تسعة
الرئيسية » دين » كيف تؤثر العقيدة الدينية على ظهور الفوبيا أو الرهاب ؟

كيف تؤثر العقيدة الدينية على ظهور الفوبيا أو الرهاب ؟

الفوبيا أو الرهاب له أنواع كثيرة ومتعددة، وبعضها يندر وجوده، وآخر يتفشى بشكل أكبر. ماذا عن الرهاب وعلاقته بالدين؟ هذا ما نعرفه هنا.

الرهاب

من المسلم به أن الإيمان والعقيدة الدينية تمنح الشخص المؤمن الأمان اللازم، والسلام الكافي لممارسة حياته بشكل طبيعي. لذا يصبح من المحير أن نجد أن بعض الاضطرابات العقلية كالفوبيا أو الرهاب على علاقة بتصور ديني ما وإيمان معين. إلا أننا نجد ذلك بالفعل، فالعديد من أمراض الرهاب متعلقة بمكون ديني ما، أو قائمة على تصور ديني، يؤجج من مشاعر الاضطراب و الرهاب ولا ينفيها. نحاول هنا أن نسلط الضوء بشكل أكثر وضوحًا على مشكلة الرهاب في ارتباطها مع العقيدة الدينية، وأشكال ظهورها المختلفة، ومنابعها، وكيفية التغلب عليها.

الفوبيا وأنواعها

ولأن حديثنا هنا سيشتمل فقط على الفوبيا ذات الرابط بالمكون الديني، فستقتصر أنواع الفوبيا هنا على تلك المتعلقة بالدين وبالمكون الديني. ومن هنا نجد أن الرهاب المرتبط بالدين ليس نوعًا واحدًا ولكنه يتمايز لأنواع عدة؛

رهاب يوم الدينونة

يضم هذا النوع من الرهاب الخوف من نهاية العالم، من كل ما يمثل نهاية للحياة والزمن، ويزدادا هذا الرهاب مع كون الشخص المصاب به مؤمنًا، مما يجعله يتساءل أسئلة تتعلق بإيمانه ومصيره بعد هذه النهاية.

رهاب الموت

ويعد من أكثر أنواع الرهاب المرتبط بالدين انتشارًا، ويتواجد في معظم الثقافات البشرية ويصبح من غير الهام شكل الثقافة أو نوع الدين لدى الشخص المصاب بهذا الرهاب ، لأن كثير من البشر يشتركون به على تعدد مشاربهم. ويتزايد الأمر في بعض الحالات بالنسبة لرموز الموت؛ كالكفن، التابوت، القبر.. وقد يكون الخوف مصدره الأساطير والأشباح والقصص الديني عن حياة ما بعد الموت. ولكون الموت يشكل نافذة للمجهول فيصبح معه الرهاب مفهومًا بشكل أكثر وضوحًا ومبررًا.

رهاب الأعداد

ثمة اعتقاد يتنوع بين كل عقيدة دينية وأخرى، أن هناك مجموعة من الأرقام يجمعها كونها مقدسة، وتحمل سلطة معينة أو قوة ما. مع تغير الزمن وانتشار العلوم يحدث هناك تراجع ما في تلك العقيدة الإيمانية لكون ما يتم سرده عبر القصص الدين خاليًا من الدليل العلمي. كما أن هناك أرقام تعزز من التشاؤم وتسبب الخوف وقد تؤسس للـ رهاب ، كـ 13، 666

رهاب الرب

فمفهوم الرب عند الشخص المتدين يشكل مجاورة تجتمع فيها العديد من المشاعر غير المفهومة؛ فهو بجانب إيمانه بالرب وحبه له، يتولد لديه خوف فطري من هذا الإله ومن إجراءات ووسائل عقابه، فيضاف الخوف من الإله لقائمة تلك المشاعر المضطربة. وما يحدث لدى مريض الرهاب هو إحساس بفرط الخوف من هذا الإله. صار كل ما يمثله مرعبًا ويشوش تفكيره تمامًا. وليس للأمر علاقة بالإيمان من قريب أو بعيد، فتلك الأحاديث تتولد لدى الشخص المؤمن وليس الخوف أو الرهاب بمثابة بوابة ليغادر منها إيمانه، فهو يظل على إيمانه وحبه للرب، وكذلك خوفه المرضي منه.

هل يسبب الدين ظهور الرهاب ؟

تحدثنا عن مكون رئيسي للدين يتخلل في أمراض الفوبيا أو الرهاب ، عن علاقة وطيدة ورافد ديني يظهر من خلاله بعض أنواع أمراض الرهاب التي ذكرنا أمثلة عليها سلفًا. ويبقى السؤال هنا، هل يسبب الدين ظهور الرهاب ؟

بالنظر إلى تأثير الدين على حياة البشر، فبوسعنا أن ندرك أن الدين يرسم خطًا واضحًا وطريقًا سهلًا للطمأنينة والسلام بين البشر، أنه بوابة أمان وتصالح بين الفرد ونفسه والعالم؛ لذا من غير المنطقي التحدث عن الدين باعتباره سبب لظهور أمراض الرهاب . كما أن تلك الأنواع من الرهاب التي ترتبط برافد ديني أو مكون ديني، لا تعكس انتماء ديني وتدين واضح للشخص الذي يعاني منه، على العكس، توضح تضخم مفهوم ديني ما عند ذلك الشخص على حساب مفاهيم أخرى. وهذا لا يجعل من الدين كما أسلفنا سبب نعول عليه في ظهور أمراض الرهاب . يتلخص الأمر أنه ثمة مفاهيم دينية ما تتضخم عند شخص فتسبب له أحد أنواع الرهاب المرتبط بالدين، وليس ذلك انعكاسًا لتدين نتج عنه فوبيا ما.

كيف نعالج الفوبيا المرتبطة بالدين؟

ما إن يدرك المرء أنه مصاب بأحد أنواع الفوبيا المرتبطة بعقيدته الدينية، فعليه أن ينظم جهوده في طريقين متوازيين ليتمكن من التغلب بشكل حقيقي على مرضه والسيطرة عليه. بداية عليه أن يتوجه للمختصين والأطباء النفسيين، حتى يتم معالجة مرضه بشكل علمي دقيق يلعب على أسباب خوفه الأساسية ويجتثها سواء بجلسات علاجية، عقاقير، أو غيره.

كما يتمثل الطريق الثاني في استشارة والتحدث مع دليلك وقائدك الديني، حول مخاوفك هذه، خصوصًا إذا كنت تعاني نقصًا في الإيمان. فبوسع المرشد الديني فهم دائرة اهتمامك ورؤيتك للأمور كما التركيز على سياق إيمانك الشخصي ومحاولة تقويمه إذا كان يعاني من انحرافات قد تتسبب في ظهور أحد أنواع الرهاب .

الرهاب الاجتماعي

ما يعنينا هنا في الرهاب الاجتماعي هو علاقته بالدين، وكون الشخص يعاني من اضطرابات وخوف مرضي ونوبات هلع من الظهور أمام المجتمع والحديث أمام الغرباء وعلاقة ذلك بالدين. هناك بعض النظريات النفسية بالفعل التي تركز على ارتباط وتعزيز الدين من الرهاب الاجتماعي، لتركيزه على عقيدة الذنب والخلاص، وكون الشخص المؤمن خائف دائمًا من تبعات ذنوبه وآثامه، مما يخلق شخص ضعيف، غير قادر على المواجهة يتخفى من الناس، حتى لا يكشفوا عيوبه أو آثامه التي يسعى جاهدًا لإخفائها عنهم، ليعيش بعقيدة ذنب قائمة وأزلية طوال حياته. وهذا الرهاب قد يتفاقم ويتطور لأنواع أخرى إذا لم يعالج من وقت اكتشافه.

الرهاب النفسي

إن الرهاب من الأمراض النفسية التي قد يتم تجاوزها بسهولة والتي قد تتفاقم أيضًا إذا تعقدت وتشابكت الأمور كأن يرتبط الرهاب الاجتماعي، النفسي، أو أي نوع من أنواع الرهاب بخلفية ثقافية ما، أو عقيدة دينية معينة، الأمر الذي يعقد المسألة قليلًا ولا يكمن الحل فقط في مواجهته علاجيًا وحسب. بل بكشف الأسباب الأخرى لجوانب المرض وتفكيكها تمامًا حتى يتماثل المريض للشفاء.

تعددت النظريات في عالم التحليل النفسي والتجارب والأبحاث التي تحاول أن تكشف عن علاقة ما، أو نمط يقع خلف الأرضية الثقافية للمريض أو العقيدة الدينية، بالفعل هناك بعض أنواع الرهاب والاضطرابات النفسية التي تعززها خلفية ثقافية معينة، أو عقيدة دينية ما. لا يتعلق الأمر بتوجيه أصابع اتهام لعقيدة أو ثقافة ما، بقدر ما إن الأمر يتعلق بكشف كل جوانب القضية ليتمكن العالم من تفكيك زوايا الموضوع ككل، والنظر بعين ثاقبة محلله تكشف أسباب المرض، دوافعه، أعراضه، أسباب تفاقمه، والوسائل التي تساعد على تأججه أو إخماده. لطالما شكلت العقيدة الدينية سؤالًا جوهريًا للمحللين النفسيين كفرويد ورايش وغيرهم عن دور الثقافة والدين في الاضطرابات النفسية للبشر، وعلاقة التربية التي نتلقاها منذ الصغر والنظام الاجتماعي أيضًا بكل ذلك. بالفعل يكون الموضوع معقد ويحتاج إلى مزيد من البحث والاهتمام الكافيين لتحقيق معرفة حقيقية تقدم للبشر نفعًا وكفاية وتزيد من سبل مقاومة أنواع الرهاب المختلفة وتمدنا بالوسائل المناسبة لذلك.

أحمد مكاوي

طالب كلية الهندسة، قسم قوي ميكانيكية يتطلع لإثراء لغته العربية من أجل المساهمة في إثراء لغة ومعلومات القراء، يتخذ كتابة المقالات كهواية له بجانب الدراسة يستفيد ويفيد من خلالها.

أضف تعليق

8 + 14 =