النضج العقلي هو اكتمال الثمرة وبلوغ الغاية وتمام الخصائص، وهو اكتمال المراد من الشيء حتى صار محكما مكتسبا للخبرة والحكمة، والنضج غاية البشر وكلنا يسعى للوصول إليه حتى يستمتع كل منا باكتمال الشخصية ونضوج العواطف وإحكام الخبرات، وعادة ما يرتبط النضج بمجموعة من الخصائص النفسية والاجتماعية والعقلية، التي تحول الفرد من متمرد غير ثابت إلى مستقر غير متأرجح.
استكشف هذه المقالة
تعريف النضج العقلي
النضج هو جملة التغيرات التي تطرأ على تركيبة البنية البيولوجية والعضوية؛ نتيجة التطور والنمو الذي يطرأ على الفرد في مراحله المختلفة، ويعتبر النمو أصلا للتعلم والنمو المتكامل، وهو حالة التوافق التي تشير للتكامل والتناغم بين الوظائف المتنوعة، الوظائف الجسدية والفسيولوجية ، والوظائف العقلية والروحية، والوظائف الاجتماعية، بحيث يفهم الحياة بكل متناقضاتها بكل استقلالية في اتخاذ القرارات المصيرية بمعزل عن سيطرة الآخرين وتأثيرهم.
الفرق بين النمو والنضج
يخلط البعض بين النضج والنمو كمصطلحات معبرة عن التطور، لكن الفرق بينهما فرق كبير، إذ يعتبر النمو مرحلة أولى للنضج وطريق لا غنى عنه للوصول للهدف؛ فالهدف هو الوصول للنضج والوسيلة هي النمو، وإذا اقترنت الكلمتان دلتا على عملية الإخصاب والإنجاب، وهي العملية الدينامية التي تحدث منذ بداية الالتقاء بين الزوج وزوجه وحدوث عملية الإخصاب ونمو الجنين، ولا توصف العملية بالنضج إلا مع اكتمال حجم ووزن الجنين واستعداده للتنازل عن عرشه داخل رحم الأم، والقدوم لدنيا الناس.
أما إذا انفصلتا، دلت كل منهما على مفهوم نفسي واجتماعي مغاير لهذا المفهوم الفسيولوجي، فالنمو هو خط سير الحياة تبدأ من القليل وتنتهي بالاكتمال والنضج، واشتهر في العصر الحديث نظرية التطور، التي نوهت لتطور الإنسان مؤكدة أن الصفات الوراثية تؤدي لإنتاج أنواع متعددة من النوع الواحد للكائنات البشرية.
أنواع النضج
وتتعدد أنواع النضج كما أسلفنا في ذكر تعريفه، ويبرز على أنواع النضج أنواع ثلاثة، يهتم بها البشر في كل المجتمعات، سواء أكانت مجتمعات نامية أو مجتمعات متقدمة، تختلف من شخص لآخر علاماتها وأساليب الوصول إليها، لكنهم جميعا يتفقون على أهميتها وضرورة الوصول إليها، هذه الثلاثة أنواع هي:
- النضج العقلي: وهو النضج الذي يسمح لصاحبه أن يمتلك درجة كافية من نمو الوظائف العقلية والقدرات المهاراتية، والتفكير المعرفي، الذي يسمح ببروز شخصية مستقلة قادرة على التفاعل مع المجتمع بشكل طبيعي، مؤثر ومتأثر بالآخرين دون السماح لأحد بالتحكم في أفعالها.
- النضج الانفعالي: وهو الوصول لمرحلة من الاستقرار النفسي، تتيح لصاحبها التحكم في كافة الانفعالات وردود الأفعال بشكل يتناسب مع الإمكانيات العقلية والنفسية والاجتماعية لصاحبها، وتتسق أفعال الفرد وردود أفعاله مع نموه العقلي والاجتماعي وغيرهم من الأنواع الأخرى للنضج.
- النضج الاجتماعي: وهو المترتب على اكتمال هذه الأنواع الثلاثة من النضج، فإذا اكتمل النضج الانفعالي والعقلي صار النضج المجتمع سهلا، يصل فيه الفرد لمرحلة التكيف مع المجتمع من حوله، يتواصل عبرها الفرد مع الآخرين بطرق خالية من التعقيد.
علامات النضج العقلي الستة
لكل شيء علامات ودلائل، لا يمكنك أن تتيقن من تحقيقها إلا بتوافر العلامات، أو توافر عدد كبير منها، وللنضج العقلي علامات ستة متى توفرت في شخص يمكننا أن نقول عنه أنه ناضج وواعٍ، ومتى لم تتوافر لم تكن ناضجا بما يكفي، وهذه هي العلامات الستة التي تدل على النضج العقلي :
- التفكير قبل الحديث، والتريث قبل الإقدام على فعل أي شيء، وقياس الأمور بعواقبها ونتائجها، والتعامل مع الأسباب تعامل من لا يدرك النتائج إلا بالنحت في الصخر، وقديما قالوا إن لسان العاقل مخبوء خلف عقله، والمتسرع من سبق لسانه عقله، ولهذا وصفوا المتسرع بغير العقلاني. والحديث والقيام بالأفعال لابد معه من مراعاة المكان والزمان والحال، فإن ناسب الكلام حال المتلقي وصادف زمانا ومكانا مناسبين كان أكثر تأثيرا، ولا يمكن لشخص أن يختارهم جيدا إلا إن كان عاقلا، ناضج العقل.
- الإقدام على المخاطرة وعدم تهيب الصعاب والبحث عما وراء الغيب، فالعاقل لا يقنع بالظاهر وإن كان آمنا، ويبحث عن الغائب وإن تحمل بعض الخطورة، فالتجربة أصل الحياة، والمغامرة متعتها، لذا تعامل معها بمبدأها، وامتلك معها قوة وإرادة، وواجه مخاوفك بشجاعة وحزم.
- التعبير عن نفسك بحرية ودون تردد، وإن كنت تعبر عن نفسك بثقة ولا تخشى أحدا، وترفض مجاراة الآخرين، فهذا دليل على نضجهم العقلي، خاصة إن كان نقد الآخرين وآراؤه السلبية لا يشغلان بالك، لذلك اترك آراء الآخرين لهم، وعبر عن نفسك بثقة وفخر.
- التواضع مع الآخرين، فالتواضع علامة على الإنسانية قبل أن يكون علامة على النضج العقلي ، واعتبر الإسلام التكبر والغطرسة مرضا في شخصية المرء، مذكرا أن التكبر لا يساوي حجم الإنسان الحقيقي، الذي لا يستطيع أن يخرق الأرض أو أن يبلغ الجبال طولا، والتواضع ليس اختلال في الشخصية وفقدان الثقة بالنفس، وإنما علامة على الثقة ورباطة الجأش.
- مساعدة الآخرين ومد العون للهم، ومساعدة الآخرين لا تشترط تقديم معونة كبيرة أو تكبد عناء ضخما، لكن النذر اليسير يكفي، والمساعدة تبدأ بالكلمة الطيبة، التي اعتبرها الإسلام صدقة، والشخص الناضج يحب معاونة الآخرين كما يحب أن يكتسب النفع لنفسه، والدعم النفسي أنبل المساعدة على الإطلاق.
- تقبُّل النقد وعدم الشعور بالإهانة حال الرفض؛ إذ عادةً ما يتعرض المرء، رجلا كان أو امرأة، لبعض القبول وبعض الرفض، والناضج عقليا لا يختلف رد فعله حال قبوله ورفضه إذا اقترن الموقف بأسباب منطقية، والناضج يرى في رفضه بابا أفضل من قبوله.
- وأضاف بعض علماء النفس علامات إضافية، واعتبروا أن العلامات الإضافية نفسية، ترتبط بمزاج الشخص، وتأتي على رأسها قلة الشكوى، والتعامل مع المواقف المختلفة حسب ما تتطلبه المواقف، وليس حسب حالته النفسية، وتدل الشكوى على قلة النضج العقلي ، وضعف التجربة.
- عدم حمل الأحقاد، والتحكم في المشاعر السلبية، ما يجعل حياته الصعبة صفاء، وعدم حمل الأحقاد التي تدفع للانتقام وتدمير حياة الآخرين، لذا يسعى الناضج العقلي إلى الحفاظ على مشاعره الصافية وراحة الآخرين كدليل على نجاحه وسعادته في الحياة.
- امتلاك روح المبادرة والابتكار، والقيام بأنشطة تثقيفية وتوعوية، قادرة على الارتقاء بالمجتمع وبث روح الحياة فيها من جديد، ويتكاتف المجتمع بكل فئاته في ترسيخ مبدأ المبادرة.
- القدرة على تكوين العلاقات القوية مع الآخرين عن طريق جسور الثقة والاحترام وتفنيد الأفكار الخاطئة التي تملأ عقول الآخرين وتقطع الروابط والأواصر، وتقوم هذه القدرة على التخلص من الأفكار السلبية واستبدالها بأفكار إيجابية عن طريق الدين والأخلاق والمبادئ وممارسة تمارين ذهنية راقية كاليوجا وغيرها.
- عدم البحث عن أخطاء الآخرين، والسعي لمعالجة الأخطاء الشخصية، التي تقدح فيها، وتعبر عن الضعف العقلي؛ فالبحث عن أخطاء الآخرين كمن يلقي زجاج الآخرين بالحصى وبيته كله من زجاج، أو كمن يكسر ماسورة مياه الجيران وهي مصدر المياه الوحيد لبيته.
أضف تعليق