إذا ما وجهت هذا السؤال إلى أحد الأشخاص: ما هي الطريقة الصحيحة من أجل القفز من جسم متحرك (قطار أو ترام أو سيارة أو غيرها) بأقل قدر ممكن من الأضرار؟ فإنك ستستمع إلى عدد كبير من الآراء ، وأغلبها غير مبني على حقائق علمية ، فهي مجرد اجتهادات لأصحابها ، في هذا المقال سنناقش هذا السؤال ونوضح أفضل طريقة للقفز من جسم متحرك ، مع أقل قدر ممكن من الأضرار للشخص الذي سيقوم بعملية القفز من جسم متحرك .
ما يجب عليك أن تعرفه حول القفز من جسم متحرك ؟
ظاهرة القصور الذاتي
نحتاج إلى فهم ظاهرة القصور الذاتي أولاً من أجل تحديد الطريقة المثلى من أجل القفز من جسم متحرك ، يقول قانون نيوتن الأول للحركة: ‘يظل الجسم ساكن ساكنًا ، ويظل الجسم المتحرك متحركًا في نفس الاتجاه ما لم تؤثر عليه قوة تغير من سرعته أو اتجاهه’ هذا القانون الأساسي في علم الفيزياء يمكن أن نشرحه بشكل أكثر تبسيطًا في الآتي:
بالنسبة للأجسام الساكنة
لا يفترض أن يتحرك الجسم الساكن من تلقاء نفسه بدون وجود قوة تقوم بإعطائه الطاقة من أجل أن يقوم بالتحرك ، على سبيل المثال ، لو أن لدينا كرة موضوع على أحد الأسطح ، لا يفترض أن تتحرك الكرة ما لم يقم أحدهم بإعطائها قوة دافعة عن طريق خبطها بيده ، أو نفخها ، أو إعطاء الجاذبية الأرضية فرصة لجذبها عن طريق إمالة السطح بزاوية ما ، لابد إذًا من وجود قوة تؤثر على الكرة من أجل نقلها من حالة السكون إلى حالة الحركة ، نفس هذا الأمر ينطبق على أي جسم في أي حالة ، السيارة على سبيل المثال ، ستظل واقفة في مكانها ما لم يتم تشغيل المحرك من أجل إعطائها قوة دافعة تنقلها من حالة السكون إلى حالة الحركة . وقس هذا القانون البديهي على جميع الأجسام .
بالنسبة للأجسام المتحركة
يختص النصف الثاني من قانون نيوتن بالأجسام المتحركة ، ومقابل النصف الأول من القانون الذي قد يكون بديهيًا ، ربما يحتاج النصف الآخر إلى بعض الشرح ، يقول نيوتن إن الجسم المتحرك يظل متحركًا إلى ما لا نهاية في نفس الاتجاه ، تقلل من سرعته أو تزيدها ، أو تغير من اتجاهه ، كيف هذا؟ هذا يعني أنه في حالة دفعك لكرة ما على أحد الأسطح فإنه لا يفترض أن تتوقف الكرة أبدًا ، وتظل سائرة في اتجاهها الأولى إلى ما لا نهاية ، قد يبدو هذا الأمر غير منطقي ، لأنه من تجاربنا اليومية فإننا إذا ما قمنا بفعل ذلك فإن الكرة ستتوقف بعد فترة من الوقت ، فهل هذا مناقض لقانون نيوتن؟
في الحقيقة هذا لا يناقض قانون نيوتن على الإطلاق ، فهناك شرط اشترطه نيوتن لاستمرار الجسم المتحرك متحركًا ، وهو أن لا تؤثر عليه قوة تقلل من سرعته ، وفي حالتنا هذه ، يلعب الاحتكاك بالسطح نتيجة وجود قوة الجاذبية دور القوة التي تقوم بكبح الكرة لتقلل من حركتها شيئًا فشيئًا حتى تتوقف في النهاية ، في الحقيقة إن قوى الاحتكاك وقوى الجاذبية تجعل من تطبيق هذا القانون غير ممكن في حالات كبيرة ، فحتى لو قمنا بإطلاق الكرة في الهواء ، ستتأثر أثناء حركتها بقوة الجاذبية ، وقوة الاحتكاك بالهواء ، وستؤثر هذه القوى في النهاية على الحركة وتجعلها تبتعد كل البعد عن الحركة اللانهائية المنشودة .
حتى نستطيع تطبيق هذا القانون بفعالية ، يجب أن يطبق في ظروف مماثلة للظروف الموجودة في الفضاء الخارجي ، حيث تقل الجاذبية إلى درجة أنها تصبح شبه معدومة ، أيضًا وجود الفراغ المطلق في الفضاء الخارجي يجعلنا غير قلقين بشأن مقاومة الهواء للحركة ، هذا يعني أنه إذا ما قمنا بدفع أي جسم في الفضاء الخارجي ، فإنه سيظل سائرًا في الاتجاه الذي تم دفعه فيه إلى ما لا نهاية .
وهذه الظاهرة هي ما تعتمد عليه مركبات الفضاء في رحلتها إلى القمر أو إلى الكواكب الأخرى ، حيث بعد خروج المركبة من الغلاف الجوي ، لا تحتاج لأكثر من دفعات قليلة من محرك صغير جدًا من أجل دفعها في الاتجاه الذي ترغب في الذهاب إليه ، وإلا فإن المركبات كانت لتكون أكبر حجمًا بكثير مما نراها عليه ، إذ سيضطر مصممي المركبة إلى تزويدها بصهاريج وقود كبيرة جدًا من أجل أن تكفيها لرحلتها ، في الواقع يمكن تحريك مركبة فضاء تزن عدة أطنان بمجرد نفخة من فم رائد فضاء في عكس الاتجاه الذي يرغبون في الاتجاه إليه .
القصور الذاتي
إذا ما عدنا إلى ظاهرة القصور الذاتي التي نحتاج إليها لتحديد أفضل طريقة من أجل القفز من جسم متحرك ، فإننا نقصد بها ميل الأجسام للاحتفاظ بسرعتها التي اكتسبتها ، حتى في حالة توقف القوة التي سببت وصول الجسم إلى سرعته الحالية ، يمكنك الإحساس بهذه الظاهرة عندما تكون داخل سيارة أو قطار ، ويقوم السائق بالضغط على دواسة الفرامل ، حيث تجد أنك تميل بالنصف الأمامي لجسمك إلى الأمام ، تفسير هذا الأمر يرجع إلى أن جسمك قد اكتسب حركة في اتجاه معين ، وعندما تحاول المركبة التوقف ، يتوقف معها النصف الأسفل من جسمك لأنه ملتصق بالمركبة ، أما النصف الأعلى فإنه يحاول الحفاظ على حركته ، ولهذا تجد أنك قد انكفأت إلى الأمام .
نفس هذه الظاهرة يمكن ملاحظتها أيضًا في عندما تقوم بلف قطعة نقدية على سطح أملس ، حيث نلاحظ أن القطعة النقدية تميل للدوران حتى بعد تركها من اليد ، حتى توقفها قوى الاحتكاك كما أسلفنا ، أيضًا نفس هذه الظاهرة يمكن عن طريقها تفسير الكثير من الأمور المتعلقة بالأجسام المتحرك ، ويمكننا أن نعرف القصور الذاتي بأنه قصور الجسم بذاته عن تعديل حركته بنفسه ، وإنما يحتاج إلى قوة خارجية تقوم بتحريكه من السكون إلى الحركة ، أو من الحركة إلى السكون ، وجدير بالذكر ، أن القصور الذاتي لأي جسم يتناسب بشكل طردي مع كتلته ، وهذا يعني أن الأجسام الأكبر في الكتلة ، تحتاج إلى قوى أكبر من أجل إيقاف حركتها ، وأيضًا من أجل نقلها من السكون إلى الحركة.
القفز من جسم متحرك
إذا ما عدنا إلى قضيتنا ، وهي القفز من جسم متحرك ، وحاولنا أن نقوم بتحديد أفضل طريقة من أجل القفز من جسم متحرك ، فإننا سنجد أنه لدينا أسلوبين يمكننا اتباعهما في هذه الحالة ، الأسلوب الأول هو القفز إلى الأمام ، والأسلوب الثاني هو القفز إلى الوراء ، ولوهلة ، يبدو القفز إلى الأمام هو الأسلم ، في السطور التالية سنحاول أن نقوم باستعراض أسلوبي القفز من أجل تحديد أيهما أفضل .
القفز من جسم متحرك إلى الأمام
عندما نقوم بعملية القفز من جسم متحرك (على سبيل المثال القفز من عربة ما) إلى الأمام ، فإن جسم الشخص القافز بعد أن ينفصل عن العربة ، يكون ما يزال محتفظًا ببعض من سرعة العربة ، بفعل ظاهرة القصور الذاتي كما أسلفنا ، لذلك فإن الجسم سيقوم بالاستمرار في الحركة إلى الأمام ، وإننا عندما نقوم بالقفز إلى الأمام ، لا نقوم بتقليل هذه السرعة ، بل إننا نقوم بزيادتها أكثر (تجمع السرعات في هذه الحالة ، سرعة القفز وسرعة العربة) وهذا ما سيؤدي إلى اصطدامنا بالأرض بسرعة أكبر ، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى احتمال أكبر لحدوث الإصابات .
القفز من جسم متحرك إلى الخلف
عندما نقوم بعملية القفز من جسم متحرك إلى الخلف ، فإن القصور الذاتي كما أسلفنا يسبب استمرار الجسم في الاحتفاظ بسرعته التي كان عليها عندما كان داخل العربة ، لكن بالقفز إلى الخف فإننا نقوم باقتطاع جزء من هذه السرعة ، فتكون السرعة الإجمالية هي ناتج طرح سرعة القفزة إلى الخلف من سرعة العربة ، وبالتالي سنقوم بالاصطدام بالأرض بسرعة أقل ، وهو مما سيؤدي إلى فرصة أقل لحدوث الإصابات .
الملخص
مما سبق ، ربما تستنتج أنه يجب عليك القفز من جسم متحرك إلى الخلف من أجل تقليل سرعة القفزة ، ومن ثم نصطدم بالأرض بأقل قدر ممكن من القوة لتقليل الإصابات إلى أقل قدر ، لكننا نسينا شيئًا مهما ، وهو أننا إذا ما قفزنا إلى الخلف ، فإننا سنضطر إلى الالتقاء مع الأرض وظهرنا إلى الاتجاه الذي نتحرك به ، وهو ما يعني أنه سيتوجب علينا أن نركض بشكل معكوس ، وهو ما تزيد فيه فرصة وقوعنا واصطدامنا بالأرض أكثر بكثير في حالة كان وجهنا إلى الاتجاه الذي نتحرك فيه ، وفي الواقع ، الإصابات التي تحدث نتيجة سقوط الإنسان على ظهره أفدح كثيرًا من الإصابات التي تحدث إذا ما وقع الإنسان على وجهه ، حيث من الممكن أن يقوم الشخص بحماية وجهه والأماكن الحساسة في الجسم بيديه ، كما أنه يستطيع أن يجاري السرعة لعدة خطوات قبل أن يتوقف تمامًا .
في الحقيقة ، أفضل طريقة فيزيائيًا من أجل القفز من جسم متحرك ، هي القفز إلى الوراء ، مع بقاء وجهنا إلى الأمام ، بهذه الطريقة نقوم بضرب عصفورين بحجر واحد ، حيث نقلل أولاً من القوة التي اكتسبها جسمنا بسبب القصور الذاتي للجسم ، ومن ناحية أخرى نحصل على فرصة للالتقاء بالأرض ووجهنا إلى الأمام ، مما سيعطينا تحكمًا أفضل في أجسامنا ، ومن ثم يمكننا التوقف بأمان .
في الحقيقة يجب تقليل الأحمال التي معنا قبل القيام بالقفز إلى أقل حد ممكن ، ففي حالة كون الشخص الذي يقوم بعملية القفز من جسم متحرك يحمل أوزانًا (حقائب على سبيل المثال) فإنه يفضل أن يقوم بإلقائها قبل أن يقوم بالقفز ، وذلك ﻷنه حسب قانون القصور الذاتي ، يحتاج الجسم إلى قوة أكبر للتغلب على حركة الجسم في حالة زيادة كتلته ، وكلما كانت الكتلة أقل ، كلما كانت عملية إيقاف الجسم المتحرك أكثر سهولة . مع القفز بالطريقة التي أسلفنا ذكرها ، وبالمناسبة ، هذه هي الطريقة التي توصل إليها الأشخاص الذين اعتادوا على القفز من القطارات والترام والحافلات العامة بحكم عملهم ، مثل البائعين وقاطعي التذاكر والمفتشين .
أخيرًا ، يجب أن نحذر أن القيام بالقفز من جسم متحرك هو أمر غاية في الخطورة ، ولا يجب أن يقوم الشخص بتجربته على الإطلاق ، خصوصًا في السرعات العالية ، من الممكن أن تصاب بالعديد من الإصابات إذا ما قفزت من جسم متحرك حتى مع اتباع الطريقة الموجودة في هذا المقال ، هذه الطريقة من أجل العرض العلمي فقط ، ولا ينصح بتجربتها ، إلا في حالة الاضطرار إلى ذلك فقط .
تحدثنا عن قانون نيوتن ، وأوضحنا بشكل مبسط ظاهرة القصور الذاتي ، التي استخدمناها بعد ذلك في المقارنة بين أسلوبي القفز من جسم متحرك ، وتوصلنا في النهاية إلى أنه في حالة الاضطرار للقيام بعملية القفز من جسم متحرك ، فإنه ينبغي علينا أن نقوم بالقفز إلى الخلف مع إبقاء وجهنا للأمام ، فهي الطريقة الأكثر أمانًا من أجل القفز .
أضف تعليق