تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » كيف نشأ وتطور مفهوم العلاج بالوهم وهل يحقق نتائج عملية؟

كيف نشأ وتطور مفهوم العلاج بالوهم وهل يحقق نتائج عملية؟

العلاج بالوهم هو دواء طبي يقوم بخداع المريض لأنه لا يحتوي على أية مواد فعالة وفي حال تماثل المريض للشفاء بعد هذا الدواء فالأمر برمته راجع إلى عوامل نفسية بحتة.

العلاج بالوهم

العلاج بالوهم أو البلاسيبو هو علاج طبي ولكنه ليس حقيقياً إذ أنه لا يحتوي على أي مواد فعالة في تكوينه الداخلي فقد يكون مجرد محلول محلي أو سكر ومع ذلك قد يبدي تأثيراً فعالاً على جسم الإنسان وذلك عائد إلى أسباب نفسية، وكلمة بلاسيبو هي كلمة لاتينية الأصل ومعناها سأتحسن، وجدير بالذكر أن العلاج بالوهم يستخدم على نطاق واسع في البحوث الدوائية والطبية حيث يتم إعطاء دواء من أجل السيطرة على المرض ولكنه يعتمد على الوهم؛ ويتم استخدام العلاج بالوهم عادة مع الأمراض النفسية كالاكتئاب حيث يتم صرف علاج وهمي للمريض ولكنه يأتي بتأثير فعال وإيجابي على المريض وقد يستغرب المريض في حال علم بأنه شفي من غير دواء فعال.

النشأة التاريخية للعلاج بالوهم

العلاج بالوهم نشأ لأول مرة في عام 1772 على يد الطبيب الإسكتلندي “وليام كولن” حيث قام بإعطاء المرضى دواء لا يحتوي على أي مادة فعالة ومع ذلك ظهرت عليهم أعراض الشفاء وسجل العلاج الوهمي بعض النتائج الإيجابية، أما مصطلح البلاسيبو أي العلاج بالوهم فلم يتم استخدامه حتى القرن العشرين، وعلى الرغم من أن استخدام مادة غير فعالة يبدو وكأنه تصرف غير أخلاقي وغير مهني وعلى الرغم من أن تجربة الطبيب الإسكتلندي قد تجاوزها التاريخ منذ ما يقرب من 230 سنة إلا أن العلاج بالوهم يعد تصرفاً مهنياً فخلال التجارب الطبية يقوم الأطباء باختبار كفاءة الأدوية أو طرق العلاج الجديدة باستخدام فئتين من المرضى؛ الأولى يتم إعطاؤها الدواء الجديد والثانية لا يتم إعطاؤها شيئاً أو تُعطى دواءً مختلفاً، فإذا تحسن حال الفئة الأولى عن الثانية فالدواء الجديد ناجح وفعال، إلا أن الأطباء قد لاحظوا أن بعض المرضى من الفئة الثانية قد تحسنت حالتها على الرغم من عدم تناول الدواء الجديد مما أثر على نتائج الدراسة الطبية، وهنا يأتي دور العلاج بالوهم حيث تأكد الأطباء من مدى تأثيره على النتائج الطبية ولذلك يقوم الأطباء لدراسة فاعلية أي دواء جديد باستخدام ثلاثة فئات وليس اثنين؛ فئة تتناول الدواء الجديد وفئة تتناول الدواء القديم وفئة تتناول دواء وهمي مثل قطعة من السكاكر ليس إلا، ولكي يتم الحكم على فعالية الدواء يجب أن تكون نتائجه الطبية أفضل من نتائج الدواء الوهمي وذلك لاستبعاد العامل النفسي.

العوامل التي تؤثر على عمل العلاج الوهمي

العلاج بالوهم يتأثر بمجموعة مختلفة من العوامل؛ منها على سبيل المثال حجم الدواء؛ فكلما كانت حبة الدواء أكبر حجماً كان تأثيرها أكثر فاعلية، وإذا ما تناول المريض حبتان تماثل أكثر للشفاء من تناوله لحبة واحدة، ولا يتوقف الأمر عن حجم حبة الدواء فحسب بل يتجاوزها ليصل إلى لون حبة الدواء؛ فحبوب الدواء ذات اللون الأصفر والأحمر والبرتقالي تعطي تأثير منبه بمعنى أنها تزيد من حالة الصحيان وأيضاً تزود ضربات القلب، وبالنسبة للحبوب ذات اللون الأخضر والأزرق فإنها تعمل على تهدئة المريض؛ وفي حال قمنا بإخبار المريض بأن الدواء الذي يتناوله باهظ الثمن ومستورد من شركة أجنبية مشهورة في الخارج فإنه سيتماثل للشفاء بشكل أكبر مما لو كان الدواء من شركة محلية متواضعة، كما أن المرضى الذين يُعطون العلاج بالوهم على أنه علاج منبه تزداد لديهم معدل ضربات القلب وتزداد تفاعلات الجسم ويرتفع أيضا الضغط، أما الذين يتناولوا نفس العلاج الوهمي على أنه علاج منوم تحدث لديهم الأعراض معكوسة، ليس هذا فحسب فالأمر أكثر غرابة مما يتخيل القارئ فتأثير العلاج بالوهم يكون متباين من مجتمع لغيره؛ فالأدوية التي تعمل على خفض الضغط أقل تأثيراً على المجتمع الألماني مقارنة بغيره وذلك على عكس أدوية قرحة المعدة التي تعمل بشكل أفضل لدى المجتمع الألماني.

آلية عمل العلاج بالوهم

العلاج بالوهم يرتكز في آليه عمله على الكثير من العوامل؛ تلك العوامل التي تفضي إلى نتائج فعالة في نهاية المطاف كأن يتناول المريض علاجاً وهمياً كمنبه ويتنبه ويشعر بالنعاس، أو أن نخبره بأن أعراض العلاج الوهمي الجانبية هي القئ والغثيان فتظهر عليه الأعراض، أما عن تلك العوامل التي تحدد آلية عمل العلاج بالوهم فهي:

التوقعات التي يملكها المريض

فكلما كانت توقعات المريض بشأن العلاج الوهمي كبيرة كان مفعول الدواء أكبر، وحتى المرضى الذين يكون لديهم علم مسبق بأنهم يتناولون العلاج الوهمي تظهر عليهم آثار الشفاء وهذا يعود إلى توقعات المريض؛ فعندما يتوقع المريض قوة فاعلية الدواء تنخفض الهرمونات المسئولة عن الكرب والشدة، وعلى العكس عندما يتوقع المريض حدوث آثار جانبية للعلاج الوهمي، ففي دراسة طبية تم إجراؤها على مرضى يتم علاجهم عن طريق مسكنات آلام أفيونية المفعول أي أن تأثيرها يتشابه مع تأثير مادة الأفيون وحيث أن الأعراض الجانبية لهذا النوع من المسكن هو انخفاض معدل التنفس فقد تم إعطاء المرضى علاجاً وهمياً على أنه مسكن أفيوني المفعول ولاحظ الأطباء عبر نتائج الدراسة انخفاض معدل التنفس لدى المرضى.

تأثير العلاج بالوهم على الدماغ

عندما تم تصوير مناطق معينة من الدماغ مثل لوزة الدماع والنواة المتكئة وجذع الدماغ والنخاع الشوكي أثناء تناول علاج وهمي على أنه مسكنات ألم تبين حدوث تغيرات كبيرة في نشاطها العصبي وربما يكون الأمر برمته عائد إلى تأثير زيادة الدوبامين والذي يزداد مع شعور الإنسان بالتحسن وعندما يتوقع المريض حدوث أعراض جانبية للعلاج الوهمي ينقص معدل الدوبامين في الدماغ.

الدراسة المناعية العصبية النفسية Psychoneuroimmunology

ترتكز الدراسة المناعية العصبية النفسية على دراسة تأثير الدماغ على جهاز مناعة الإنسان؛ ويعد هذا الفرع من الأبحاث العلمية حديث نسبياً ولكن إذا ما تم تطوير آلياته فسيقوم بتقديم تفسيرات علمية دقيقة وقوية تفسر للعلم آليات عمل العلاج بالوهم وكيف يمكن الاستفادة منها إلى الحد الأقصى.

مجالات عمل العلاج بالوهم

العلاج بالوهم لا يتم استخدامه في كل الأمراض وإنما على نطاق محدود ومدروس من جانب الأطباء حتى لا تتضاعف الحالة الصحية للمريض على نحو سيئ لا يمكن السيطرة عليه فيما بعد، ومن أشهر المجالات التي يعمل بها العلاج الوهمي:

مسكنات الألم

من أكثر مجالات العلاج بالوهم فاعلية وربما لا يعود الأمر إلى التأثير النفسي للعلاج بالوهم فحسب وإنما يعود أيضا إلى أن جسم الإنسان يحتوي على مسكنات ألم طبيعية يقوم العلاج الوهمي بتحريرها فقط أو قد يغير العلاج بالوهم من شعور المريض بالألم فيقوم بتخفيفه.

الاكتئاب

تأثير الأدوية التي تعمل على علاج الاكتئاب ترتكز في جانب كبير منها على العامل النفسي، ولذلك فإن عدداً كبيراً من الأدوية المضادة للاكتئاب لا تستطيع تجاوز العلاج بالوهم في مفعولها، بمعنى أنها تأخذه دوماً في الاعتبار لعظم دوره.

القلق

يساعد العلاج بالوهم كثيراً في تجاوز حالات القلق وخاصة أن القلق هو عرض نفسي بالأساس.

السعال

تشير بعض الدراسات الطبية إلى أن 85% من مفعول أدوية السعال عائد إلى العلاج بالوهم والنسبة الباقية تعود إلى مفعول الدواء الحقيقي.

ختاما؛ فعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي تبدو للعلاج بالوهم في الشفاء من بعض الأمراض إلا أنه يجب أن يتم في حدود معينة وتم إشراف طبي دقيق وذلك حتى لا يتم استخدامه بشكل غير أخلاقي أو غير مهني؛ فعلى سبيل المثال في حال قيام الصيدليات بتقليل المادة الفعالة في بعض الأدوية أو استبدال الأدوية المستورة بأخرة محلية وبيعها على أنها مستوردة والاعتماد في هذا كله على أن العلاج بالوهم سيفي بالغرض يعد جريمة أخلاقية ومهنية مكتملة الأركان، العلاج بالوهم يتم فقط عن طريق الأطباء وفي حالات معينة، كأن يقوم الطبيب النفسي بوصفه لمريض يزداد ألمه النفسي ويصر على تناول مهدئات قد تضر بسلامته وصحته الجسمانية والنفسية، هنا فقط يمكن للطبيب وصف علاج وهمي للمريض حتى يتأكد من تجاوزه للحدث الذي يمر به.

ملحوظة: هذا المقال يحتوي على نصائح طبية، برغم من أن هذه النصائح كتبت بواسطة أخصائيين وهي آمنة ولا ضرر من استخدامها بالنسبة لمعظم الأشخاص العاديين، إلا أنها لا تعتبر بديلاً عن نصائح طبيبك الشخصي. استخدمها على مسئوليتك الخاصة.

أسماء

محررة وكاتبة حرة عن بعد، أستمتع بالقراءة في المجالات المختلفة.

أضف تعليق

12 − أربعة =