في البداية نحب أن نؤكد أن الغيرة الصحية ليس منها أي مشكلة على الإطلاق، والحقيقة أن الغيرة شعور طبيعي بين أي اثنين في علاقة، فكل إنسان يرتبط لكي يجد في شريك علاقته السلوى والسكن والمودة والاهتمام المطلق غير المتناهي، ولا يحب أحد أن يشاركه شخص آخر نفس القدر من الاهتمام الذي يلقاه من شريك علاقته، لذلك لا يمكن قمع الغيرة بداخلك أو محاولة قتل هذا الشعور بداخلك، ولكن يمكنك التظاهر لفترة أنك لا تشعر بالغيرة، تستطيع أن تفعل هذا لفترة قصيرة أو طويلة، ولكنك في النهاية لن تستطيع التظاهر بعدم الشعور بالغيرة طوال الوقت.. سيأتي يومًا وتنفجر ولو على أقل تصرف أو على موقف صغير جدًا لا يلقي له أحدا بالاً ولكنك ستقف عنده وتثور وستفقد أعصابك، ليس بسبب هذا الموقف تحديدًا، حيث لم يكن هذا الموقف إلا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، بل هي مجموعة من الترسبات والتراكمات التي خلفتها المواقف السابقة والتي قمت فيها أنت بالتغاضي وتمرير الأمر وعدم التظاهر بأنك تشعر بالغيرة لعدة أسباب، ولكن في كل مرة كنت تظن فيها أنك تقوم بإخماد الشعور بالغيرة داخلك، أنت لم تكن تفعل ذلك في الواقع، بل كنت تغطيه بالرماد فحسب، ولكن كان يظل متقدًا نارًا تحت الرماد تستعد للفرصة التي ستتوهج فيها وتشتعل.. وهذا ليس من الغيرة الصحية في شيء، بل من الغيرة العمياء المتهورة التي إن ثارت لا يوجد من يقوم بتهدئتها.
لذلك فإن الحديث عن أي قمع للشعور بالغيرة يعد من باب العبث.. أيضًا إطلاق العنان للشعور بالغيرة سيؤدي إلى ما يحمد عقباه ولا يمكن تدارك نتائجه أو السيطرة على تبعاته بأي شكل من الأشكال.
وهناك الغيرة الصحية التي أكدنا في بداية المقال أننا معها وندعمها ولا نجد فيها أي ضرر، وهي الغيرة التي تعبر بها عن شعورك بالغيرة على شريك علاقتك لكن دون أن تجرح شعور هذا الشريك أو تتسبب في ضيقه، وهناك الغيرة غير الصحية على الإطلاق والتي تتسبب في إفساد العلاقات تمامًا، تلك التي تبنى على الامتلاك والاستحواذ وحب السيطرة والتسلط ليس إلا.. وسنوضح من خلال النقاط القادمة أبرز سمات الغيرة الصحية التي تحافظ على ثبات العلاقة واتزانها والغيرة العمياء غير الصحية التي لا تحافظ على اتزان العلاقة ولا تأجج المشاعر فيها بل تفسد العلاقة وتفسد الصفاء بين الطرفين وتجعل هناك توتر دائم ونزاع.
دليلك إلى تعلم الغيرة الصحية على شريكك
احرص على تقديم الثقة
من أسس الغيرة الصحية أن تتم بناءً على تقديم الثقة قبل التعبير عن الشعور بالغيرة، فمعنى أنك تشعر بالغيرة قد يفسر ذلك على منحى آخر أنك لا تثق في شريك علاقتك ولا تثق في سلوكياته وبناءً عليه تقوم بتقويم سلوكياته وتوجيهه نحو التصرفات التي ينبغي عليه فعلها وذلك يرجع لانعدام الثقة، لذلك عندما تقوم بالتعبير عن شعورك بالغيرة يجب أن توحي بأنك تفترض الثقة في شريك علاقتك وان الأمر لا يعدو كونه شعور عابر بالغيرة أراد التعبير عنه.
ولا تحاول أن تظهره أبدًا كانعدام للثقة أو التشكيك في سلوكه أو علاقاته، فلا ينبغي على سبيل المثال أن تقوم بالتفتيش في هاتف شريك علاقتك بدافع الغيرة، أو تعتقد أن هذا من الغيرة الصحية، هذا يدل على انعدام ثقة سواء في نفسك أو في شريك علاقتك، ليس من الغيرة الصحية في شيء أيضًا أن تقوم بالشك في كل تصرف طبيعي لطيف قد يصدر من شريك علاقتك تجاه الآخرين، فإصدار ضحكة مع زميل في العمل لا يعني أن شريك علاقتك معجب به، بل يعني أحيانًا أن هذه الضحكة ليست أكثر من مجاملة، أو حرص على التعامل بذوق معه.. مساعدة زميل في الدراسة قد لا يكون الهدف منه التقرب من هذا الزميل، بل من الممكن أن يكون بدافع مساعدة الآخرين وإفراز العطاء للآخرين بدون مقابل مهما كانت هويتهم، ينبغي أن نضع الثقة في شركاء علاقاتنا ولا نجعل الغيرة العمياء تمحو الثقة فيهم، بل يجب على الغيرة الصحية فقط أن تعزز الثقة فيهم لا العكس.
افعل هذا بلطف
لا ينبغي أن تعبر عن غيرتك بجرح مشاعرها وأحاسيسها، لا تعتبر الغيرة الصحية كذلك إذا اتبعت نهجًا يجعلها تشعر بأنك تهينها وتتهمها في مشاعرها تجاهك، افعل هذا بلطف وبدون عصبية، وتحسس كلماتك جيدًا وانتقِ ألفاظك لأن أي لفظٍ قد تقوله قد يؤول ضدك، فقد يحدث على سبيل المثال أن يكون هناك شخصًا يغازل رفيقتك وأنت ترى هذا، لا تقوم بتعنيفها لأنها ليس لها ذنب.. ولا تحاول أن تلمح لها أنها سعيدة بمغازلته لأن هذا غير حقيقي، وسيتم اتخاذ هذا الاتهام ضدك، ما رأيك في استبدال تعبيرك عن ضيقك من مغازلة هذا الشخص لها بتأنيبها وتعنيفها هي واتهامها بأنها مسرورة لتلقيها هذه المغازلات؟ ها أنت قد عبرت عن غيرتك دون أن تجرح مشاعرها ودون أن تضايقها بأي شكل.
الأمر بسيط إذن، كل المشكلات من الممكن أن تحل إذا اتبعنا منهج الهدوء والاتزان، لا العصبية والثورة، ربما تتضايق إذا قام شريك علاقتك في موقفٍ كهذا بالتجاوب مع هذا الشخص المغازل أو استجاب لإطراءاته مما جعله يتمادى في مغازلته، ربما سيكون هناك موقفًا أكثر شدة قليلاً، ولكن دون أن تتخلى عن اللطف والهدوء أيضًا، لأن ما لا يمكن أن يحل بالهدوء، يزيده تعقيدًا العصبية والثورة.
كن صديقًا
هل استمعت إلى أغنية الفنانة ماجدة الرومي التي تطلب فيها من أحد الأشخاص أن يكون صديقها؟ هكذا هي القصة، الغيرة الصحية ليس معناها أيضًا أن تترك الأمور كأنها لا تعنيك على الإطلاق، ولابد من إبراز أن الغيرة دليل على الاهتمام والمحبة، وليست دليل على التملك وحب الهيمنة والسيطرة والاستحواذ، وليست رغبة في التسلط أو التحكم في شريك العلاقة بدافع المشاعر والحب، لذلك.. يجب أن تكون صديقًا، يجب أن يكون الوفاء والإخلاص لك، واحترام مشاعرك في غيابك أو وجودك هو الدافع الأول لضبط سلوك شريك علاقتك، وليس غيرتك عليه أو إبراز عدم ثقتك به، وأقرب مثال لفهم فكرة أن تكون صديقًا، لنفترض أنك رجل ورفيقتك في العلاقة لها زميل جديد أو قديم في العمل، كان قد أبدى إعجابًا بها، ماذا ستفعل؟ هذا الموقف سيحدد هل غيرتك هي الغيرة الصحية، أما الغيرة العمياء المدمرة للعلاقات؟ حسنًا أمامك خياران.. إما أن تثور وتترك العنان لعصبيتك وتصرخ في وجهها أنه كيف تسمح أن يقول لها أحد ذلك أو يبدي أحد مهما كان إعجابه بها وبذلك ستكون غيرتك عمياء جدًا، وربما ستحدث مشكلة وثورة بالمقابل ولن تكون ربحت شيئًا على الإطلاق، ولكن ستكون خسرت كثيرًا، فضلاً عن أنك قمت بإحداث مشكلة بينك وبين حبيبتك، إلا أن هناك ما هو أكثر خسارة، حيث قمت بنقض الثقة في عقليتك ودرجة اتزانك، وساعدت على تخويفها منك و جعلتها تتردد ألف مرة قبل أن تأتي وتحكي لك شيئًا كهذا بعد ذلك..وليس هذا من الغيرة الصحية في شيء، بل من الغباء والحماقة التي من الممكن أن ترتكبها وأنت تظنها رجولة، حيث إذا كانت قد وضعت ثقتها في عقليتك وأنك ستتقبل الأمر بسهولة، فإن هذا الذي فعلته معناه أنك لا تثق فيها ولا في سلوكها مثلما هي وثقت في عقليتك وحكمتك وقدرتك على فهم الأمور، وستخذلها ولن تقول لك شيئًا كهذا، ولن تستطيع إجبارها بإعطائك تقرير مفصل عن حركتها اليومية وتصرفاتها ومجيئها وذهابها، ستحكي لك ما تريد أن تسمعه أنت فقط، بينما ستظل هناك أشياء أخرى حدثت لن تعرفها على الإطلاق، وكلما تضاءلت مساحة الثقة والشفافية في العلاقة، فلا تعول عليها نجاحًا كبيرًا.
أما إن كنت تريد أن تجعل الغيرة الصحية التي لا تفسد العلاقات عنوانًا لمشاعرك تجاهها، ففي موقفٍ مثل هذا، أن يبدي أحدهم إعجابًا برفيقتك، فلا بأس من إظهار بعض التحفظ على هذا الأمر، لكن لا تنهرها ولا تعنفها.. هل تعرف ما هو التصرف الأمثل، أن تطري جمالها وأنوثتها، وتلتمس العذر لهذا الذي أعجب بها، هل ترى هذا تصرفًا جنونيًا منك؟ هل يضرب فكرة الغيرة الصحية، أو مفهوم الغيرة كله في مقتل؟ بالعكس! أنت تستغل الأمور لصالحك وتثبت أنك أقوى، هل تعرف كيف؟ لابد أن هذا الشخص قد ساق أسبابه لإعجابه بها أهمها بالطبع الجمال والأنوثة والرقة، لقد كان هذا الشخص لطيفًا معها، وهي كأي إنسان يحب أن يكون الشخص لطيفًا معها.. هل تذهب لتحكي لك عن شخص كان لطيفًا معها فماذا سيكون رد فعلك؟ الثورة في وجهها لتجعلها تظن أن كل الناس لطيفة معها إلا أنت من تصرخ في وجهها وتعنفها وتلقي اللوم عليها؟ بالعكس.. تثبت لها أن كل الناس لطيفة ولكن ليس بقدر لطفك، وأنه قد يعجب بها الكثيرون إلا أنت تعشقها عشقًا، ولذلك تلتمس العذر لأي شخص يعجب بهذا الجمال الفتان وهذه الأنوثة الطاغية، هل أقول لك أنها ستنسى أمر أي شخص في العالم الآن وتهتم بك بالطبع ليس هناك داعي لمعرفة هذا.
هل تعرف كم هي قدر أرباحك من شيء كهذا؟ ربحت قلبها، ربحت ثقتها، لم تخذلها، ازدادت عشقًا لك، قتلت فرصة أي شخص آخر من الممكن أن يبدي إعجابه بها حتى أن تفكر فيه، ستأتي بعد ذلك وتحكي لك أي شيء قد يحدث معها. أي شيء قد يفعل ذلك غير الهدوء واللطف وأن تكون صديقًا لها من الغيرة الصحية أن تبدي استياءً من أن هناك من فكر أن يأخذ شريك علاقتك منك، ولكن بالهدوء واللطف، وأن تكون صديقًا لها لا شريك علاقة متسلط متحكم يريد أن يمتلكها ويتحكم بها وفي سلوكها فحسب.
هل تعلم، من الطبيعي أن يحتك الناس ببعضهم البعض
هناك بعض الناس من لا يريدون أن يحتك شركاء علاقاتهم بأناس آخرون مهما حدث، وليس هذا لا من الغيرة الصحية ولا من غير الصحية في شيء، ليس معنى أن هناك من اشترك معك في علاقة عاطفية أنه سينسى العالم كله، أنه سيلقي الدنيا كلها وراءه، بأشخاصها ومعارفها وعلاقاتها وهواياتها واهتماماتها وراءه بهذه السهولة، هناك من يظن أنه من الممكن الاكتفاء به بالنسبة لشريك علاقته عن كل متع الدنيا وشهواتها وعن كل ملذات الحياة وأهواءها، وعن كل الناس في الكون وكل معارفه وعلاقاته، وبذلك يجب أن يدرس شريك العلاقة دون أدنى احتكاك لا بزملائه ولا أساتذته، يجب أن يذهب كصنم ويرجع كصنم، كذلك في العمل، عليه أن يؤدي عمله دون نقاش أو حديث مع أي فرد من أفراد الجنس الآخر لا زملاء ولا مديرين ولا عملاء ولا أي شيء، يجب أن لا تتحدث مطلقًا مع أي شخص غيري! هل هذا يعقل؟ هذه ليست من الغيرة الصحية إطلاقًا هذا هوس ومرض يجب أن تشفى منه، ربما قد يحدث هذا في مجتمعات قديمة بالغة التخلف والبداوة، ولكن في المجتمعات الحضرية من الصعب أن تجد هذا، من الطبيعي أن تجد الناس يحتكون ببعضهم البعض، يتحدثون مع بعضهم البعض، يتبادلون الحوار ويتجاذبون أطراف الحديث حول الجو حول العمل حول الأوضاع السياسية والاقتصادية حول الموسيقى والرياضة وحتى حول الحياة الشخصية لبعضهم البعض، من الممكن أن يكون للرجل صديقات نساء، ومن الممكن أن يكون للمرأة أصدقاء ذكور، وحتى بعد الزواج.. بطبيعة الأمر جميع علاقات الصداقة تتقلص بشكل أوتوماتيكي بعد الزواج، لكن العلاقات رغم ذلك تبقى، وما عليك أو ما عليكِ سوى اندماجك في هذه العلاقات وأن تكون لطيفًا أو تكوني لطيفة لتصبحي صديقة لصديقة زوجك، أو لتصبح صديقًا لصديق زوجتك، وهذا ليس بعيب، وليس معنى ذلك أن تترك الأمر كما لو كانوا أخوة فمن أصول الغيرة الصحية أن تتفقد العلاقة كل حين لإبراز أنك مطمئن إليهم، ولكن ليس هناك مشكلة إطلاقًا أن يكون هناك أصدقاء لرفيق علاقتك من الجنس الآخر، ولنفرض أنك رجل ولحبيبتك صديق ذكر، هذا لا يعني أنه يريد أن يفترسها، ولا يعني أنه يريد أن يزيحك ليأخذ مكانك، ليست كل العلاقات بها مشاعر حب وإعجاب عاطفي، فهناك علاقات صداقة بين رجال ونساء أكثر إحكامًا وارتباطًا إنسانيًا مما بين الرجال والرجال أو النساء والنساء، لذلك حاول أن لا تكون متذمرًا بشأن هذه العلاقات وتعمل على إنهائها تمامًا، بل على العكس حاول الاندماج فيها أفضل من ذلك لأنك لن تربط شريك علاقتك هذا بقيود من حديد، فهو سيتركك بمجرد أن يشعر أنك تساعد في عزلته عن العالم وعن علاقاته وأصدقائه وعن احتكاكه بالعالم الخارجي واندماجه فيه، لكن إن رآك تعمل على تقوية علاقته بالعالم الخارجي فإن ذلك سيزيد من نقاطه لديك لا محالة.
خاتمة
الغيرة الصحية لا بأس بها طالما تبرز مدى اهتمامنا بالشخص الذي نعجب به، وحرصنا على أن يبقى لنا وأن يوجه اهتمامه وعنايته بالمقابل بنا، ولطالما كانت لا تجرح شريك العلاقة ولا تضايقه ولا تشعره بانعدام ثقتك فيه فإن هذه تظل إحدى أسس الغيرة الصحية، أما هناك غيرة أخرى غير صحية على الإطلاق بل غيرة مفسدة ومدمرة تجعل من الموضوع مجرد حب للتملك والسيطرة، وتريد أن تجعل شريك العلاقة منعزلاً تمامًا عن العالم حتى لا يثير غيرة الشريك الآخر ولا يثير عصبيته، وبالتالي يجعل العلاقة سجن، تشعر فيها أنك مراقب من شخص غيور لا يريد لك أن تحتك بأي شخصٍ آخر طالما أنت أسير علاقته وتحت حكم ارتباطك به، وهذه ليست علاقة عاطفية وهذا ليس حبًا، فالحب أساسه الاحتواء والعاطفة والحنان والمودة، والرغبة في التملك والسيطرة والتسلط ليست من المودة والمحبة أو الاحتواء في شيء، والمشاعر التي تستخدمها كردع لرفيق علاقتك وسلاح لتقويم سلوكه، ووسيلة لتوجيهه نحو ما تراه أنت صوابك، هذه المشاعر يومًا ما ستختفي بسبب ضغطك المستمر عليه، حيث ليس من الممكن تخيل الحب بهذا الشكل الخانق الممل، لذلك ليس هناك مشكلة في الغيرة الصحية التي تؤجج المشاعر ولا تطفئها، وتجعل منك صديقًا وناصحًا ومستشارًا لشريك علاقتك العاطفية، وليس قاضيًا أو سجانًا أو شرطيًا تجعله دائمًا يخاف منك. أخيرًا وليس آخرًا: الغيرة الصحية تعبير عن شعور يمر بنا دافعه حبنا للشخص وعشقنا له، لا رغبتنا في امتلاكه والسيطرة عليه.
أضف تعليق