من منا لم يشاهد أو يسمع عن قصص الحب الأسطورية بين أبناء الطبقات الغنية في المجتمع وبعض أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، واللذان باعدت بينهم الفوارق الطبقية ، هذا المثال ليس الحالة الوحيدة أو الأخيرة التي تعبر عن وجود كثير من الفواق داخل أي مجتمعي سواء شرقي أو غربي، ففي الوقت الذي يحاول فيه جميع أفراد المجتمع الانصهار سويًا يكون هناك مجموعة من العوائق التي يأتي على رأسها تلك الفوارق الطبقية ، ومنذ العصور القديمة يواجه الأفراد مشكلة الطبقية وتميز فئة على أخرى وغالبًا تكون لأسباب اقتصادية أو عرقية، وكثيراً ما تنشأ حروب وصراعات بسببها، وللتخلص منها يجب على المجتمع أن يعرف المشكلة لكي يتم حلها وليس التغاضي عنها إلى أن تتشكل المشكلة التي تسبب انهيار المجتمع والذي يحتاج إلى فترات طويلة لإعادة بناؤه.
الفوارق الطبقية بين طبقات المجتمع وسبب وجودها
الطبقات الاجتماعية
تعتبر الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة والطبقة الغنية أكثر الطبقات الاجتماعية انتشاراً، ويعتبر نظام الطبقات هو عبارة عن مجموعة مفاهيم اجتماعية وسياسية وغيرها تسود في كل مجتمع، ويتم من خلال إجمالي هذه المفاهيم تصنيف الأفراد وفقاً لفئات اجتماعية هرمية، وغالباً ما تقسيم المجتمع إلى مجموعة من الفئات التي يتشابه أفراد كل فئة فيما بينهم في مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية، ويؤكد البعض أن الأشخاص الذين يملكون نفس الوضع الاقتصادي أو التعليمي أو الاجتماعي غالبا ما تنشأ علاقات جيدة، كما يتكون المجتمع من عدة طبقات تتنافس فيما بينها، بخلاف الطبقة الشعبية التي تتعارض معهم حيث تشغل وظائف مختلفة عنهم ومبتعدة، وكان أول ظهور للطبقات المتعددة بالمجتمعات في العصور القديمة كالمجتمعات المدنية الحديثة في روما قبل ظهور البرجوازية.
وقد تم استخدم مفهوم الطبقية في سياقات مختلفة على مر العصور والمجتمعات، فنجد؛ بالمجتمعات القديمة الصراع في مجتمع الرق بين السادة والعبيد، كما أن هناك صراع يظهر بين ملاك الأراضي والعامة، وإبان الثورة الفرنسية شهدت فرنسا صراع بين طبقة النبلاء والطبقة الثالثة، بالإضافة إلى صراع العمال مع أصحاب العمل في المجتمعات الرأسمالية، ومع استغلال التدرج الاجتماعي ظهر صراع الرجل مع المرأة بالمجتمعات البطريكية، وفي الهند شهد صراع بين الطوائف الدينية، إضافة إلى التفرقة العنصرية في المدن وإنشاء المستعمرات للفصل بين السكان الأصلين والمستوطنين، ويعتبر الاقتصاد أساس مفهوم الطبقية فتجانس الطبقة ينشأ من المجتمع، ودائمًا ما كانت هناك الشبكات السرية التي تدعو للمساواة بين جميع الطبقات عبر عدة آليات خفية واعية أو من خلال النقد الأيدلوجي، ومن أشهر النجاحات للحركات السرية يرى ماركس أن الثورة الفرنسية أطاحت بطبقة النبلاء ورجال الدين – الطبقة البرجوازية- بسبب الاضطهاد الذي نشأ ضد الطبقة العاملة، ليتم إطلاق مصطلح الثورة الديمقراطية عليها والتي تعني ثورة الشعب لأجل الشعب، فالمجتمع قد ينقسم إلى عدة طبقات إلا أن أي مجتمع يمكن تقسيمة إلى طبقتين الأولى المهيمنة والأخرى المهيمنة عليها ولذلك دائماً ما كان ينشأ صراع بين الطبقات.
مفهوم الصراع
ظهر مفهوم صراع الطبقات خلال القرن التاسع عشر بواسطة بعض المؤرخين الليبراليين الفرنسيين واستعاره منهم ماركس بوقت لاحق، فنجد؛ نظرية صراع الطبقات الاجتماعية نشأت لتفسر القضايا والتوترات بالمجتمعات المنقسمة لطبقات، كل منها تقاوم بهدف الحفاظ على وضعها الاجتماعي والاقتصادي، ويرى أنه المحرك الرئيسي للتغيرات الاجتماعية بالتاريخ الحديث، ويفترض ماركس أن التاريخ يتكون من طبقات متفرقة واحدة تستغل الأخرى، وعادة ما يكونوا في حالة صراع وحرب دائمة تنتهي بانقلاب ثوري أو أنهيار للطبقتين، ويمكن أن يطلق عليه حرب الطبقات.
صراع الطبقات بالمجتمع المعاصر
بالرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي والتطور الصناعي إلا أن الإنسان لم يستطع حل مشكلات الفوارق الطبقية والتباين الاجتماعي نتيجة تراكم الثروات في يد طرف نتيجة كنز الثورة ومعاناة طرف آخر بسبب الفقر المدقع بحيث لا يجد ما يوفر حاجاته الأساسية للعيش من مأكل وملبس ومشرب، وهذه المجتمعات لا تدوم غالباً بسبب الاضطرابات والخوف الهلع إضافة إلى غياب الأمن والاستقرار الذي بنتج عنه صراع وعداء بهدف البقاء.
صراع الطبقات بمنطقة الشرق الأوسط
غياب الوحدة والتضامن والتعاون والتكتلات بشكل أقطاب سياسية واقتصادية واجتماعية بين الدول في منطقة الشرق الأوسط –العالم العربي والإسلامي- وخاصة مع وجود موارد طبيعية مثل البترول والغاز الطبيعي تسبب في تفشي ظاهرة التباين الطبقي ليتبعها الصراع الطبقي، ليستغل أعداء المنطقة هذا التفكك بإشعال الحروب منذ القرن العشرين وما زالت قائمة حتى الآن في شكل ثورات وانتفاضات واضطرابات أهلية ومشكلات عمالية.
جهود المذاهب في علاج الطبقية
حاولت العديد من المذاهب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العالمية إيجاد علاج لمشكلة الفوارق الطبقية ، ليختار كل فكر أسلوب خاص به فالفكر الاشتراكي عمل على إلغاء الملكية الفردية لتصبح الدولة المالكة لكل شيء، أما النظام الرأسمالي فاختار طريقة تدشين المؤسسات الخيرية وفرض الضرائب الثقيلة ولكنهما لم يفلحا في حل مشكلة التميز الطبقي بسبب غياب التكافل الاجتماعي والذي يعتبر صلب المشكلة، فالتكافل الاجتماعي يحتاج إلى جهد كبير من أجل تربية الأجيال القادمة والصاعدة عليه وإدراجه في إطار القيم السلوكية والقيم الإنسانية والممارسات اليومية، والتي غابت عن المجتمعات في ظل سيطرة الروح المادية، أما المذهب الإسلامي فهو دائما ما يسعى لإزالة هذه الفوارق الطبقية الناشئة عن الظلم الاجتماعي والذي تمارسه غالبًا الطبقة القوية الغنية ضد الطبقة المستضعفة الفقيرة، وذلك عن طريق تشجيع المنتجين على الالتزام بالتكافل الاجتماعي بهدف رفع مستوى معيشة الأفراد دون اللجوء لمساعدة الآخرين من أجل الحفاظ على الاستقرار النفسي للطبقة المحرومة، ولذلك وضع الإسلام برنامج التكافل والتضامن عن طريق دفع الزكاة لبيت المال والإنفاق عن طريق القرض الحسن في إطار العطف على الآخرين والإحسان إليهم وتحقيق روح الأخوة.
لماذا يوجد تفاوت طبقي؟
وجود التفاوت الطبقي في أي مجتمع يكون أحد العوامل التي تحقق التكامل بداخل المجتمع، وشغل جميع الوظائف والأعمال، فلا يمكن أن يكون كافة أفراد المجتمع من أصحاب الطبقات الغنية حيث أنه في هذه الحالة لن يكون هناك من يشغل الوظائف والأعمال الحرفية واليدوية، وبالعكس أيضًا ففي حالة ما إذا كان كافة أطراف المجتمع من أصحاب الطبقات المتوسطة والفقيرة فلن يكون هناك من يتولى قيادة أمور الدول، وبالتالي فإن التفاوت الطبقي يحقق التكامل المجتمعي.
أنواع الطبقات
الطبقة العليا
تمثل 5% بالدول الغربية وهي الطبقة المالكة للثروة نتيجة مشاركتها بأنشطة صناعية وتجارية ذات صلة بالثقافة، وتهتم بالمظاهر الاجتماعية ويحاول أفرادها تمييز أنفسهم بجميع الأنشطة الإنسانية، ويتميزون برغبتهم في الحصول على السلع الجديدة والخاصة ويملكون منازل فارهة وسيارات فخمة نتيجة امتلاكهم ثروة كبيرة حصلوا عليها بعد جهد كبير وعمل شاق؛ يتميزون بحب التقدم والمغامرة ولديهم درجات علمية عليا إضافة إلى خبراتهم الاستشارية.
الطبقة الوسطى
يشكلون 50% من المجتمع وتضم رجال الأعمال والمهندسين وأصحاب المشروعات المتوسطة والمهن الحرفية ويأتي في نهايتها أصحاب الأعمال المتواضعة والوظائف بالقطاع العام والخاص، وهم لا يمتلكون أموالاً طائلة ولديهم رغبة دائمة في مجاراة الطبقة العليا ولا يستمتعون غالباً بالعمل ويهتمون بشئون الدولة والأحداث السياسية والأمنية.
الطبقة الدنيا
يشكلون 45% من المجتمع ويعملون غالبًا بالمهن الشاقة أو العمالة الموسمية بهدف سد احتياجاتهم الأساسية من طعام وسكن ويوفرونها بشكل يومي وفقًا لما يتوافر لديهم من موارد، ويغلب على نحو 20% منهم اليأس والغضب نتيجة الفقر كما أنهم يعيشون على المساعدات الاجتماعية.
بالرغم من مطالب العديد من المذاهب بضرورة القضاء على الفوارق الاجتماعية والمساواة بين الطبقات إلا أنه حتى الآن لم تستطع المجتمعات التخلص منها وحتى مع القضاء على طبقة تظهر غيرها بديلة والحل الأمثل هو العدالة والمساواة بين جميع الأفراد في احتياجاتهم الأساسية من تعليم وخدمات صحية ومرافق، وعدم التميز بين الأفراد وفقاً لما يملكونه من أموال ففي النهاية كل البشر متساوون ولم يختر أحد أهله أو عرقة أو المستوى الاجتماعي الخاص به ويجب أن تكون التفرقة وفقاً لجهود الأفراد.
أضف تعليق