المواساة من منا لا يحتاجها ؟ من منا لا يعرف صديقا أو قريبا أو فردا من الأسرة قد فقد عزيز لديه، أو فشل في مشروع أو وظيفة أو دراسة، من منا لا يعرف شخصا مريض بمرض قوي أو صعب الشفاء، الحياة لا تخلو من المشاكل والأوقات الصعبة، نحن أنفسنا نتعرض لهذه الظروف بين الحين والآخر، يجب أن يكون لدينا الوعي الكافي لنعرف كيف نتعامل مع من حولنا إذا كانوا يمرون بهذه الظروف، ونتعلم كيف يمكننا أن نواسيهم ونقف بجانبهم، ونتعلم كيف يمكننا المواساة، لأن الحياة لا تقف عندما نمر بظروف صعبة، بل إنها تستمر، ويستمر كل شئ كما هو، يجب أن نحارب الظروف ونبقى أقوياء إلى أن ينتهي هذا الظرف الصعب، بل يجب أن نتعلم من هذه الظروف أيضا. دعونا نعرف كيفية المواساة لمن حولنا بالطريقة الصحيحة.
المواساة : الطريقة الصحيحة
فتح الحديث مع الطرف الآخر
أولا يجب أن تعرف كيف تفتح حديثا مع هذا الشخص، بمعنى أنك رأيت أحدهم حزينا أو يبكي أو يبدو مستاءا بشدة، فإذا كنت تعرف هذا الشخص يمكنك أن تقول لقد رأين أنك مستاءا وحزينا، ما الأمر؟ هل تود أن تتكلم عما يحزنك؟ إذا كنت تريد التحدث فأنا أود الاستماع. أما إذا كنت لا تعرف الشخص جيدا، فيمكنك أن تبدأ بتعريف نفسك ثم تدخل في صلب الموضوع مباشرة بطريقة لطيفة.
كيفية الرد على ما يقال
يجب أن تعرف جيدا كيف ترد عمّا يقال، مثلا لا يمكنك أن تبدأ في حكاية قصة مشابهة لما يقول أو أنك مررت بظروفه، هذا لا يساعد في بداية الحديث، قد يساعد لا حقا ولكن عليك اختيار الوقت المناسب. في هذه الحالة يمكنك أن تقول وتؤكد أنك تفهم ما يقوله جيدا، وتستمع بدقة ويجب أن تبدو أنك مهتم جدا ومتأثر بما يقول، حتى لو كان هذا غير صحيح.
لا تقم بعملية المواساة مباشرة
بعد أن تؤكد له أنك تفهم، لا تنتقل إلى الأحاديث الإيجابية والتشجيع مباشرة، فهذا يغضب الجميع، يمكنك أن تسأله أسئلة تهدئ من روعه، مثلا: هل تشعر أنك أفضل الآن؟ هل تود التعبير عن غضبك؟ هل تستطيع أن تخبرني كيف تشعر بالتحديد؟.. وغيرها من الأسئلة، يمكنك أيضا أن تقدم له شرابا منعشا أو قطعة من الحلوى فهذا قد يجعله أفضل حالا وأقل غضبا.
لا تخبر الشخص بأنه سبب المشكلة
إذا كان الشخص حزينا فلا يجب أن تخبره أنه سبب المشكلة وأن هذا خطؤه، بل يجب أن تجعله محط الاهتمام والتقدير وتقول أن هذه المشكلة هي نتاج مراحل عديدة من الإهمال والأخطاء المتكررة، وأن الجميع مسئول عما حدث، وعندما يهدأ فيمكنك البدء بالتحدث بعقلانية عن سبب المشكلة العاطفية أو الأسرية أو غيره.
لا تحول مجرى الحديث
لا تحول مجرى الحديث أبدا، ركز على ما يقول فقط، اجعل هذا الحديث هو الحدث الرئيسي، لا تخبر عن قصتك أو قصة غيرك، واندمج معه فيما يقول بشدة، واشعره أن هذا هو أهم شئ الآن.
خذ الطرف الآخر إلى مكان هادئ
إذا كان الشخص غاضبا بشدة، فيمكنك أن تأخذه إلى مكان هادئ أو تأخذه في نزهة على الشاطئ أو غيره من الأماكن التي تشعر أنه يفضلها. فهذا من شأنه أن يهدئ من روعه، أو إذا كان يحب ممارسة الرياضة، فيمكنك الذهاب معه إلى صالة الألعاب الرياضية حتى يفرغ غضبه وعصبيته بطريقة صحية.
ذكر الطرف الآخر بأن الحياة صعبة
ذكّره بأن الحياة عبارة عن منحنيات، مرة نكون سعداء ومرة نكون تعساء، وأنه لا بأس بالشعور ببعض الحزن بين الحين والآخر، ذكره بأنه مر بوقت صعب قبل فترة وأنه اجتاز الأمر بنجاح، أخبره أن يظل قويّا للنهاية مهما كلّف الأمر وأنه يستطيع أن يواجه هذا المشكلة بقوة وإصرار.
ابحث عن ما يحبه الطرف الآخر
ابحث عمّا يحبه هذا الشخص وافعله، مثلاً إذا كان يحب الطعام فخذه إلى مطعم قريب هادئ، وإذا كان يحب الطبيعة فخذه إلى شاطئ البحر، وهكذا، وافعل هذا أكثر من مرة، لا تنس أنه سيظل حزينا لفترة، فلا تهمله بعد أول لقاء، اتصل به ثانيا وثالثا وأخبره أنك معه إلى النهاية مهما حدث وأنك ستظل تساعده حتى يخرج من حالة الحزن ويكون بأفضل حال.
ابدأ في حل المشكلة
ابدأ في حل المشكلة المتسببة في حزن الشخص بطريقة منظمة ومنطقية، إذا كان هذا الشخص يشعر بالاكتئاب ولم يفلح الأمر بالكلام لمرات عديدة فيمكنك أن تعرض الذهاب إلى أخصائي نفسي، وإن كان الشخص يمر بحالة انفصال عاطفية فيمكنك أن تبدأ في دراسة الأسباب المؤدية إلى هذا الانفصال، وتبين للشخص الأسباب المنطقية التي أدت إلى هذه النتيجة الحتمية، إذا كانت مشكلة في العمل مثلا، يمكنك أن تبدأ في وضع الحلول، شكوى إلى المدير أو تغيير في أسلوب التعامل مع الشخص المتسبب بالمشكلة، أو تجاهل الشخص أو مواجهته بخطئه.
ابدأ في الحديث الإيجابي
بعد عرض خطوات حل المشكلة ومناقشتها مع صاحبها بأسلوب لطيف، يمكنك أن تبدأ في الحديث الإيجابي، على سبيل المثال أن تقول له أنت أقوى الآن، أنت يمكنك أن تتغلب على هذه المشكلة بفردك، أو أن الحياة أبسط من ذلك بكثير ولا يجب أن نعقد الأمور، يجب أن نتجاهل بعض الأشياء المؤلمة لتستمر الحياة، يجب ألا نجعل كل همّنا شخصا ما أو حدثا ما أو وظيفة ما، يجب أن نكون أكثر مرونة في التعامل مع الظروف الصعبة حتى تستمر الحياة.
ذكر الطرف الآخر بان المشكلة هي ابتلاء
ذكّره بأن هذه المشاكل هي ابتلاء من الله ليختبر صبرنا أو ليرفع درجتنا، نحن مسلمون مؤمنون بأن كل ما يحدث له سبب وحكمة في تربيتنا وتوجيهنا إلى الطريق الصحيح، الطريق الأفضل لنا في المطلق، لأنه ليس اختيارنا بل اختيار الله الحكيم العادل الرحيم، الذي يخفف عنّا ما لا نعلمه، يجب أن تذكّر الشخص بأن الله قريب مستجيب للدعاء، وأنه لا يرد عباده خائبين، فيجب أن ندعو ونلح في الدعاء على الله بما نريد أن يتحقق لنا.
ناقش مع الطرف الآخر أفكارًا إبداعية
ناقش مع الشخص أفكارا إبداعية للخروج من الأزمة، مثل ممارسة رياضة جديدة، أو البدء في كتابة الأشعار أو الرسم أو غيره مما قد يحب، أو تعلّم لغة جديدة أو الذهاب أسبوعيا إلى مكان بعيد وجديد وهادئ يعيد للنفس انتعاشها. أيضا قد يكون الذهاب في رحلة قصيرة مفيد جدا، إذا أنه قد يعيد ترتيب أولوياته ويهدئ من انفعاله، ويعيد التفكير بمنطقية وإيجابية، مما قد يسهل الأمر كثيراً.
اجعل الطرف الآخر يفرغ غضبه وحنقه
قد يكون من الأفضل في بعض الحالات بعد أن يفرغ الشخص حزنه وغضبه، أن يوقف التفكير تماما في المشكلة ، لأن أحيانا التفكير الزائد قد يسبب مشاكل أخرى، وقد لا يستطيع الشخص أن يتخطى مشاعره الحزينة تجاه هذا الأمر، لذا يجب أن تعلّمه كيف يوقف التفكير وينخرط في أمر آخر يشغل به تفكيره ويساعده على الهدوء النفسي.
إذا ما كنّا نقوم بعملية المواساة لأنفسنا فيجب علينا اتباع الطريقة ذاتها، ولكن يجب علينا أن نكون أكثر قوة وثباتاً، لا يجب أن نستسلم للظروف أو أن نظن لوهلة أن الظروف أقوى من قدرتنا على التحمل لأن الله لا يكلّف نفساً إلا وسعها، وأن علينا فقط أن نبحث عن الطريقة التي نستطيع بها الخروج من الأزمة النفسية، وأننا نمتلك الحل والإرادة بداخلنا، كل ما علينا أن نحركها بالطريقة الصحيحة.
أضف تعليق