ودائمًا هناك ما تتميز به لغتنا العربية، وهذا الموضوع من أهم ما يميزها، وذلك لأن العرب حينما أرادوا وضع معايير للكلمات، وطريقة ضبطها بشكل سليم، لم يجدوا إلا الميزان الصرفي ، فهو عبارة عن: معيار نضع عليه الكلمة، ومن ثمّ وزنها، على صيغ معينة مثل: “فَعَلَ، وفَعِلَ، وفَعُلَ، وفعلل..”، وهذا المعيار أو الوزن الصرفي، يساعدنا في معرفة عدد حروف الكلمة، وحركاتها، وسكناتها، ومن أية مشتق جاءت، ثم تحديد معناها المقصود..، كل ذلك مضمون هذا الموضوع. وهناك كثير من الكلمات الصعبة، والتي لا نعرف مصدرها، وهناك ما يسمى بالمجرد والمزيد، والصحيح والمعتل، والقياسي، والسماعي، والشاذ في اللغة..، كل ذلك محل دراسة هنا، وسوف نتعرّف عليه، ونرى كيفية زنة الكلمة، وتجريدها من الحروف الزائدة، وإن كانت زائدة فما الزائد فيها، كما نتطرّق لبعض أمثلة القرآن، والتي توضّح لنا بعض الكلمات.
استكشف هذه المقالة
الميزان الصرفي والمجرد والمزيد
كيف تزِن الكلمة بطريقة صحيحة؟، يتحقق ذلك في خطوات: أولًا: انظر إلى عدد حروف الكلمة، فنبدأ بالثلاثي منها، فإن كان أصلها على ثلاثة أحرف، فعندنا وزن “فعل”، وإن كانت ذات أصول أربع، فعندنا وزن “فعلل”، وإن كانت زائدة عنهما فوزن “فعلّل”. لكن كيف تعرف الحروف الأصلية من الزائد منها؟، إليك الطريقة المتبعة: “سألتمونيها”، فهذه الكلمة جُمِعّت فيها حروف الزيادة، فإن رأيت الكلمة تحمل من هذه الحروف، كانت بها زيادة، ومثال ذلك في “أكرَمَ”، فتجد الهمزة هنا زائدة، فهي من “كَرُمَ” على زنة “فعُل”، كما تنظر إن اختل معنى الكلمة عند حذف حرف منها، فإن لم يختل معناها فهو حرف زائد. ومن هنا نشرح كيفية وزن الكلمات، فنبدأ بالأفعال من (الثلاثي المجرد)، وهو الخالي من أحرف الزيادة التي ذكرناها، مثل: “أكَلَ” على وزن “فعَلَ”، و”سَمِعَ” على وزن “فَعِلَ”، و”كرُمَ” على وزن “فعُل”، وهكذا نجد أن الكلمات السابقة، خلت من أحرف الزيادة، فجاءت مجردة، وبالتالي طريقة وزنها سهلة.
كيف تزن الثلاثي المزيد حسب الميزان ؟
هناك الثلاثي المزيد، وله أنواع فنجد (الثلاثي المزيد بحرف واحد)، فهناك المزيد بالهمزة، فتجدها في كلمة “أحسَنَ” الماضي من “حسُنَ”، ومزيد بألف فاعلَ، “كضارَبَ” من ضرب، ومزيد بالتضعيف، “كقدّم” من قدم، فتزن الأولى على “أفعلَ”، والثانية على “فاعلَ”، والثالثة على “فعّل”، وهناك نوع آخر (الثلاثي المزيد بحرفين)، فتجده في خمسة أنواع: في الأفعال التي تدل على المطاوعة مثل “كسرتُه فانكسر”، فتجد في كلمة “انكسر” على وزن “انفعل” مزيدة بحرفي الهمزة والنون، ونجده في “اجتمع”، و”اختصم” على وزن “افتعل”،في الأفعال التي تدل على المشاركة، كما نجد في الأفعال التي تدل على عيب خِلقي أو لون في: ” احمرّ” و”اعورّ” على وزن افعلّ، وفي الأفعال التي على وزن: “تفعّل” “تعلّم”، وفي “تفاعَل” الذي يدل على المشاركة، ك “تخاصَم وتجادَل”. وأخيرًا (الثلاثي المزيد بثلاثة أحرف) على أربعة أنواع: في “استفعلَ” في كلمات “استغفر، استونق، استحجر”، وتجده في وزن “افٌعَوعَلَ” في “اعشوشبَ”، وفي “افعوّل” ككلمة “اجلوّذ” أي أسرع، وفي “افعالّ” ككلمة “اصفارّ الورق”.
كيف تزِن الاسم المجرد والأسماء الثنائية؟
نشير أولًا إلى: (الفعل الرباعي المجرد) فهناك: “زلزل ووسوس ودحرج”، على زنة “فعلَل”. وأوزان الاسم الثلاثي المجرد تتلخص في عشرة أوزان: ( فَعٌل، فَعَل، فَعِل، فَعُل، فِعٌل، فِعَل، فِعِل، فُعٌل، فُعَل، فُعُل) والأمثلة عليهم كالتالي بالترتيب: (صَعٌب، قَمَر، كَتِف، عَضُد، حِمٌل، عِنَب، إِبِل، قُفٌل، رُطَب، عُنُق). وأوزان الاسم الرباعي المجرد خمسة: (فَعٌلَل، فِعلِل، فُعلُل، فِعَلّ، فِعٌلَل) والأمثلة على الترتيب: (جَعفَر، زِبرِج تدل على الزينة، فُستُق، قِمَطرَ وهو وعاء الكتب، دِرهَم). وأوزان الخماسي للاسم منه أربعة: (فَعلّل- فَعلَلِل- فِعللّ- فُعلِّل) (سَفَرجَل- جَحٌمَرِش للمرأة العجوز- كِرٌطَعٌب تُقال للشيء القليل- قُدَعمِل أي الشيء القليل)، ونشير إلى أنّ الاسم المجرد في اللغة العربية، لا تزيد أصوله عن خمسة أحرف، فلا وجود للسداسي المجرد، وإنما يوجد فعل سداسي مثل استغفر. أما بالنسبة إلى وزن الأسماء التي على حرفين فقط، مثل (يد- فم- سنة)، فنعرف أولًا ما الحرف المحذوف منها، إما واو أو ياء، فيكون ذلك بالرجوع إلى أصلها، بواسطة الاشتقاق أو التصغير، (فمويّ) فظهرت الواو، (يدي) فظهرت الياء، و(سنو) جمع سنوات فظهرت الواو.
الميزان الصرفي في الحذف والقلب المكاني
نشير هنا إلى أن هناك بعض الأفعال قد يُحذَف منها حرف، كالفعل الأمر من (سعى- وقال- وباع- ودعا- ووقى) ( اسعَ- قُلٌ- بِعٌ- ادعُ- قِ) فتأتي على أوزان: (افعَ- فُلٌ- فِلٌ- افٌعُ- عِ)، وهذه تسمى أفعال معتلة، ويُحذف منها حرف العلة عند جزمها، فالأول حُذِف منه الألف، والثاني الواو، والثالث الياء، والرابع الواو، والأخير الياء. أما بالنسبة إلى القلب المكاني، فمعناه أن يحل حرف مكان حرف آخر، فكما قابل الحرف المحذوف ما يساويه في الميزان الصرفي في المعتل، يقابل أيضًا الحرف المقلوب، فنجد ذلك في الكلمات (أيِس- حادي) مقلوب (يَئِس- واحد) على الأوزان “عفِلَ” و”عالِف” مقلوب “فَعِل وفاعِل”.
المِيزان الصرفي لكلمة ماء
كلمة ماء اسم، جمعه “أمواه”، من مصدر “المَوٌهٌ”، والفعل من الماء “مَوَّهَ”، ويُموِّه تمويهًا فهو مُمَوِّه كاسم فاعل، ومموَّه كاسم مفعول، إذن الاسم (مَوَهٌ) على زنة (فَعَلٌ) كقَمَر، تحرّكت فيها الواو وانفتح ما قبلها، فقُلِبَت الواو ألفًا فصارت من “موَه” إلى “ماه”، ثم تم تخفيف الهاء بالهمزة، فصارت “ماء”، وتصغير ماء “مُويٌه”. ولإيضاح معنى مَوَّه، يعني موّه الحقيقة أي أفسدها، أو خالطها بالباطل، أما المياه، فهي اسم جنس للمياه التي نعرفها، سواء كانت مياه البحار، أو المحيطات والأنهار.
الميزان الصرفي لكلمة الأرض
مشتقات كلمة أرض هي: أرَضَ- يَأرُض- أرٌضًا- آرِض- مَأٌروض، وأَرٌض مفرد، جمعها: أرضون كملحقة بجمع المذكر السالم، وأراضٍ كجمع تكسير، فالوزن الصرفي لكلمة الأرض: من المصدر “أرَضَ- أَرٌض”، على وزن “فَعَلَ- فَعٌل”، وأرض اسم جنس، يُقال على: الأراضي الزراعية، والصحراوية، والأرض الخصبة واليابسة..، كما أن الأرض كوكب من كواكب المجموعة الشمسية، ونحن نعيش عليه، فهو صالح لجميع المخلوقات.
الميزان الصرفي لكلمة الله
اختلفت الآراء حول لفظ الجلالة الله، فقيل: من “لاه يليه” بمعنى ارتفع، فـ الميزان الصرفي لها في هذه الحالة: لَاهٌ على وزن “فَعَلٌ”، ورأي آخر قال: أنها من “لاه يلوه”، أي احتجب، والميزان هنا لا يختلف عن الأولى “لاه على فَعَلٌ”، وما حدث فيها من تغيير: أن أصلها: لاه، ثم أدخلنا لام التعريف عليها لتصبح “اللاه”، ثم أدغمت اللام الأولى في الثانية، ثم تم تفخيمها في النطق، فأصبحت “الله”، ورأي آخر يقول: أنها من “ألَه يأٌلَه”، يعني عبد، فألَهَ على وزن “فَعَلَ”، واسم الفاعل منه “إلاه” على فِعال، وما حدث فيها من تغيير هنا: أن إلاه فيها همزة أصلية، ومد زائد، لكن حُذِفَت الهمزة الأصلية، لكثرة استعمالها، وبقى المد فصارت “لاه”، ثم دخلت أداة التعريف “اللاه”..، وهنا في الميزان تم حذف فاء الكلمة وهي الهمزة، وآخر رأي يقول: أن أصلها “ولاه” من وله، فأبدلت الواو همزة، وذلك لكثرة استعمال الاسم بالواو، فصارت “إلاه”، فالوزن هنا لا يختلف أيضًا، لأن وَلَه على وزن فَعَل.
أمثلة على الميزان الصرفي من القرآن
أمثلة على أوزان الثلاثي، ما جاء على وزن “فَعٌل”: (أبَّا- خمٌط- أثٌل- أزٌر- أسٌر- أصٌل- أكٌل- أمٌر- خوٌف- أنٌف- أهٌل- بخٌس- بَرٌد- بدٌو). أمثلة على أوزان الرباعي، ما جاء على وزن “فعَّل” (أجَّلت- قدَّم- أذّن- أسَّس- ألَّفتَ- أيَّده- بدَّل- برَّأه- فبشّرناه- بلَّغتَ- بوّأ- بيَّت- بيَّنا- وصّلنا- وصَّى- وفَّى- ولَّى- يسَّر)، وما جاء على وزن “يُفعِّل” (يُؤخِّر- يُؤدّي- يُؤلِّف- يُبدِّل- يُبلِّغ- يُثبّت- يُجلّي- تُحدِّث). وأوزان الخماسي ما جاء على وزن “أفعال” (آباء- آثار- الآصال- الأبرار- الأبصار- أبكارًا- أبناء- أبواب- أتراب- أثقال- أجسام- أجداث- الأحقاف- الأحمال- الأذقان- الأزلام- أرحام- أسباط- أسفار- أشياعكم- الأصفاد). أما أوزان السداسي ما جُمِع على “أفاعيل” ( أباريق- أحاديث- أساطير- أقاويل)، والأفعال منه ما جاء على وزن “استفعل”: (استغفر- استأجر- استأذن- استجاب- استحوذ- استخف- استخرج- استخلف- استرهب- استطعم- استطاع- استعجل) ومن المضارع (يستخلف- يستعجل- يستعفف- يستغشون- يستغيثوا- يستفتحون- يستفزهم..) وهكذا والأمثلة كثيرة في القرآن الكريم.
فوائد الميزان الصرفي
لماذا اخترع الصرفيون الميزان الصرفي ؟ احتاج الصرفيون إلى ما يعتمدون عليه في بيان بِنية الكلمة، وشرحها، ومعرفة مشتقاتها، فتتم مقابلة الحروف بالحروف في الميزان، يعنى مقابلة أصول الكلمة لمادة “فعل”، فالفاء تقابل أول حرف في الكلمة، والعين الحرف الثاني، واللام الثالث منها، مع مراعاة السكنات والحركات لها، والمحذوف منها. وتم اختيار مادة “فعل” كمعيار الميزان، وذلك للأسباب التالية: لعموم دلالتها على أي حدث، ولأن الحروف الفاء والعين واللام موزعة كمخارج حروف، الفاء من مقدمة النطق من الشفاه، والعين من الحلق، واللام من اللسان، ولأن أحرفها صحيحة، غير مُعتلة. أما فوائد الميزان الصرفي فتتلخص في: نعرف منه إذا كانت الكلمة، ثلاثية الأصل، أو رباعية أو خماسية..، ومن ثمّ معرفة المجرد والمزيد، والأحرف الأصلية والزائدة، كما نعرف بواسطته: ما إذا حدث في الكلمة إعلال أم لا، ومعرفة الصحيح من المعتل، وما إذا تعرّضت الكلمة للقلب المكاني. ونشير إلى: أن الكلمات التي تتعرّض للوزن، إما أسماء متمكنة، أي تنون ويقترن بها أداة التعريف، أو أفعال متصرفة.
وبذلك إن أردتَ معرفة أصل أي كلمة، يمكنك الرجوع إلى ميزانها الصرفي، بالطريقة التي تم شرحها، فيسهل عليك معرفة أصلها وبِنيتها، كما تستطيع معرفة معناها بعد ذلك.
الكاتب: آلاء لؤي
أضف تعليق