نسمع كثيرًا عن عيد الميلاد المجيد، وتلك المظاهر التي تصاحبه من شجرة الميلاد، والأجراس الذهبية، و بابا نويل ، وعربته، والأيائل، والأقزام وغيرها من المظاهر، فعيد الميلاد المجيد هو الذي يحتفل أصحابه بمولد “عيسى” –عليه السلام- ومن طقوس هذا العيد تبادل الهدايا.. وقد جعل المسيحيون يوم 25 سبتمبر هو اليوم الذي يحتفلون فيه بمولد “عيسى”-عليه السلام- لأسبابٍ مختلفة، فمنها أنه يأتي بعد تسعة أشهر من معرفة مريم بميلاد المسيح، كما أعتبر هذا اليوم ميلادًا لعيسى في القرن الرابع الميلادي، في زمن حكم الإمبراطور قسطنطين، رغم أن البعض من أصحاب الطائفة المسيحية أرثوذكس يحتفلون به في السادس من يناير.
تعرف على بداية أسطورة بابا نويل
أعياد الميلاد
لا يخلو أي عيد من مظاهره التي تثير في النفوس روحًا تميزه عن غيره من الأعياد، ولا يمكن أن يحتفل الناس برأس السنة الميلادية دون انتظار بابا نويل ، هذا العجوز ذو الوجه البشوش الضاحك، صاحب الرداء الأحمر، واللحية البيضاء الطويلة، وكيس الهدايا الذي يحمل معه المزيد من السعادة، ويضفي بهجة في نفوس الأطفال، كما يُذكر الكبار بأيام طفولتهم الرائعة، وذكريات العيد!
ربما صادفت طفلًا أو اثنين قد قاموا بطرح هذا السؤال عليك “هل تؤمن ببابا نويل ؟” فلا يمكنك أن تقول إلا “نعم بالطبع!” فلن تستطيع إطفاء تلك اللمعة التي تراها بأعين الأطفال، وهذا الشغف الذي يكنه كل منهم اتجاه الأمر، فينتظر كل منهم هديته بفارغ الصبر تلك الليلة، فليس عليك أن تفسد متعة الأحداث، وسحرها.. فإن ارتباط بابا نويل بالعيد، هو ارتباط السحر بالحياة في أعينهم.. وما أجمل أن تكون طفلًا لم ينطفئ الخيال في عقله بعد.
من هو بابا نويل؟
بابا نويل هو عجوزٌ أبيض يرتدي رداءً أحمر شتويًا، بلحيةٍ ناصعة البياض، وحذاءٍ أسود لامع، يعيش في القطب الشمالي مع زوجته، مع الكثير من الأقزام الذين يصنعون له الهدايا، ربما بإمكانك أن تتخيل أن له مصنعًا سحريًا في داخل أحد الجبال الجليدية، ويقوم الأقزام الصغار بصنع الهدايا هناك.. سيكون هذا خلابًا بالطبع! وهناك أيضًا الأيائل الجميلة التي هي عبارة عن غزلان وهو حيوان “الرنة” والتي تجر مزلاجه السحري الطائر، والذي يوجد به تلك الهدايا الرائعة المصنوعة بحب وعناية.. المُحملة للصغار من كل مكان، والتي يهبط بها من فتحات مداخن المدافئ، أو النوافذ المفتوحة، أو فتحات الأبواب الصغيرة.. ليُلبي رغباتهم التي قاموا بكتابتها في جوارب الميلاد، أو قرب شجرة العيد، فيستيقظون ليحظوا بما تمنوه من هدايا داخل جوارب صوفية.
وجاءت كلمة بابا نويل ككلمة فرنسية تعني أب الميلاد، وذهب البعض أن موطنه الأصلي السويد، وآخرون في فنلندا، خاصة لوجود قرية تحمل اسمه بابا نويل ويروجون لها سياحيًا أنها مسقط رأسه، ويزورها الآلاف من الأطفال سنويًا.. ومع اكتشاف أمريكا ورحيل المهاجرون إليها حملوا معهم القديس نيكولاس أو سانت نيكولا، ومع الوقت تطور اسمه من بابا نويل إلى سانتا كلوز.
وقد تكونت تلك الصورة المعروفة على يد الشاعر الأمريكي “كليمنت كلارك مور” الذي كتب قصيدة تحمل عنوان “الليلة التي تسبق عيد الميلاد” وهي قصيدة شهيرة، حيث يأتي ذكره كل عام وقت عيد الميلاد. وفي عام 1881، قام الرسام الأمريكي توماس نيست في جريدة هاربرس بإنتاج أول رسمٍ لبابا نويل بصورته المعروفة اليوم، ببدلته الحمراء الرائعة، ولحيته البيضاء الطويلة، وحذائه الأسود اللامع، وقد قيل أنه ضمن حملة ترويجية لشركة “كوكا كولا” ولكن أيًا كان.. فحينها انتشر بابا نويل بشكله الجديد، الباقي إلى الآن.
ولكن كيف نشأت تلك القصة؟ وكيف بدأ الأمر؟
من الغريب أن نعرف أنها ظهرت على خلفية أحداث حقيقية.. فقد كان تبادل الهدايا شائعًا كطقس من الطقوس الدينية المسيحية، فمن الطبيعي أن يقدم الأب لعائلته هدايا كلٌ على حدا، دون أن يعرفوا من قدمها، ومن ثم فإن الصغار سيتوقعون أن بابا نويل من ترك هديتهم الصغيرة أمام المدفأة ليلًا!
فيزعم البعض أن بابا نويل كان يعيش في مدينة “مورا” وكان أبوه ” أبيفانيوس” وأمه “تونه” ، وكانا تقيان، ولم يكن لديهما ولدًا يرثهما، ولما بلغا سن اليأس رُزقا بهذا القديس، الذي أظهر نجابته في سن صغيرة، وامتلأ بفيض نعمة الله التي جعلته يتلقى العلم في سن صغيرة.. فمنذ حداثته وعى تعاليم الكنيسة، وقد ترهب في دير كان ابن عمه رئيسًا عليه، فهي بهذا تكون قصة حقيقية حيث أن ارتباط بابا نويل بتقديم الهدايا.. يرجع إلى القديس “نيكولا” حيث أنه اعتاد تقديم الهدايا من الملابس والطعام، وتوزيعها على البيوت الفقيرة، في إقليم مبرا في آسيا الصغري، في وقت العيد، دون أن تعرف تلك العائلات من هو الفاعل.. وقد توفي في ديسمبر، وكانت الكنسية القبطية تحتفل بنياحه في العاشر من كيهك.
بدأ الأمر بأن كان في مدينة “مورا” رجل غني، ولكن تبدلت به الحال ففقد ثروته، حتى أنه لم يكن يمتلك قوته الرئيسي، وكان لديه ثلاث بنات، قد جاوزن سن الزواج، ولم يستطع تزويجهن لسوء حالته المادية، فجاءت لديه فكرة أن يقوم بجعلهن يعملن في أعمالٍ مشينة، وعندما علم بذلك القديس “نيكولاس” استاء كثيرًا، وأرسل إليه مائة دينار كان قد أخذهما من مال أبويه، ووضعها في جرابٍ، وتسلل ليلًا دون أن يشعروا به، وألقاها في نافذة الرجل المفتوحة، ولم يصدق الرجل نفسه، فكانت دهشته عظيمة، واستطاع بهذا المال تزويج ابنته الكبرى، وقد كرر القديس عمله في ليلة أخرى استطاع بها الرجل تزويج ابنته الثانية، ولكنه لم يكن يعلم من هو هذا الشخص الكريم الذي يقوم بإلقاء المال ورحل دون أن يخبره من يكون.. وفي المرة الثالثة تمن من الشعور به حيث سمع سقوط الكيس من النافذة، فبادر إلى الخارج ليعرف من هذا الشخص العظيم، فعرف أنه القديس “نيكولاس” فشكره كثيرًا لأنه أنقذ أسرته الصغيرة من الفقر، ومن أعمال مهينة كانت فتياته على وشك القيام بها رغمًا عنهن، ولكن القديس “نيكولاس” لم يقبل أن يقوم الرجل بشكره هو، بل أمره أن يشكر الله الذي ألقى بتلك الفكرة في قلبه، وبعد نياحة القديس “نيكولاس” انتشر ذكره، وسيرته العطرة، في أنحاء أوروبا، ألمانيا، وهولندا، وغيرها.. فكانوا يتبادلون الهدايا تيمنًا به، وبدأت معالم الحقيقة تختفي وتندمج بالأسطورة.
وفي مصر تحتفل الكنائس القبطية برأس السنة الميلادية، فقد أصبح رمزًا للاحتفال بالعام الجديد، وتلاشت تلك الفكرة بأنه ارتباط بالقديس “نيكولاس” أو أن بابا نويل هذا القديس المعروف في القرن الرابع الهجري.
مسميات بابا نويل المختلفة
تختلف مسميات ” بابا نويل ” في العديد من البلدان باختلاف اللغات، فمثلًا على سبيل المثال في الولايات الأمريكية يطلقون عليه سانتا كلوز، وأبو عيد الميلاد، والقديس نيكولا، وفي المملكة المتحدة وأستراليا يطلقون عليه سانتا كلوز، وأبو عيد رأس السنة، وفي أسبانيا ” بابا نويل ” وفي أوكرانيا “ديد موروز” وفي تركيا “نويل بابا” بينما يظل في الوطن العربي ” بابا نويل ” وهو المعروف به.
وبهذا كانت أسطورة بابا نويل قديمًا مصدر إلهام لكثير من الناس، حيث أنها مصدرًا للعطاء، والإحسان، والكرم الذي عبر عنه القديس نيكولا، وحديثًا كانت ولا زالت مصدرًا للسعادة والبهجة للأطفال، والبالغين.. فإن السعادة لا تصنعها التواريخ فقط، وإنما يصنعها الأشخاص بعاداتهم الطيبة التي اعتادوا عليها، فلا مانع من المزيد من البهجة التي نهبها لمن نحب.. ربما إن أعاد عليك طفلٌ هذا السؤال: “هل تؤمن ببابا نويل ؟” فحينها ستقول “نعم بلا شك”!
أضف تعليق