هناك العديد من الموالد المصرية في الوقت الحالي، هناك المزيف منها، والذي ظهر في الواقع بفضل جهل الناس بالحقيقة، وتبعية الجهل بالشيء هو الإيمان بالكذب، إلى أن يصبح الكذب حقيقة متوارثة ومعمول بها، تُسلم من جيل إلى جيل، وهناك بعض الموالد الأخرى تقام بناءً على كرامات وهمية، صنعها رواة من وحي خيالهم وبنوا أضرحة لأشخاص وهميين، من خلال هذه الأضرحة كانوا يستقطبون الناس من أجل الشفاء، وطلب المعجزات، ولكن من ناحية أخرى المصريين كان لهم قابلية لتصديق هذا النوع من الأساطير منذ قديم الزمن، حيث كانوا يقيمون المواكب الدينية كنوع من أنواع التضرع لألهتهم القديمة، وهناك العديد من النقوش الجدارية على جدران المعابد التي تحكي عن أعياد مثل عيد “زيارة الإله آمون” وكان يدعى بالمصرية القديمة عيد “أوبت الكبير”، وكان عبارة عن موكب كبير من الناس ومظاهر الاحتفال، ثم في النهاية يتم تقديم الذبائح والقرابين للإله آمون، في هذا المقال سيتم توضيح أهم العادات المصرية المرتبطة بالموالد، وأهم مظاهر هذه الاحتفالات.
استكشف هذه المقالة
الموالد الشعبية في مصر
منذ منتصف القرن الميلادي الأول بدأت الموالد المصرية تأخذ منحنى ديني، فكان هناك العديد من الأعياد السنوية التي تحتفل بأعياد ميلاد القديسين، وأوقات شهادتهم، وفي هذه الأعياد كانت الاحتفالات عبارة عن صلوات وابتهالات، وطلبات لشفاعة القديسين للتوسط لهم لدى الله في طلباتهم البسيطة، والتقدمات كانت في ذلك الوقت عبارة عن شموع تقدم لصور هؤلاء القديسين، استمر الأمر حتى دخول الإسلام مصر، بعدها بدأت ثقافة الاحتفالات الدينية تتجرد من قدسية الأشخاص، وتتجه إلى الاحتفالات الدينية الإسلامية مثل شهر رمضان والاحتفال بعيدي الفطر والأضحى.
وفي حقبة الفاطميين في تولي زمام مصر، كانت تعتبر هذه الاحتفالات دعاية للدولة الفاطمية في مصر، وظهرت تفرعات صغيرة من هذه الأعياد في كل بقاع مصر، مثل عيد مولد الحسين والسيدة زينب والسيدة عائشة والسيدة فاطمة، هؤلاء كانوا في القاهرة فقط، ثم ظهر مولد “السيد أحمد البدوي” في مدينة تدعى طنطا في محافظة الغربية، وفي الصعيد كان هناك مولد “عبد الرحمن القناوي وأبو الحجاج الأقصري” وفي الإسكندرية “مولد المُرسي أبو العباس، ومولد “سيدي جابر”، ليرجع المصريين مرة أخرى إلى تقديس الأشخاص.
ما هي فلسفة الموالد عند المصريين
قبل سرد أهم مظاهر الاحتفال في الموالد المصرية، يجب توضيح الأفكار الأساسية التي تدفع الناس إلى الإقبال على هذه الموالد، وحسب الباحثة سهير الشربيني الحاصلة على بكالوريوس العلوم السياسية والاقتصادية من جامعة القاهرة، فإن النقطة الأساسية التي انطلقت منها ظهور الموالد المصرية هي عملية تقديس أشخاص يعتقد الناس أن لديهم “كرامات” والتي تعني قدرات خاصة إعجازية على الشفاء وتحقيق الأمنيات، ولذلك أغلب رواد هذه الموالد هم من الفئة الغير قادرة ماديًا واجتماعيًا وذلك لأنهم يرون في هؤلاء الأولياء قوة تستمر فيهم حتى بعد وفاتهم، ومن نظرة أخرى تعتقد الباحثة أن هؤلاء الناس في العادة لديهم شعور داخلي أنهم بعيدين كثيرًا عن الله سبحانه وتعالى.
أما أصحاب الكرامات فهم أقرب إلى الله إليهم، ولذلك يكونون وسطاء بينهم وبين المولى عز وجل، ومن ضمن القصص التي تشرح هذه الفكرة تأتي من محافظة قنا، حيث كان هناك شيخ يأكل، وفجأة توقف عن الأكل لفترة طويلة وسط استغراب الجميع، ومن بعد هذا الهدوء والتركيز، قال لمن معه أن ابنة أخيه كانت تلد في الإسماعيلية، وكانت ولادتها متعثرة، ولذلك لم يستطع أن يأكل أي شيء حتى يفرج الله كربها، وبالفعل رزقت المرأة طفلًا ذكرًا، وبعد عدة ساعات وصل جواب تلغراف من الإسماعيلية يفيد بأن ابنة أخيه بالفعل رزقت بطفل ولد.
أهم العادات والطقوس في الموالد المصرية
لا توجد موالد دون عادات وطقوس، وفي العادة تكون هذه الطقوس عرفية، ليس لها دليل حقيقي أو تاريخي راسخ، بل من الممكن أن يكون فِعل ما وتطور مع السنين بين الناس ليصير عادة سنوية يفعلونها، ولكن كل عادة منهم تمثل نوع من التمييز لهذا المولد أو ذاك، الموالد المصرية لها تمائم مختلفة ستظهر في النقاط التالية.
حلقات الذِكر
حلقات الذِكر في الموالد المصرية أمر يتكرر كثيرًا ومعتاد حتى يومنا هذا، وفيه يتجمع الكثير من الناس في صورة صفوف بجانب بعضهم البعض أو صورة دوائر، دائرة صغيرة من الناس حولها دائرة كبيرة وهكذا، ويَكون في وسط الدوائر هُناك شَيخ الطَريقة أو مُغني صوفي، يُقدم مَدائِح عن صَاحب المُولد أو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وفي العادة تَكون المَدائِح لَها طريقة معينة، ومع هذه الطريقة يحرك الناس أجسادهم ورؤوسهم في تمايل يمينًا ويسارًا، في بعض الأحيان هذه الحركات تسبب إغماء، وفي بعض الأحيان الأخرى يكون الأمر سبب نشوة نفسية، في كل الأحوال حلقات الذكر تميمة وعلامة مميزة للموالد المصرية.
الأغنيات الشعبية
قبل ظهور الميديا والتلفاز، كانت الموالد في مصر مصدر رزق العديد من البشر، مثل البهلوانات والمغنين ومدربي السيرك وأصحاب الملاهي، كل هؤلاء كانوا ينتقلون من مولد إلى آخر في كل أرجاء مصر، ولذلك كان المغنيين الشعبيين يجدون في الموالد بيئة جيدة لممارسة الغناء، أمام جمهور غفير، ومع الوقت أصبحت الغنوات الشعبية عبارة عن تراث ينتقل من جيل إلى جيل، وفي العادة تكون هذه الأغاني عبارة عن مدح للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أو قصص قرآنية يتم نظمها في صورة شعرية مُغناه، كقصة سيدنا يوسف مثلًا، وفي العادة لا يقف المستمعين دون حراك، بل لأن المغنيين يمتلكون صوتًا جميلًا، فالأمر يجعل الناس يقولون بعض الكلمات مثل “الله” أو “أعد الكرة”، أيضًا كان مكسب هؤلاء المغنيين هو المبالغ المالية التي تُرمى عليهم أثناء الغناء، وكلما يكون للمغنى صوتًا جذابًا، كان نصيبه من النقود جيد، وربما أشهر الفنانات العربيات على الإطلاق الذين كانوا يمارسون هذا النوع من الغناء في الموالد المصرية هي السيدة أم كلثوم قبل شهرتها.
تقديم النذور
تعد النذور جزء أساسي من الموالد المصرية ، فمع انتشار الأضرحة، انتشرت فكرة الهدايا التي تقدم للأولياء من أجل التدخل في أمور الناس وإنقاذهم من الأمراض، أو المشاكل، وتختلف أشكال النذور، فمثلًا هناك نذور تقدم في صورة تبرعات إلى داخل الضريح، أو أطعمة يتم تقديمها لخادم الضريح، أو الفقراء والمحتاجين، أو الموجودين في المولد، أيضًا البعض الآخر يقدم شموع، أو أنواع من السجاجيد، كل هذا بجانب ذبح أضحية كنوع من التقدمة الموجهة لصاحب الكرامات، وبهذه الطريقة يعتقد الناس أنهم أقرب إلى الولي.
ألعاب الموالد المصرية الشعبية
هذه الألعاب تكون مجموعة من ألعاب الملاهي من الفئة البسيطة، ليست ملاهي بشكل صريح، وإلى هناك عادة تذهب الأسر الذين لديهم أطفال، لتكون زيارة المولد ليست مجرد تضرع وصلاة بل أيضًا الموضوع به الكثير من المرح، ومن أشهر هذه الألعاب هي ألعاب النشان، والذي يمسك بها الشخص بندقية صيد بها خرز حقيقي ويضرب على أوراق صغيرة، في حالة الفوز يأخذ جائزة رمزية وفي الحالة الخسارة لا يأخذ شيئًا، أيضًا هناك ملاهي دوارة بالكهرباء، وملاهي تعمل عن طريق دفع الجسد للمركبة، وألعاب نارية، كل هذا غير فقرات التحطيب والتي صارت مع الوقت صورة عالمية للموالد المصرية، وفيها يقوم شخصان بمبارزة بعضيهما بالعصيان الخرزانية السميكة، وتكون من الألعاب المسلية والجميلة إذا تكون مبارزة حية بين رجلين، وهي معتادة كثيرًا في موالد الوجه القبلي من مصر، وفي أثناء اللعبة يكون هناك موسيقى عن طريق المزمار، لدرجة أن الأمر يكون استعراض أكثر من كونه مبارزة.
عمليات ختان الأطفال
قد يكون الأمر غريب ولكن منذ قديم الزمن في مصر، تُعتبر عَملية الخِتان شَيء أساسي في الموالد، ومرة أخرى قبل وجود الحداثة الحالية والطب الحديث، كان الشخص المختص بعملية الختان في مصر هو الحلاق، والذي كان يحسن استخدام الموس أو آلة القطع، وكانت تجرى عملية الختان للأطفال ما بين 40 يوم إلى 10 سنوات، ولكن سر ازدياد عملية ختان الأطفال في الموالد، كانت بسبب أن الناس كانوا يعتقدون أن أولياء الله الصالحون عندما يدعون بالشفاء لهؤلاء الأطفال فهذا سيجعل عملية الشفاء من هذه العملية سريعة وأكثر أمانًا، السبب الآخر هو أن الكثير من الناس كانوا يجرون العملية خارج بيوتهم، خوفًا من أن يحسد الولد، كما أن الحلاقين الموجودين في الموالد كانوا يتبارون بمن فيهم ينهي العملية بشكل أسرع وأدق، ولكن هذا لا يمنع حدوث بعض الحوادث التي كان لا يحمد عقباها مع الأطفال.
مواكب الجمال والأحصنة في الموالد المصرية
في بعض الموالد المصرية تكون هناك مواكب احتفال، مثل مولد السيد البدوي في طنطا، ويحدث في هذا الموكب أن يخرج المئات من مريدين الشيخ السيد البدوي في موكب كبير، وتسير هذه المواكب في العديد من المحافظات حتى البعيدة عن طنطا، يركبون فيها الجمال ويرتدون الملابس الخضراء، مع العربات التي تجرها الخيول، مع جمهور آخر يمشي على أقدامه، الأمر يكون بمثابة مظاهرة حب فلكلورية من التراث العربي القديم، وفي أثناء المشي يتم الغناء بمديح السيد البدوي، وقد يستمر الموكب في الطواف والمشي لمدة أيام، حتى تنتهي مدة إقامة المولد.
شراء حلوى عروسة المولد
عروسة المولد هو تقليد فولكلوري أصبح منتشرًا في جميع أنحاء مصر بدون استثناء، وتتكون هذه العروسة من السكر المخبوز والذي يُشكل على هيئة عروسة بأشكال وأحجام وأسعار مختلفة، وقد يستغرب البعض حينما يعلمون أن تاريخ هذه العروسة يرجع إلى العصر الفاطمي، حيث كان في وقت الحاكم بأمر الله الذي يطوف مصر وكان يأخذ معه زوجته الجميلة والتي كانت دائمًا ترتدي تاج من الياسمين، حتى أعجب بها صُناع الحلوى، وصاروا يشكلون الحلوى على شكلها في صورة عروسة بيضاء، الأمر لا ينتهي هنا بل هناك أنواع حلوى أخرى يتم شرائها مثل السمسمية والفولية والحمصية، كلها عبارة عن مكسرات يتم غمسها في السكر السائل لتصير مزيج من السكر والمكسرات.
في الأخير الموالد المصرية من أشهر دلائل الفلكلور المصري، لعدة أسباب، لأن عادات هذه الموالد تتخطى مئات السنين، كما أن هذه الموالد هي مزارات رئيسية للكثير من السياح أثناء وجودهم في مصر، وألهمت العديد من القنوات لعمل أفلام وثائقية عنها، لذلك عالمية الموالد المصرية توازي الكثير من الأشياء الهامة التي تشتهر بها مصر على مستوى العالم.
أضف تعليق