الطب الشرعي هو أحد فروع الطب، وهو ذلك النوع الذي يهتم بالقضايا الجنائية وملابسات الحوادث والجرائم، ويقوم بإعطاء أكبر قدر من البيانات التي تساعد في حل القضايا وكشف ملابساتها، حيث يعطي معلومات دقيقة عن سبب الوفاة إذا كانت جريمة قتل أو انتحار أو حادث ووقت الوفاة والكثير من المعلومات عن المجني علية والجاني، ويعد الطب الشرعي بحر كبير به الكثير من الأسرار ويحتوي على الكثير والكثير الخبايا، فيها بنا عزيزي القارئ نتعرف على البعض منها.
أسرار الطب الشرعي
التفرقة بين الإجهاض وقتل الجنين
في بعض الحالات قد يدعي الطبيب أن الجنين خرج من الرحم ميتاً بينما تشكك الأم في ذلك وتتهم الطبيب بالإهمال الطبي وعدم رعاية جنينها رعاية مناسبة مما أدى إلى وفاته بعد ولادته، وهنا يأتي دور الطب الشرعي ليفصل في مثل تلك الأمور الشائكة وبطريقة مبسطة للغاية؛ استناداً إلى أن رئتي الجنين لا تعملان إلا بعد خروجه من الرحم أي أن طيلة أشهر الحمل التسعة تكون الرئة عبارة عن نسيج خالي من أي هواء حتى تحين الولادة فيقوم الطبيب بتحفيز الطفل على التنفس فيدخل الهواء رئتيه لأول مرة مما يسبب بكاؤه المعتاد، يستفيد علماء الطب الشرعي من تلك الميزة للتحقق من مدى وجود شبهة قتل للجنين سواء بالتعمد أو بالتقصير من عدمها عن طريق أخذ قطعة صغيرة من نسيج الرئة من جثة الطفل المتوفى ووضعها في الماء فإذا كان الطفل قد مات قبل الولادة فستكون الرئة خالية من الهواء وبالتالي تغطس عينة النسيج إلى القاع، بينما على العكس إذا كانت الطفل قد فارق الحياة بعد ولادته ولو بثوان معدودة فهذا يعني أن الهواء قد شق طريقه إلى رئة الطفل فعندها ستطفو العينة على سطح الماء.
تقدير عمر الإنسان
من أهم المهام التي يكلف بها أطباء الطب الشرعي هو تحديد عمر الإنسان ولو بالتقريب سواء أكان الإنسان المعني بذلك أحد ضحايا جرائم القتل أم كان متهماً بها؛ حيث يساهم تقدير عمر الجثة في تضييق نطاق البحث عن الفاعل أو حتى في التعرف على هويتها كما يساعد الأمر نفسه بالنسبة للمتهم في تحديد ما إذا كان سيعامل معاملة البالغ الراشد أم سيحاكم كقاصر وهذا إذا حدث اشتباه في عمره. ويتم تحديد عمر الشخص بعدة طرق كظهور عظام مفصل الرسغ وعددها أو وجود خطوط عظمية واضحة في بعض عظام الجسم يمكن ملاحظتها باستخدام الأشعة السينية وكذلك ظهور الأسنان اللبنية أو الدائمة.
كشف ملابسات جرائم القتل
كثيراً ما يعتمد أفراد جهاز الشرطة على تقرير فحص مسرح الجريمة وفحص الجثة من قبل أفراد الطب الشرعي لتقليص عدد المتهمين لأقل عدد ممكن أو إثبات التهمة على أحدهم ونفيها عن الآخر مما يمكنهم من الوصول للجاني، وقد تدهش عندما تعلم بأن بضع معلومات طفيفة للغاية هي ما تساعد جهاز الطب الشرعي في كتابة تقريرهم مثل:
- نوع السلاح: استخدام سكين أو مسدس أو أي سلاح آخر في الجريمة قد يكون عاملاً مهماً في كشف فاعلها؛ فعندما يتوصل المحققون إلى نوعية السلاح المستخدم ويبدأ البحث عنه يمكن حينها الوصول للفاعل.
- طريقة استخدام السكين: بفحص الزاوية التي طعنت خلالها الجثة يمكن تحديد ما إذا كان الفاعل يستخدم اليد اليمنى أم اليسرى وهذا قد يفيد بشكل كبير جداً في تحديد هويته وكذلك عمق الجرح يدل على مدى القوة العضلية للفاعل مما قد يؤكد أو ينفي أن يكون امرأة مثلاً، كما أن الجرح الناتج عن ذبح الرقبة بسكين يختلف ما بين القتل والانتحار؛ فجرح القتل يكون مستقيماً وفي أسفل الرقبة بينما جرح الانتحار يكون مائلاً للأعلى باتجاه اليد المستخدمة كما يكون في الجزء العلوي من الرقبة.
- فحص الرصاص: فالعيار الناري المستخدم في الجريمة يدل على نوع المسدس الصادر منه وبالتالي يمكن التوصل لصاحبه إذا كان السلاح مرخصاً.
عينات الحمض النووي
لعلك تساءلت يوماً ما عن السبب الذي يدفع اللصوص لارتداء شراب قدم يغطي وجههم أثناء تنفيذ الجريمة، يرجع السبب ليس فقط لإخفاء ملامح الوجه ولكن لمنع تساقط الشعر من رأس الفاعل أثناء تنفيذ الجريمة حيث أن وجود أي عينة من جسد المجرم في مسرح الجريمة ستجعل الوصول إليه أمراً يسيراً للغاية إما بتحليل الحمض النووي الخاص بها ومعرفة الصفات العامة لجسده أو بمقارنة النتائج مع نتائج تحليل الحمض النووي للمشكوك فيهم.
يمكن لأطباء الطب الشرعي أيضاً الحصول على عينات الحمض النووي للفاعل من الأنسجة المتراكمة خلف أظافر الضحية- إن وجدت- والتي تتجمع في ذلك المكان عند حدوث مقاومة بين المجرم وضحيته مما يدفع الضحية لمحاولة خدش الفاعل في وجهه أو في يده فينتشل بعضاً من نسيج جلده خلف أظافره.
أنماط الدم
في الكثير من الحوادث العنيفة التي تكون بلا أدلة أو شهود، يصبح نمط الدم هي المفتاح الوحيد الذي يمكن من خلاله حل القضايا المعقدة، وبتحليل نمط الدم يمكن لممثل الطب الشرعي أن يكون مسرح محاكي لمسرح الجريمة، ومعرفة ملابسات الحوادث وطريقة الوفاة وكذلك يمكنها توفير بعض المواصفات عن الجاني مثل طوله وجنسه- ذكر أو أنثى- واليد المستعملة في ارتكاب الجريمة ومدى قرب الجاني من الضحية أثناء الجريمة وكذلك ما فعله الجاني بعد قتل الضحية. كل ذلك بواسطة استغلال قواعد الفيزياء عن طريق رصد بقع الدم واستنتاج بيانات عنها مثل الحجم ومدى الانتشار والمصدر والتكرار وكذلك شكلها النهائي ومدي جفافها، وعن طريق تحليل تلك البيانات يمكن للطبيب الشرعي معرفة الكثير والكثير حول الجريمة.
الانتحار
الانتحار هو الجريمة التي تتضمن قتل الشخص لنفسه، وهي واحده من الجرائم التي يتعامل معها الطب الشرعي باستمرار، ولكن هناك العديد من القضايا التي تُلفق وتساق للرائي كأنها قضيه انتحار، وهنا وجب على الطبيب الشرعي أخذ الحذر والتفرقة بين الجرائم التي يكون فيها شبهه قتل والانتحار، فعلى الطبيب الشرعي معرفة ظروف الضحية قبل الجريمة، ومعرفة هل هناك أسباب تدفع هذا الشخص للانتحار أو لا مثل المشاكل الأسرية والإدمان والأزمات المالية أو حتى ظروف العمل والبطالة، الاستقرار النفسي أو الاكتئاب فلابد من وجود دافع لارتكاب هذا الانتحار. وهناك أيضا بعض الأدلة المادية التي يعتمد عليها الطبيب الشرعي في التمييز بين حالات الانتحار أو القتل العمد مثل خطاب أو رسالة أخيرة للضحية أو وجود آثار للمقاومة أو القتال وكذلك حالة الغرفة إذا كانت مغلقة من الخارج أو الداخل وأيضا شكل ونوع الجرح أو الإصابة التي أدت إلى الوفاة.
الاغتصاب
يعتبر الاغتصاب واحدة من أبشع الجرائم التي ترتكب في حق النساء، وكثيراً ما تتوجه قضاياها ناحية الطب الشرعي للحسم فيها، وهو العملية التي تتم فيها ممارسة الجنس مع الأنثى بدون رغبة منها تحت تأثير المخدر أو بالعنف أو بالتهديد حيث يتكون تعريف الاغتصاب من مجموعة أركان أولها أنها عملية غير شرعية حيث تتم دون موافقة أحد الجنسين ويتم خلالها ممارسة العملية الجنسية كاملة دون رغبتها. وللتحقيق في عمليات الاغتصاب يجب على الطبيب الشرعي النظر في العديد من الأدلة التي تثبت صحة الدعوى أو تلفيقها وكذلك جمع الأدلة الكافية لإدانة الجاني مثل آثار العنف على جسد الضحية أو وقوعها تحت تأثير المخدرات وكذلك حالتها النفسية لمعرفة كافة ملابسات الجريمة.