النمور الآسيوية هو مصطلح استخدم في مطلع ثمانينات القرن الماضي لوصف 4 من الدول الآسيوية التي حققت طفرة غير مسبوقة في النمو الاقتصادي والصناعي وهي دول تايوان وهونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية. كل دولة من النمور الآسيوية الأربعة قامت باستخدام منهج اقتصادي سليم عمل على تحقيق مثل ذلك التقدم الغير مسبوق وهو ما سنناقشه في ذلك المقال.
ما هي النمور الآسيوية وكيف حققت ما عجز عنه الكثيرون ؟
تايوان
أول دول النمور الآسيوية هي تايوان، فيعد اقتصاد دولة تايوان خامس أضخم اقتصاد في قارة آسيا كما يعتبرها صندوق النقد الدولي واحدة من أضخم دول العالم اقتصادياً، ومن منظور المنتدى الاقتصادي العالمي يرى أن الاقتصاد التايواني يحتل المركز الخامس عشر من بين القوى التنافسية الاقتصادية العظمى على مستوى العالم وذلك طبقاً لتقرير التنافس العالمي الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي كل عام.
اتباع سياسة الخصخصة
لعل أهم السياسات أو المناهج الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات التايوانية لتنقذ نفسها من أقوى الأزمات الاقتصادية التي حلت بها بعد انقضاء الحروب العالمية كانت سياسة الخصخصة؛ فقد قامت الحكومة التايوانية بعرض أكبر بنوك الدولة التي تمتلكها وكذلك أهم المنشآت الصناعية التي تمثل محور الاقتصاد التايواني للبيع حيث يتملكها الآن رجال أعمال وكيانات اقتصادية كبيرة بشكل رسمي. وعلى قدر ما تحمل سياسة الخصخصة تلك من تبعات اقتصادية سلبية بالأخص على المواطنين أكثر من السلطة نفسها لكنها في نفس الوقت تعطي الفرصة للكيانات الاقتصادية الضخمة والمدربة على النهوض بالمشاريع التجارية المختلفة في تولي أعمدة اقتصاد الدولة وبالتالي العمل على تحسين خدماتها بشكل سريع وكفء وفي نفس الوقت بأقل التكاليف. كانت لسياسة الخصخصة في تايوان أثرها الإيجابي الواضح على الاقتصاد فقد بلغ معدل الإنتاج المحلي في تايوان حوالي 8% في عام 1987 وزادت نسبة الصادرات التايوانية بشكل ملحوظ مما زاد من فرص الاستثمار الصناعي والتجاري في تايوان.
الأزمات الاقتصادية الحالية
كما هو الحال في دول النمور الآسيوية الأخرى والعديد من الدول المتقدمة صناعياً تواجه الصناعة التايوانية أخطاراً جسيمة قد تلحق ضرراً بالغاً بصناعتها المحلية؛ فوجود منافسين في السوق العالمي يقومون بعرض السلع ذاتها وبسعر أقل نسبياً عن السعر المتعارف عليه يجعل أنظار التجار تتجه إلى تلك الأسواق البديلة بدون حتى الالتفات إلى مدى جودة المنتج المعروض، ففي السنوات الأخيرة نجحت الصين في غزو العالم كله بمنتجات وسلع مختلفة ذات جودة متواضعة ولكن بتكلفة أقل بكثير عن منافسيها مما أضر بمعدلات التصدير عند الكثير من الدول الصناعية وعلى رأسهم تايوان. لذلك عملت الحكومة التايوانية على تطوير الاقتصاد بشكل يفتح للصادرات التايوانية أسواقاً جديدة لم تعمل بها من قبل؛ فبين عامي 1984 و2002 نجحت تايوان في التقليل من حجم صادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية من 49% من نسبة الإنتاج إلى 20% فقط وقامت بالاتجاه عوضاً عن ذلك إلى دول جنوب شرق آسيا والأسواق الأوروبية كما خصصت مصانع عديدة لإنتاج المواد الخام اللازمة للصناعات الخفيفة وتصديرها للصين بأسعار زهيدة، وأخيراً فإن انضمام تايوان إلى منظمة التجارة العالمية وسعيها لأن تكون مركز التجارة في آسيا والمحيط الهادي يحفز حكوماتها على إحراز مزيد من النمو والتطور الاقتصادي.
هونج كونج
ثاني دول النمور الآسيوية وواحدة من أهم مراكز الاقتصاد العالمي، وربما كان السبب في ذلك هو سياسة التحرر الاقتصادي الذي تتبعه هونج كونج الذي يلغي كافة الرسوم والضرائب المفروضة على حركة التجارة داخل وخارج الدولة؛ فطبقاً لمؤشر الحرية الاقتصادية الذي يصدر كل عام عن جريدة (وول ستريت) تعد هونج كونج أعلى الدول على الإطلاق في درجة التحرر الاقتصادي وذلك منذ عام 1995 أي العام الذي أطلق فيه ذلك المؤشر.
سياسة التحرر الاقتصادي
من يقرأ في تاريخ الاقتصاد في دولة هونج كونج يعي جيداً أن الحكومة اتبعت أساليب اقتصادية قد تبدو محفوفة بالمخاطر وبها قدر عالي من المجازفة إلا أنه أتت بثمارها بشكل يفوق المتوقع، فكثير من حكومات العالم تحاول دائماً ضبط سوق العملة والاقتصاد المحليين لها خشية أن يستغل ذلك من قبل دولة أخرى مما قد يسبب انهيار الاقتصاد بها على الفور. أما هونج كونج فقد قامت بالعكس تماماً حيث عملت على تحرير سعر صرف عملتها المحلية (الدولار) – أي أن كل بنك أو مؤسسة مالية تحدد سعر العملة داخلها تبعاً لرصيدها الاحتياطي من العملات الأجنبية المختلفة- كما ألغت الضرائب التي عادة ما تفرض على الصادرات والواردات التجارية مما بث روح الحيوية في النشاط التجاري هناك ولا زالت تلك السياسة متبعة حتى ذلك الوقت حتى أن اقتصاد هونج كونج يوصف عالمياً بالاقتصاد الحر أو الاقتصاد خالي الضرائب.
في هونج كونج أيضاً لا يوجد بنك مركزي تمتلكه الحكومة بل على النقيض تنتشر البنوك سواء المحلية والأجنبية في الدولة بدون فرض قيود مالية عليها مما ساهم في تسليط الضوء عالمياً على عملة هونج كونج المحلية وربطه دائماً بالدولار الأمريكي. ومن ضمن المنهج الاقتصادي الذي اتبعته حكومة هونج كونج أيضاً هو تحرير قيمة الفائدة على الودائع والقروض المالية للبنوك؛ فكل بنك يقوم بتحديد قيمة الفائدة الخاصة به مما يعمل على خلق روح التنافس بين الكيانات المالية هناك والذي يصب في النهاية في مصلحة الاقتصاد القومي لدولة هونج كونج، وعلى قدر اختلاف المناهج الاقتصادية المتبعة عالمياً إلا أن أفضلها على الإطلاق هو منهج التحرر الاقتصادي وفرض القيود المفروضة على الاستثمار لأن ذلك يشجع المستثمرين على الدخول في مثل تلك الأسواق التي لا يحكمها سوى قانون التنافس وحسب، فلا يوجد مستثمر على وجه الأرض يرغب في التقيد بشروط وقوانين معينة قد تعصف بكيانه الاقتصادي في أي لحظة.
سنغافورة
يعتبر اقتصاد سنغافورة واحداً من أكثر الكيانات الاقتصادية انفتاحاً على العالم ليس فقط من بين دول النمور الآسيوية الأخرى وإنما على مستوى دول العالم أجمع، حيث يتميز المنهج الاقتصادي الذي تتبعه سنغافورة بالمزج بين أهم العناصر الاقتصادية فعالية وتأثيراً في نظام واحد؛ فيعتبر الاقتصاد السنغافوري في المركز السابع ضمن أقل الأنظمة الاقتصادية العالمية فساداً وأكثرها توفيراً لمزايا العمل والاستثمار به حيث تمنح الحكومة للمستثمرين مزايا اقتصادية عديدة لعل أهمها هو تخفيض نسبة الضريبة العائدة للحكومة من الأنشطة التجارية المختلفة والتي تبلغ تقريباً حوالي 14% من إجمالي الوارد الاقتصادي، كما تعتبر سنغافورة أيضاً ثالث أعلى دول العالم من حيث الناتج المحلي ومعدلات الإقبال على استهلاك ذلك الناتج أما بالتجارة الداخلية أو الخارجية.
كوريا الجنوبية
كثيراً ما توصف نهضة كوريا الجنوبية بالمعجز الحقيقة حيث انتقل الاقتصاد الكوري من واحد من أفقر الكيانات عالمياً وأكثرها تأزماً إلى واحدة من أهم الدول الاقتصادية العالمية؛ فيعتبر اقتصاد كوريا الجنوبية رابع أهم اقتصاد في قارة آسيا بعد دول النمور الآسيوية الأخرى كما يقع في المركز الحادي عشر ضمن الكيانات الاقتصادية العالمية وذلك بالرغم من اتباعها لسياسة اقتصادية تختلف كلياً عن النمور الآسيوية الأخرى، فالنسبة الأكبر من حجم التجارة في كوريا الجنوبية تمتلكه عائلة واحدة فقط وتسيطر على كافة موارده مما يضع الاقتصاد الكوري في خطر محدق إذا ما فشلت تلك العائلة في الحفاظ على حجم التجارة الذي تديره في الأجيال القادمة.
أضف تعليق