تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » المدارس : كيف ظهرت ؟ وكيف أثرت في تطور البشرية منذ القدم ؟

المدارس : كيف ظهرت ؟ وكيف أثرت في تطور البشرية منذ القدم ؟

تعتبر المدارس واحدة من العوامل التي ساهمت إلى حد كبير جدًا في تطور البشرية ونقل المعرفة بطريقة منظمة ومنهجية ونظامية، هنا نتعرف على تطور المدارس.

المدارس

منذ فجر التاريخ، وبعد أن اخترع الإنسان الكتابة واستخدمها لتسجيل ما يدور في يومه وما يكتشفه بشكل دائم، أصبح تداول تلك الكتابات فناً. ثم زادت الإنجازات والاكتشافات ليمسي ذلك التداول علماً. ثم أُنشئت دوراً لنقل ذلك العلم للأطفال الصغار فأمسى ذلك التداول يسمى تعليماً. وعلى مر العصور، اختلف حال دور العلم تلك لتتحول إلى الكتاتيب ثم المدارس ثم الجامعات، واختلفت التخصصات بين العلم والدين والاجتماع، وصولاً إلى دراسة النفس البشرية في حد ذاتها. ولعل أكثر ما يشغل بال الكثيرين اليوم هو تحول تلك المدارس والجامعات إلى دورا تفصل بين العلم والتعليم، ليصبح العلم خارجها والتعليم داخلها، بعد أن كانت وسيلة لتوصيل العلم من خلال التعليم. فما الذي دفع إلى هذا التحول؟ وكيف تغيرت دور العلم بهذا الشكل؟ وما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟ للإجابة عن تلك التساؤلات، يجب علينا أن نعرف تاريخ المدارس أولا وكيفية نشوئها في بادئ الأمر.

ما هو تأثير المدارس على تطور الجنس البشري ؟

بداية تداول المعلومات

في البدء وقبل انتشار القراءة والكتابة، في عصور ما قبل التاريخ وزمن الحضارات الأولى، كانت تنقل المعلومات شفوياً. وكان للحفظ دوراً هاماً في تلك العملية، لأن الإنسان كان دائم الحرص على نقل كل ما يعرف أو يكتشف من معلومات جديدة للأجيال الحديثة حرصاً منه على انتقال حضارته واستمراريتها. ولذلك، نجد أن العادة، والمتبع في تلك العصور، هو نقل المعلومات والاحتفاظ بها شفهياً مما أدي لظهور التراتيل، والقصص المغناة والموشحات، كما نجد بعض الحضارات قد استخدمت الشعر وسيلة لنقل المعلومات لأنهم وجدوا أن القافية الموحدة والجناس والسجع والموسيقي تجعل الحفظ سهلاً، كما تؤدي إلى قدرة الطلاب على الاحتفاظ بتلك المعلومات لمدة طويلة ونقلها بسلاسة وسهولة إلى الطلاب الجدد والأطفال. ولعلنا نجد في ذلك نقلاً للعلم أكثر منه تعليماً.

الفرق بين العلم والتعليم

العلم هو المادة الخام، فهو المعلومات التي تم الوصول إليها واكتشافها وتسجيلها أو تدوينها بمختلف الطرق ليتم نقلها وتوصيلها من جيل إلي جيل. فالعلم هنا يعني كل ما تم التوصل إليه والتأكد منه وتسجيله من حقائق مؤكدة جديدة لننتقل بذلك للمرحلة الأخرى المترتبة عليه ألا وهي التدريس والتعليم.

أما التعليم فأساسه التجربة والتطبيق، لأنه الوسيلة المثلى لتوصيل تلك المعلومة. أيضا يعتمد التعليم على شرح المعلومة وتفاصيلها وليس مجرد توصيلها كشيء جامد بدون تفاصيل أو أسباب. والتعليم قد يقتصر على أماكن طلب العلم كالكتاتيب والمدارس، بعكس العلم الذي يمكن التعامل معه في أي مكان وفي أي وقت.

أيضا عامل الوقت هو من أهم العوامل التي تفرق بين العلم والتعليم، لأن الدراسات قد أثبتت أن قابلية المخ لاستقبال وتسجيل المعلومات والاحتفاظ بها في مركز الذاكرة تكون أكثر في الفترة الصباحية، وبتطبيق هذه المعلومة نجد أن أماكن التعليم النظامية مثل المدارس يكون توقيتها الرسمي صباحاً.

أما العلم فيمكن التعامل معه وممارسته في أي وقت مناسب للعالم أو الباحث، وأيضا قد تؤثر طبيعة الموضوع أو البحث علي عامل اختيار الوقت.

تعريف المدارس

المدارس هي مجتمع طلابي لأفراد عدة يشتركون في الرغبة في تداول ودراسة الأسس العلمية الهامة، وتقوم المدارس علي إدارة المعلمين للعملية التعليمية بها، وتكون عملية الدراسة إجبارية في أغلب الدول. وقد تنقسم المدارس إلى عدة اختصاصات كالمدارس الرياضية، والعسكرية، والفنية. وقد تلجأ بعض الدول إلي السماح بقيام ونشأة المدارس الخاصة وذلك حين لا تسمح ميزانية تلك الدول بتوفير العدد الكافي من المدارس المؤهلة لقيام العملية التعليمية بها.

وقد ظهرت المدارس النظامية في حضارات قديمة كثيرة مثل اليونانية والرومانية والهندية وتشير أغلب الحقائق إلي أن أول مدرسة ابتدائية قد ظهرت عام ٤٢٥ ميلادياً.

أما الحضارة الإسلامية فقد كان للعلم بها تاريخاً خاصاً ومميزاً، حيث كانت المساجد أول الأمر مكاناً للدين والعلم سوياً، وكانت العملية التعليمية في الحضارة الإسلامية في بادئ الأمر ترتكز علي المعلومات. وكانت تعتمد علي البحث الذي يخدم أهداف محدده قد سبق وضعها، ثم تطور الأمر مع تطور العلم والاكتشافات العلمية فتم إنشاء المدارس النظامية.

ظهور أول مدرسة

تتجه أغلب الآراء إلي أن أول مدرسة نظامية ظهرت في القرن الثاني الميلادي، ولكن منذ أن ظهرت الكتابة عام ٣٢٠٠ قبل الميلاد في مصر القديمة وقد بدأت سياسة العملية التعليمية في التبلور، فنجد في أول الأمر اقتصار العملية التعليمية علي علية الشعب وأبناء الأمراء والملوك. ولم تكن قد تطورت المدارس لتكون بالشكل النظامي المتواجدة عليه حالياً، ولكنها كانت أقرب إلي الدروس الخاصة للمميزين والأغنياء من القوم. واعتمد باقي الشعب على الفلاحة والصناعات الصغيرة، والتي تعد علما بالطبع، ولكن كان يتم تداوله وتعليمه عن طريق التجربة والتكرار والتطبيق والتعلم الشفهي بعكس المدارس الآن.

وفي تلك الفترة وبجانب العلوم العملية التي كانوا يستخدمونها في حياتهم اليومية كمصدر للرزق وكوسيلة لاستكمال وقع الحياة العادي، قد بدأت الكثير من الدول في تطوير اللغة والكتابة لما رأوه من ضرورة لتسجيل ما وصلوا إليه من تطورات وعلم وحضارة، فنجد لغات كالفينيقية تطور في دول الشام-لبنان وسوريا- وتكون مستمدة من الهيروغليفية القديمة في مصر، ثم تطور لغات أخرى مثل اللغة اليونانية واللاتينية والصينية والمسمارية حتي ظهرت العبرية والعربية. وبالطبع تطور اللغات والكتابة أدى إلى تسجيل الحضارات والعلوم التي قامت عليها مما أوجد ضرورة نقل تلك المعلومات للأجيال القادمة للحفاظ على قوة واستمرارية تلك الحضارات. وكذلك، للحفاظ علي الأديان والأسرار المميزة لكل حضارة مما أدي إلى ظهور المدارس والكليات والكتاتيب.

العلم والتعليم

للعملية التعليمية الكثير من المفردات والمصطلحات التي يجب التفريق بينها وبين تعريفاتها ومعانيها جيداً لكي نستطيع تحقيق المراد من تلك العملية بشكل جيد.

قديماً كان لكل عالم عدداً من التلاميذ والتابعين الذين يسيرون خلفه في كل مكان، مشاهدين ومنصتين جيدين لكل ما يقوم به من تجارب ومدونين لكل أفكاره يناقشونه في كل ما يقول أو يفعل، ونجد في هذا النظام المتبع قديماً خلطا جيداً للغاية بين العلم والتعليم، فهكذا كان يتم اكتشاف العلم ثم التحقق منه ومناقشته مع التلاميذ مما يؤدي إلي تعليمهم كيفية البحث الصحيح والتفكير العلمي، حيث تتضمن طريقة تعليمهم التجربة والتطبيق بالإضافة إلي الحفظ والتدوين والقراءة لنجد ذلك النظام يخرج لنا مجموعة من صفوة العلماء مثل ابن الهيثم وجابر بن الحيان وغيرهم الكثير والكثير في الدول العربية والأوروبية.

ولعل أكثر ما يشوب المدارس في العالم وفي دول العالم الثالث بالتحديد عدم اكتمال عناصر العملية التعليمية، وجعل الاهتمام والتركيز الأكبر على تنظيم تلك العملية والتعامل معها كحرفة أو مصدر رزق دون الأخذ في الاعتبار طبيعة تلك الحرفة، فهذه الحرفة تقوم على العلم وإخراج جيل من الأشخاص الذين يفهمون جيداً معنى العلم وكيفية التعامل معه وكيفية اختيار تخصصاتهم وميولهم الحقيقية فيما بعد ولعل ذلك يبدو جلياً وظاهراً في قلة نسبة العلماء التي تخرج من الدول الذين يتبعون ذلك المنهج في مدارسهم.

فقد أثبتت التجارب والدراسات أن الطريقة المثلي في التعليم هي عن طريق إعمال وتوظيف كل الحواس والمهارات، وجعلها تتعامل كلها مع المعلومة الواحدة ولذلك يجب أن يعتمد التعليم في المدارس على العناصر المرئية والمسموعة والمكتوبة، ثم يجب أن يتم التطبيق على ذلك قدر الإمكان، فالعين تتذكر ما تري، والأذن تتذكر ما تسمع، واليد تتذكر ما تعمل وتكتب، وفي التطبيق الجمع بين كل تلك العناصر، فيصبح من اليسير على المخ تسجيلها في الذاكرة وتذكرها فيما بعد حينما يحتاجها الفرد. كما أن تلك الطريقة تمكن الأشخاص من التحليل والتفكير النقدي والبحث الصحيح والتمكن من المعلومة.

التعليم النشط

عند دراسة النفس البشرية عموما، والوقت الذي يظل الفرد منتبها لما يحدث أمامه، وجد العلماء أن الطالب يظل محتفظا بتركيزه لمدة عشر دقائق فقط! يبدأ الطالب بعد تلك الدقائق العشرة في إسقاط بعض المعلومات قليلا، وبعد فترة من الوقت قد يصير تركيزه منعدما إذا لم يشغل نفسه بشيء يضطره للتركيز في الشرح. وعندما حاول هؤلاء الباحثين تحديد مقدار ما يتذكره هؤلاء الطلبة، وجدوا أنهم يتذكرون 70% مما قيل أول الشرح، بينما يتذكرون 20% فقط مما قيل آخر الشرح. من هنا نشأ مصطلح التعليم النشط. في هذا التعليم، يلجأ المدرس أو المحاضر إلى خلق طرق لإشراك المتعلم فيما يريد أن يوصله إليه. فيحاول بشتى الطرق الحصول على انتباهه، وبالتالي تحقيق أكبر قدر من الاستفادة. من طرق التعليم النشط هي أن يقسم المعلم الطلبة إلى مجموعات صغيرة تبحث سويا عن مهمة معينة. أو خلق مغامرات ومهمات فردية أو جماعية للطلاب، بحيث يكون التعلم مصحوبا بالمتعة. طرق أخرى من أجل تحقيق التعلم وليس مجرد نقل العلم، هي أن يعطي الطلاب بعض الأسئلة الصعبة للتفكير فيها قبل أو بعد انتهاء محاضرته، لضمان انتباه الطلاب ومحاولة فهم كل ما يقال لهم ليتمكنوا من حل ذلك اللغز.

تطوير التعليم

كلما تطور العالم وتطورت التكنولوجيا، كلما تمكن الإنسان من اكتشاف طرق جديدة للتواصل مع الأشياء من حوله والاستفادة منها قدر الإمكان. ففي بداية التعليم، وعندما توصل أولي العقول بأهمية إشراك المتعلمين فيما يتعلمونه، واستعمال كافة حواسهم بها. كان التعليم قائما على التجارب المحيطة من حولهم، فيرون النبات الذي يدرسون عنه، أو النجوم التي يتعلمون طريقة تكوينها، أو إجراء بعض التجارب الكيميائية البسيطة لتوضيح المقصود. أما الآن، فالتعليم وإشراك المتعلم في العملية التعليمية أصبح أكثر قدرة وتعقيدا من ذلك. فالتكنولوجيا قد قربت المجرة بأكملها لتكون بين أيدينا. وجعلت كل المواد الكيميائية أمام أعيننا. وأصبح الخيال الذي كنا نشاهده، إنما هو حقيقة واقعة الآن. فالطرق التي نجعل بها التعليم أكثر إفادة ومتعة، لم تعد صعبة كما في السابق. وإنما يتطلب الأمر معلما متفانيا وذو رغبة حقيقة في تعليم هؤلاء الأشخاص الماثلين أمامه المنتظرين لسماع ما يقول. وبإمكانه جذب انتباههم حتى إذا لم يكونوا مهتمين منذ البداية. الأمر يتطلب رغبة وصبرا ومثابرة للوصول إلى ما نريد.

أفنان سلطان

طالبة جامعية، أهوى القراءة واعتدت الكتابة كثيرا منذ صغري. على أعتاب التخرج ولا أدري بعد ماذا سأفعل.

أضف تعليق

4 + ثمانية عشر =