خلل بسيط في المعلومات الوراثية على شريط DNA قد يؤدي إلى نتائج كبيرة، وتعود علينا هذه النتائج بالنفع أو الضرر، وبدراسة الإنسان لهذه الطفرات لفترة طويلة عرف أسباب حدوثها وأماكنها، وبتطور علم البيولوجي أصبح الإنسان قادرا على إحداث واستحداث طفرات مختلفة سواء في بني جنسه، أو الحيوانات المختلفة، أو حتى في النباتات، وبفضل هذه الاكتشافات أصبحنا نتحكم في العديد من الصفات التي نريدها في العديد من الكائنات، ويقول العالم (فرانسيس كولينز) أن الطفرات الجينية تحدث بمعدل طفرة واحدة في كل مائة مليون زوج قاعدي وهذا خلال جيل واحد فقط، وبم أن الخلية الواحدة للكائن بها حوالي ثلاث مليارات زوج قاعدي من الأبوين مجتمعين، فإن الكائن الواحد في الجيل الجديد به ستون طفرة جديدة لا توجد في الأم ولا الأب، وفي هذا المقال سنعرف الطفرات الجينية من جوانب مختلفة.
استكشف هذه المقالة
كيف تحدث الطفرات الوراثية؟
تتكون أجسام الكائنات الحية من خلايا، وتحتوي هذه الخلايا على حمض نووي ريبوزي منزوع الأكسجين (DNA) وهو المسؤول عن ظهور الصفات الوراثية في الكائنات وانتقالها من جيل لأخر، ويشبه DNA اللولب المزدوج وبه قواعد مرتبطة مع بعضها مكونة ما يشبه السلم، ويتكون DNA من نيوكليوتيدات، وهي عبارة عن سكر خماسي منزوع الأكسجين مرتبط به قاعدة نيتروجينية ومجموعة فوسفات، ويوجد به جزء متغير، ويرتبط هذا الجزء مع الجزء المماثل له على النكليوتيدة المقابلة على الشق الأخر من اللولب، ويتكون هذا الجزء من سيتوزين وجوانين مرتبطين برابطة هيدروجينية ثلاثية، أو أدينين وثايمين مرتبطين برابطة هيدروجينية ثنائية، وعند حدوث أي خطأ في هذه القواعد الأربعة مثل تلفهم أو تبدل واحدة مكان أخرى تحدث الطفرات الجينية المختلفة، والتي تظهر أحيانا على الكائن الحي الذي حدثت في خلاياه الطفرة، ويظهر هذا النوع في النباتات بكثرة، أما في المملكة الحيوانية فالطفرة غالبا تظهر على الجيل الجديد.
أنواع الطفرات الجينية
يمكن تقسيم الطفرات تبعا لعدة عوامل، حيث يتم تقسيم الطفرة حسب سبب حدوثها فتوجد طفرة طبيعية وهي التي تحدث بسبب خلل في تركيب DNA، ويوجد طفرة محدثة وهي الطفرة التي يقوم الإنسان بإحداثها في الكائنات المختلفة بهدف الحصول على صفات مرغوبة، كما تعتبر منافع وأضرار الطفرات من الأمور المؤثرة في التقسيم، ومن هنا نجد ثلاثة أنواع للطفرات، الطفرة المفيدة وتحدث بمعدل طفرة واحدة أمام 150 طفرة ضارة وتظهر هذه الطفرات صفات مرغوبة مثل: المذاق الحلو للفاكهة وكبر حجمها، أما الصفات الضارة فتظهر صفات مكروهة مثل: نقص المناعة، وثالث هذه الطفرات هي الطفرة المحايدة والتي لا يلاحظ لها أي تأثير، وتعتبر الوظيفة هي آخر ما يؤثر في تقسيم الطفرة، وتتم عبر دراسة الطفرة ومعرفة هل اكتسبت الخلية وظيفة أم خسرت وظيفة.
أمثلة على الطفرات الوراثية
تتباين الأمثلة على الطفرات الوراثية بين طفرات مفيدة وضارة ومحايدة، وعند البحث في أنواع الطفرات الجينية المفيدة نجد أن سلسلة أغنام أنكن من أشهر الأمثلة على هذه الطفرات وتبدأ قصتها مع مزارع كانت أغنامه تقفز من السور الذي يحيط بها بواسطة أقدامها الطويلة، وذات يوم لاحظ المزارع أن أحد أغنامه حديثي الولادة له قدم قصيرة، أهتم المزارع به وزوجه عند كبره وحصل على سلالة كاملة من الأغنام التي لا تستطيع القفز والهرب بسبب أرجلها التي تضاءلت، ونجد العديد من الطفرات المفيدة الأخرى مثل: الطفرات التي تزيد كثافة العظام، أو تحسن مستوى الرؤية، أو تعطي مناعة من أمراض معينة؛ أما الطفرات الضارة فتظهر على هيئة أمراض متعددة جلدية مثل: البهاق، أو تصيب الجسم من الداخل وتعمل على تلف الأجهزة المختلفة، كما تظهر بعض المتلازمات مثل: متلازمة مارفان التي تؤثر سلبا على الجهاز الدوري والحركي.
أسباب الطفرات الوراثية
تختلف الطفرات الجينية في تقسيمها كما ذكرنا مسبقا، لكن هذه الطفرات تزداد وتقل بسبب العديد من العوامل. ومن هذه العوامل:
- البيئة المائية في الخلية: يوجد الحمض النووي في كروموسوم الخلية ويتأثر بالتغيرات المختلفة التي تحدث في الخلية، وتعتبر البيئة المائية من المؤثرات المهمة في الخلية، فهي تزيد معدل حدوث خلل في DNA وبالتالي زيادة الطفرات، هذا بجانب تغييرها للوظائف الفسيولوجية في الخلية.
- الإشعاعات: تعتبر الإشعاعات من أخطر مسببات الطفرات في الكائنات الحية، وباقتراب الإنسان من هذه الأشعة تزيد الطفرات بدرجة شديدة ويصل الأمر في النهاية بحدوث تشوهات عديدة، ويعتبر هذا هو السبب في بناء المفاعلات النووية بعيدا عن مناطق التجمعات السكانية.
- العوامل الفيزيائية والكيميائية: تعتبر التغيرات الفيزيائية مثل: الحرارة والرطوبة وغيرها من مسببات حدوث الطفرات، ونلاحظ أيضا تأثيرات كبيرة للمواد الكيماوية على معدل الطفرات خصوصا وأجسامنا عموما.
فوائد الطفرات الجينية والطب الجزيئي
بعد التقدم الهائل الذي حدث في مجال البيولوجي والطفرات، أصبح بإمكان الطب معالجة معظم الأمراض بدرجة أكبر من الدقة والفهم، وذلك بسبب فهمنا للخلية الحية وتركيبها بدرجة كبيرة، ونجد حاليا الأطباء يستطيعون منع أمراض وراثية قبل حدوثها، كما أصبح من السهل أن يتم اكتشاف معظم الأمراض الوراثية، لم يتوقف التطور على العلاج فقط بل أصبح يشمل طرق الوقاية المتعددة، فنحن الآن نعرف أين نتخلص من النفايات الإشعاعية، ونعرف أيضا مختلف الملوثات البيئية التي تهددنا كبشر وتزيد من معدل حدوث الطفرات والتشوهات، لم تتوقف الإنجازات هنا فقط، حيث شاهدت البشرية إنجازات عظيمة في المجال الزراعي خلال الربع قرن الأخير، وهذا بفضل الطفرات التي يستحدثها الإنسان في النباتات، والتي جعلته أكثر قدرة على مقاومة الأمراض والتحمل، بل وحتى تطفير بعض الفاكهة لتصبح أكبر حجما وأكثر حلاوة وذات ألوان مختلفة، بالإضافة إلى تحكمنا في ظهور أو اختفاء البذور داخل الثمار المختلفة، وبالطبع يعد الإنسان هو المنتفع الأول بسبب هذه الطفرات المستحدثة المرغوبة.
وهكذا نكون قد عرفنا كيفية تكون الطفرات، والأمثلة المختلفة للطفرات الضارة والمفيدة لنا، كما عرفنا أسباب الطفرات، وكيف ساعد فهمنا للطفرات في تطور علم البيولوجي بشكل كبير وأصبح يشمل العديد من الضروب في حياتنا، ويتوقع الأطباء أن يشهد هذا المجال تطور كبير في المستقبل، سواء على صعيد حل المشاكل العالمية مثل: حل مشاكل الزراعة ونقص الغذاء، أو على الصعيد الصحي والذي سيشهد انقراض العديد من الأمراض وسهولة القضاء على ما يتبقى من أمراض، كما سنستطيع أن نواجه الطفرات الجينية الطبيعية بدرجة كبيرة وذلك بسبب فهمنا للطفرت والذي يزداد يوما بعد يوم.
ملحوظة: هذا المقال يحتوي على نصائح طبية، برغم من أن هذه النصائح كتبت بواسطة أخصائيين وهي آمنة ولا ضرر من استخدامها بالنسبة لمعظم الأشخاص العاديين، إلا أنها لا تعتبر بديلاً عن نصائح طبيبك الشخصي. استخدمها على مسئوليتك الخاصة.
الكاتب: أحمد أمين
أضف تعليق