العلاج بالفن هو أحد مداخل العلاج النفسي وتقوم فكرته بشكل أساسي على اتباع نمط الفن مثل الموسيقى أو الرسم أو السيكودراما أو النحت وذلك من أجل إخراج الطاقات السلبية الكامنة داخل المريض وشحنها بأخرى إيجابية ومن ثم تحسين حالته البدنية والعقلية والعاطفية؛ حيث إن العملية الإبداعية وممارسة أي نشاط إبداعي تؤدي إلى الإشباع النفسي مما يجعل الشخص المريض يتعافى تدريجيا من الضيق والكآبة، ومن الجدير بالذكر أن العلاج بالفن هو بديل العلاج النفسي التقليدي – والذي كان يعتمد بشكل رئيسي على إصغاء الطبيب النفسي إلى شكوى المريض وذلك من خلال جلسات مطولة يقوم الطبيب بعدها بوصف الأدوية- وقد ذاعت شهرة العلاج بالفن مؤخرا بسبب القصور الواضح من جانب العلاج النفسي التقليدي حيث إن حصول المريض على الأدوية النفسية قد لا يؤدي بالضرورة إلى حل المشكلة من جذورها وإنما تسكين الوجع النفسي لفترة من الوقت فقط، أما العلاج بالفن فيعتمد على المريض بشكل أكبر حيث يعد بمثابة تدليك ذاتي داخلي يجعل المرء يفهم ذاته بشكل أعمق، ويرتكز العلاج بالفن على ثلاثة مراحل أساسية يتم تصنيفها بالشكل التالي:
مراحل العلاج بالفن
المرحلة الأولى: ممارسة العمل الفني من قبل المريض
العلاج بالفن لا يحتاج بالضرورة إلى موهوبين كي تتم الاستعانة به، فجُل ما على المريض القيام به في تلك المرحلة هو التنفيس عما بداخله عن طريق القيام بالرسم أو العمل الفني، ومن خلال هذا العمل الفني سوف تنكشف وتتضح الكثير من الأمور الكامنة داخل هذا الشخص؛ فسوف تظهر الضغوطات النفسية الكبرى التي تعرض لها ولا يزال تأثيرها عليه موجودا، كما ستظهر الضغوط الصغرى والمتمثلة في المشاكل اليومية والروتين وضغوط الحياة والواقع المُعاش، ومن خلال قراءة تلك الأعمال الفنية من قبل المعالج بالفن سوف يفهم أسلوب المريض في التفكير ومدى عمق المشكلات التي يواجهها مما سيساعد بالضرورة في علاجه بطريقة غير مباشرة، وميزة العلاج بالفن أنها تعتمد بشكل كبير على التعبير البصري ونقل دواخل الإنسان دون الحاجة إلى تجريحه وتذكريه بكل ما مر به من مشكلات، كما أن هذا النوع من العلاج مُناسب بشكل كبير للأشخاص الذين لا يستطيعون التعبير عن دواخلهم عن طريق الكلام.
المرحلة الثانية: تحليل العمل الفني
العلاج بالفن يكون غالبا بمثابة صورة أشعة واضحة لدواخل الشخص المريض ويظهر من خلال تلك الأشعة مكنونات الشخص سواء عبر عن تلك المكنونات بالرسم أو الموسيقى أو الكتابة أو أي شكل آخر من أشكال الأعمال الفنية، وبعد أن يقوم المريض بالانتهاء من عمله الفني يذهب لمتخصص في العلاج بالفن ليعرض عليه عمله الفني ويقوم المعالج بتحليل ذلك العمل بالتفصيل دون عناء الاستماع إلى المريض؛ فمجرد الاعتماد على جلسات العلاج التقليدية قد يُظهر المشكلة من جانب واحد فقط أما العمل الفني فلا يعتمد على التحيزات التي تظهر بشكل أوضح من خلال الكلام، وبعد أن يُطالع المتخصص العمل الفني يشرح للمريض زوايا وخبايا هذا العمل وما الذي يدور بداخل المريض ومن الممكن أن يقوم العمل الفني بمساعدة المريض وذلك من خلال كونه طريقة لفهم الذات حيث سيكتشف المريض الجانب الفني والروحي من شخصيته وسيمكنه التعبير عن نفسه بشكل أكبر، فالعلاج النفسي يرتكز على قاعدة أساسية مفادها أن العلاج لا يأتي من الخارج أبدا والمشكلة كذلك لا تكون من خارجك أو محيطك وإنما كل مشكلاتنا نابعة بشكل كبير من الداخل وكذلك الحلول، ومن المهم أن يتوفر في المعالج النفسي بالفن عددا من المؤهلات؛ فيجب أن يكون على دراية بالتنمية البشرية والنظريات النفسية، كما يجب أن يكون على إلمام كبير بنوع الفن الذي سيعبر عنه المريض عبر عمله الإبداعي؛ ففي حال عبر المريض بالرسم يجب أن يكون المتخصص على دراية بقواعد الرسم وفي حال عبر المريض بالموسيقى يجب أن يكون المتخصص ملم بالموسيقى أما إذا عبر المريض عن مكنونات صدره بالكتابة فيجب كذلك أن يكون المتخصص على علم بقواعد الكتابة الابداعية وطرق رسم الشخصيات وطريقة التعامل معها.
المرحلة الثالثة: مرحلة العلاج
العلاج بالفن في مرحلته الثالثة يعتمد على استخدام كل ما سبق وما قام المتخصص باكتشافه لعلاج المشكلة وذلك تمهيدا لتوصيف العلاج، ومن خلال العمل الفني يظهر بشكل جليً مدى حجم المشكلة النفسية؛ فقد تكون المشكلة صغيرة مثل الانفعالات الزائدة أو الغضب العارم أو الاكتئاب في مرحلته الأولى وهنا يقوم المتخصص بمحاولة السيطرة على هذه المشاعر عن طريق إخراجها من خلال الفن، فيقوم المتخصص في ذلك الوقت بمتابعة الأعمال الفنية للشخص المريض ومحاولة توجيهه في المسار الصحيح ويتجلى تطور الشخص ومدى استجابته للعلاج عبر الأعمال الفنية، أما في حالة المشكلات النفسية الكبرى مثل الفصام والاكتئاب الحاد أو التوحد فيحتاج المريض وقتها إلى تناول الأدوية كمرحلة أولي للعلاج ويأتي العلاج بالفن كمرحلة ثانية مكملة للمرحلة الأولى، ويؤكد أطباء النفس المتخصصين أن جدوى العلاج بالفن قائمة بشكل أساسي على فرضية أن الإنسان بطبعه يحمل جانب فني وطفولي في شخصيته، هذا الجانب يكون قد بدأ في التلاشي والضمور في حالة الشخص المريض نفسيا وذلك لأنه لا يري من نفسه سوى الجانب المعتم وعليه يأتي العلاج بالفن لينقب داخل نفس هذا الشخص ويذكره بان بداخله إنسان آخر لا يعرفه جيدا موجود في عقله الباطن أو في الجانب غير الواعي من الإنسان، ومن الجدير بالذكر أن العلاج بالفن يؤتي ثماره بشكل أكبر مع الأطفال ومرضي التوحد والمدمنين وذلك لأن تلك الفئة لا تستطيع التعبير عن ذاتها أبدا من خلال الكلام كما تكون غير قاردة في الأغلب الأعم على التواصل مع غيرها بأي شكل من الأشكال وهنا يأتي العمل الفني ليفجر ما بداخلهم بكل سهولة ويسر.
ويُذكر أن جلسات العلاج بالفن لا تقتصر على المرضى النفسيين ولكنها تصلح كشكل من أشكال التخلص من الضغوط اليومية والحياتية أولا بأول وذلك بهدف الاستمتاع بالحياة وجعلها أكثر إنتاجا، وبالنسبة لمدة العلاج ففي العادة تحتاج الأزمات المتوسطة من 4 إلى 6 جلسات علاجية وكلما كان سن المريض صغيرا كلما قصرت مدة العلاج؛ فالأطفال الصغار يكونون أسرع في الاستجابة من الكبار، ويعد المراهقين من الفئات الصعبة في العلاج بالفن وذلك بسبب الاضطراب الكبير في دواخلهم كما أن استنباط ما يدور بخلد المراهقين هو عملية معقدة للغاية، وأما أصعب الفئات قاطبة فهم كبار السن وذلك لصعوبة تغيير معتقدات كبار السن كما أن معرفة ما يدور بمكنونات صدورهم يعد أمرا صعبا للغاية عطفا على أن التوصل للجانب الطفولي من شخصيات كبار السن يحتاج لبحث وتنقيب كبير.
في النهاية يجب التأكيد على أن العلاج بالفن يجب أن يتنشر بشكل أكبر ويتغلغل داخل مجتمعاتنا، ويجب أن تختفي تلك النظرة المتوجسة للمريض النفسي بوصفه غير مؤهل اجتماعيا، ويجب أن نعطي الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والضيق وعدم تقدير الذات نفس الأهمية للأمراض الأخرى التي تصيب الإنسان، فدواخل الإنسان ومكنونات صدره أكثر تعقيدا من أجهزته الوظيفية، وكلما كان التعامل معها أبكر كلما أخذات وقتا أقل، وكلما تم اللجوء للعلاج بالفن كلما كانت النتائج أفضل.