المعنى الباطني للأشياء هو أحياناً كثيرة يكون عقدة مع بعض الناس السطحيين الذين يحكمون على الأشياء بسرعة دون التمعن والنظر داخل الأشياء والكلمات والمواقف الحياتية اليومية ويكون هذا النوع من الناس في الغالب يفهم ما يريد أن يفهمه وليس المعنى الحقيقي للشيء. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يكون للشيء أكثر من معنى أو معنى بعيد وآخر قريب أو معنى باطني يجب للإنسان أن يميزه؟ وهذا السؤال هو صلب هذا المقال حيث الإجابة بسيطة جداً لأن المعنى الباطني للأشياء هو الأجمل ببساطة إذا وضحت الشيء على السطح سيتلف سريعاً لأن العوامل المؤثرة ستكون كثيرة عليه أما الشيء الذي يوضع في مكان محكم ومناسب سيعيش أطول فترة ممكنة محافظاً على قيمته، وهذا هو سر الغموض المثير لذلك المعنى الباطني للأشياء غالباً يكون جميل وأكبر دليل على هذا هو محبة الجميع لفك الألغاز، وهل سألت نفسك لماذا الجميع يحب أن يفك الألغاز؟، ببساطة لأنه حينها سيشعر أنه ذكي وسيشعر أنه فعل شيئاً مميزاً لم يفعله الكل أو الجميع مِن مَن حوله، إذا فالموضوع جميل والمعنى الباطني للأشياء شيق جداً ولكن الإشكالية في طريقة تميزه حيث أن كل شخص يختلف عن الآخر فكل شخص لا يعلم ما هو المعنى الباطني لهذا الشيء وهناك اختلافات تؤدي أحياناً إلى حروب من هذه النقطة.
المعنى الباطني للأشياء في حياتنا
سوء الفهم
هناك مشكلة رهيبة في سوء الفهم وخصوصاً عندنا نحن الشرقيون وذلك لسبب بسيط لأنه غالباً الشرقيون يمتلكون عادات وتقاليد ثابته لا يغيرونها ولا يحبون التغير من الأساس، فالرجل الشرقي يحب الاستقرار وعدم المغامرة وهكذا أيضاً السيدة لذلك هم يحبون الأشياء المباشرة غير عسيرة الفهم التي تؤذي نوعية الاستقرار النفسي الذي يحبونه، لذلك أحياناً تجد أحدهم قال كلمة مثلاً تحمل معنيين إحداهم جيد والأخر ليس جيد فتجد أنه حدث سوء فهم في المعنى الغير جيد بل وتطور سوء الفهم إلى مشكلة كبيرة وهذا في حد ذاته سلبية كبيرة في مثل هؤلاء الأشخاص الذين يسيئون فهم المعنى الباطني للأشياء. مثال آخر هناك تجار للآثار ويكثرون جداً في جمهورية مصر العربية وأغلبهم مصريين وعمل هؤلاء التجار أن يهربون هذه الآثار خارج البلاد مقابل مبلغ من المال، ربما تجد هذا طبيعي ولكن الحقيقة أن هذه الآثار لا تقدر بمال لأن القطعة من هذه الأشياء تستحق أن يدفع فيها المشتري الملايين أما التاجر فلا يعرف قيمتها جيداً، وهذا هو المعنى الباطني للأشياء فبالنسبة للتاجر هي ليست سوى تمثال أما بالنسبة للمشتري فهي لا تقدر بمال وأن الملايين التي دفعت فيها هي شيء رخيص وبسبب عدم تقدير الآثار أصبح جزء كبير من أثار المصريين القدماء في بقاع العالم وليس في مصر.
الذكاء اللغوي
هناك بعض الأشخاص يعرفون كيف يستخدمون المعنى الباطني للكلمات تحديداً وهؤلاء يمكن أن تطلق عليهم أذكياء جداً لأنهم يعرفون تماماً ما يفعلون ولن تستطيع مجاراتهم ف قول كلمات ذات معنيين متناقضين، ولكن معنى الحديث هو الذي سيحدد المعنى الحقيقي لمثل هذه الكلمات. ومن ضمن أنواع البشر الذين يتقنون تلك الميزة هم الشعراء فالمعنى الباطني للأشياء بالنسبة للشعراء هو مصدر أكل العيش الخاص بهم لأنه من خلال هذه المعاني يقدرون على إبهارك وربما لو كنت تريد أن تصير شاعراً فيما بعد يجب عليك أن تتدرب جيداً على مثل هذه النوعية من الأقوال والتأملات التي من خلالها ستتعرف على أشياء تجيد قولها. ومن ضمن أصعب اللغات في العالم التي تضم ألفاظ مشابهة ومعاني مختلفة هي اللغة العربية حيث هناك الكثير الألفاظ التي قد تحمل معنيين في أن واحد ومن ضمن الشعراء المجانين المعروفين الذين يحبون قول الألفاظ المتشابهة هو الأصمعي صاحب القصيدة المشهورة “صوت صفير البلبلِ” التي بسببها أخذ وزنه ذهباً لأنه من صعوبتها لم يستطع أحد أن يحفظها سواه هو، وهناك الحلاج أيضاً الذي كان يحب دوماً التلاعب اللفظي بنفس الكلمة المكونة من نفس الحروف ولكن معناها حسب كل جملة يختلف، هنا الكلمات شبيهة لبعضها ولكن المعنى بديع جداً. وهناك الكثير من الشعر والكلمات التي تعرض لنا فكرة الذكاء الرهيب الذي يمتلكه هؤلاء الشعراء في تطويع أفكارهم بطريقة خيالية تتعجب لها وأنت تسمع ما يقولوه، وأول سؤال يأتي إلى ذهنك كيف فعل هذا وجعل الكلمات ذات المعاني الباطنية هذه بجانب بعضها هكذا! هذا يُظهر جيداً جمال وقيمة المعنى الباطني للأشياء بصورة عملية ومسموعة وبسيطة لدرجة أن هناك علم يدعى علم البلاغة في اللغة العربية وهناك أنواع للاستعارات والكنايات التي تعبر عن المعاني الباطنية للأشياء التي يريد أن يظهرها الشاعر أو السارد في مكتوبه.
المستوى الإنساني
هناك الكثير من الناس لا تفهم ما بداخل الآخرين وهناك ناس في حد ذاتهم يدعوهم المجتمع بالغامضين، والذين لا تعرف طريقة تفكيرهم في الأشياء من حولك وهؤلاء الناس في الغالب يكونون قريبين منا ولكن أحياناً نخافهم أو نتجنبهم لأننا لا نعلم في ماذا يفكرون أو لأن الإنسان عدو ما يجهله. وهناك حالات أخرى للجهل تتمثل في فكرة التشويه فهناك شيء يدعى “السُمعة” وهو ما يُسمع عن الشخص الفلاني وهو شيء سيء على الدوام تقريباً، بحيث هناك أشخاص سمعتهم سيئة تجدهم في الحقيقة أشخاص مظلومين وجيدين جداً في التعامل الإنساني وهناك أشخاص سمعتهم جيدة جداً فتجد أن داخلهم في التعامل القريب سيء، ومن هنا لا أرشح لك أن تتعامل مع الآخرين بناءً على سمعتهم بل عندما تتعامل مع شخص حاول أن تتعامل مع حقيقته الداخلية أو المعنى الباطني لكل أفعاله وكلامه لأنه هو المعنى الحقيقي للأشياء. المعنى الباطني للأشياء يشمل أيضاً دواخل الإنسان لذلك حاول ألا تسرع في الحكم على الآخرين إلى بعد أن تتأكد من معاشرتك لهم فترة كافية يتخللها ظروف حدثت بينكم بصورة مشتركة كفيلة أن تعرض لك حقيقة دواخل هذا الشخص.
المستوى العملي
وهذه نقطة مهمة جداً ففي عملك يجب ألا تكون عميق وأن تبحث في المعنى الباطني للأشياء، وهذا طبعاً على حسب نوعية العمل ولكن أنا أتكلم عن نوعية العمل التي لا تحتاج إلى إبداع بل تحتاج إلى تأدية العمل ليس إلا، وللأسف هناك نوعية من البشر يحبون أن يضعون لمساتهم الإبداعية في حيز العمل وعندما يعاقبون يقولون إنهم كانوا يقصدون خيراً وليس شراً. لذلك دعني أكون عملي معك وحقيقي وواقعي ففي العمل يا عزيزي ليس هناك مجال للنوايا بل الموضوع يتحكم به تماماً الروتين والأوتوماتيكية العملية لذلك لا تخطئ هذا الخطأ الساذج وتعتبر أن مجال العمل ولا سيما المكتبي يحتاج إلى لمسة باطنية عميقة، فالمعنى الباطني للأشياء التي نتكلم عنها هو مجال بعيد عن العمل والوظيفة، أما إن كنت تعمل مثلاً في مجال إبداعي مثل المجال الثقافي بأنواعه فحينها لا تقتحم الأعمال بشيء عميق من وجهة نظرك بل يفضل أن تعرض هذا الشيء قبل أن تقدم عليه لئلا تفاجئ في الأخير برد فعل سلبي قد يؤثر على نفسيتك.
أخيراً عزيزي القارئ المعنى الباطني للأشياء هو شيء جميل حاول دائماً أن تكتشفه بصورة بسيطة فأحياناً الأشياء البسيطة تكون هي الأكثر عمقاً وجمالاً.
أضف تعليق