مما لا شك فيه أن الأشخاص المُدركين فعلًا لأهمية اللغة العربية يُقدمون على تعلم قواعد النحو والصرف بكل الطرق المتاحة، وطبعًا من الغريب جدًا أن يكون ثمة شخص عربي ولا يُريد تعلم هذين العلمين المُرتبطين جدًا ببعضهما، وذلك لأنهما يُحددان بشكل كبير شكل القراءة والكتابة لكل شخص، فإن كان تجويد القرآن درجة رفيعة جدًا من حفظه فإن تعلم النحو والصرف كذلك درجة عالية من إتقان اللغة، أما إذا أردنا أن نربط الأمرين ببعضهما فيُمكننا القول أن العربية هي لغة القرآن، ولن يستطيع أحد قراءة القرآن الكريم بالصورة الصحيحة إلا بعد أن يتعلم أولًا النحو والصرف، إذًا وببساطة شديدة، لا يوجد أدنى شك في أهمية العلمين بأكثر من مجال، ولم يكن من الغريب أبدًا أن يتسارع الناس لتعلم هذين العلمين، لكن، ما نُريد أن نعرفه سويًا هو كيفية تعلم العلمين المهمين في شهر واحد وبدون مُعلم في نفس الوقت، إنه تحدٍ كبير بالطبع، لكننا سنحاول أن نكون على قدره من خلال السطور القادمة.
استكشف هذه المقالة
ما المقصود بعلم النحو؟
نحن الآن نتحدث عن تعلم النحو والصرف في شهر واحد وبدون معلم، هذا جميل، لكن، هل هذا الأمر لا يحتاج في البداية أن نتعرف على كلا العلمين؟ بالطبع يحتاج، ولهذا دعونا نبدأ بتعريف النحو بوصفه الأهم والأقدم والأكثر طلبًا أيضًا، فهو علم من علوم اللغة العربية يبحث في كيفية تكوين الجملة وكيف يكون وضع الكلمات فيها وأيضًا وظيفتها، كما أن النحو يُحدد كذلك الخصائص التي يجب أن تكتسبها كل كلمة بناءً على الكلمة التي تسبقها، وهل هي حرف أم اسم أو فعل، والنحو يمتلك القدرة والصلاحية على تغيير شكل الكلمة، وإلا فإنه يمتلك خاصية مهمة جدًا، وهي تغير نطق الكلمة، وكلاهما من الصلاحيات التي تُبين أهمية علم النحو في اللغة العربية، أما إذا أردنا تعريف علم النحو اصطلاحًا فإن المعنى المقصود هو الميل والقصد، يُقال نحا إليه أي مال إليه أو قصده.
النحو والإعراب
لعلمي النحو والصرف أهمية كبيرة جدًا في حفظ اللغة، تمامًا كما أن للكتابة فضل كبير في حفظ القرآن الكريم، والحقيقة أننا إذا كنا سنتحدث عن علاقة النحو بالإعراب فإنه من الأولى أن نذكر قصة بداية علم النحو ونشأته، أو السبب في وجوده الآن، فهي قصة تبين كيف أثر الإعراب في نظرة الناس للغة ودفعهم إلى حفظها عن الميل من خلال علوم مثل النحو والصرف، فقد كان الرجل الشهير أبو الأسود الدؤلي يسير في الناس فسمع أحدهم يقرأ آية من سورة التوبة ويُخطئ فيها ذلك الخطأ الذي يجعل الله بريء من المشركين والنبي أيضًا، وليس أن الله ونبيه أبرياء من المشركين، وهنا أدرك هذا الرجل عظم الموقف فقرر وضع بعض القواعد وأطلق عليها النحو، وذلك لأنه تنحو عن الخطأ والوقوع فيه، وفعلًا كانت هذه القواعد خير برهان لقراءة القرآن وكافة العلوم الأخرى، ولولا لارتكبت الكثير من الأخطاء ودخلنا جميعًا في المحظور.
ما المقصود بعلم الصرف؟
قبل أن نخبركم بتعريف علم الصرف عليكم أن تعلموا جيدًا أن علمي النحو والصرف متلازمان ومرتبطان جدًا ببعضهما، بمعنى أنه لا يُجدي أبدًا أن يقول شخص بأنه سوف يتعلم الصرف ولن يتعلم النحو أو العكس، فكلاهما كاليدين في الجسد الواحد، لا غنى لصاحب الجسد عن أحدهما بكل تأكيد، وقد ذكرنا في تعريف علم النحو بأنه معني بشكل الكلمة ونطقها وتأثيرها على ما يليها، أما علم الصرف فهو يختص بالكلمة أيضًا، لكن من ناحية أوزانها وصياغها وكل الأمور التي تُطرأ عليها قبل أن تدخل في صلب الجملة، وموضوع علم الصرف محدود بخلاف علم النحو، حيث أنه يختص فقط بالاسم المعرب أو الفعل المتصرف، أم الأسماء المبنية أو الأفعال الجامدة أو حتى للحروف فلا دخل للصرف بها، وكلمة الصرف لغة بالمناسبة تعني رد الشيء إلى حقيقته أو وجهه الصحيح.
لماذا نتعلم النحو والصرف ؟
سؤال ساذج بالتأكيد ذلك الذي سيقول لماذا نشرب الماء؟ وكذلك هو الحال مع السؤال الذي يسأل عن أسباب تعلم النحو والصرف، فإن كان للغة العربية قلب وعقل فسوف يكون القلب هو النحو والعقل هو الصرف، وإن كان هذا غير عادل إلا أننا سنُعرف بعض الذين لا يعرفون بعض أسباب وفوائد تعلم النحو والصرف، وعلى رأس تلك الفوائد بالتأكيد ذلك السبب الذي من أجله وُضع النحو والصرف، وهو إجادة قراءة القرآن الكريم.
إجادة قراءة القرآن الكريم
حفظ القرآن الكريم من ضمن الأسباب التي يعيش من أجلها الإنسان أو المسلم بشكل خاص، فكل مسلم يُريد أن يصل إلى أبعد مكان ممكن في الجنة، وهو أمر يُمكن تحقيقه بحفظ القرآن الكريم وفعل الصالحات، وطبعًا جميعنا يعرف الأحاديث التي تخبرنا بفضل حفظ القرآن وتحفيظه، لكن، ما إن يأتي الخطأ واللحن أثناء قراءة ذلك الكتاب المقدس فإنه بالتأكيد سوف يُقلل من الحسنات، على الأقل بالنسبة للذين بإمكانهم تعلم القراءة بالشكل الصحيح، ولهذا فإن وضع الصرف والنحو كان هدفه في المقام الأول حفظ القرآن الكريم من الخطأ والتحريف اللذين ليس لهما ضابط سوى تلك القواعد التي وضعها أبو الأسود الدؤلي في واقعة سورة التوبة الشهيرة.
الحفاظ على اللغة العربية
بعيدًا عن القرآن فإن النحو والصرف كذلك الحفاظ على أشياء هامة بالنسبة للعرب، وعلى رأسها اللغة، ذلك المتنفس الذي يتنفس منه كل عربي، وطبعًا جميعنا يعرف أن أي لغة مهما كانت ليست مُجرد كلمات عابرة تُنطق بطريقة خاصة، بل هي هوية للشخص الناطق بها، فعندما نسمع الشخص يتكلم بالإنجليزية نعرف أنه إنجليزي ويتمتع بصفات وتقاليد معينة، وهكذا بالنسبة لباقي اللغات الموجودة في العالم، بل إن البعض قد يعتبرها جزء من التراث لكل بلد أو حضارة، ولهذا فإنه لم يكن من اللائق أبدًا أن يترك العرب لغتهم دون وضع طريقة لحفظها من التحريف الذي قد يُعطي للكلمة معنى آخر مختلفًا تمامًا عما هو مقصود، من أجل كل هذا خلق النحو والصرف.
تزيين الكلام وتجميله
من فوائد النحو والصرف أيضًا أنهما يستطيعان إعطاء صبغة خاصة للكلمات تكون أشبه بالزينة، فعندما تسمع الكلمات وهي مُشكلة نحويًا أو آخذة حقها في الصرف فسوف يبدو لك وكأنك تسمع غناء بالطبل والمزمار، وجرب مثلًا أن تنطق الكلام العادي بصورة جامدة دون فتح أو ضم أو كسر، وستجد أنك تنطق كلام آخر غير مفهوم ولا ينطبق أبدًا عما تعنيه العربية من جمال، ولهذا فإن الجميع يعرف أن النحو والصرف وكأنهما سحر جميل أقرب للموسيقى، وهذه ليست مجرد فائدة وإنما يُمكن القول أنها غاية رئيسية من الغايات التي وضع من أجلها ذلك العلم الهام.
الارتقاء بمستوى اللغة
إذا نظرنا إلى اللغة العربية دون علميّ النحو والصرف فإننا سوف نتعرض لصدمة كبيرة، حيث أنها سوف تبدو مختلفة جدًا عما نعرفه ونريده، فحتى أولئك الذين لم يتعلموا النحو والصرف ولا يعرفوا به تجدهم غير قادرين على النطق بصورة طبيعية دون أن يكون في كلامهم شيء من التشكيل والإعراب والتصريف، بمعنى أدق، شيء من النحو والصرف، وبهذا يتضح أن تعلم هذين العلمين لا يأتي لغرض أكاديمي فقط، وإنما كذلك لغرض جمالي، فإن كانت البلاغة تُمثل جزءًا كبيرًا من جمال اللغة العربية فإن النحو والصرف كذلك يحملان جزء ليس بالقليل من هذا الجمال، لكن، بعد أن تعرفنا على أهمية النحو والصرف وفوائده، بالتأكيد نحن في حاجة إلى التعرف على أمر بديهي، وهو كيفية تعلمهما، فكيف يحدث ذلك الأمر بسهولة شديدة؟
النحو والصرف للمبتدئين دون معلم
في البداية يجب علينا التنويه على أننا هنا نتحدث عن تعلم النحو والصرف للمبتدئين الذين لا يملكون وقت للذهاب إلى معلم، وليس أولئك المُتخصصين الذين يُدركون أن النحو والصرف بحر كبير يُمكن أن يغرق من يحاول السباحة به، نحن فقط نريد توجيه الحديث لأولئك الذين لا يعرفون شيئًا عن العلمين ويُريدون أن يضبطوا حديثهم كي يخرج بالصورة التي يجب أن تكون عليها اللغة العربية في كل زمانٍ ومكان، ولفعل ذلك الأمر فإنه ثمة بعض الخطوات، على رأسها مثلًا القراءة في كتب اللغة المُبسطة.
قراءة الكتب المُبسطة
هناك بعض الكتب البسيطة التي تهتم بقواعد النحو والصرف دون تعمق، هي فقط تُعطي القاعدة بمثال بسيط يُسهم في تعليم النطق بالصورة الصحيحة، ولا يشغلها أبدًا أن تسرد تاريخ تلك القادة واختلاف أهل البصرة والكوفة عليه، وإنما فقط كل ما يعنيه أن تخرج القاعدة بالصورة اليسيرة التي يُمكن معها الحفظ بسهولة والتمثيل بسهولة أكبر، ومثال هذه الكتب تلك التي تُدرس في المرحلة الإعدادية، فهمها كان سنك أو درجتك العلمية، وإذا كنت حقًا تُريد أن تتعلم النحو والصرف بشكل مبسط وقوي، فعليك بالاستعانة بتلك الكتب والاطلاع عليها.
حفظ ألفية ابن مالك
ألفية ابن مالك بلا شك تُعتبر من أكثر الأشياء التي ستجعلك تتعلم قواعد النحو والصرف بسهولة، فهي تجمع القواعد في صورة شعرية يسهل حفظها، وطبعًا نحن نعرف أن الإنسان يميل أكثر إلى المعلومات أو الأشياء التي تأتيه في قالب موسيقي، لأن الأذن تُدخلها بسرعة ويقوم المخ بمعالجتها بسرعة أكبر، وربما يُمكنك التأكد من ذلك عن طريق مراقبة الناس الذين يستمعون إلى الأغاني ويحفظونها هي واللحن الخاص بها بسرعة فائقة، وهذا يرجع للسبب الذي ذكرناه.
الاستماع إلى لغة سليمة
اللغة السليمة بلا شك تُسهم في تعليم الآخرين، لكننا لا يجب أبدًا أن نكتفي بمجرد قراءة اللغة السليمة، لأنه قد يحدث أن نقرأ بطريقة خاطئة أو نسمع من شخص غير مؤهل للنطق بلغة سليمة، ولهذا فإن الاستماع إلى دروس النحو والصرف من العلماء المتخصصين والتعلم من نطقهم للكلمات سوف يُفيد جدًا في تحقيق الغرض بأسرع وقت.
التدرب على النطق
بعد أن نستمع ونقرأ النحو والصرف فإن الدور يأتي أخيرًا على التجريب وتنفيذ ما تم تعلمه، وهذه في الحقيقة أهم خطوة، ولا يجب أن تتم سوى أمام متخصصين يُفرقون بين الخطأ والصواب في اللغة، والواقع أنه ثمة برامج وتطبيقات مُتخصصة الآن في مثل هذا الأمور، وهذا ما سيجعل تعلم النحو والصرف أسهل وأسهل، لكن في المقام الأول يجب أن تكون العزيمة والإرادة الحقيقية في التعلم أمور بديهية موجودة بك.