الزهد في الحياة طريقة لكي يحيا بها الإنسان، وليس معناها التقشف أو التصوف ولكن الكف عن الشراء والتكديس والاستهلاك الذي يثقلنا ويثقل كاهلنا، كم مرة اشتريت قطعة ملابس وأنت لا تحتاجها حقا؟ كم مرة أقنعتك الإعلانات أن تشتري ما لا تحتاجه حتى تصل إلى السعادة؟ هل السعادة في الشراء المتواصل والاستهلاك الدائم؟ هل السعادة في استمرارك المُلح في التنقيب عن المتعة والعب من الملذات والتفتيش عن الشهوات بشكل متواصل مهما كلفك هذا؟ ألم تفكر ولو للحظة واحدة في نمط حياتك ونمط من حولك؟ وتقول لا، لن أفعل؟ لن أشتري، لن أذهب، لا أحتاج لهذا؟ حسنا ربما سيساعدك هذا المقال عن الوقوف قبل المنحدر.
استكشف هذه المقالة
معنى الزهد في الحياة
قد تبدو تركيبة جملة الزهد في الحياة مخيفة للبعض لأنها تعني أن تعيش الحياة لا لتستمتع ولكن لتعاني وتتألم لأنك زاهد في الحياة نفسها وزاهد في كل متع الحياة وبالتالي فالحياة والموت بالنسبة لك سيان وهذا ليس حقيقي على الإطلاق وليس هذا ما نقصده في النهاية ولكن المعنى من ذلك هو الكف عن اللهاث وراء الشراء والاستهلاك والبحث عن السعادة من خلال تكديس المشتريات أو الذهاب للأماكن الرائعة أو أن يسيل لعابك على فيديو في قرية سياحية ما أو منتجع معين يجب عليك تجربته، يمكنك أن تستمتع بحياتك أيضًا وأنت شخص بسيط وعادي، ولذلك نقول أن الزهد في الحياة لا ينفي التمتع بالحياة، بل يبحث عن المتعة في طريق آخر، طريق ينشد الرضا، لا الاستهلاك، ينشد القناعة لا الشراهة، ولا خير في سعادة تأتي من خلال إشباع الحواس بشكل كامل.
تأثير الزهد في الحياة ماديا
يوجد أثر بالغ لإيثار طريقة الزهد في الحياة عن طريقة الاستهلاك أو التلذذ، والأثر الناتج قد يكون أثرا ماديا أو معنويا والأثر المادي يتخلص في النقاط التالية:
الادخار
تحرمك حياة الاستهلاك من ادخار النقود حيث تتلهف للحصول على أي نقود من أجل الذهاب إلى ملهى ما باهظ الثمن لمجرد تجربته أو شراء شيء لا تحتاجه أو حجز رحلة لمكان ترفيهي من أجل أن زملاءك في العمل يفعلون، الادخار من أهم الأمور لأنك لا تدري ما الذي يخبئه لك المستقبل وقد تأتي في لحظة ما تحتاج إلى بضعة آلاف من الأوراق المالية ولا تجدها لذلك عليك أن تبدأ الزهد في الحياة وتكف عن حياة الاستهلاك.
الاستغناء عن الأمور الهامة من أجل الترفيه
تحرمك حياة الرفاهية من الأمور الهامة مثل الذهاب إلى النادي الصحي أو الصالة الرياضية أو إجراء الفحص الطبي، كل هذه الأمور التي تفيد جسدك وصحتك تنفقها على الطعام غير الصحي والملابس الباهظة والمستحضرات المختلفة والرفاهية غير الضرورية، يمكنك الآن أن ترمي هذا كله، وتركز على الأشياء التي تفيدك لا الأشياء التي تمتعك فحسب حتى ولو كانت آثارها الجانبية مدمرة.
تأثير الزهد في الحياة معنويا
ومثلما لمبدأ الزهد في الحياة تأثير مادي فله أيضًا تأثير معنوي هذا التأثير يظهر جليا في حياة الإنسان بمجرد تطبيق هذا المبدأ وأبرز ما آثار الزهد على حياة الإنسان ونفسيته:
الشعور بالرضا
عادة ما يحفز الزهد في الحياة شعور الإنسان بالرضا لأنه على الدوام يريد أن يفعل أشياء عدة ويشتري أغراض كثيرة ويذهب إلى أماكن مختلفة وكل هذه الخطط والرغبات تشعر الإنسان بالتقصير لأنه لا يستطيع إدراكها جميعها أو تحقيقها كلها لكن عندما يستهلك بالقدر اليسير ويقتصد في رغباته وأمنياته ولا يلهث وراء كل ما هو جديد وغريب وليس في يده فإنه سيشعر بالرضا عن نفسه وعن حياته لأنه سالم في بدنه ومعافى ويعيش بشكل جيد.
الأعمال الخيرية
يعلمك الزهد في الحياة النظر إلى من هم أقل منك وينقلك إلى مستوى آخر من الشعور بالتعاطف معهم إلى الرغبة في مساعدتهم، لذلك ستجد أن لديك فائضا من الأموال تستطيع إنفاقه في الأعمال الخيرية كما أنك وقتها ستشعر بالرضا عن نفسك، ولن ينتابك التقصير مرة أخرى، خصوصًا أن في حياة الرفاهية والاستهلاك السابقة كنت تشعر بالتقصير مهما حققت لأنك لو اشتريت قميصا فإن هناك المزيد من القمصان بالخارج، لو ذهبت إلى منتجع سياحي فإن هناك العشرات من المنتجعات الأخرى لم تبلغها بعد، لو أكلت في مطعم ما فإن هناك عدة مطاعم لا زالت بعيدة عنك، لكن الأعمال الخيرية كلما استمرت معك ولو بقدر بسيط كلما ازداد الرضا عن نفسك وكلما شعرت بعدم التقصير في حياتك وبالرضا عن ذاتك وأنك تعيش من أجل الآخرين أيضًا.
تلاشي القلق
بعد تطبيق مبدأ الزهد في الحياة الآن سيتلاشى القلق لديك، ليس لديك الكثير ما تخسره لأنك لم تقحم نفسك في مستوى اجتماعي أو مادي ما، لم تعتاد على مستوى معيشي معين من المستحيل أن تهوي منه قسرا بسبب أزمة مادية أو ترك مفاجئ من العمل، ليس لديك أن تعمل بوحشية من أجل تحصيل المزيد من النقود واللحاق بالمزيد من الرفاهية، الآن تستطيع أن تعيش هانئا وسعيدا بعيدا عن كل ما يقلقك لأنك لا تهتم لو تركت عملك في الغد أو تعرضت لأزمة مادية، لن تحتار كثيرا في الطعام والشراب والاحتياجات الأساسية.
من هم أعداؤك؟
يجب أن تعلم أن مبدأ الزهد في الحياة ليس بسيطا، ليس سهلا، ليس بالسلاسة التي يمكن أن تتخيلها، عندما تستغني عن شيء ما في حياتك فأنت ستعاني في البداية بسبب اعتمادك عليه، الأمر مثل الإدمان، ونحن لا نطالبك بالاستغناء التام عن كل المفردات في حياتك، ولكن أن تسعد بالقليل لا أن تكون شرها وتقنط حتى مع وجود الكثير، لذلك يا صديقي يجب عليك أن تعرف أن هناك أعداء ضد الزهد في الحياة أبرز هؤلاء الأعداء هم نفسك، تلك الحاجة الملحة بداخلك للشراء والاستهلاك والترفيه والتلذذ والتمتع.
شراهة الاستهلاك
نريد أن نقول أن شراهة الاستهلاك أصيلة في إنسان العصر الحديث، وأنك تحارب كل ما حولك وكل محيطك من أجل أن تنفصل عنهم وعن شراهتهم للاستهلاك، عن طرقهم المملة في الاستهلاك والترفيه والتكديس والشراء فحسب، فقط نقوم بأعمال خدمية من أجل استهلاك مواد لم ننتجها ولا نعرف كيف صنعت ولا في أي ظروف، كل ما حولنا في الشارع والتلفزيون والإنترنت والصحف والمجلات وأماكن العمل وسهرات الأصدقاء تدفعك كي تشتري، كي تستهلك، كي تلحق بقطار الترفيه والمتعة، لذلك عليك أن تعي هذا جيدا لأن الزهد في الحياة يعني تخفيض كل هذا وعمل ما يسعدك فعلا، لا ما يطفئ شهوة الاستهلاك لديك.
رواد الإعلانات
حسنا، لن أحدثك عن إعلانات التلفزيون ولكن أحدثك عن كل هؤلاء الذين في محيطك الذين يعملون بشكل مباشر أو غير مباشر في مجال التسويق والإعلان، تلك الصناعة الضخمة التي يضخ فيها المليارات سنويا ويتم حرق النقود فيها بشكل متواصل، هل تظن أن هذا كله لا يجني ثماره، من أين؟ من جيبك! لابد بالطبع أن تعرف ما هي الأنواع المتاحة للسلع حتى تختار ما تستهلكه، ولكن هل تظن أن طوفان الإعلانات هذا الذي يلاحقك في كل مكان، حتى في عربات المترو وعلى مؤخرات السيارات، وقمصان اللاعبين وواجهات المباني الضخمة وفي الميادين الكبيرة والشوارع الطويلة، هل تظن كل هذا يتم بشكل مجاني؟ إن هذا كله له هدف واحد وهام، وهو التأثير فيك ودفعك للشراء، دفعك لشراء السعادة، لشراء سعادتك من خلال استهلاك المنتج، هذا ما يريدون زرعه في وجدانك، الأمر صعب وتطبيق الزهد في الحياة يحتاج إلى جهاد، وإلى جانب الجهاد.. وعي.
كيف يمكنك تطبيق مبدأ الزهد في الحياة ؟
وبعد كل ما عرضناه بالأعلى وتحدثنا عنه نريد أن نقول هل من المستحيل تطبيق مبدأ الزهد في الحياة؟ بالطبع ليس مستحيلا، لكنه صعب، لكنه مريح، صعب مريح، أن تتحدى كل شهوة بداخلك للشراء والاستهلاك، أن تستمتع بالقدر المطلوب وتمنح نفسك لحظات للتأمل، أن تقف في لحظة وتسأل نفسك بجدية: “لماذا قد أشتري هذا؟”، لا نريد أن يتحول كل شخص لتايلر دردن بطل فيلم “نادي القتال” الشهير، ولكن نحن نحاول أن نتحرى الاعتدال في الأمور بعيدا عن السعار الذي يجري حولنا، أن يكون لدينا المساحة للتأمل والحب والتسامح وعمل الخير.
شراء ما يلزمك فحسب
من أجل الوصول لحالة الزهد في الحياة عليك شراء ما يلزمك فحسب، ليس عليك أن تتقشف وتستغني عن الأشياء الهامة التي اعتدت عليها، ولكن الملابس باهظة الثمن يمكنك أن تشتري مثلها بالضبط وربما أفضل بسعر أرخص لكن بدون العلامة التجارية الغالية التي تنفق المليارات سنويا في التسويق لها من جيبك حيث يضيفون هذه الأموال على فاتورتك أنت، ليس عليك أن تشتري الهاتف الجديد الرائع ببضع وعشرون ألفا، الهاتف ذو الخمسة آلاف يؤدي الغرض، ينقصه بعض المميزات البسيطة؟ حسنا لا أعتقد أن هذه المميزات عدم وجودها قد يقتلك على المدى القصير أليس كذلك؟
التخلي عن وهم التميز
ليس عليك أن تشتري السيارة الأحدث من أجل أن تصبح المتميز المتفرد، ليس عليك أن تنشر صورك على وسائل التواصل الحديثة من أجل أن توصل لأصدقائك رسالة أنك تصطاف في منتجعات هم لم يدخلوها بعد لأنك متميزا ومتفردا، ليس عليك أن تستجيب لحيل الإعلانات التي توهمك أنك ستكون المتميز المتفرد الذي لا يشبهه أحد لأنك ستشتري هذا المنتج، تذكر أنك شخصا عاديا وكونك شخص عادي هذا لا يقلل منك في شيء.
الشعور بالرضا عن حياتك
بسبب كل هذه اللوثة التي يتسبب فيها كل شيء حولنا وتدفعنا إلى شيء واحد وهو مزيد من الشراء والاستهلاك والرغبة في الامتلاك والاستحواذ علينا ألا ننظر تجاه ما لم نبلغه بل بما لدينا بالفعل، علينا أن نعيد النظر في الأشياء ونقيسها بمقياس جديد، مقياس ينظر إلى قيمة الأشياء لا إلى ثمنها، عليك أن تشعر بالرضا عن حياتك لأن لديك قلب ينبض وعقلا يفكر، لأنك حر وتستطيع أن تفعل ما تشاء وقتما تشاء، أن تستمتع وأنت ترى ضحكة طفل صغير، وأنت تساعد رجلا مسنا في الشارع أو تتمازح مع غريب في الحافلة، عليك أن تشعر الآن بالرضا عن حياتك لأنك تملك الكثير من المميزات تتجاهلها وتشعر بالتعاسة لأنك لا تستطيع أن تكون ثريا بما يكفي لامتلاك يخت أو شراء جزيرة.
الزهد في الحياة من الأمور الملغزة جدا والتي تستعصي على الكثير من الناس فهمها وربما مفردة الزهد قد يفسرها الناس على أنها تعنى التقشف أو الاستغناء الكامل أو الاعتكاف في أعالي الجبال، ولكن نريد أن نقول أن هناك حدا للاستهلاك والترفيه وأن علينا أن ننشد الاعتدال ولا نبحث عن السعادة بل نعيش الحياة.
أضف تعليق