ستتزوج قريبًا؟ تعازيـ…. أقصد: تهانيّ الحارة!. ولكن لحظة.. هل فكرتَ في المكتبة المنزلية بديلًا عن النيش؟ على الأغلب لا؛ فقد تستغنى زوجتكَ عنكَ أنت شخصيًا ولكن لا تستغنى عن النيش!. غالبًا ما لا يخطر على بال الناس أن المكتبة المنزلية هي أهم ما يلزم توفره داخل المنزل، قبل النيش أو السفرة وما شابههما من أشياء ما أنزل الله بها من سلطان. فوجود مكتبة خاصة بالمنزل، يوفر لك حرية الاطلاع واستقلاليته، وقد يعمل على وكزِ ضميرك بسبب تقصيرك في القراءة كلما وقعت عيناك على مكتبتك من حين لآخر.
إعداد المكتبة المنزلية
ما تفعله القراءة
قبل أن نرشدك إلى كيفية إنشاء المكتبة المنزلية وترتيبها، لا بد من أن تفهم من الأساس السبب وراء ضرورة القراءة، وضرورة القراءة من الكتب الورقية دون غيرها. يقول تشيكوف: “حين تحبط اقرأ بشغف”.. نعم، القراءة بشغف دواء، بل ووقاية من الإحباط والكآبة. وهذا لا يعني أنها كقرص البنادول، يداوي الصداع في لحظتها ومن ثم يعود مجددًا، فقد قال عمّنا “بشغف”، وإن سر الدواء يكمنُ بهذه الكلمة، فاستمرار القراءة بنهم يعين على توسعةِ أقطار الذهن والمدارك، وبذلك يتوصل هذا الذهن إلى أن للدنيا مدى فوق حدود كآبته. وإن كان الطعام غذاء الجسد، بحيث يكون في عدمه هلاك للجسد، فالقراءة غذاء العقل والروح، ومن إهمالها يأتِ ذبولهما، بل إن الإفراط في الطعام يجلب العلل، أما الإفراطُ في القراءةِ فيحفظُ من الزلل. وبالقراءة تبرز شعوبٌ وتضمحل شعوب، وتترسخ عقائد وقيم. والناس -كل الناس- لا يعدمون أن يكونوا قارئين أو بهيميّين!.
أما القراءة من خلال الكتب الورقية دون غيرها من الإلكترونية، فهي غاية تحصيل الفائدة، فلا تُستخدم الكتب الورقية فقط في بناء المكتبة المنزلية خاصتك، ولكنّها تستخدمُ في بناءِ معلوماتٍ مُهندمة داخل دِماغك. فقد أثبتت الأبحاث أن القراءة من الكتبِ الورقيّة تعزز المعلومات في الدماغ أكثر مما تفعله الكتب الإلكترونية؛ فقدرة العقل على استرجاع المعلومات المقروءة من خلال الكتب الورقية، هي أعظم بكثير مما إذا كانت من خلال الكتب الإلكترونية، وأكثر دقةً وكفاءة، حيث إن نسبة التركيز أثناء القراءة الإلكترونية لا تتجاوز 25% فقط بالنسبة للقراءة الورقية، وهذا ما يسبب صعوبة استرجاع المعلومات المقروءة من الإلكترونيات. وتستجلبُ القراءة الإلكترونية أماكنَ من الدماغِ زيادةً على المتَطلبة أثناء القراءة الورقية، ويعمل ذلك على إجهاد الدماغ بمضاعفة الطاقة التي يحتاجها أثناء عملية القراءة، ما يؤثر بدورِهِ على دقتها. وتضعُف الذاكرة المكانية للعقلِ مع القراءة الإلكترونية؛ حيث إنه يستطيع بسهولة تخيّل أماكن المعلومات في الكتب الورقية على العكس في نظيرتها الإلكترونية. هذا بالإضافةِ إلى حفظِ حقوق الكتّابِ ودور النشرِ فيما تقرؤهُ بأقلامهم.
وتزيد ضرورة توفر المكتبة المنزلية في وجود أطفال. فإذا ما أردتَ لطفلكَ نبوغ العقل وبراح الفكر وسرعة البداهة، فلا بد من أن تزرع في نفسه حبَ القراءة، بل وشراهة نفسه نحوها؛ ولذلك فإنه يجب أن يعتاد وجود الكتب حوله في المنزل، فهو إذا ما وجدها أمامه دومًا، لا سيما وهي في يدِ والديه، سيتسلل الشغف بها إلى نفسه رويدًا رويدًا، حتى يعتادها كجزءٍ لا ينفصمُ عن يده، وكضرورة أكبر من ضرورات البقاء على قيدِ الحياة من مأكل ومشربٍ، فالكتبُ تبقيهِ على قيدِ الأمل. وحقيقٌ أنّ هذه الغاية تستأهل إلى أن تقتطعَ من مالِ قوت يومكَ، وتبذُلَه في سبيلِ الكتب وبناءِ مكتبة معرفية خاصة بك وبأولادك وذريتك. فقد تكونُ الكتب الإلكترونية أقل كلفةً، إلا أن فوائد اقتناء الكتب الورقية لا تُقدر بمال. وإنك إن ادخرت جنيهًا واحدًا يوميًا، تحصل على كتابٍ كل شهر، واضرب ذلك في عدد سنين عمرك.. تكوّن مكتبةً تُشبعُ جيلًا كاملًا.
كيف تنشئ المكتبة المنزلية وتنظمها؟
- مكان المكتبة: أفضل مكان لأي مكتبة منزلية على الإطلاق هو غرفة مغلقة توجدُ خصيصًا لغرضِ الاحتفاظ بالكتب. وتوفر الغرفةُ المغلقةُ أيضًا جوًا هادئًا يمكنُ فيه ممارسة القراءة، وهذا ما يجعلها الأكثر مواءمة. وإذا لم تسعف مساحة المنزل تخصيص غرفة للكتب، فكل مكان بعيد عن صخب غرفة المعيشة أو التلفاز أو عن محل لعب الأطفال، هو مكان أنسب لوضع أرفف المكتبة به. وراعِ في اختيارك المكان درجة الرطوبة والتهوية، والإنارة الجيدة، فكل هذه العوامل سببًا رئيسًا في نمو العفن والبكتيريا مما قد يُتلفُ الكتب.
- شكل المكتبة: لا يخلو هيكل المكتبة المنزلية من أن يكون مقسومًا إلى عدةِ أرففٍ، قد تكون على شكلِ مربعات متراصّة، أو على شكل مستطيل عرْضيّ. وأهم ما يجب مراعاته هو التقسيم الجيد للأرفف ولون المكتبة نفسها، فالألوان الفاقعة غير المريحة للعين ليس مفضل اختيارها للمكتبة.
- محتوى المكتبة: ثمةَ كتب لا تسع أية مكتبة -عند أغلب الناس- أن تخلو منها، وهي الكتب المتعلقة بالدينِ والأدب واللغة ومقدمات العلوم والموسوعات الشاملة.
- الترويق: إذا ما كنتَ تمتلك كتبًا بالفعلِ ولكن تحتاج إلى أن تودعها في المكتبة المنزلية بنظام، فأنت تحتاج أولًا إلى أن تخوضَ في عمليةِ “ترويق” للكتب خاصتك. اجمع كل الكتب المطمرة في أرجاء المنزل، صغيرها وكبيرها، قديمها وحديثها، وصفِّها من كل ما لا ترغب إدراجه في مكتبتك، وأبقِ فقط على الكتب التي تهتم بمواضيعها؛ حتى لا تزدحم المكتبة بكتبٍ غيرِ ذات أهمية بالنسبة لك.
- التصنيف: قسّم الكتب إلى أقسام عدة حسب نوع مواضيعها، فالتصنيف الموضوعي هو أيسر الطرق، فاجمع الدينيةَ في قسم، والعلمية في آخر.. الخ. قسّم الأرفف أيضًا وسمِّها على أساس ما كوّنتَه من أقسام.
- ترتيب الكتب: ثمةَ أسانيد عدة لترتيب الكتب في المكتبة المنزلية بالقسم الواحد. فيمكن ترتيبها بحسب المؤلف، أو تدرج القراءة في المجلدات المتسلسلة، أو قِدمها من حداثتها أو حتى بحسبِ لونها. رصص الكتب على الرفوف بطريقة رأسية عمودية غير مائلة، ولا تضع الكتب بعضها فوق بعضٍ، فهذا يسبب تلفها ويصعّبُ من وصولكَ إلى الكتاب هدفك. واحرص على ألا تبتلع الكتبُ الكبيرة بناتها الصغيرة، ففرّق في المكان بينهما بحيثُ لا تُحشر الكتب الصغيرة بين الكبيرة فلا تستطيع إيجادها.
- العناية بالكتب: تأكد من وجود مساحة برِحة في المكتبة المنزلية خاصتك، أي أن تكون المكتبة متسعةً بأريحية لِكم الكتب الموجود، وذلك الذي من المخطط اقتنائه في المستقبل القريب إن أمكن ذلك، فتكوّم الكتب فوق بعضها يُضرُّ بها. واعنِ بالفصل بين الكتب ذات الأغلفة المصنوعة من الجلد الطبيعيّ عن غيرها لأنهما يتفاعلان وقد تهترئ الأغلفة. ولا تخرجُ الكتاب من الرفِّ من كعبه لأنه قد يعرضهُ للانفصال عن الكتاب. واحرص على تنظيف الكتب من الأتربة من حينٍ لآخر، لأن تراكم الأتربة يضعفُ أوراقها.
هذا، ويتوارى الإنسانُ خلفَ الأشياء التي تتحدثُ صراحةً عنهُ. ويميلُ دومًا إلى أن يظلّ مشبِعَ ذاته عزيزًا.. ويختلفُ مفهوم العزة من شخصٍ إلى آخر، فقد ترى أنتَ أنّ في العِرقِ عزة، وقد يرى أحدهم أنها في المالِ، ويرى آخر أنها في غرفة سفرة ثمنها آلاف الجنيهات محمّلةً بأشياءٍ لن تتعتعَ عن مكانها أبدَ الآبدين، حتى أنها ستُدفنُ معه. وقد يرى شخصٌ من عالمٍ موازٍ أنّ الزادَ والاعتزازَ وإشباعَ الذات، ينطوي تحتَ المكتبة المنزلية التي قُدِّر لهُ بذل أمواله لإنشائها وتغذية روحه بها. فاربأ بنفسكَ عن سخافات عالمنا هذا، واصنع لنفسكَ عالمكَ الموازي.