الشخص العدواني من أصعب الشخصيات التي تواجهنا في حياتنا أثناء التعامل معها خاصةً لو كانت في محيط تعاملك القريب، وهي أكثر شخصيةٍ معرضةٍ للحرب وسوء الفهم والتجنب والنبذ من أفراد المجتمع والغرباء عنهم، حياتهم تكاد تصبح عبارةً عن دماءٍ تغلي في عروقهم وبعض العروق النابضة في رقابهم وجباههم، قد يبدو الأمر غير مفهومٍ للآخرين وسهل التجنب خاصةً عند أصحاب الشخصيات الهادئة أو الحالمة أو المتروية والبسيطة، لكن الشخص العدواني والغاضب دائمًا يكاد يصبح عدوانيًا تجاههم لمجرد كونهم أكثر هدوءًا وتعقلًا منه، يحتاج الشخص العدواني منا إلى التعمق إلى ما تحت قشرته الخارجية تلك.
دليلك من أجل التعامل مع الشخص العدواني
صفات الشخص العدواني
يمتاز الشخص العدواني بمزاجه الحاد الناري وغضبه وعدم رضاه بشكلٍ دائم كما أنه يؤذي كل من حوله لسببٍ أو لآخر، أيًا كانت تلك الأسباب ومهما بدت تافهةً بالنسبة لك فهي ليست كذلك بالنسبة إليه بالتأكيد، يلجأ إلى الأذى الجسدي أو النفسي سواءً بالتعدي بالضرب أو بالكلام الذي يجرح شعور الآخرين ويقلل من قيمتهم، كذلك فالشخص العدواني عدوانيٌ حتى على نفسه فهو يؤذي نفسه أيضًا سواءً جلده الدائم لذاته وحطه من قدر نفسه واحتقاره لها بداخله أو في بعض الحالات يؤذي الشخص العدواني جسده.
أنواع الشخص العدواني
إن الشخص العدواني لا يقتصر على زميلك الغاضب سيء المزاج دائمًا فقط، ولا يقتصر على أحد زعماء العصابات أو الجماعات المؤذية، وإنما هو مزيجٌ من كليهما، لم يفرق بينهما سوى الاختيار، هما درجاتٌ مختلفةٌ ومتفاوتةٌ من الشخص العدواني ظهرت منذ صغره أو بسبب أسبابٍ أخرى تكثر وسيتم ذكرها فيما بعد، ونتيجة اختيار الشخص للتعامل مع غضبه وعدوانيته وسواءً قرر الاستلام التام لها أم محاولة ترويضها والتي يراها الشخص الهادئ أحيانًا غير مروضةٍ بالمرة! كما أن الظروف المحيطة والبيئة التي نشأ فيها واختيارات الحياة البسيطة التي اختارها بعد ذلك قد تكون عاملًا مؤثرًا في نهايته وما سيؤول إليه بعد ذلك.
زميلك العدواني
ليس بالضرورة أن يكون زميلك في العمل أو الدراسة فقد يكون جارك أو شريكك في الغرفة أو أحد أفراد عائلتك أو شخصًا مقربًا إليك، أو ربما يكون زوجك وشريك حياتك الذي لم تجد بدًا من اختياره شريكًا لك لكنك تعاني ويبدو لك أنك ستعاني للأبد من عدوانيته المستمرة، يصعب التعامل مع الشخص العدواني لأنه يكون شديد الحساسية شديد التحفز سريع الهجوم، وبعضهم يغضب أولًا يحطم أولًا ثم يفكر لاحقًا، لن تجده من النوع الذي سيلتهمك حيًا إن أغضبته لكن للأسف فهذه الفكرة تمر بعقله كثيرًا وأكثر مما تتخيل لكن سيطرته عليها تمنعه من فعل ذلك!
العدواني المفسد في المجتمع
كاللصوص والمجرمين والعصابات والمغتصبين هؤلاء الفئة العدوانية التي لو اختلفت معهم أو تسببت في غضب أحدهم سيصبح التهامك حيًا أمرًا ممكنًا جدًا، هؤلاء الأشخاص استسلموا لغضبهم المكبوت وحنقهم على العالم كله وإحساسهم بالرغبة في الأذى لأقصى درجةٍ للآخرين، خرجوا عن المألوف والقانون والحياة الطبيعية ليستطيعوا التنفيس عن غضبهم وممارسة عدوانيتهم ضد كل من يريدون بلا ضابطٍ ولا مقنن، بعضهم لربما اعتقد أن ذلك يزيده قوةً والبعض الآخر اعتقد أنه سيفرغ مخزون العدوانية والغضب المكبوت الذي بداخله، لكن الحقيقة أن المخزون أخذ في الازدياد وتأججت النيران، طريقٌ وعرٌ وخاطئ ونهايةٌ مؤسفةٌ لطفلٍ تسببت ظروفه في عدوانيته.
كيف يفكر الشخص العدواني؟
الشخص العدواني يجد العالم من حوله عبارةً عن مؤثراتٍ ومسبباتٍ للغضب، يكاد كل شيءٍ يغضبه ويستفزه ويطالبه بالخروج عن وعيه وتحطيمه، يفتقد العدواني للثقة بالنفس بل إن نظرته لنفسه مزعزعةُ ومهشمةٌ تمامًا في بعض الأحيان، قد يبدو متماسكًا من الخارج وكثيرًا ما يبدو على العدوانيين التعالي والكبر والغرور، تراهم يمشون في الأرض مرحًا وكأن الأرض لم تخلق إلا لهم، لكن الحقيقة أن بداخلهم نيرانًا مستعرةً وحروبًا قائمةً من جلد الذات وتعذيبها وتهميشها وتحقيرها، قد يبدو أنه يحتقر الخارجين من حوله ليرفع من شأن نفسه لأنه يحبها لكنه في الواقع يحتقر نفسه أكثر مما يحتقر الآخرين ويسعى باحتقاره للآخرين ليثبت لنفسه ولهم أنهم ليسوا أفضل منه في شيء، قد يستفز العدواني أن تخالفه في الرأي أو تتكلم معه بشكلٍ حاد أو تحاول أن تثبت خطأه لأنه يأخذ كل تلك الحالات على محمل الإهانة الشخصية وتستفز كل ما فيه ليهاجمك ويرد عليك الإهانة، كما أن الشك وعدم الثقة والإحساس بالمؤامرة والاضطهاد والخداع من مكونات شخصيته بل هي من أكبر أزمات الشخص العدواني ومن الأشياء التي تدفعه بلا رحمةٍ نحو هوة الغضب والعدوانية دون أن يشعر.
الأسباب التي تخلق من الشخص الطبيعي شخصًا عدوانيًا
البيئة المحيطة بالطفل من صغره هي أول ما يؤثر على الطفل ويصنع ويشكل شخصيته أيًا كانت تلك الشخصية، والطفل الذي يصبح عدوانيًا ليس استثناءً أبدًا، تتكون بيئة الطفل أولًا من الأشخاص المحيطين به بين أبيه وأمه وإخوته والآخرين المقربين الذين يعتاد الطفل عليهم ويتعامل معهم ويحبهم ويصبح بعضهم قدوةً له، قد يكون من بينهم أو أحدهم شخص عدواني وحين ينشأ الطفل على رؤية العدوانية بتلك الطريقة من صغره متمثلةً في شخصٍ عاشره أو أحبه فهو يتحول مع الوقت وتصقل شخصيته لمحاكاة ما رآه وعاشه فيصبح عدوانيًا بلا رغبةٍ أو تفكير.
الظروف المحيطة
الجزء الآخر من بيئة الطفل التي تخلق عدوانيته تلك وتثيرها هي الحياة التي يعيشها الطفل والمعاملة التي يلقاها والاهتمام الذي يحصل عليه وما يراه من حوله في حياة أسرته وتعامل أبويه مع بعضهما البعض، والجو الأسري الذي يعيش فيه الطفل إن كان متوازنًا ومستقرًا وطبيعيًا أو كان جوًا من المشاحنات والطاقة السلبية، كل تلك التفاصيل الصغيرة قد تصنع من طفلٍ طبيعيٍ طفلًا شديد الغضب شديد العدوانية، كما أن عدم الاهتمام والاستمرار في إهمال الطفل وعدم الالتفات لما يعانيه و ما يطرأ عليه من علامات عنفٍ وعدوانيةٍ أو محاولة إيجاد أسباب أن يلجأ الطفل للعدوانية وحلها تساعد على ترسيخ ذلك السلوك فيه ويظل يكبر معه حتى يصبح خارجًا عن إرادته وسيطرته وجزءًا لا يتجزأ من شخصيته في كبره.
الحالة النفسية المؤدية للعدوانية
قد تنشأ العدوانية مع الطفل من صغره وتنمو وتكبر معه فيخرج لنا من طيات الماضي الشخص العدواني الحاضر، أو ربما لم يكن الماضي بذلك السوء ولم يحفز السلوك العدواني لكن ظروف الحياة المختلفة على مر السنين هي التي بدأت في تحويل الشخص من هادئٍ ومتزن إلى بركان من الغضب والعدوانية، تتمثل تلك الأشياء في كل محبطات الإنسان ومسببات الضيق والألم والعذاب له، الإحباط بحد ذاته وتكرره بشكلٍ كبيرٍ في حياة الشخص يزيد من غضبه ومن جنوحه نحو الجانب العدواني داخله، فالغضب والعدوان بدرجاتٍ طبيعيةٍ هي غريزةٌ فينا وجزءٌ طبيعي من أجزاء شخصياتنا لكنه وجد الفرصة والمساحة ليتجاوز حده الطبيعي داخل الشخص العدواني، التعرض للصدمات النفسية و العاطفية أو العدوان بشكلٍ صادمٍ من مسببات تحوير الشخصية وتغييرها لتسلك ذلك الاتجاه أيضًا وتسبب الأذى كما تعرضت له.
مشاكل العدواني مع ذاته
من المعروف أن الطفل الصغير يلجأ للعدوانية بشكلٍ طبيعيٍ وغريزيٍ في حالة ضيقه أو عجزه عن فهم أمرٍ ما أو عدم قدرته على توضيح ما يريد وحصوله عليه، وتقل عدوانية الطفل كلما نضج وكبر وزادت قدرته على الفهم والتعبير والتفاهم مع الآخرين والحصول على ما يريد، لا يختلف الشخص العدواني عن الطفل في ذلك أبدًا، فالعدواني عاجزٌ عن فهم نفسه والتفاهم معها وعجزه عن فهم نفسه يجعله مضطربًا مع العالم الخارجي وغير قادرٍ على فهمه أو التعامل بشكلٍ صحيحٍ معه، فيلجأ إلى العدوانية كحلٍ يعتقد أنه يساعده أو كحلٍ غريزيٍ من أيام الطفولة، يجد العدواني مشكلةً في الثقة في نفسه وفي قدرته على القيام بأي شيء، هو يعتقد أنه أساس مشاكل العالم كلها وأن العالم سينهار ويحترق بسببه، عدوانيته وضعف ثقته بنفسه يقفان عائقًا بينه وبين أي تقدمٍ أو إنجازاتٍ في حياته فتكون الخيبة والإحباط نصيبه غالبًا مما يزيد من عدوانيته وكرهه لنفسه! إن الشخص العدواني يدور في حلقةٍ مفرغةٍ بين خارجه وداخله ولا يستطيع كسرها والخروج منها وحده.
لماذا يصعب التعامل مع الشخص العدواني؟
أحيانًا قد تصبح الحياة مستحيلةً مع الشخص العدواني إن لم تكن قادرًا على تفهم عدوانيته وأسبابها وأنها كثيرًا ما تكون بغير إرادةٍ منه والتعامل معها بالشكل الصحيح، سيصعب التعامل مع العدواني لأنه يرفض الرأي الآخر ويرفض الاستماع لغيره إن شعر مجرد الشعور أنك تخالفه الرأي أو تود برأيك أن تثبت أنك على حقٍ وأنه مخطئ، حينها قد يتجاوز مرحلة رفض الاستماع لمحاولة إيذائك إن أصررت على محاولاتك، الشخص العدواني شخصٌ محبِطٌ ومحبَطٌ بالدرجة الأولى لذلك فهو يثبط نفسه ومن حوله ولا يجعل أحدًا ممن حوله يشعرون بالسعادة لإنجازاتهم أيًا كانت، أقل شيءٌ قد يغضبه ويستفزه ويجعله يحطم الأثاث أويتعدى على غيره بالضرب، بعضهم يحصر العدوانية في الكلام لكنك أحيانًا لا تكون متأكدًا من مزاجه المتقلب ولن تكون عالمًا بأي درجةٍ من العدوانية هو الآن، كما أنه يكره الناس والعلاقات الاجتماعية ودائم الاعتراض والتذمر ولا يرضيه أي شيءٍ مهما كان، حتى عمله الشخصي وإنجازاته الخاصة لا ترضيه، كما أنه لا يهتم للآخرين فعلًا ولا يراعي مشاعرهم ولا يثق بأحد.
كيف تتعامل مع الشخص العدواني؟
كما ذكرنا إن لم تعرف مفاتيح الشخص العدواني وتحاول تفهمه وإيجاد الطرق الصحيحة للتعامل معه فتجنبه وإلا خربت حياتك وحياته معًا، أول شيءٍ عندما تتعامل مع العدواني عليك أن تدرس شخصيته وتفهمها وتتقرب إليه وتجمع المعلومات المحيطة بشخصيته لتعرف ما تسبب بسلوكه ذاك وما دفعه إلى ذلك الطريق، لا تعامله كأنه مريضٌ ولا تظهر له أنه بحاجةٍ إلى معاملةٍ خاصة لأن ذلك سيضعك في خانة الأعداء لديه وأمام فوهة مدفع عدوانيته، يحتاج الشخص العدواني للذكاء في التعامل معه وإقناعه واستدراجه بغير أن يشعر بأن ذلك يحدث بل يجب أن يشعر أنه يقدم ذلك كله بنفسه وإرادته عن طيب خاطر، يحتاج إلى التفهم وإلى من يسمعه ويوافقه الرأي ويحاول مصالحته على ذاته ويشعره أنه من الممكن أن يكون شخصًا أفضل وأنه يحمل مواهب وإمكانيات تؤهله للمناصب ولحب الآخرين لكنه منغلقٌ على نفسه، ومن أهم الأشياء ألا تكون حساسًا ولا تواجه غضبه بالغضب أو عدوانيته بالمثل لأن ذلك سيزيد الهوة اتساعًا بينكما، عليك بالهدوء وأن تعطيه فرصة تفريغ غضبه والتعبير عنه ثم تظهر مودةً وعطفًا ومع الوقت سيصبح أكثر تحكمًا في عدوانيته وسلوكه معك.
الشخص العدواني يبدو منفرًا للكثيرين وكأنه يعلق على بابه لافتةً تقول ابتعدوا وإلا قتلتكم ومن أكثر الأشياء التي تحبطه وتؤلمه وتزيد من معاناته أن الجميع يبتعد بالفعل، و ربما يطرقون الباب لإهانته وإغضابه ثم يبتعدون، لكنه في الحقيقة يكون محتاجًا لمن لا يصنع حكمه الأول عنه من لافتة بابه ويتجاوز الباب محاولًا البحث عنه وعن حقيقته.
أضف تعليق