ارتبط النسيء بالجاهلية، حيث استخدمه العرب حينها لكي يتلاعبون بالأشهر (وخاصة الحُرم) لكي يحرموا ويحللوا كما شاء لهم، ولكن الله أنزل حكمه بشأن هذا الأمر في كتابه العزيز، وتحدث عنه في آية في القرآن الكريم. تعدد المعنى اللُغوي للكلمة، كما تعددت مقاصده وقصصه، ولكن الله قال فيه قولًا واحدًا. ولأن لديننا الحنيف وإحاطتنا به أهمية كبيرة؛ سوف نعمل على توضيح كل هذه النقاط في الفقرات التالية بشكل مفصل.
استكشف هذه المقالة
ما معنى النسيء في اللغة والاصطلاح؟
النسيء في اللغة يعني التأخير، كما أن له مرادفًا لُغويًا آخر يرتبط أكثر بقصته في الجاهلية، وهو تأخير حرمة المحرم إلى صفر في الجاهلية. أما عن المراد بمعنى النسيء ، فقد اختلفت الأقوال حوله، ولكن هناك أقوال تعد الأشهر من بينهم، وهي ما سوف نسردها لكم الآن:
- القول الأول جاء فيه أن العرب قديمًا كانوا متأزمين من طول مدة الأشهر الحرم وتواليها، وأرادوا أن يبدلوا إحدى هذه الأشهر الحرم بغيرها من الأشهر العادية، فكانوا على سبيل المثال يستحلون القتال في شهر محرم، ثم يحرمونه مرة أخرى في شهر صفر، كنوع من أنواع القرض والإيفاء به مؤخرًا. وهذا القول قد جاء أنه أصح الأقوال وأقربها لمفهوم الآية الكريمة، ولكن هذا الفعل يعد تلاعبًا صريحًا بأحكام الله.
- القول الثاني وافق عليه الحافظ ابن كثير، وقد جاء فيه أن العرب كانوا يحلون شهري محرم وصفر معًا في عام واحد ويسمونهما صفرين، ثم يحرمونهما في عام آخر ويسمونهما محرمين. ففي فترة التحريم يطبقون تحريم المحرمات في كلا الشهرين سواء، وفي فترة الإباحة يقومون بتحليل المحرمات في كلا الشهرين على حد سواء أيضًا.
- القول الثالث والأخير قد استنكره الإمام أحمد، وقد جاء فيه أن العرب كانوا يستحلون المحرمات في شهر محرم، ويبقون شهر صفر كما هو مباح (إذا احتاجوا إليه)، ثم يعوضون ذلك في شهر ربيع (الأول أو الثاني).
إلى من يعود النسيء في البداية في الجزيرة العربية؟
النسيء شعيرة تعود في أصلها إلى العرب في الجاهلية، ويعد أول من قام بها هم بنو فقيم من قبيلة كنانة العدنانية. وكان آخر من قام بها في هذه القبيلة هو أبو ثمامة جنادة بن عوف، حيث عليه قام الإسلام ومن بعده ظهر حكم النسيء. وأما عن تفاصيل هذه الشعيرة في الجزيرة العربية، فقد كان العرب يجتمعون إلى هذا الرجل الأخير بعد حجتهم، فيقوم فيهم خطيبًا، ويقوم بتحريم شهر رجب، وذا القعدة، وذا الحجة، ويحل شهر محرم عامًا ويجعل مكانه صفرًا.
النسيء في القرآن
لقد حرم الإسلام النسيء تحريمًا مطلقًا، حيث قال عنه الله في كتابه العزيز: «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ». (سورة التوبة، الآية رقم 37). وقد ذكر البغوي في كتابه «تفسير البغوي» أن العرب قد استمروا في النسيء إلى أن وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس يوم عرفة وخطب بهم وأخبرهم بشأن حرمة النسيء .
سبب نزول إنما النسيء زيادة في الكفر
فسَّر ابن كثير أن سبب نزول الآية أنها كانت سببًا يذم به الله تصرف العرب في تبديل الأشهر الحرم، وتحريم ما أحل الله واستحلال ما حرم الله تعالى، لأنهم استطالوا مدة التحريم في الأشهر الحرم وأرادوا أن يقتلوا أعداءهم. فأنزل الله هذه الآية ليحرم بها هذه الشعيرة البغيضة ويقول قوله فيهم وينذرهم إن استمروا بفعل ذلك.
وبسرد كافة هذه النقاط السابقة؛ نكون قد خرجنا من هذا المقال بأن النسيء هو تبديل الأشهر الحرم بغيرها من الأشهر، وأنها شعيرة من شعائر العرب في الجاهلية، فيحرمون ويحللون كما شاء لهم، إلى أن جاء الإسلام وحرم هذه الشعيرة تحريمًا مطلقًا؛ لكي لا يستمر الناس في التلاعب بالأشهر لحساب رغباتهم وأهوائهم.
الكاتب: أميرة إسماعيل
أضف تعليق