هل يجب أن يسجن شخص بتهمة المساعدة على الانتحار؟ هذا هو السؤال الذي كان محور الحديث في تلك القضايا المعقدة والمحيرة. أحباب، زملاء، رؤساء في العمل، وحتى أطباء في المستشفيات، كل هؤلاء معرضين للوقوع في موقف صعب، فإما أن يقاوموا رغبة الصديق في قتل نفسه، أو إنهم يساعدوه على قتل نفسه والتخلص من معانته، ويعانوا هم في إثبات براءتهم أمام المحكمة بعد ذلك. المشكلة هنا، في كيف القاضي ما إذا كانت هذا المساعد مذنب بالفعل أم لا. أي كيف يعرف نيته أثناء وقوع الجريمة، هل كان يريد التخلص من المنتحر بطريقة لا تجعله مذنبًا، أم هو حقًا كان يريد تقديم المساعدة. تهمة المساعدة على الانتحار قضية محيرة للغاية، وهنا أمثلة عن أغرب تلك القضايا، أريد منك أن تكون أنت القاضي وتحكم فيها.
المساعدة على الانتحار ،ما الذي يدفع الأشخاص لذلك؟
إرهاب شركة الاتصالات
في سنة 2016 تقدمت دعوى قضائية ضد شركة فرانس تيلكوم، على مكتب المدعي العام في باريس. كانت القضية مكونة في البداية من 193 صفحة، تحكي عن إرهاب تلك الشركة مع موظفيها، والتي ذهب ضحية هذا الأمر 35 موظف، كلهم عن طريق الانتحار. وذلك بين عامين 2008 و2009، وبالتالي فإن الشركة متهمة بالمساعدة على الانتحار في كل تلك القضايا. بدأ الأمر في أكتوبر 2006، حين أعلن الرئيس التنفيذي للشركة عن طرد 22 ألف موظف، ولذلك لإعادة هيكلة شاملة للشركة. كما اضطر 14 ألف موظف أخر أن يغير وظيفته داخل الشركة، وذلك لإفساح المجال من أجل 6000 شاب جديد.
ومن وقتها والشركة تستخدم نظام إداري حازم وقاسي. منها إرغام الأمهات العاملات بالعمل ساعتين إضافيتين. في يوليو 2009 قام مهندس تقني بقتل نفسه في مقر الشركة بمرسيليا، ملقيًا اللوم على إرهاب الشركة تجاه موظفيها. وفي عام 2011 قام موظف أخر بإشعال النيران في نفسه داخل موقف السيارات التابع لأحد الفروع. ومنذ عام 2009 وأصبحت الشركة تحت المجهر، وأخطاءها بدأت في التفاقم، ليصل عدد المنتحرين إلى 60 شخص في خلال ثلاث سنوات فقط. أخيرًا بعام 2013، غيرت الشركة اسمها إلى “أورنج”. فهل من وجهة نظرك عزيزي القارئ، أن المساعدة على الانتحار بفرض الأعمال القاسية في العمل على الموظفين يعد نوع من جرائم القتل، ويجب أن يحاسب شخص عليه؟
الإساءة والتسلط في العمل
في الأول من فبراير الماضي بعام 2017، تم اتهام مديرة سابقة لإحدى فروع مطاعم “ديري كوين”، بتهمة القتل غير المتعمد. وذلك عن طريق المساعدة على الانتحار باستخدام السلطة بطريقة سيئة والتنمر على فتى في السابعة عشر من عمره. في 21 ديسمبر 2016، أنهى كينيث ستنر حياته بعيار ناري في الرأي مباشرة، بعد تعرض هذا الفتى البالغ من العمر 17 عام فقط إلى الإساءة والتنمر الوحشي والمستمر. حتى إن في مرة من المرات اضطرت والدته إلى نقله من المدرسة الثانوية التي كان ينتمي إليها. ولكن أحدًا لم يكن في قساوة وسوء مديرته إلى مطعم ديري كوين الذي كان يعمل به. إنها “هارلي برانهام” والتي استدعيت في القضية بتهمة المساعدة على الانتحار من قبل محكمة ميسوري.
لم تستطع شركة ديري كوين تعليم مديريها احترام الموظفين وعدم التحرش أو التسلط بطريقة مريضة. وبحسب الإفادات المقدمة للمحكمة فإن هارلي هي أولى المتهمين وهي تبلغ من العمر 21 عام. في إحدى المرات أرغمت كينيث على النوم على بطنه ومسح الأرضية بيديه. وفي مرة أخرى ألقت بالبرجر في وجه كينيث لأنه صنعه بأقل من المستوى المطلوب. كل هذه التفاصيل بشكل مستمر سببت ضيق في نفسية الشاب، وجعلته يقتل نفسه. لقد اعترفت هارلي بأنها كانت تنادي كينيث بأقذر الشتائم. ولكنها بريئة من تهمة القتل.
المساعدة على الانتحار كخدمة لصديق
في سبتمبر 2016، تم الحكم على بيونغ كوون تشو بالسجن لمدة 10 سنوات، بتهمة مساعدة زميله على الانتحار. لقد اعترف بيونغ بأنه أطلق النيران من الخلف على صديقه يون وو لي، في شارع مهجور في أنهايم بكاليفورنيا. ولكن بيونغ أصر على إنها كانت رغبة صديقه، لأنه كان يريد الانتحار إلا إنه يريد أيضًا حماية عائلته من وصمة الانتحار، ففكر أن يموت وكأنها جريمة سرقة. وطلب من صديقه أن يساعده على إتمام هذه العملية. ولم يتمكن بيونغ من رفض طلب صديقه الأخير وتنفيذ رغبته.
صدقت هيئة المحلفين قصة بيونغ، وحكمت عليه فقط بالسجن عشرة سنوات للقتل غير المتعمد. إلا إن ابنة المتوفي كانت تطلب من المحكمة الحكم بأقصى عقوبة وهي 21 سنة. وكانت حزينة على فعلة صديق والدها الذي طالما كان مع العائلة. وتظن أن تلك المساعدة مجرد قصة واهية للتخلص من حكم الإعدام أو المؤبد. في عام 2011 حين تم اكتشاف جثة يون، وجد المحققين بصمة قدم على ظهر المتوفي. وقد أصر بيونغ على إنها اكتمالًا لحبكة قصة السرقة، وكان يون هو من اشترى له الحذاء. وبالطبع الابنة لا تريد تصديق هذه القصة هي الأخرى.
من الحب ما يقتل
إن تلك العبارة بالفعل تحققت في القضية القادمة. في يونيو 2016 اتهم رجل بالقتل من الدرجة الثالثة، والقتل غير المتعمد من الدرجة الثانية. بعد موت حبيبته عن طريق الانتحار. لقد قال الادعاء أن لونغ فانغ البالغ من العمر 35 عام، قام بمطاردة ومضايقة جيسيكا حبان البالغة من العمر 28 عام. إلى النقطة التي فاض بها الحال وقامت بقتل نفسها في 15 ديسمبر 2015. لفظيًا، عاطفيًا، معنويًا، وحتى جسديًا، قام لونغ بمطاردة حياة جيسيكا. الكدمات على يدها ورجلها ويدها وقت الوفاة تؤكد هذا الأمر. ولقد في نوفمبر 2016 تم تبرئة لونغ من كل التهم الموجهة له.
لونغ وجيسيكا كانا يتواعدان منذ 11 عام، وأصدقائهم كانوا يعتبرنهم متزوجين. ولكن بعام 2015 أصيبت جيسيكا بإصابة شديدة في الدماغ، وبقيت لمدة طويلة في المستشفى، وتم منع أي اتصال يؤثر على صحتها بموجب من المحكمة. إلا إن لونغ تجاهل كل ذلك وتجاهل حالتها الصحية والعقلية، وكان يطاردها من مكان لأخر حتى يوم موتها. وقد وجدت المحكمة 1800 رسالة نصية والعديد من المكالمات الهاتفية باستمرار من لونغ إلى جيسيكا. لقد دفع لونغ الحالة الذهنية لجيسيكا إلى حافة الانهيار وبالتي فهو قام بالمساعدة على الانتحار.
رسائل المساعدة على الانتحار
في أكتوبر 2016، تم القبض على ميشيل كارتر بتهمة التحفيز والمساعدة على الانتحار، وهي تبلغ من العمر 20 عام. وذلك بإرسالها رسائل نصية من هاتفها تشجع فيها صديقها على إنهاء حياته. حيث وجدت الشرطة في 13 يوليو 2014، شاب يبلغ من العمر 18 عام ويدعى كونراد روي الثالث، ميت في شاحنته الصغيرة بموقف للسيارات. وكان قد مات نتيجة تسمم بغاز أول أكسيد الكربون المتسرب من مضخة البنزين في الشاحنة. ويقول المدعي بأن ميشيل كانت ترسل العديد من الرسائل إلى كونراد تشجعه فيها على الانتحار. ومن ضمن الرسائل واحدة كانت مرسلة في تمام الساعة السابعة والنصف مساءً، تأمره فيها بأن يرجع إلى الشاحنة ويكمل ما بدأ، وعلى ما يبدو أن الفتى كاد أن يغير رأيه ولكنها لم تتركه أبدًا.
محامي ميشيل أصر أن تاريخ الاكتئاب الطويل الذي كان يعاني منه كونراد هو الذي أدى إلى موته، ولم يكن لميشيل الذنب الأساسي في القضية. لم تشاهد الشرطة شاحنة كونراد أثناء عمليات تفقدها للمكان، مما يعني أن كونراد لم يقم بأي شيء سوى بعد محادثته، وربما مقابلته أيضًا، مع ميشيل. وهناك عدة شهود أكدوا أن كونراد كان على الهاتف أثناء قتل نفسه بالسماح بتسرب غاز أول أكسيد الكربون وتنشقه. مما يؤكد تحفيز ميشيل له المستمر بقتل نفسه. يتبقى سؤال أخير لن نعرف إجابته أبدًا، وهو لماذا؟ لماذا قد تفعل تلك الفتاة هذا الأمر، وفي ماذا كانت تفكر حينها؟
إهمال الواجب القانوني والمساعدة على الانتحار
أحيانًا تأخذ المساعدة على الانتحار شكل مختلف عن الإجبار أو التحفيز، إنما تأتي في صورة الإهمال. لأن من يمتلك ميول انتحارية يجب أن يبقى تحت النظر والمراقبة، وإلا فأنت تطلق العنان لأفكاره المجنونة. هذا بالضبط ما حدث في القصة القادمة. في ديسمبر 2016، اتهمت ديانا كالاهان التي تبلغ من العمر 47 عام، بالقتل غير المتعمد والمساعدة على الانتحار. لأنها كانت ضمن الحرس في إصلاحية وادي هورون، أثناء قيام إحدى السجينات بشنق نفسها. السجينة كانت تدعى نيكول ادمون، وكانت تبلغ من العمر 25 عام. ولكن تلك السنين تحفل بتاريخ من الأمراض العقلية. وفي تلك الليلة هددت نيكول الحارسة ديانا بأنها ستقتل نفسها، وطلبت منها سترة الحماية من الانتحار. إلا إن ديانا أهملت طلبها.
وكان ذلك انتهاك للواجب والسياسة التي لابد أن تتبعها في ذلك الظرف. وبموجب القانون كان لابد أن تجاوب على أي تهديد محتمل بالانتحار وتمنعه. تم تعليق خدمة ديانا، وبعدها بعدة شهور تم فصلها نهائيًا من العمل. ولك أن تعرف عزيزي القارئ، أن عقوبة القتل الغير المتعمد في ولاية ميشيغان تصل إلى 15 سنة سجن كحد أقصى. وعقوبة اهمال الواجب أثناء تأدية الخدمة هي 12 شهر سجن كحد أقصى.
قتل زوجته في ظروف غامضة
تهمة المساعدة على الانتحار لم يتوقف حدوثها حتى بين الأزواج. في 29 سبتمبر 2016، أدانت هيئة المحلفين في ولاية أوريغون، براين ديفيد هنري والبالغ من العمر 41 عام، بالقتل غير المتعمد من الدرجة الثانية. وذلك لأنه قدم المساعدة على الانتحار لزوجته البالغة من العمر 21 عام فقط. حيث اكتشف نائب الغابات بقايا آنا لورين برويتي، في 9 سبتمبر من نفس العام، في قبر مكشوف. وقد تم التعرف عليها من خلال سجلات الأسنان، لأن الجسد كان متحلل بالفعل. كيف ماتت، وما فعله براين، بقي سرًا ولم يتم الكشف عنه. وحين كانت تفتش الشرطة في بيت الزوجين وجدت سيارة واتهم براين بأنه يهرب فيها الميثامفيتامين. بالعام السابق، تم اتهام براين بمحاولة التعدي على زوجته وخنقها. إلا إن التهم أُسقطت من عليه، بعد اعتراف آنا بأنها هي من قامت بأذية نفسها، وادعت عليه زورًا بعد أن حاول أن يمنعها من قتل نفسها. حقيقة ما حدث يبقى غموضًا.
عيادة الأمراض العقلية والمساعدة على الانتحار
من المفترض أن عيادة الأمراض العقلية هي المكان الأمثل لمنع حالات الانتحار، إلا إن القصة هنا تختلف. تم اتهام عيادة للأمراض العقلية في روهامبتون، إنجلترا، بالقتل غير المتعمد. وذلك بعد فشلها في إنقاذ حياة أحد المرضى الموجودين بها. فرانشيسكا أو فرانكي وايت، هي مريضة مقيمة في تلك المستشفى، وكانت قد هددت بالانتحار تسعة مرات، قبل أن تقوم بذلك بالفعل في 28 سبتمبر 2013. وفي إحدى سجلات المريضة كان الدكتور المتابع لصحتها يشدد على أهمية مراقبتها بشكل دائم. ولا يتم تركها منفردة دون مرافق تحت أي ظرف من الظروف، إلا بعد تأمين حالتها. أي لا يمكنها حتى البقاء بمفردها في الحمام. ولذلك أبلغت الدكتورة فيونا ويلكوكس النيابة العامة، بأن تلك المستشفى لم تعد مكان أمن لرعاية المرضى. والسبب كان فريق الممرضات الغير مدرب جيدًا وقليلي الخبرة، في قسم الاضطرابات الشخصية. ولم تلك القضية هي الوحيدة من نوعها، كثيرين من مرضى هذه العيادة استطاعوا أن ينهوا حياتهم بنفسهم، والمحكمة تعرف أسمائهم جيدًا.
مأساة المراهقين
في سن المراهقة تزيد مشاكل المراهقين ومعها تزيد تعقيدات الأمور وفرصة التفكير في الانتحار. ومع القصة القادمة سترى بنفسك إلى أي مدى قد يصل الأمر. في مارس 2010، تم اتهام تسعة مراهقين شبان من ماساتشوستس بعدة تهم، منها المساعدة على الانتحار وذلك بمضايقتهم للفتاة التي تبلغ من العمر 15 عام وتدعى فويب برنس. مما دفعها لشنق نفسها في 14 يناير من نفس العام. وكانت الفتاة قد انتقلت مع عائلتها مؤخرًا من إيرلندا. وقد بدأت المضايقات والتنمر على الفتاة بعد انتهاء علاقتها بشاب في مدرستها الجديدة. التحقيقات كشفت عن العديد من الإهانات التي لاحقت الفتاة وجعلت إقامتها في المدرسة الجديدة شبه مستحيل. وفي نفس اليوم التي أنهت فيه حياتها، كانت قد تعرضت للمضايقة الشديدة والتحرش في مكتبة المدرسة أمام أنظار المعلمين، والذين لم يفعلوا شيئًا. وقالت المدعية العامة بأن الثلاثة أشهر التي قضتهم فويب تحت الإهانة والمضايقة، كفيلة بجعلها تكره نفسها والحياة وتقدم على مثل هذا الفعل. كما تضمنت التهم الموجهة للمراهقين، الاغتصاب، انتهاك الحقوق المدنية، التحرش والإصابات الجسدية، والمطاردة.
المساعدة على الانتحار بشكل فعلي
هنا قصة أخرى حقيقة تحكي عن جريمة المساعدة على الانتحار ولكن بشكلها الصريح والفعلي. أن تعطي مسدس إلى إنسان غير مستقر عقليًا فأنت بذلك تقتله ولكن بطريقة لن تلطخ يديك أنت بشكل مباشر. في الثاني من يناير عام 2015، اكتشفت السلطات أميانا سانشيز البالغة من العمر 32 عام، مع رصاصة في رأسها. وذلك في دوبوا، بولاية بنسلفانيا. وبجانبها على اليسار مسدس نصف آلي عيار 0.380. إفادة الشرطة تقول بأن مكان المسدس لا يتطابق طريقة سقوطها، وكأنه تم وضعه أو تحريكه بعد موتها. في الحقيقة ينتمي المسدس لبراين لي شافير، والذي كان صديق المتوفية ويبلغ من العمر 45 عام. في البداية قال براين أنه كان في الطابق العلوي حين سمع طلقة النار. ولكن بعد ذلك قال بأنه كان يحاول إقناع صديقته بعدم قتل نفسها.
إلا إنه في الأخير عاد واعترف تحت جهاز كشف الكذب بأنه هو من سلم المسدس محمل بالذخيرة، وكان يعلم بأنها غير مستقرة عقليًا. هددت الفتاة بأنها ستقتل نفسها، وحين وصل براين إلى المسدس كان الأوان قد فات. واعترف أيضًا بأنه أحضر دواء الميثامفيتامين (نوع من المخدرات والمنشطات) إلى المنزل معه بشكل غير قانوني. وبأن أميانا كانت مستيقظة لعدة أيام بشكل مستمر، قبل وقوع الحادثة، مما ساهم في اضطراب عقلها أكثر.
بالنهاية عزيزي القارئ، تبقى قضايا المساعدة على الانتحار قضايا معقدة ومحيرة. وقد لا تعرف من الجاني بالنهاية، وحتى إن عرفت لن تستطيع إلقاء الحكم وأنت واثق بأنه الصحيح، لأنك لن تعرف النيات أبدًا.
أضف تعليق