يعتبر الزواج المبكر من العادات التي ترسخت في مجتمعنا العربي وعلى وجه الخصوص لدى الأسر التي تعاني من نقص المستوى التعليمي والثقافي مع الإيمان بكثير من المعتقدات والعادات التي لا يقرها عقل ولا دين، والزواج سنة كونية وضرورة من أجل تعمير الكون واستمرار النسل البشري وذلك بشرط الالتزام بالتعاليم الدينية التي تنظم ذلك وكذلك يجب أن تتوافر فيه شروط السلامة الصحية التي تحفظ كيان الأسرة؛ لأنها تعتبر اللبنة الأولى لبناء مجتمع سليم قادر على التطوير والقيام بمسئولياته على أكمل وجه، والزواج في سن مبكرة يهدد الأسرة بالانهيار لعدم الشعور بالمسئولية في هذه السن الصغيرة؛ لذلك يتناول هذا المقال تعريف الزواج المبكر، وأهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الزواج المبكر، والآثار السلبية للزواج المبكر على المرأة، وأخيرا أثر الزواج المبكر على المجتمع.
الزواج المبكر أضراره وفوائده
تعريف الزواج المبكر
لقد تعددت تعريفات الزواج المبكر ولكنها اتفقت على أنه اتحاد أو زواج يتم بين شخصين أحدهما أو كلاهما دون السن المناسب للزواج وهو سن الثامنة عشرة كما حددته منظمة حقوق الطفل (اليونيسيف)، وهو السن الذي يكتمل عنده النمو لدى طرفي الزواج من الناحية الجسدية والعقلية والنفسية والعاطفية؛ لذلك يعتبر الزواج المبكر انتهاكا لحقوق الأطفال لما له من أضرار جسدية ونفسية واجتماعية، وكذلك يمثل الزواج المبكر انتهاكا للقيم والمبادئ الإنسانية.
أسباب انتشار الزواج المبكر
إن الزواج في سن مبكرة أو في سن الطفولة يعتبر جريمة في حق الإنسانية تقتل الطفولة والبراءة وتسلب الأطفال أبسط وأسمى حقوقهم في اتخاذ القرار والحق في عيش مرحلتهم العمرية والاستمتاع بها وكذلك الحق في التعليم، وقد أدت أسباب عديدة لانتشار مثل هذه العادة السيئة، وفيما يلي أهم أسباب انتشار الزواج المبكر في المجتمع:
1- الظروف الاقتصادية: تعتبر الظروف الاقتصادية السيئة هي أكبر سبب لشيوع الزواج المبكر؛ حيث يلجأ الآباء إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة تخفيفا لعبء المصاريف والإنفاق خاصة إذا كان الأب من ذوي الأطفال الكثيرين، لذلك نجد أن انتشار الزواج المبكر في الدول النامية ملحوظ بصورة أكبر من الدول المتقدمة، فقد أثبتت إحصاءات منظمة اليونيسيف ما بين عامي 1996 و2005م أن حوالي 65 مليون امرأة تزوجت بطريقة شرعية أو غير شرعية قبل عمر 18 سنة وأغلبهم يعيش في دول آسيا الجنوبية، كما تشير الإحصاءات إلى أن حوالي 50% من سكان بعض الدول الأفريقية مثل بنجلاديش وتشاد وغينيا والنيجر وأوغندا متزوجات (شرعيا أو غير شرعي) قبل عمر الثامنة عشرة.
2- الأمية والجهل: من الأسباب التي أدت إلى انتشار الزواج المبكر هو جهل الكثير من الناس بالمخاطر التي يسببها هذا الزواج في تلك السن المبكرة سواء على الفتاة أو الأسرة أو المجتمع ككل، وأيضا ارتفاع نسبة الأمية وعدم اهتمام الناس بتعليم الفتيات خاصة في الريف والبلدان الفقيرة قد يكون من أسباب الزواج المبكر.
3- عادات واعتقادات مغلوطة: هناك الكثير من العادات والاعتقادات التي تبعد تماما عن الصحة والتي كانت من أسباب انتشار الزواج المبكر، ومن أهم تلك العادات الرغبة في تزويج الابن الأكبر مبكرا للفرح به، وكذلك اعتقاد أن البنت ليس لها إلا الزواج سواء كان عاجلا أو آجلا؛ لذلك يفضل تزويجها والاطمئنان عليها مبكرا، وأيضا الحفاظ على شرف العائلة والخوف من العنوسة قد تلجئ الوالدين إلى تزويج البنات في سن مبكرة.
4- الظروف الاجتماعية: قد توجد بعض الظروف الاجتماعية التي تؤدي إلى الزواج المبكر مثل حالات الاغتصاب والتي يكون الزواج المبكر هو الحل الودي والسريع لعلاجها، وكذلك خوف الآباء من العنوسة أو الخوف من تعرض الفتيات للاغتصاب وبالتالي يلجأ إلى الزواج المبكر دون أن يدرك العواقب المترتبة عليه، ومن الأسباب المهمة للزواج المبكر هو زواج الأقارب الذي ينتشر بصورة كبيرة في العائلات الكبيرة والأرياف، حيث تنتشر تلك الظاهرة بين المجتمعات العربية حفاظا على سلالة العائلة ونسلها؛ فيضطر الابن للزواج من ابنة عمه أو خاله حتى ولو كانت صغيرة في السن.
5- قلة المدارس الثانوية: يعتبر عدم انتشار المدارس الثانوية في جميع القرى جنبا إلى جنب مع المدارس الإعدادية أو المتوسطة يعتبر من أسباب انتشار الزواج المبكر؛ حيث يخشى الآباء على بناتهم عند وصولهم مرحلة البلوغ من الخروج بعيدا عن البلدة والسفر إلى قرية أخرى طلبا للعلم؛ وبالتالي يلجأ الآباء إلى تزويج بناتهم في تلك المرحلة (مرحلة المراهقة) قبل وصول السن المناسبة للزواج حتى لا تكمل تعليمها الثانوي خوفا عليها من مخاطر السفر والاغتصاب أو التعرض للتحرش أو الاختطاف أو غير ذلك؛ ولذلك يرى الوالدان في الزواج المبكر الحل الأمثل للتخلص من تلك المخاوف والأوهام.
الآثار السلبية للزواج المبكر على المرأة
إن الزواج المبكر يضع أبناءنا في مأزق يمثل خطرا كبيرا على حياتهم واستقرار الأسرة في المجتمع بل يمثل خطرا يهدد المجتمع بأكمله، وقد أثبتت الكثير من الدراسات والأبحاث أن للزواج المبكر آثار سلبية على المرأة نوجزها فيما يلي:
1- الآثار النفسية: لا شك أن الزواج المبكر بما يحتويه من من حرمان الطفولة من تحقيق أحلامها وكذلك الإجبار على العلاقات الجنسية وانتزاع الحرية الشخصية يمثل ضغطا نفسيا وانفعاليا يصعب علاج أضراره الجسمية والعاطفية والفسيولوجية والاجتماعية فيما بعد، وقد أصيب الباحثون من اللجنة الأفريقية بالذهول من الجهل واللامبالاة التي يتصف بها الراشدون حيال الآثار السلبية للزواج المبكر على الأطفال، ومن المعلوم أن الفتاة في هذه السن المبكرة لم تكن مهيأة نفسيا لتحمل مسئولية هذا الزواج.
2- الحرمان من التعليم: من النتائج ذات الأثر السيئ للزواج المبكر على الفتيات هو حرمانها من الحق في إكمال تعليمها، وبالتالي تنشأ أسرة يسودها الجهل ولا تقدر قيمة العلم أو التعليم، وذلك سيكون له أثر سلبي على الأسرة والمجتمع على المدى البعيد.
3- الآثار الصحية: تعتبر الآثار الصحية السلبية الناتجة عن الزواج المبكر من أخطر الآثار؛ لأنها تؤثر على صحة الأم وبالتالي المجتمع ككل، ومن هذه الآثار إصابة الأم بالعديد من الأمراض مثل سرطان الثدي وسرطان الرحم وارتفاع الضغط والسكري ونقص الوزن وسوء التغذية، كما يؤدي الزواج المبكر بسبب جهل الصغار بالأمور والعلاقات الزوجية إلى ممارسة الجنس بطريقة خاطئة مما يضعف تلك الرغبة فيما بعد أو حدوث الطلاق والانفصال كنتيجة لذلك، وبسبب هذا الجهل وغياب التعليم تزداد فرصة احتمال إصابة الأم بأمراض العدوى الجنسية مثل الإيدز، وكذلك تعرض حياة الأم للخطر بسبب الولادة المبكرة وقلة وزن الطفل المولود مع احتمال وفاته في المهد، وقد أثبتت الأبحاث ازدياد نسب الوفيات بين الفتيات المتزوجات في سن مبكرة أثناء الحمل والولادة بسبب النزيف وتلوث الدم وتشنجات الحمل والإجهاض، وقد أثبتت الدراسات أن الزواج المبكر يطيل فترة الخصوبة عند السيدات لذلك تنجب الفتيات عددا كبيرا من المواليد مما يمثل خطرا على صحة الأفراد في الأسرة وعدم حصولهم على الرعاية الكاملة.
4- التعرض للعنف: يعتبر العنف من الآثار السلبية الناتجة عن الزواج المبكر؛ حيث تكون الفتاة هي الضحية الأساسية في العنف الأسري بسبب سوء الحالة الاقتصادية وغياب التعليم وقد يؤدي بها ذلك إلى الانتحار فيما بعد، ومن أشكال العنف العلاقات الجنسية الإجبارية والمعاملات السيئة من الزوج الذي لا يقدر قيمة المسئولية والزواج وقدسيته، ومن أشكال العنف أيضا إجبار المرأة على ممارسة الدعارة كنوع من تحسين الدخل الاقتصادي للأسرة أو غير ذلك.
الآثار السلبية الناتجة عن الزواج المبكر على المجتمع
إن الأسرة هي النواة وحجر الأساس الذي يتكون منه المجتمع، فإذا صلحت الأسرة واستقامت وقوي بنيانها قوي المجتمع تبعا لذلك وصار متين البنيان والأساس، ولا أحد ينكر دور الأسرة وأثرها في تماسك المجتمع واستقراره؛ لذلك تتناول السطور القادمة الآثار السيئة للزواج المبكر على المجتمع ككل ونوجزها فيما يلي:
1- انتشار الجهل: إن الزواج المبكر يؤدي إلى انتشار الجهل وقلة التعليم في المجتمع؛ وذلك لأن الأم غير المتعلمة التي حرمت من التعليم بسبب زواجها في سن مبكرة لن تكون قادرة غالبا على إنتاج جيل متعلم مدرك للتحديات الحديثة أو قادر على مواجهتها، وبالتالي ينشأ المجتمع مهددا بخطر الجهل الذي يهدمه من الداخل فيصبح خاويا ضعيفا مصيره الانهيار أمام التحديات المستقبلية.
2- انهيار القيم التربوية: وذلك من خلال عجز الوالدين عن التربية السلية لأبنائهم؛ حيث تتكون الأسرة في الزواج المبكر من آباء في صورة أطفال مراهقين يجهلون قيم المجتمع ولا يعرفون الأسس السليمة لتربية الأطفال، وقد ساعد على ذلك الحرمان من التعليم الذي عاشوا في ظله وتجرعوا مرارته، وينعكس ذلك في صورة أكثر سوءا على أبنائهم إذا قدر لهم الإنجاب، وبالتالي ينشأ المجتمع ضيق الأفق محروما من التعليم معتقدا بصواب تلك العادات التي ورثها عن الآباء والأجداد مثل الزواج المبكر وحرمان الفتيات من التعليم وغير ذلك.
3- انتشار حالات الطلاق والانفصال: إن أغلب حالات الطلاق والانفصال تتم بسبب الزواج المبكر وجهل الأزواج بأدوراهم في الحياة الزوجية الجديدة التي يفترض عليهم أن يعيشوها، ولكن بسبب قلة الخبرة وعدم وجود ثقافة وصغر السن والحرمان من التعليم وأسباب أخرى كثيرة قد تؤدي إلى انعدام التفاهم بين الزوجين وحدوث المشاكل الزوجية والعنف الأسري الذي يؤدي بالتالي إلى الانفصال والطلاق بين الزوجين، كما أن انتشار الطلاق في المجتمع يهدد كيان المجتمع بعد التماسك والانهيار على المدى البعيد بسبب أنه أصبح مهددا بانتشار الدعارة وحالات الاغتصاب والتفكك الأسري وكذلك تشرد الأطفال وانتشار السرقة والعنف وتفاقم ظاهرة أطفال الشوارع وغير ذلك من الأمراض الاجتماعية التي تهدد كيان المجتمع.
4- الكثافة السكانية: إن الزواج المبكر قد يكون سببا في الزيادة السكانية الهائلة التي قد تقضي على الأخضر واليابس في المجتمع؛ وذلك لأن الدراسات والأبحاث أثبتت أن درجة الخصوبة تزداد مع الزواج المبكر وبالتالي تزيد نسبة الإنجاب، وبسبب الجهل والحرمان من التعليم يؤدي إلى كثرة الإنجاب تلبية لعادات وتقاليد المجتمع والأسرة؛ وبذلك يحدث الانفجار السكاني بكثرة المواليد التي تعاني من الجهل والفقر والضعف والمرض مما يعد عبئا ثقيلا على كاهل المجتمع فيما بعد.
مما لا شك فيه أن الزواج المبكر يعد جريمة في حق الطفولة والإنسانية يجب أن يعاقب عليها القانون، وقد يختلف سن الزواج قليلا من دولة إلى أخرى بسبب اختلاف المناخ البيئي الذي يؤثر في نضج الفتيات والفتيان؛ لذلك يجب أن ينتشر الوعي بخطورة الزواج المبكر مع تعريف الناس بمخاطر الزواج المبكر وضرورة توضيح حقوق الأبناء على الآباء، كما لا يجب أن نغفل دور الحالة الاقتصادية في الحد من الزواج المبكر وسن القوانين التي تجرم ذلك وتحد من انتشاره، وأيضا يجب مساعدة الفتيات نفسيا خصوصا اللواتي تعرضن لبعض مخاطر الزواج المبكر؛ حتى يستطعن العيش بشكل طبيعي مرة أخرى مع القدرة على تخطي الأزمات والمشاكل المؤثرة في حياتهن.
أضف تعليق