الانتقاء ما بين الخيارات الصعبة مع الإبقاء على ما تحقق من نجاحات أمر شاق ومُضني، وفي بعض الحالات قد يؤثر على النجاح إلى درجة هدمها وإزالتها، والعودة من جديد لمربع الصفر إن حالفك الحظ، أو العودة لما تحت الصفر وهذه أشد وقعًا، من هُنا كان هذا موضوع نقاشنا اليوم.
دلالات النجاح
يقولون إن النجاح ذو رأسي حربة، تنغرس الأولى في الشعور، أما الأخرى ففي الجسد، من هنا كان وقع الخيارات الصعبة على الناجح برأسين آخرين، الأولى في النفس والأخرى في البدن. أي أن النجاح إذا ما صُنف تبعًا للشعور النفسي الداخلي سيأتي بمعنى الرضا بما هو عليه الحال في جميع النواحي، بينما تصنيفه بحسب أثره على الجسد فهنا سيدل على كل ما هو ظاهر للناس كالوصول لأعلى المراتب الوظيفية والمعيشية بتحقيق الأساسيات من المأكل والمشرب والتعليم، والكماليات التي تضفي قليلًا من الرفاهية كامتلاك سيارة أو ادخار قدر من المال والمصاغ.
كما تُقسم دلالات النجاح إلى نجاح ثابت وآخر متعدي، والثابت هو الكامن في أصل الشخص نفسيًا ومظهريًا على التفصيل السالف ذكره، والنجاح المتعدي هو الأصيل في شخص ما وتمتد آثاره إلى محيطه، فمن الجائز عدم القدرة على وصف رب أسرة بالناجح وظيفيًا أو ماليًا أو علميًا.. إلخ، ومع ذلك هو أنجب وربى أبناءً ناجحين، ففي هذه الحالة يعتبر نجاحه مكتسب من نجاح أبناءه.
الخيارات الصعبة والنجاح
أجرت جامعة كولومبيا دراسة بحثية على مجموعتين من الأطفال يوصفون جميعًا بالناجحين والمتميزين في الرسم بنفس القدر والكيفية، وكانت المجموعتان أيضًا مختلفتان عرقيًا، فالأولى أمريكية والثانية آسيوية.
طُلب من المجموعة الآسيوية اختيار رسمة من بين مجموعة رسمات، وأُطلقت لهم حرية اختيار ألوانها، بينما الأمريكية فقد أُخبر أطفالها بأن رسماتهم وألوانها تم اختيارها مسبقًا من ذويهم.
جاءت المفاجأة في أداء المجموعتين المتساويتين في المهارة والنجاح، حيث لما عرف الأطفال الأمريكيين أن آباءهم هم من اختاروا الرسمة والألوان انخفض أداؤهم بشكل واضح، بعكس نظرائهم الآسيويين الذين أبدعوا في الاختيار والتلوين وحافظوا على نفس القدر من المهارة والنجاح الذي يتمتعون به.
الشاهد هنا أن المجموعة الأمريكية حينما فُرض عليها التنفيذ وفق ما لم يختاروه بُرمج فكرهم على النحو الذي تصوروا معه أنهم أمام خيارات صعبة، فتأثر نجاحهم وتميزهم وفشلوا. أما المجموعة الآسيوية لما تحررت من القيود وكانوا هم وحدهم أصحاب القرار من المبتدأ إلى المنتهى ظلت كفاءة الأداء ومستويات النجاح على توهجها وازدهارها.
والخلاصة يمكننا صياغتها في عنوانين فرعيين ومن أراد الإضافة فليُضف، الأول هو: لن تتمكن من الانتقاء من بين الخيارات الصعبة مع الجزم بأن نجاحك لن يتأثر، حتى ولو رسم لك أحدهم خطة أو دفع إليك بكبسولة دواء وشربة ماء وأقسم على أنها ستقيك العواقب، فحينما توضع الخيارات الصعبة في مواجهة النجاح فكل النتائج واردة الحدوث، فقد تمر الخيارات مرور النسيم العليل، وقد تنقلب عاصفة هوجاء تدمر كل ما يصادفها نجاحًا كان أم غير ذلك.
أما العنوان الثاني فهو أن بعض الخيارات الصعبة تحررنا، وبعضها تكبلنا، وصحة ودقة الانتقاء من بينها ما هو إلا انعكاس لعمق رغاباتنا وغاياتنا في الحياة.
وأخيرًا علينا التأكيد أنه إذا بدأ مسلسل التنازلات بحجة الحفاظ على النجاح فلن يصل المسلسل إلى حلقته الأخيرة أبدًا، فالثابت الوحيد هو أن الاختيار ليس الجزء الأصعب، بل قرار قبوله، ورحلة التعايش معه.
أضف تعليق