من أجمل الظواهر الفلكية، الكسوف الشمسي والخسوف القمري. إنها لحظات رائعة الجمال وينتظرها البشر في مواعيد حدوثها حول العالم. ولكن الحيوانات تنتظرها هي الأخرى، وجميع المخلوقات. والكل يرتعب منها ويتغير حال الأرض في تلك اللحظات بحسب الملاحظات التي رصدها العلماء حول العالم. وفي الديانات والحضارات القديمة ستجد العديد من التفسيرات العجيبة لتلك الظواهر، وأغلب التفسيرات أظهرت ارتباط بين الكسوف الشمسي وأشكال من السحر والشعوذة، وكان معهم كل الحق. نستعرض معًا أهم الظواهر الغريبة التي تحدث أثناء الكسوف الشمسي هنا على الأرض، كما سنذكر بعض القصص المضحكة التي ارتبطت بالكسوف والخسوف.
استكشف هذه المقالة
كيف يحدث الخسوف والكسوف؟
مبدئيًا سنلقي تعريف بسيط لكلًا منهما والفرق بينهما. يحدث كسوف الشمس عندما يمر القمر ما بين الأرض والشمس. فيحجب أشعة الشمس بالكامل أو جزء منها عن الأرض. وتظهر في أشكال مختلفة منها الحلقية أو الجزئي أو الكلي. وقد تحدث الظاهرة حوالي 2.4 مرة كل عام، في أماكن متفرقة بالعالم. ولو كان كليًا سيتحول النهار إلى الليل لدقائق معدودة، حتى يمر القمر ويغير مكانه.
أما الخسوف القمري، فهو مرور الأرض بين القمر والشمس. بالتالي يتم حجب أشعة الشمس عن القمر، فلا يظهر نور القمر في سماء الأرض. وكأن القمر أصبح في ظل الأرض لدقائق معدودة، أو ما يسمى بنقطة الاقتران، أي اصطفاف الشمس والأرض والقمر على خط مستقيم بالترتيب. لا يحدث الخسوف سوى في يوم اكتمال القمر، ورغم أنه يكمل كل شهر إلا إن ميول مدار القمر عن الأرض بنحو 5 درجات يتسبب في قلة الظاهرة.
في حين أن النظر للكسوف الشمسي بدون نظارات واقية هو أمر خطير، يعد النظر إلى الخسوف أمر أمن جدًا، ويمكنك استخدام ميكروسكوب. ولكن الكسوف الشمسي له تأثير أكبر على جميع أشكال الحياة على الأرض. لأنها يغير من النظام الطبيعي للبيئة، ويضع الأرض في ليل قبل معادها. وإليك بعضًا من تلك الظواهر الغريبة.
ارتباك معظم الحيوانات
أثناء الكسوف الشمسي الكلي يتحول النهار إلى ليل، لا يتأثر الإنسان بذلك كثيرًا لأنه يعلم أن هذا الاختلاف لبضع دقائق لا غير. أما الحيوان فلا يعرف هذا بل إنه يعتمد بشكل كلي على الشمس لتحديد مواعيد الاستيقاظ والنوم والخروج للبحث عن الفرائس. أول ما ستلاحظه أن الطيور والحشرات وجميع أشكال الأحياء دخلت في صمت مطبق. عندما يحل الليل بتلك السرعة سترتبك الحيوانات وتصمت عن حركتها. باستثناء بعض الكلاب التي تنبح من الخوف.
تنقسم الحيوانات إلى حيوانات نهارية وأخرى ليلية، أي تعيش في ظلام الليل وتنام مع شروق الشمس. القسم الأول سيعتقد بحلول الليل أثناء الكسوف الشمسي ويبدأ في النوم. أما القسم الليلي سيبدأ بالخروج من جحره والاستيقاظ. عندما يعود الحال إلى النهار بسرعة ترتبك الحيوانات أكثر، ونلاحظ استيقاظ الحيوانات النهارية من قيلولتها، وعودة الحيوانات الليلة سريعًا مرتعبة إلى جحورها والنوم. إنه ارتباك تام في يوم الحيوانات. خاصة مع زيادة سرعة الرياح وانخفاض درجات حرارة الأرض بسرعة في تلك الدقائق.
مجموعات صفوف الظل
هي مجموعة خطوط من الظل تتكون عند الكسوف الشمسي فقط، تسمى بالإنجليزية ” Shadow bands”. إنها تبدو كشرائط رمادية داكنة وواضحة، تصطف الشرائط جنبًا إلى جنب مع مسافات ثابتة فيما بينهم. إنها ظاهرة مرعبة خلال هذا الوقت العجيب. عندما يبدأ الكسوف ستلاحظ ظلال موجودين ببساطة على الأرض. ثم عندما يبدأ القمر في الزحف وإخفاء أشعة الشمس شيئًا فشيئًا، ستجد الظلال تتحرك بسرعة نحوك وكأنهم عصابة منظمة تهجم عليك. إن تمكنت من رؤية هذه الظاهرة لا تنساها أبدًا، وستزيد من رهبة الوضع بالتأكيد.
الكسوف الشمسي وارتباطه بالأطفال
منذ أزمنة بعيدة أعتقد القدماء في ارتباط الكسوف الشمسي والخسوف القمري مع الأطفال، ومن شدة الدلائل المصادفات الكثيرة لابد أن نذكر هذه الاعتقادات. اعتقد الأوربيون في العصور الوسطى بأن الحمل خلال يوم الكسوف الجزئي سينتج طفل شرير وقبيح، ممتلئ بالقوى الشيطانية، لذلك لابد أن يبتعد الرجل عن امرأته في هذا اليوم. فالطفل الذي سيولد بعد الحمل في هذا اليوم، سيكون قبيح من الداخل والخارج ولن يتوفر له الحظ في هذه الدنيا. وسيكون على الآباء الاستمرار في توفير الطعام والمأوى لهذا الطفل بسبب حظه التعيس حتى بعد الكبر. ولن يصلح لأي شيء سوى أن يموت على المحرقة لأنها من أعمال الشيطان.
في خرافة حديثة نسبيًا، تعتقد بعض النساء المحليات حول العالم أن ملامسة بطن الحامل خلال الكسوف الشمسي الكلي أو الجزئي هو أمر خطير على الطفل. ومن الممكن أن يولد الطفل بوحمة كبيرة على جسده. وتتناسب حجم الوحمة مع قوة ملامسة الأم لبطنها.
كما اعتقدت بعض الديانات الأخرى بالعيوب الخلقية التي يولد بها من يتعرض للكسوف الشمسي في بطن أمه. في شعوب أمريكا اللاتينية وخاصة المكسيك، يعتقدون أن السراويل الحمراء البراقة ودبوس للأمان، سيحمون الأطفال في بطون أمهاتهم من خطر الكسوف. وهذا المعتقد موروث عن حضارات المايا والأزتيك القديمة. ولكن القدماء اعتقدوا على استخدام خيط أحمر براق ورأس سهم، بدلًا من ارتداء السراويل وحمل الدبوس.
أما بالنسبة إلى الهند، نُشرت مقالة في صحيفة حديثة تنهي الأم عن الخروج خلال الكسوف الشمسي، حتى لا يولد طفلها مشوه بشفة مشقوقة أو أعمى. تقول سيدة هندية: “لم أخذ حذري خلال فترة حملي في يوم الكسوف الجزئي، وقمت بقطع تفاحة بسكينة رغم تحذيري من البعد عن الأشياء الحادة خلال الكسوف، فولد طفلي بإصبع ناقص.”
خدعة كولومبوس
في عام 1504، تاه كولومبوس ووصلت السفينة إلى جزيرة جاميكا. وبعد عدة أشهر كانت الخلافات بينه وبين السكان الأصليين على أشدها، وبدأ مخزون الطعام يقل وسيتضور جوعًا هو ورجاله. فقرر كولومبوس القيام بحيلة ذكية لإقناع زعماء القبائل في مساعدته. استخدم أدوات الملاحة والفلك التي يملكها لتحديد موعد الخسوف القمري القريب، ثم قال للقبائل بأنه سيجعل القمر يختفي إن لم يساعدوه. بالطبع رفض الزعماء تصديقه، وبعد أيام قليلة اختفى القمر بالفعل. فارتعب الزعماء وظنوا أنه يمتلك قوى سحرية، ووفروا له الغذاء وأي شيء يطلبه إلا أن تم إنقاذ كولومبوس ورحل إلى دياره.
شعب الأسكيمو
شعب الأسكيمو يعتقد حتى اليوم أن الكسوف الشمسي يمكن أن يتسبب في تسمم الطعام. ولذلك يجب أن تقلب المرأة كل أواني الطعام رأسًا على عقب. إن كنت تعيش مع الشعب الأسكيمو في المناطق المتجمدة، فعليك توخي الحذر أثناء الكسوف الشمسي، وقلب كل الأواني والأطباق والسكاكين والمعالق والشوك، بهذه الطريقة ستحمي الطعام من أشعة الشمس الضارة التي تسمم الطعام وتمرض شعب الأسكيمو. هذه الأشعة توجد وقت الكسوف فقط، والمرأة التي لن تقلب الأواني ستجلب المرض إلى عائلتها.
شعب تايلاند
كان يُعتقد قديمًا أن روح شريرة هي التي تحجب الشمس وتحاول بلعها، وأن هذا الكسوف دليل على نهاية العالم إن لم تُطرد الروح الشريرة. لذلك يقوم شعب تايلاند بالخروج ويحملون أواني القصدير ويضربون عليها ليخفوا الروح الشريرة. وفي الوقت الحالي تستمر هذه العادة بالإضافة إلى إشعال الألعاب النارية لإنارة السماء وإبعاد الروح الشريرة.
شعب الهند
فيما يعتقد بالكسوف الشمسي والخسوف القمري، فالهند تحتل المرتبة الأولى بالأفكار الغريبة والعادات التي تنتشر في هذا الوقت. على سبيل المثال، لا يجب أن تنام وشعرك مبلل في يوم الخسوف القمري وإلا سيصبح مخبول ومجنون. الكلمة التي يتم استخدامها لوصف الجنون هنا هي ” lunatic”، وهي كلمة تحمل نفس الجذور في اللغة اللاتينية القديمة مع كلمة ” lunar” والتي تعني “قمري”. وهذا دليل على مدى ارتباط المعتقد منذ القدم حول العالم، بين الجنون والخسوف.
في معتقد أخر، يجب على الفرد أن يستحم قبل وبعد الكسوف الشمسي. وذلك حتى يطرد الأرواح الشريرة التي تحوم في عالم الإنسان في هذا الوقت المرعب. وكما يعرف الجميع أن العين تتأذى بفعل النظر إلى الشمس خلال الكسوف، يعرف الهنديون أن الحل الأكيد لضمان عدم أذية العين، هو غسيل الوجه وخاصة العيون بالبول. بل إنه من المفضل أن تغسل عينك بعد الكسوف بالبول، ولن تحرقك عينك فيما بعد أبدًا.
صيادو الكسوف الشمسي ولغز تغير لون المياه
عندما ترى الكسوف الشمسي لأول مرة ستتمنى رؤيته ثانية عند حدوثه في أي مكان بعالم، ومتابعة مساره. بالنسبة إلى “مارسي سيغلر”، كان هذا حلم أصرت على تحقيقه. في عام 1972، استأجرت مارسي سفينة تبحر من نيويورك في الولايات المتحدة، إلى سواحل مقاطعة نوفا سكوشيا الكندية الواقعة على الساحل الشرقي، وتطل على المحيط الأطلنطي. واصطحبت معها ما لا يقل عن 830 شخص على متن السفينة. وذلك لمتابعة الكسوف الشمسي والتحرك معه، مثل الصيادين وراء الفريسة.
بعد يومين من بداية الرحلة في تمام الساعة 3:47 ظهرًا، رأوا جميعًا كسوف شمسي كلي بوضوح في سماء المحيط الصافية. وبحسب تعبيرهم عن جمال المشهد: “رأينا الظل الأسود للقمر يتحرك ويتغلغل في قرص الشمس، وكأنه إعصار دائري، ولكن شيئًا غريبًا حول لون مياه المحيط إلى أرجواني داكن، أثناء اقتحام القمر لقرص الشمس ثم المرور بعيدًا عنها.” تلك الظاهرة غريبة وجميلة وهي لغز لا يعرف العلماء الكثير عنه أو سببه.
إدمان ظاهرة الكسوف الشمسي
من فرط حب بعض الأشخاص على مشاهدة الكسوف الشمسي، ظهر مصطلح عن إدمان مشاهدة الكسوف. يدعى ” umbraphiles”، أو ” shadow lovers” أي “عشاق الظل”. إنه إدمان غريب ولا يعرف العلماء سر هذا الإدمان، أو كيف يؤثر عليهم لتلك الدرجة. فهم يتتبعون مواعيد الكسوف الشمسي حول العالم، ويترصدون أفضل الأماكن التي يمكن مشاهدته من خلالها. وحين يأتي الموعد يتركون كل ما بيدهم من عمل أو مناسبات هامة، ويركبون الدرجات أو يتسلقون الجبال، أو يصعدوا على سفينة أو حتى يركبوا الجمال، فقط للوصول لهذا المكان المناسب ولو كان في قلب الصحراء الجرداء.
كل هذا ليشاهدوا المنظر العجيب لظل القمر يغزو قرص الشمس. يفعلون هذا كل حوالي 16 شهر، عند حدوث كسوف شمسي كلي في مكان ما بالعالم. ولو ذهبت لكل تلك الأمكنة معهم ستجد نفس الوجوه لا تتغير، هم جماعة من مجانين ومدمنين الكسوف الشمسي، وبدون علاج.
خاتمة
الكسوف الشمسي ظاهرة في غاية الجمال والرهبة، ولن يتوقف الإنسان عن الاستمتاع بها كُلًا على طريقته ومعتقداته. فلا تفوت الكسوف الشمسي أو الخسوف القمري القادم في بلدك، وتتبع موعده وتمتع بتلك اللحظة التي تحتضن فيها الشمس قرص القمر.
أضف تعليق