كثيراً ما نقرأ أو نسمع أو نشاهد برامج تتحدث عن تقنية النانو تكنولوجي . ولكن ما هي هذه التقنية وكيف تعمل وكيف يمكن أن نستفيد منها وما هو تأثيرها على المستقبل؟ كل هذه أسئلة تتبادر إلى الذهن بمجرد سماع كلمة النانو تكنولوجي. كلمة النانو في الحقيقة تطلق على كل ما هو صغير الحجم ومن هذا المعنى فإن النانو تكنولوجي هي تقنية الجزيئات متناهية الصغر. أما من الناحية العلمية فإن المقصود بها هو العلم الخاص بدراسة الذرات والجزئيات. والنانو أيضاً يعتبر أصغر وحدة قياس للطول فالنانو يساوي واحد من البليون من المتر، أي أنه إذا تم تقسيم المتر إلى بليون جزء فإن النانو هو جزء واحد فقط من هذه البليون. ولتوضيح الأمر فإن علم النانو لا يقتصر على مجال معين من العلوم بل إن كل دراسة تتعلق بالتعامل مع هذه الجزيئات متناهية الصغر تدخل تحت علم النانو سواء كانت في الطب أو الهندسة أو البناء أو الإلكترونيات أو الأحياء أو غيرها من العلوم. وليكون الأمر أكثر بساطة فإن علم النانو تكنولوجي يقوم على التعامل مع أجزاء متناهية الصغير عن طريق ترتيب هذه الأجزاء أو تجميعها بشكل معين بحيث يتم تكون مادة لها خصائص معينة وفي النهاية إصدار منتج متناهي الدقة أو متناهي الصغر كما هو الحال على سبيل المثال في الحواسيب المصغرة والأجهزة الدقيقة
أهم تطبيقات النانو تكنولوجي
تنقية المياه الملوثة
بفضل الصغر المتناهي لجزيئات النانو فإنها تستخدم حالياً في تنقية المياه من الملوثات صغيرة الحجم مثل بعض أنواع البكتيريا والمواد الكيميائية والفطريات والفيروسات والطحالب وغيرها من المواد الملوثة، فالطرق التقليدية في تنقية مياه الشرب لا يمكنها بأي صورة من الصور التخلص من كلفة المواد التي تعلق بمياه الشرب وذلك بسبب وجود ذرات وجزيئات صغيرة الحجم يصعب التعامل معها. ولكن بفضل تقنية النانو تكنولوجي وبفضل القدرة على تعديل الجزيئات وتشكيلها تمكن العلماء من التوصل إلى طرق تستخدم في تنقية مياه الشرب من المواد الملوثة لها بفضل النانو تكنولوجي. ففي الهند قام مجموعة من الباحثين في مجال النانو بصناعة جهاز يمكن حمله لتنقية مياه الشرب يمكنه تنقية 10 لتر من المياه خلال ساعة ويمتاز هذا الجهاز بقدرته على تنقية المياه من الرواسب الكيميائية مثل الزرنيخ والرصاص وغيرها من المواد التي توجد غالباً في المياه الملوثة. وإضافة إلى ذلك فإن هذا الجهاز رخيص الثمن حيث يتوقع أن يتوافر في الأسواق بسعر 16 دولار فقط.
الطب
إذا جئنا إلى مجال الطب فإن تطبيقات النانو تكنولوجي في هذا المجال كثيرة ومتعددة ولا تتوقف عند حد معين. فإن تقنية النانو تستخدم في خاصية التصوير بالرنين المغناطيسي مما يعطي دقة أكبر لعملية التصوير والتعرف على موقع الورم السرطاني بمنتهى الدقة والوضوح على سبيل المثال.
ليس هذا فحسب فإن الصغر المتناهي لجزيئات النانو جعل لها أهمية كبيرة فيما يعرف بحاملات الدواء التي تستخدم في توجيه الدواء داخل جسم الإنسان فتتمكن هذه الجزيئات من مهاجمة الخلايا المصابة بدقة دون أي تأثير على جسم الإنسان أو أعراض جانبية لهذا الدواء. إضافة إلى استخدام جزيئات الذهب النانوية في قتل الخلايا السرطانية داخل جسم الإنسان وهو ما يعرف بالعلاج بجزيئات الذهب. حيث قام مجموعة من الباحثين الأمريكيين بالاستعانة بأشعة الليزر التي تقوم بقذف جزيئات من الذهب مما ينتج عنه فقاعات متناهية الصغر يتم التحكم بها لإصابة الخلايا السرطانية وتفجيرها لتقتلها وتقضي عليها. تستخدم النانو تكنولوجي أيضاً كأدوات تصوير داخل الجسم وخاصة فيما يتعلق بمجال المناظير الطبية، وكذلك في صناعة المجسات المستخدمة في العمليات الجراحية وغير ذلك كثير من التطبيقات الطبية التي لا تنتهي.
روبوتات النانو
مرة ثانية وبفضل التقنية فائقة الصغر والقدرة على التعامل مع أجزاء صغيرة للغاية لا ترى إلا تحت المجهر الإلكتروني فإنه يمكن استغلال النانو تكنولوجي في تصنيع روبوتات متناهية الصغر لها قدرات كبيرة واستخدامات عديدة. فالتوصل إلى هذه الدقة في التعامل مع جزيئات يبلغ طولها واحد على بليون من المتر سيمكننا من تصنيع أجهزة تتناسب مع هذه الدقة وهذا الصغر، وبالتالي بدلاً من أن نرى روبوتات في أحجام كبيرة وضخمة من الممكن أن نرى روبوتات في حجم رأس الدبوس مثلا أو حتى أصغر من هذا بكثير. هذا ليس كلاماً من وحي الخيال بل هي أبحاث ودراسات غاية في الأهمية تقترب من أن تكون واقعاً سنعيشه قريباً. قام العديد من العلماء بتجارب ناجحه في هذا المجال حيث كان أول هذه التجارب في عام 2009م من قبل العالم الأسترالي فراند جيمس وفريق عمله الذين تمكنوا من صنع أول نانو روبوت أطلق عليه اسم بروتوس ويبلغ حجمه ربع ميلي متر ويتحرك عن طريق زعانف تعمل بما يسمى الكهرباء الضغطية. وفي تجربة ثانية ناجحة في مجال النانو تكنولوجي قام مجموعة من العلماء في كوريا الجنوبية بصناعة روبوت طبي يستطيع الكشف عن الخلايا المصابة بالسرطان والمساعدة في القضاء على المرض. وفي 2015م قام مجموعة من الباحثين في جامعة كاليفورنيا بتجارب على أحد الفئران حتى تمكنوا من إيصال الدواء إلى معدة هذا الفأر عن طريق حمله بواسطة أحد الروبوتات النانوية يبلغ حجمه 20 مايكرومتر. كل هذه التجارب تعد مثالاً واضحاً على الدور الذي ستلعبه الحواسيب المصغرة أو روبوتات النانو في الحياة العملية وبخاصة في مجال الطب الذي ربما سيشهد ثورة كبيرة إذا ما تم الاعتماد على هذه التكنولوجيا وتطويعها لتكون بمثابة علم جديد يضاف إلى العلوم الطبية لمساعدة البشر في التغلب على كثير من الأمراض المستعصية.
مجال الاتصالات والمعلومات
ومن تطبيقات النانو تكنولوجي في مجال المعلومات والبيانات هو إمكانية الاستفادة من هذه التكنولوجيا في عملية تخزين البيانات، وهذا بالفعل ما تم ابتداءً من عام 1998م حيث دخلت النانو تكنولوجي في عملية تصنيع أقراص التخزين في الحواسيب، وكذلك في عام 2009م قام أحد العلماء الذي يدعى ألبير فيبر بتصنيع رؤوس صغيرة للغاية تستخدم في قراءة المعلومات المحفوظة على أقراص صلبة صغيرة. وكذلك يسعى العلماء في هذا المجال إلى صناعة ما يسمى بالنانو كمبيوتر أو الحاسوب المصغر ويكون حجم هذا الجهاز بنفس حجم مكعب السكر ويمكن من خلاله تخزين كم هائل من المعلومات يفوق ما يمكن تخزينه اليوم بآلاف المرات.
ما يمكن أن نقوله الآن أن النانو تكنولوجي ستكون قريباً حجر الأساس في الكثير من المجالات بل ربما تؤدي إلى تغييرات كبيرة في العلوم الموجودة حالياً. سيتجه العالم إلى مزيد من الدقة والصغير فبالتوازي مع شغف الإنسان نحو استكشاف المجرات والفضاء الخارجي هناك شغف آخر نحو استكشاف الذرات والجزيئات والتعمق في الوصول إلى كل ما هو متناهي الصغر واستخدامه في التطبيقات العلمية والعملية، فالعلم أبداً لا يتوقف عند حدود أو ينتهي عند خط معين، فما كان بالأمس خيالاً هو اليوم حقيقة وما نعتقد أنه بعيد وصعب المنال اليوم سيكون جزءاً من المستقبل الذي ستعيشه الأجيال من بعدنا ويسيرون على نفس الخطى التي سرنا عليها إلى أن يأتي اليوم الموعود.
أضف تعليق