اللغة العربية من أسمى اللغات فهي لغة القرآن الكريم، ولغة الشعر والنثر، ومهما طال عليها الأمد تظل كلماتها لها رونق وجمال يضفي على الكلام كالدرر، وقد ميزها الله بخصائص ليست موجودة في اللغات السامية التي تشترك معها في بعض السمات والغير موجودة في اللغات الأخرى، و انحدار اللغة العربية مع الأسف أصبح أمرًا مخزيًا للشعوب العربية كلها، فإن انحدار اللغة العربية بدأ وليد العصر الحديث وذلك لأسباب كثيرة سوف نذكرها، بالرغم من وجود خصائص كثيرة تميز اللغة العربية وتجعلها قوية، كما تجعل الذي يتحدث بها له كلمة قوية وتأثير مميز، لكن مع الأسف انحدرت اللغة وأصبح كل شيء ليس كما كان.
ومن أهم الخصائص التي تميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات: الإعراب، والاشتقاق، والترادف والتضاد، والأصوات والتي من خلالها احتفظت اللغة العربية حتى الآن بمقوماتها الصوتية لذا سميت اللغة العربية بلغة “الضاد”، والإيجاز والقصر، والتمييز بين المذكر والمؤنث، كل ذلك جعل من لغتنا لغة عظيمة. ومع عظمة لغتنا العربية أصابها الانحدار والضعف، فسوف تعرض أهم الأسباب التي أدّت إلى انحدار اللغة، وكيف نحافظ عليها.
استكشف هذه المقالة
اللغة العربية ما بين التطور والانحدار
هناك أسباب وعوامل كثيرة أدّت إلى انحدار اللغة العربية ، فضياع اللغة العربية لم يحدث بين ليلة وضحاها ولكن بدأ ذلك في القرون الماضية، ففي العصر الجاهلي كانت اللغة العربية محتفظة بقوتها، وكانت الأساس في الشعر والنثر، وما فيها في ذلك الوقت من الفخامة والجزالة وقوة الأسلوب، فكان يستخدمها العرب في كلامهم وشعرهم، ثم جاء العصر الإسلامي، ولكن لا تزال اللغة مستخدمة في حياة المسلمين، في العادات والعبادات والمعاملات اليومية، فاحتفظت اللغة في ذلك الوقت بقوتها أيضًا، ولا شك في ذلك فهي لغة القرآن الكريم والذي نزل على سيدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، ثم جاءت مرحلة العصرين الأموي والعباسي، حيث كانت اللغة العربية لغة الأدب والعلم، ولغة الخلفاء وأولي الأمر، يعني لم تكن مقتصرة على فئة معينة، وهذا ما جعلها تنتشر بشكل كبير في العالم الإسلامي وقتها، خاصة عند ظهور الترجمة من اللغات الأعجمية التي كانت موجودة إلى اللغة العربية، فأصبح الأعاجم يتحدثون العربية كلغة ثانية، وهذا يدل على أن اللغة العربية حتى ذلك الوقت في تطور وازدهار.
بداية انحدار اللغة
بدأ انحدار اللغة العربية عند اجتياح المغول للمشرق الإسلامي بقيادة هولاكو خان، فعندها أحدث المغول فوضى رهيبة في العالم الإسلامي من الدمار والتخريب، فحاول المسلمون آنذاك تصليح ما تم تخريبه ومحاولة جمع الكتب مرة أخرى وإنقاذ ما تبقى من اللغة العربية. وبعد خروج المسلمين من الأندلس بدأت اللغة العربية بالتضاؤل وبدأ الغزو الأوروبي الحديث ودخول ثقافات أخرى إلى العالم الإسلامي. ثم جاء العصر العثماني فبدأت اللغة بالنهوض مرة أخرى، فكانت قوية في بداية العصر العثماني، ثم بدأت بالتضاؤل مرة أخرى في نهايته. ولكن مع بداية العصر الحديث بعد انحدار اللغة العربية عادت مرة أخرى تتسع لمن يريدها، وانتشر التعليم مرة أخرى، وازداد عدد المثقفين، وقام بعض الشعراء وقتها في محاولة من إحياء الفصحى أمثال أحمد شوقي والبارودي وجبران خليل جبران.. وغيرهم من الشعراء. وهكذا كانت اللغة العربية ما بين انحدار وتطور على مر العصور التي عاشتها.
أسباب انحدار اللغة العربية في الجيل الحالي
ولم تستمر اللغة الفصحى على ألسنة الفصحاء، ولا على ألسنة العامة، فبدأ انحدار اللغة العربية في تزايد مستمر وصولًا إلى وقتنا الحالي هذا، فمن أهم أسباب ضياع اللغة العربية في الجيل الحالي: تعميم اللغة “اللغة العاميّة” فأصبحت اللغة السائدة بين أفراد المجتمع كله، واستغنى عن الفصحى بها، وتمثّل انحدار اللغة العربية في ابتكار ألفاظ جديدة لا علاقة لها باللغة السليمة، وأيضًا إهمال اللغة الفصحى في دور العلم في المدارس والجامعات، واستسهل الناس الألفاظ العامية بسبب استثقالهم للفصحى اعتقادًا منهم أن العامية مفهومة وواضحة، وأصبحت اللغة العربية تستخدم لغرض معين في الخطب ومنصات العلم فقط، غير ذلك من عدم إقبال العامة على تعلم اللغة الفصحى أو التخصص فيها، وإهمال أولياء الأمور للغة العربية أصبح سائدًا في المجتمع، فأصبح الآباء يختارون لأولادهم التعليم الأجنبي ويقبلون عليه لأنه الأفضل بالنسبة إليهم، وهناك عوامل أخرى كعدم وجود فرص عمل كثيرة للشباب في مجال اللغة العربية، فأصبحت ليس لها داعي في الحياة العملية، ومن عوامل انحدار اللغة العربية المناهج الدراسية الموجودة باللغة الفصحى ولكن لا علاقة لها في أرض الواقع، فأصبح الطالب مفروض عليه المنهج الدراسي باللغة وفي نفس الوقت لا يبالي بما هو موجود فيه.
عوامل أخرى أدّت إلى ضياع اللغة
وهناك عوامل أخرى أدّت إلى ضياع اللغة فمنها: عدم زرع الحب للغة العربية، وعدم إعطاء أهمية لها، حتى وصل الحال باللغة الفصحى بأن تغيّرت أماكن تواجدها بالعاميّة كإلقاء المحاضرات، وأحيانًا خطبة الجمعة في المسجد وغير ذلك من مظاهر الاستغناء الواضح عنها، وتعد وسائل الإعلام الموجودة عاملًا مهمًا في التأثير بالقوة أو الضعف على وجود اللغة، فأصبحت عامية قريبة من الناس، وغير ذلك من العلامات التجارية الموجودة في الشوارع، وعصر العولمة والذي نحن نعيش بصدده أثّر بشكل قوي على لغتنا العربية، فدخلت الثقافات المختلفة وتأثر الناس بها ونسوا اللغة الأساسية التي يتكلمون بها، وتزاحمت بجانب الألفاظ العاميّة الألفاظ الأجنبية، وتنوسي بين هذا وذاك اللغة العربية، وهناك الاقتناع الشديد بأن اللغة العربية غير مفيدة للشباب، فلماذا يقبلون على إتقانها مع تواجد اللغات الأجنبية الأخرى؟، مع الأسف هذا الفكر السائد في المجتمع والذي أدى بشدة إلى ضياع اللغة في الجيل الحالي.
كيف نواجه انحدار اللغة العربية ؟
هناك مخططات استعمارية منذ القدم تهدف إلى الحط من شأن اللغة الفصحى، ومحاولات عديدة لإدخال ألفاظ غير عربية كثيرة إلى اللغة العربية حتى اضطر علماء اللغة إلى “التعريب”، لكن اللغة العربية محفوظة بفضل الله، لكن لا يجب علينا إهمال واجبنا نحوها بل نحاول جاهدين حمايتها والحفاظ عليها من الضياع، فلكي نقلل من انحدار اللغة العربية يجب علينا فعل عدة أشياء منها: تطوير المناهج الدراسية وتفعيل دور الطلاب في المحافظة على لغتهم، وأيضًا بذل الجهود المستمرة من قبل علماء اللغة والقائمين على حمايتها، ومحاولة الكتابة باللغة الفصحى كلما أمكن ذلك، ونشر أهمية وضرورة القراءة لأنها تزيد من الوعي الثقافي اللغوي، ولا يحق لنا أن ننسى قراءة القرآن الكريم ومحاولة تدبُّر معانيه، وتأسيس أولي الأمر لدور العلم والصالونات الثقافية، وأن تكون جميع الخطب في المساجد ووسائل الإعلام باللغة العربية الفصحى فقط، وعمل حملات توعية بأهمية اللغة العربية، والقضاء على محو الأميّة، ونحاول تعويد ألسنتنا وأسماعنا على اللغة العربية الفصحى، ونقلل من استخدام العامية قدر الإمكان، وتشجيع الشباب على الإقبال في تعلُّم اللغة العربية بفتح فرص عمل كثيرة لها، وإحياء الشعر والنثر، وغير ذلك من مقوّمات تساعد على الحفاظ على اللغة العربية، وتقلل من انحدار اللغة العربية .
ومن خيبة الأمل انتشرت الألفاظ المتدنية بين أفراد المجتمع، واختلفت الطبقات ما بين الراقية المتحضرة وما بين الشعبية الجاهلة، وتضاربت الأفكار، واختلفت العقول كثيرًا، فانحدار اللغة العربية أصبح سمة واضحة في الجيل الحالي، ولم يقف عند حد معين من التدني والضعف، بل تطور بشكل مخيف يدعو إلى القلق والخوف على لغتنا من الاختفاء، لكن الله تعالى يحفظها في كل زمان لأنه -سبحانه- أنزل بها القرآن الكريم قرآنًا عربيًا في كل زمن وفي كل وقت، فمن واجبنا حماية لغتنا متى أمكنَ ذلك، والتسارع في إيجاد الحلول الممكنة في كيفية الحفاظ على اللغة العربية، بسبب تسبب الجيل الحالي في انحدار اللغة العربية .
أضف تعليق