ربما لا تجد في الغرب مصطلح مثل الزواج التقليدي حيث أن كل الزواج هناك مبني على الحب والمواعدة وترتيب اللقاءات الغرامية وغيرها، حيث يقومون بتجربة الأشخاص بشكل دائم حتى يصيب الاختيار على الشخص المناسب ولكن ربما وجود قيود على العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا جعلت الأمر غير متاح إلى حد كبير مما جعل الكثير من شباب الوقت الحالي يتجهون إلى الطريقة القديمة للزواج في مجتمعاتنا، وهي الزواج التقليدي أو ما يطلق عليه زواج الصالونات، ربما لا يدري قطاع كبير من الشباب خصوصًا الأصغر ما هو الزواج التقليدي ولكن سيعرفونه إن آجلا أو عاجلا، فما هو الزواج التقليدي يا ترى؟ وهل هو أفضل أم الزواج العاطفي المؤسس على قصة حب؟ الحقيقة أن هذا الموضوع يستلزم منا الكثير من البحث والنقاش حتى نصل إلى إجابة، ولكن هل سنصل بالفعل؟ هذا ما سنراه.
استكشف هذه المقالة
تعريف الزواج التقليدي
الزواج التقليدي هو طريقة يتبعها القطاع الأكبر في منطقة الشرق الأوسط للارتباط الرسمي بين الرجل والمرأة وهي تعطي السلطة للأسرة بتزويج الأبناء أو البنات في المقام الأول، وتعتمد هذه الطريقة على اختيار الصهر المناسب أو الكنة المناسبة على مستوى العائلة والمصاهرة وليس الزوج المناسب أو الزوجة المناسبة على مستوى الأفراد والعاطفة، بمعنى أن الزواج التقليدي هو طقس اجتماعي أكثر منه ارتباط عاطفي رسمي، ويتميز الزواج التقليدي بأنه يحدث التعارف عند إبداء الرغبة بالزواج عكس الزواج العاطفي الذي يمتاز بأنه يحدث التعارف في البداية وبعد ارتياح الطرفين إلى بعضهما تحدث الرغبة في الزواج، تعود أسس الزواج التقليدي إلى الثقافة القبلية التي لا زالت تسيطر على عالمنا العربي.
عيوب الزواج التقليدي
منذ زمن ظل الناس يعيبون في الزواج التقليدي حتى أطلقوا عليه اسم زواج الصالونات، أي أنه يعتمد على الجلوس في غرفة الصالون والاتفاق على تفاصيل الزواج كما لو كانت صفقة تجارية وحتى نستطيع تعديد عيوب الزواج التقليدي ربما يلزمنا مجلدات لذلك سنتحدث عن أبرز عيوب الزواج التقليدي وأهمها على سبيل المثال لا الحصر.
يتدخل فيه الضغط الأسري
لا يحدث هذا عادة بشكل مباشر ولكن دائما ما يتدخل الضغط الأسري بشكل غير مباشر لدفعك إلى الرضا بشخص معين والموافقة عليه وأنك بقبولك بالزواج به سواء كنت رجلا أو امرأة فأنت بهذا تحقق بر الوالدين والطاعة التي يجب أن تقوم بها من أجلهم وبالتالي تضطر بالقبول حتى لا تكون ابنا عاقا أو فتاة عاصية وخارجة عن طوع والديها وعائلتها، لذلك نقول أن الزواج التقليدي يتدخل فيه الضغط الأسري حتى دون أن يتفوه أحد بكلمة، بناء على هذا نستطيع أن نقول أن الزواج التقليدي يقع تحت طائلة الإجبار أيضًا وأحيانا يتعدى تلك الطرق غير المباشرة ويتجه نحو الإجبار مباشرة.
لا يعنى كثيرا بالعواطف
أزمة الزواج التقليدي هو أنه لا يعنى كثيرا بالعواطف بمعنى أن العواطف هنا عنصر هامشي وليس عنصر جوهري، حيث إن كانت موجودة فهذا جيد وإن لم تكن فهذا لن يشكل أزمة، طالما هناك قبول أو بمعنى أدق عدم نفور وكراهية فليس هناك مانع من الزواج أما الحب والعاطفة وهذه الأشياء فتعد في نظرهم مراهقة وعدم نضج ولذلك كان الزواج التقليدي وبالا على الأطراف المتحابة، بحيث لو كنت مرتبطا بشخص ما لكن من وجهة نظر العائلة غير مناسب وليس في يدك أسلحة غير عاطفتك فأنت بالتالي مرتبطا به بشكل غير مبرر، لأن العاطفة لا قيمة لها عندهم بل أحيانا تعد نقيصة ومبرر رفض مسبق.
أحيانا تتدخل فيه المصالح
أحيانا تتدخل في الزواج التقليدي المصالح فيصبح الأمر كما قلنا عنه مجرد صفقة تجارية أو طمعا في زيادة أواصر العلاقة بين عائلتين أو محاولة لحوز نفوذ ما أو سلطة ما أو مزيد من الأموال أو الممتلكات من وراء هذا الزواج أو أيا كان الغرض فهو بعيد كل البعد عن العواطف ومشاعر الحب والتي تعد في داخل كل إنسان هي جوهر العلاقة الزوجية كما أنها جوهر كل العلاقات عادة، بالتالي لا يعد الزواج التقليدي زواجا بالمعنى المفهوم ولكنه مجرد بيعة أو صفقة أو تقدم مادي فحسب.
يشوبه الملل واستجداء أي مشاعر
عندما يقوم الطرفان المرتبطان بالطريقة التقليدية بالخضوع للأمر الواقع فإنهما يستشعران الملل لأنه يجب عليهما أن يحبا بعضهما البعض بأي طريقة لأنه لا يوجد خيار آخر وبالتالي يشوبه الملل بعض الشيء لأنه لا يوجد شغف متبادل بين الاثنين ولا رغبة في التعرف أكثر مثلما يحدث في الطرق الأخرى التي يكون الانجذاب الشعوري والعاطفة هي أساسها، فيقوم هذان الشخصان بمحاولة تزييف أي مشاعر أو استجداء أي عوامل جذب من أجل تجميل المسألة قليلا أو قبولها بطريقة أقل غرابة، وهذا من أهم عيوب الزواج التقليدي التي تتكشف فيما بعد.
طريقة متخلفة للارتباط
للأسف لا يمكن أن نكون عشنا هذه الحياة المتحضرة بكل ما فيها من فنون وعلوم وآداب وموسيقى للعلو بمستوى الإنسان والعمل على تقدمه ورفعته ونتبع مثل هذه الطريقة التي تعود بنا لسنوات للوراء وتربطنا في القرون العتيقة لا نبرحها، لا يمكن أن يأتي شخص إلى منزل شخص يدخله لأول مرة من أجل أخذ فتاة من هناك وعليه أن يحبها وعليها أن تحبه كما لو كان سيشتري هاتفا أو حاسوبا، ولا نريد أن نجعل الأمر قاسيا أكثر من هذا، يجب أن نساير الحضارة التي أحرزناها ونرد الأمور إلى أصولها، حيث لا ينبغي أن نتجاهل عواطفنا ومشاعرنا بكل هذا القدر ونمشي وراء غرائزنا المجردة مثلما كان يفعل أسلافنا من البشر الأوائل قبل عشرات الآلاف من السنين، نستطيع أن نقول وبكل أمانة أن الزواج التقليدي هي تأطير لهذه الطرق التي تناسب إنسان العصر الحجري وهي بذلك تردنا آلاف السنين إلى الوراء.
مميزات الزواج التقليدي
ربما بعد أن استعرضنا أهم عيوب الزواج التقليدي ونوهنا أننا لن نذكر كل العيوب لضيق المقام فلا ينبغي أن يكون لنا عينا أن نتحدث عن أي مميزات لأنه مما عرضناه بالأعلى يتضح أن الزواج التقليدي كله شر مطلق ولكن للمفاجأة فإن له مزايا أيضًا، ربما لا ترقى للتساوي مع العيوب ولكنها تظل مزايا ذات أسس منطقية قوية.
تباركه الأسرة
عادة فإن الزواج التقليدي تباركه الأسرة بمعنى أصح فإن الفرحة التي تحدثها الأسرة ورضاها الكامل وذلك السرور الذي تراه في أعينهم سيجعل فرحتك تتضاعف أو على الأٌقل سيخفف من استياءك إن لم تكن الزيجة على هواك كما أنك تلقي بمسئولية الزيجة بالكامل على الأسرة خصوصا أن ثمة مخاوف تنتاب أي شخص يقدم على تحدي الجميع والزواج ممن يريد إن فشل الزواج فإن جميع من حوله سيجلدونه ويقولون له لقد قلنا لك ولكنك صممت على رأيك بالتالي هذا التوتر يزاح من على كاهلك لأن الأسرة بكامله تباركه.
يحتوي أحيانا على المغامرة
قيل قديما أن الزواج مثل البطيخة تشتريها ولا تعرف ما الذي بداخلها، لا يوجد في الزواج التقليدي الكثير من الاحتمالات لأنه عادة حتى الزواج العاطفي قد لا تبدو جيدة العلاقة الزوجية فيه مثلما كانت قبل الزواج ولكن على أي حال يحتمل من المغامرة ما يحتمل لأن الزواج التقليدي مثل ما يسمونه “الموعد الغرامي الأعمى” أو الـ”blind date”
الأزمة فقط أن في الزواج التقليدي لا يمكنك الانسحاب بسهولة مثل الموعد الأعمى سالف الذكر إن كانت النتائج غير مرضية، أما إن كانت النتائج إيجابية فقد أتاك السعد والهناء من حيث لا تدري.
مناسب لمن أخفق في علاقاته العاطفية
هناك الكثير من الناس يحبون ويتزوجون في علاقات عاطفية ملحمية ملتهبة ولكن للأسف لا يستطيعون إكمال العلاقات العاطفية لأمد طويل أو تكليلها بالارتباط الرسمي، لذلك فإن الزواج التقليدي قد يكون ملجأ أخيرا من سلسلة الإخفاقات المتتالية في العلاقات العاطفية خصوصًا أن هناك اتفاق غير معلن بين طرفي الزواج أنهما لا يلتزمان أمام بعضهما بالسعادة المتعمدة النابعة من الحب الملتهب والعواطف الجياشة والمشاعر المتأججة، كل ما في الأمر أنهما سيحاولان.
يعطي الحق للجميع بالزواج
أثناء حديثنا المتواصل عن العلاقات العاطفية سواء في هذا المقال أو في مقالات سابقة قمنا بكتابتها أو كتبها زملاء في مواقع أخرى فإن الجميع يتحدث عن الأشخاص الذين هم في علاقة بشكل فعلي وتواجههم مشكلات ولكن هناك فئة ننساها وهؤلاء الذين لا يوفقون في الوقوع في الحب نهائيا، نعم هناك فئة وفئة كبيرة جدا لا تدخل في العلاقات العاطفية من الأساس وبالمقابل يجدون أنفسهم مدفوعون بقوة الغريزة نحو الارتباط، لذلك كان الزواج التقليدي وسيلة متاحة أمامهم من أجل تجربة حظهم، فربما يصادف ويصبح حظهم أفضل ألف مرة ممن تزوجوا عن حب وقصص عاطفية ملحمية ملتهبة.
يعمل على التوفيق العقلاني الموضوعي
الكثير من الحالات التي تنطلق من عاطفة مجردة تتجاهل أي تفاهم أو تقارب عقلاني بين طرفي العلاقة وتنجرف وراء العاطفة ساحقة في طريقها أي نظرة موضوعية للأمر، وعادة عندما يكون الاندفاع قويا فإنهما يتهوران ويقرران الزواج وعادة هذه هي الزيجات التي تكون مبنية على قصة حب أسطورية وتنهار بعد شهور من الزواج، وهذه الشهور ما هي إلا صمود ومحاولة لاستيعاب كيف يفشل الزواج وهما كانا مضرب مثل لكل عاشقين، في حين أن تجد اثنين ليس بينهما الحد الأدنى من العاطفة ولكن بينهما التقارب الفكري والعقلاني وزواجهما مستمر وناجح، الحقيقة أن الزواج التقليدي هو ما يفتح الباب لمثل هذه الزيجات، حيث يجلس الطرفان أمام بعضهما لدراسة الموقف بحيادية وموضعية، النظر من كل طرف للآخر بدون ستار العاطفة أو غشاوة المشاعر الجياشة، هذا ما يفعله الزواج التقليدي تقريبا بالضبط، حيث يفتح الباب لكل عقلين ناضجين أن يرتبطا وينتج عنهما زواج ناجح، أو زواج فاشل.. ليس هناك احتمال أكيد.
أيهما افضل الزواج التقليدي أم العاطفي؟
لا نستطيع أن نقول أن هناك زواج أفضل من آخر أو نمط مفضل على الآخر، الزواج العاطفي له مزاياه والزواج التقليدي له مزاياه وحسب كل شخص وأولوياته، فهناك من يفضل السكن والتفاهم ويكتفي بالمودة والمشاعر الطيبة، وهناك من يريد المشاعر الجياشة لأنها تمثل بالنسبة له السعادة، فلا سعادة بدون عاطفة ولا زواج بدون مشاعر قوية ولا مشاعر قوية سوف تنشأ بعد الزواج بالتالي الزواج يجب أن يكون مؤسسا على العاطفة المتبادلة بين الزوجين حتى يستطيعان سويا العبور نحو السعادة، وتحمل مصاعب الحياة.
بالنسبة لكاتب المقال فهو لا زال في مرحلة مبكرة من حياته بحيث لم يكمل حتى الثلاثين بعد، وبالتالي يرى أنه يجب أن يكون هناك حب إلى جانب التفاهم والتقارب الفكري والمودة والحنان، وهو يرى أن الزواج التقليدي أمر لا يناسبه، أما أن أقول أن هناك زواج أفضل من زواج فهذا غير مناسب على الإطلاق.
كيف تحصل على السعادة في الزواج التقليدي ؟
نصل الآن إلى العنصر الأهم في المقال الذي بين أيدينا، إذا فرض علينا الزواج التقليدي ووجدنا أنفسنا متورطين فيه، كيف يمكننا التعامل معه؟ كيف يمكن أن نقلل خسائرنا؟ وكيف يمكننا أن نطمع أكثر ونصل إلى السعادة من خلاله؟ الحقيقة أن الأمر يبدو صعبا وهو تجربة غير مضمونة على أي حال ولكن نقول أن الاستسلام للأمر الواقع ليس هو الحل الصحيح لذلك هذه بعض النصائح حول التعامل الأمثل مع الأمر.
محاولة صنع التقارب
إن محاولة صنع التقارب مع الشخص الذي ستعيش معه ما تبقى لك من عمرك أمر صعب جدا في حالة عزوف الطرفين أو أحدهما عن ذلك، عن محاولة استكشاف هذا الشخص، إن الاستكشاف يخلقه الفضول والفضول غير موجود في مثل هذه الحالات لأنه ليس هناك عاطفة قوية تدفعه إلى الأمام، ولكن علينا أن ننحي كل هذا جانبا ونعمل على إنشاء هذا الفضول ومحاولة اكتشاف الشخص الآخر لعلنا نجد فيه ما نبحث عنه.
أخذ الموضوع كتجربة
صحيح أننا لا يمكننا إطلاق تجربة على الزواج التقليدي لأن ذلك قد يقلل من شأنه ولكن إن كنت ترى الأمر كبيرا وقد تزوجت زواجا تقليديا خاليا من العاطفة فلا تحاول أن تترك نفسك فريسة لأوهام السعادة الضائعة والعمر الذي فقد في غياهب المشاعر والحياة الخالية من الحب، خذ الأمر كتجربة، كيف يمكنك أن تعيش مع شخص لا تجمعكما عاطفة متبادلة وتستطيعان تنمية مشاعركما مثلا؟
إطالة مدة الخطوبة قدر الإمكان
إن كنت لم تقتحم الزواج التقليدي عليك بإطالة فترة الخطوبة قدر الإمكان، لا من أجل التعرف على بعضكما بشكل كافٍ فحسب ولكن في حالة نمو مشاعر فإن الحرمان وقود مناسب لإلهاب المشاعر، مشاعر الحب أصلا تتغذى على الحرمان ولكن النفور على أي حال سيلاحقك إن اندفعت وتزوجت مباشرة، الأمر ليس فيه أي حرمان وستشعر أنك مجبر ومضطر وليس لديك طاقة حتى لمحاولة أخذ الأمر كتجربة.
البحث عن نقاط الالتقاء
عليك أن تتفهم أن الطرف الآخر ليس كائنا فضائيا، بل هو آدمي أيضًا ربما يكون لديه بعض أفكارك وبينكما الكثير من نقاط الالتقاء التي يمكنكما أن تنطلقا منها لتحققا التقارب المرجو، لذلك ليس علينا أن نعطي أنفسنا المبررات لكراهيته بل للانجذاب إليه، وكما قلنا في السطور السابقة أن من مميزات الزواج التقليدي هو وجود روح المغامرة في الأمر فإن احتمالية أن تجد الشخص المناسب لك في زواج تقليدي كبيرة، وتستحق المحاولة عموما.
أخيرا وليس آخرا، القول الفصل ليس في الزواج التقليدي فحسب بل في العلاقات العاطفية على اتساعها، التفاهم أهم من الحب أحيانا، ولولا الخجل لقلنا أنه أهم من الحب غالبا، ولولا الخوف من الاتهام بالتبجح لقلنا أنه أهم من الحب دائما، لذلك احرص على وجود التفاهم، فربما قد يخلق المشاعر.. أما المشاعر وحدها فلن تخلق التفاهم مهما حدث.
أضف تعليق