الشجاعة الأدبية ليست مثل الشجاعة الجسدية، الأمر يختلف، وكلاهما ليسا كما الحماسة والتسرع، فكل نوع من هذه الأنواع يختلف عن الأخر. ولكن ما سنتكلم عنه اليوم هو الشجاعة الأدبية، وإن أردنا تعريفها كما يجب حتى تعرف تحديدًا عن ماذا نتكلم: فالشجاعة الأدبية هي عبارة عن مواجهة الآخرين فيما يخص إيمانك وحقوقك وقناعاتك، دون خنوع أو إذعان. وبدون الخوف من الرد على من يريد أن يأخذ حقك، أو يسفه من أفكارك. بل يكون لديك الرد حاضر دائماً، وليس لديك مشكلة تماماً في أن ترد على أي شخص يتخطى حدوده معك. ويكون الرد جدي وليس فيه ضحك أو هزل، بل رصين وفعال. والمشكلة أن القليل لديه فكرة الشجاعة الأدبية، فالكثير من الناس يقولون: يجب عليك ألا تدقق في كل شيء، أو كل ما يقال لك بل يجب أن تدع الأمور تمشي ولا تقف لكل شخص على كلامه وتوجيهاته لك. وهذا أيضا جزء منه صحيح.
دليل امتلاك الشجاعة الأدبية بدون وقاحة
المعنى الحقيقي للشجاعة الأدبية
الشجاعة الأدبية ليس معناها أن تصير قليل الذوق أو أن ترد على من يكبرك سناً برد سيء أو صادم. فالموضوع ليس حرب عليك أن تكسبها، بل الموضوع عبارة عن مواجهة من يقلل من أفكارك أو إيمانك أو معتقدك. حتى لو كان أقوى منك وتعرف أن رأيك وردك سيؤدي بك إلى الهلاك، والسر في هذا الرد أن يكون صحيح وليس عدواني. فهناك فرق بين الرد العدواني والرد المنطقي الذي يجعل الجميع يشهدون بصحة كلامك، وأنك ليس بشخص تافه. ومن هنا يجب كي تمتلك الشجاعة الأدبية، أن يكون لديك بعض الأوليات يجب أن تعلمها حتى تكون ردودك صحيحة ومنطقية، وليست مجرد ردود غير مرغوب في سماعها.
أولًا التوقيت
حتى تمتلك الشجاعة الأدبية فيجب عليك أن تفهم الفرق بين الحماس والشجاعة. فالحماس والتسرع جزء بسيط من الشجاعة في المطلق بأنواعها، ولكن إذا صار الموضوع أكبر من ذلك وصارت الحماسة هي من يتحكم فيك وليس العقل، إذا هذه ليست شجاعة بل تسرع. ويجب عليك أن تأخذ موقف مع نفسك حتى تعرف كيف تتحكم في نفسك في هذا الوقت. أما الشجاعة الأدبية فالتوقيت فيها مهم جداً، يجب أن تعرف متى يكون لردك قيمة ومتى لن يكون له قيمة. وكمثل بسيط، لو هناك شخص أنت تفهم جيدًا أنه يتعمد التقليل من شأنك لمجرد أنه مريض بالنقص النفسي، ويريد أن يشعر أنه أفضل منك. فالأفضل هنا ألا ترد عليه فورًا، دعه يتكلم ويدلي بدلوه، ومن ثم دعه واترك المكان بهدوء وكأنه ليس موجود. لأنك لو تكلمت معه أنت الذي ستخسر وشجاعتك ستكون ضدك لأنه لن يقتنع. وفي نفس الوقت سيسخر أكثر من كل كلمة تقولها. ولذلك الشجاعة الأدبية هنا هي ردك بصمت واحتقار للجلوس معه، وعندما يقول لك هو لماذا تركت المكان؟ حينها قل له أنه تافه، وأنه يشعر بالنقص، واتركه وأكمل طريقك. توقيت كلامك وردك مهم جداً وذكي جدًا هنا، لأنك انتظرت لأن يسمع هو حينما سألك لماذا تجاهلته وتركته.
الأسلوب
يجب على أسلوب الشجاعة الأدبية أن يكون مقبول وليس جارح، بمعنى أخر لا يمكن أن تخطئ في حق أحدهم أو تقلل من شأنه لمجرد أنه أهانك أو قلل من إيمانك أو معتقدك. فالأمر يحتاج إلى أسلوب جيد في رد الإهانة أو رد الكلام أو توضيح الفكرة. ولا يحتاج منك أن تكون شخص بغيض اللسان. فهذه ليست شجاعة أن تشتم أحدهم في وجهه، بل هذه قلة ذوق وعدم احترام. لأن الشجاعة الأدبية قائمة على قول الحقيقة كما هي للطرف الأخر، ولكن بأسلوب غير جارح وغير مهين وذكي. ومن ضمن الأساليب الجيدة في حالات الرد بالشجاعة الأدبية، هو الأسلوب الجاد المحترم. وخصوصاً لو كان الشخص الذي أمامك يتعمد أن يتخطى حدوده معك، فهنا يجب أن تكون جاد وحازم وبأسلوب محترم حتى لا يمسك عليك أحدهم خطأ لفظي أو تأويل كلامك حسب مزاجه. بل يجب عليك أن تكون واضح وصريح وكلامك لا يحتمل التأويل أو التشبيهات. بل الكلام معروف ما هو قصده ولا يمكن أن يكون هذا القصد غير ذلك. خاصة لو كلامك موجه إلى شخص كبير في السن، ويجب أن توقر حضوره.
راعي نوع الشخص
شجاعتك الأدبية يجب أن تعرف طريقها مع كل نوع من الأشخاص. فالرجل ليس مثل المرأة، المدير ليس مثل الغفير، الطفل ليس مثل الجد، الكل يختلف والبشر أنواع. ولذلك عندما تواجه موقف يحتاج منك شجاعة أدبية يجب أن تدرك أن الشخص الذي أمامك له عقل، ومشاعر مثلك. ولذلك يجب أن تجد الطريقة المناسبة التي تواجهه بها. لا تخف في كل الأحوال، لكن مثلاً السيدات لا يحبون أن تقول لهم الحقيقة كما هي إذا أخطأت، بل يحبون أن تقول لهم الموضوع بالتدريج. فهذا لأن مشاعرهم حساسة ومرهفة أكثر من الرجال. أما الرجال فلا يحبون أن تطيل الكلام وأنت تواجهه، فإن أردت أن تمتلك الشجاعة الأدبية مع رجل تكلم في الموضوع في فوراً دون مقدمات. أما بالنسبة إلى رتبة الشخص الذي تتعامل معه، فيجب أن تكون شجاعتك لا تبالي بهذا الموضوع. ولكن يجب أيضاً أن تراعي نفسية الشخص، فغالباً أي شخص ذو سلطة لا يستسغ فكرة أن هناك أحد يتكلم معه بصراحة عما في قلبه. ولذلك حاول أن تفهم ذلك وتقول ما تريد بشكل رسمي لو كان لرتبة أعلى منك.
الثقة في النفس
كي تمتلك أي نوع من أنواع الشجاعة يجب أولاً أن تمتلك الثقة في النفس، حتى تعرف كيف ستعبر عما بداخلك جيداً. فليس من الطبيعي، أن يكون لديك شجاعة أدبية ولكنك تتلعثم في الكلام، أو تخاف من المواجهة. أو تشعر بالإحراج من المواقف التي تحتاج منك أن تكون شخص فعال وذو شخصية. فخطوة أساسية أن تمتلك الثقة في النفس، وكي تكتسب هذه الثقة مع الشجاعة الأدبية مع الذكاء، فهذا يتطلب مجهود عقلي كبير. حيث أن كل تلك الأشياء ليست من السهل أن تتجمع في إنسان واحد فقط. ولكن الثقة في النفس هي أهم شيء قد تحتاجه، وتجعلك مع الوقت تتطور في فكرة أن تكون شخص صريح لا يخجل من أفكاره. ولا يخجل من أن يتكلم بما في داخله بكل فخر وكبرياء دون أن يجرح الآخرين أو يقلل من شأنهم.
أخيرا عزيزي القارئ، الشجاعة الأدبية صفة حميدة جداً ويجب أن تكون داخلنا جميعاً. ولكن الأهم أن تستغل هذه الصفة بطريقة محترمة ولا تدع الشجاعة تتحول إلى وقاحة أو قلة ذوق أو حماس زائد. بل اجعل من كلماتك شيء عزيز وعندما تتكلم عن نفسك لا تسهب. ولكن عندما تتكلم عما بداخلك من عتاب أو وجهة نظر، فلك الحق في الكلام بالطبع في أي شيء. كل هذه التفاصيل ستجعلك وأنت تتكلم مع الآخرين تعرف قيمة الشجاعة الأدبية التي تجعل الناس في قمم الوظائف، بسبب أن الثقة في النفس والردود الحاضرة، وكيفية معاملة الرتب الأعلى بطريقة حازمة ومحترمة، هي التي تجعل الشخص نفسه في مكانة جيدة بين الآخرين.
أضف تعليق