العدسات المكبرة من الاختراعات التي تشغل حيزًا أكبر مما نظن من حياتنا بطريقةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة، فقد نكون من مستخدميها في حياتنا اليومية بسبب طبيعة أعمالنا ومتطلباتها أو هواياتنا أو حتى مجرد كوننا نستخدم النظارات والعدسات الطبية، وقد نكون من غير المستخدمين المباشرين لها لكن الحياة من حولنا تنضح بنتائج اكتشافاتٍ واختراعاتٍ استخدمت العدسات المكبرة فيها.
العدسات المكبرة : مبدأ عملها
العدسات والمكبرة منها خاصةً اختراعٌ لا يمكن نكران فضله على البشرية وحاجتها إليه، وشيءٌ بهذه الأهمية يستدعي منّا الاهتمام به ومعرفته وطريقة عمله والنظريات التي يعتمد عليها، فكيف تعمل العدسات المكبرة؟
فهم الرؤية من أجل فهم طريقة عمل العدسات المكبرة
إن كنا نبحث عن العدسات المكبرة وطريقة عملها فيجدر بنا أن نبحث عن الموضوع من بدايته، من بداية الرؤية فكيف نرى الأشياء وكيف يمكن أن نراها مكبرةً أو مصغرةً أو حتى بحجمها الطبيعي؟ أن نرى من خلال أو عبر الأشياء أو الانعكاسات عليها، وماهو الضوء الذي تمكننا خواصه من الرؤية؟
اعتقاد القدماء بشأن الرؤية
اعتقد القدماء منذ زمنٍ طويلٍ أننا نرى الأشياء نتيجة انبعاث الضوء من أعيننا أو من تلك الأشياء نفسها، ولكن هذه النظرية أثبتت فشلها سريعًا مع الوقت لأننا لو كنا نرى لانبعاث الضوء من أعييننا أو من الأشياء إذا لماذا نعجز عن الرؤية في الظلام الدامس؟ لماذا لا ينبعث الضوء في الظلام؟ وذلك لأنه لا يخرج من أعيننا ولا تشعه كل المواد بعشوائية وإنما يخرج الضوء من مصادره الطبيعية والصناعية ليسقط على الأشياء ثم تنعكس أشعة الضوء على العين لتتكون الصورة فنرى.
الضوء
الضوء عبارةٌ عن موجات وأشعة تنتقل في الهواء وعبر الأوساط والفراغ عبر الأشياء الشفافة أو الشبه شفافة، ويحمل من الخصائص ما تحمله الموجات من انعكاسٍ وانكسارٍ وانتشارٍ وحيودٍ وتداخل، ويتحلل عبر المرور في المنشور من لونه الأبيض إلى ألوانه السبعة المرتبة بحسب أطوالها الموجية.
ظاهرتي الانعكاس والانكسار
الحديث عن العدسات المكبرة يلزمنا التعرف إلى ظاهرتين مهمتين من ظواهر الضوء وهما خاصيتا الانعكاس والانكسار، عندما تسقط أشعة الضوء على الأجسام باختلاف أنواعها ما بين معتمة وشفافة وشبه شفافة فإن الجزء الأكبر منها ينعكس وجزءٌ ضئيلٌ يمتص إن كانت الأجسام عاكسةً أو معتمة،أما الأجسام الشفافة وشبه الشفافة فالجزء الأكبر من الأشعة يمر عبرها محدثًا ظاهرة الانكسار والجزء المتبقي ينعكس عنها.
في الانكسار يعبر شعاع الضوء عبر الجسم لكن سرعته تتأثر وتتغير بانتقاله عبر وسطين مختلفين وبتغير سرعته تختلف زاوية انكساره عن زاوية سقوطه، ويتغير اتجاه سيره سواءً داخل تلك المادة أو بعد خروجه منها حسب مقدار التغير الزاوي له.
قد يمر الشعاع فينكسر عبر سطحٍ أو أكثر وقد ينعكس على سطحٍ أو عدة أسطحٍ متتالية وكذلك فإن الانعكاس كالانكسار يعتمد على زاوية السقوط لتعطيك زاوية انعكاس.
ما هي العدسات المكبرة ؟
إذًا فما هي العدسات المكبرة ؟ العدسة عبارةٌ عن جسمٍ رقيقٍ تزداد أو تقل سماكته حسب الغرض منه، يتكون من سطحين متتاليين أحدهما على الأقل منحني ويكون الآخر مستوي أو الاثنان في وضع انحناء.
قد تكون العدسة محدبةً أو مقعرةً وهذه الهيئة من التحديب أو التقعير تتحكم في حركة الضوء المار خلال العدسة كما أن زاوية سقوط الضوء والمسافة بين العدسة والجسم كلها تحدد ذلك أيضًا، فإن عملت العدسة على تجميع أشعة الضوء وتركيزه وكانت مقعرة تسمى عدسةً جامعةً أو لامّة، وإن فرقت أشعة الضوء عن بعضها وشتتتها وكانت محدبة سميت عدسةً مفرقة.
قد تعطي العدسات صورةً أكبر من صورة الجسم نفسه أو أصغر منها أو مساويةً لها، ومن هنا تنبع أهميتها في تصحيح النظر في النظارات الطبية أو استخدامها في الأجهزة المختلفة كالتلسكوب وآلات التصوير والمجهر وجميع الأدوات البصرية، وتصنع العدسات إما من الزجاج أو البلاستيك و البلور الشفاف.
البعد البؤري للعدسات المكبرة
من أهم المتحكمات في حجم الجسم الناتج عن الرؤية عبر العدسة هو البعد البؤري وهو المسافة بين العدسة والنقطة التي تتجمع فيها أشعة الضوء والتي تسمى بالبؤرة، فإن كان الجسد على مسافةٍ أبعد من ضعف البعد البؤري يظهر أصغر من حجمه الطبيعي، وإن كان على مسافة بين البعد البؤري وضعفه فهو يعطي صورةً مكبرة عن الجسم، ويعتمد حجم الجسم وكبره على البعد البؤري للعدسة فكلما كبر البعد البؤري كبر حجم الجسم.
في العدسة المكبرة يكون جانباها محدبين فتكون مزدوجة التحدب ومع تحريك العدسة اقترابًا وابتعادًا عن صفحة الكتاب يحدث تغيرٌ في الصورة التي أمامك فتكبر وإن ازدادت المسافة كثيرًا تعود إلى حجمها الطبيعي ثم تصغر، كما أن بإمكانك إشعال النار عن طريق العدسات المكبرة بوضعها بين الشمس والشيء المراد حرقه فيؤدي تركز أشعة الشمس في المركز أو إلى البؤرة إلى تركز الحرارة فالاشتعال.
التلسكوب
من أهم تطبيقات العدسات يظهر لنا التلسكوب أو المقراب كما يسمى باللغة العربية، وهو الجهاز الذي يستعمله رواد الفضاء وهواة ومحبي علم الفلك في دراسة السماء وأجرامها، وكان هانز ليبرشاي أول من استعمل التلسكوب البدائي عام 1608م حين ركب عدستين زجاجيتين في أنبوبٍ ضيق، وجاء جاليليو من بعده ليحسن ذلك الاختراع ويخرج لنا أول تلسكوبٍ يتم اكتشاف السماء عبره ليبدأ عصر اكتشاف روائع وخبايا وجمال السماء.
تعمل التلسكوبات على تكبير الصور والأشياء البعيدة عنّا والتي تعجز العين المجردة عن الإحاطة بتفاصيلها بوضوحٍ بسبب بعدها عنها، لذلك توفر التلسكوبات صورًا مقربةً وواضحةً لتلك الأشياء، وتستخدم التلسكوبات العدسات والمرايا لتجميع الضوء وتركيزه والحصول على الصور الواضحة، وأحيانًا تكون بعض الإشعاعات أو الموجات الصادرة عن بعض النجوم أو الأجرام السماوية من الضعف بحيث أننا لا نراها ولا ندرك وجودها إلا بعد تجميع الضوء المشتت بالتلسكوب فتظهر لنا، وتعمل العدسات والمرايا على تجميع الأشعة كلها في مركزٍ واحدٍ وبؤرةٍ واحدة،حيث تختلف المسافة بين الأجسام وبؤرة تجمع موجاتها لكن تبقى المسافة بين البؤرة والعدسة العينية ثابتةً تتيح لنا الرؤية، ويتم ضبط التلسكوب بضبط وتغيير المسافة بين العدسة العينية التي يرى منها الناظر وبين العدسة أو المرآة الجامعة للأشعة.
الميكروسكوب
كذلك فمن أهم الأجهزة التي اعتمدت على العدسات هي الميكروسكوبات أو المجاهر والتي فتحت لنا مجالاتٍ وآفاقًا وعلومًا أخرى لم نكن نعلم بوجودها كالميكروبيولوجي مثلًا، فإن كان التلسكوب يعمل على تكبير الأجسام الصغيرة للعين فإن الميكروسكوب يكبر الأشياء التي لا تراها العين المجردة ولم تكن تعي وجودها كعالم الميكروبات وأحاديات الخلية وغيرها من تلك العوالم التي لم نكن ندري بوجودها ولا نعرف عنها شيئًا لعجزنا عن رؤيتها، فأتاح لنا الميكروسكوب التعرف عليها وعلى أدق تفاصيلها بوضوحٍ بالغ.
تكون المجاهر مركبةً حيث تتكون من عدسةٍ شيئيةٍ وهي التي تقابل الشيء المراد تكبيره والعدسة العينية، حيث تعمد العدسة الشيئية إلى تكبير الأشياء كما تفعل العدسات المكبرة العادية ثم تقوم العينية بتكبير الصورة التي أنتجتها العدسة الشيئية لتعطي صورةً أكبر وأكثر وضوحًا، كذلك فإن بعض المجاهر تستخدم عددًا أكبر من العدسات الشيئية حيث تعمد كل عدسةٍ إلى تكبير الصورة المكبرة الناتجة عن العدسة السابقة لها، تستطيع الميكروسكوبات تكبير الأجسام حتى آلاف المرات مع اختلاف وتباين أنواع الميكروسكوبات وآلية عملها.
كما يظهر فإن العلم الذي بنيت عليه العدسات الصغيرة التي نستخدمها بسهولةٍ ويسرٍ والتي فتحت لنا الآفاق والعلوم علمٌ متسعٌ ومتشعبٌ وقابلٌ للاتساع أكثر كلما بحثت فيه وطلبت معرفة أكبر عنه، والإجابات تفتح آفاقًا أخرى وتبعث تساؤلاتٍ أكثر.