحثين في مجال الأوعية الدموية والشرايين بأنه من المؤكد أن للرحم تأثير على التكوين الجيني للطفل حيث أن الجنين يظل متعلقاً برحم الأم طيلة تسعة أشهر كاملة يتغذى فيها الجنين من دماء الأم البديلة وينمو وتتكون أجزاء الطفل كلها من الأم البديلة. فاحتواء الأم البديلة للجنين فيرحمها لا يمكن أن يتم إهماله فهو الأساس في نمو وتكوين الطفل حتى موعد ولادته.
الجانب القانوني
هناك الكثير من الدول التي تسمح بل وتنظم عملية تأجير الرحم وعلى رأس هذه الدول الهند التي تعتبر أكبر الدول التي تتم فيها عملية تأجير الرحم وكذلك روسيا وألمانيا وهولندا والدنمارك واستراليا وإسرائيل أما الدول الإسلامية فإن جميعاً يمنع تأجير الأرحام باستثناء دول إيران تجيزه، وتعتبر فرنسا من أكثر الدول تشددا في منع عملية تأجير الرحم .
من الهند بدأت القصة
تعتبر الهند أول دولة جرت فيها عملية تأجير الرحم في عام 2002م وأكبر دولة تزدهر فيها تجارة الأرحام وذلك لأن الحكومة الهندية تبيح عمليات تأجير الرحم وتترك الحرية للأبوين والأم البديلة لتوقيع عقد فيما بينهما لتنظيم كافة الأمور والشروط. وتشير تقارير إلى تجارة الأرحام في الهند بلغت أكثر من مليار دولار سنوياً. ومن ناحية أخرى فإن هناك مراكز متخصصة تسهل عملية زراعة الجنين وتقيم الأمهات في أبنية مخصصة لهن يقمن فيه طيلة تسعة أشهر حتى ولادة الطفل وتحتوي كل غرفة في هذه المباني على عشرة من الأمهات الحوامل، وتمنع الأم الحامل من ممارسة الجنس مع زوجها حفاظا على الطفل الذي تحمله. وبعد الولادة يتم تسليم الطفل لأبويه وتأخذ الأم المبلغ المتفق عليه في العقد وبهذا تنتهي مهمتها عند هذا الحد.
بالتأكيد إن العقل السليم والفطرة السوية تأبى أن يتم معاملة المرأة بهذه الطريقة المهينة بأن تقبل على نفسها أن تكون أداة في يد غيرها ممن يدفعون لها بعض المال لتتحمل المشاق والمتاعب لتنجب طفلاً يخص في النهاية شخصاً آخر، فلولا حاجتها للمال لما قبلت أبداً أن تفعل ذلك بنفسها، وخاصة إذا كانت الأم الحقيقة سليمة لا تعاني من أي أمراض وكل ما في الأمر أنها ترغب في أن تحافظ على جماليها وراحة بالها.
أضف تعليق