الحرب العالمية الثانية استمرت لستة أعوام وحصدت ملايين الأرواح وشارك فيها أكثر من مائة دولة نصفهم بشكل مباشر، والنصف الآخر بالوكالة أو التورط بسبب التحالفات، الحرب التي جاءت لتكمل النزاعات المتبقية من الحرب العالمية الأولى، وخلقت عالم جديد مختلف تماماً في نص الكرة الغربي من دول أوروبا ومن الولايات المتحدة، حيث تحولت أمريكا إلى قوى عظمى ومن يومها وهي لا زالت أقوى دولة، خاصة بعدما أدت الحرب لتفكك الاتحاد السوفيتي بشكل غير مباشر، وإنهاء النازية الألمانية وتقسيم ألمانيا نفسها، كذلك اليابان والقنبلة النووية التي ألقتها الولايات المتحدة وتركت صدمة في النفوس وعداء حتى اللحظة، كما أن الحرب العالمية الثانية تركت آثر ها على الشرق الأوسط، كأنما خلعت أوروبا عنها ثوب الديكتاتوري والدموية وألقته بعبئه على الجزء الشرقي من الكرة الأرضية، التاريخ لا يموت أبداً، والتعرف على أحداثه وأسباب حدوثها ونتائجها يساعدنا على قراءة الحاضر واستنتاج المستقبل، وإليكم قصة الحرب العظمى كاملة.
استكشف هذه المقالة
مقدمة عن حرب الدول العظمى
تاريخ بداية الحرب العالمية الثانية هو الأول من سبتمبر عام 1939، وهو تاريخ بداية الغزو الألماني لبولندا، وفي نفس الشهر أعلنت بريطانيا ومعها فرنسا الحرب على ألمانيا، لكن الحرب اليابانية الصينية بدأت مبكراً قبل أن تنخرط في الحرب العالمية في عام 1937م، وبعض المؤرخين سجلوا الحرب بداية من الغزو الياباني لمنشوريا باليوم التاسع عشر من شهر سبتمبر عام 1931، وهناك أيضاً مؤرخ بريطاني يرى أن الحرب اليابانية الصينية الثانية والحرب في أوروبا كلاهما حدثا في الوقت نفسه واندمجا في حرب عالمية عام 1941، كما أن الحرب العالمية الثانية تأثرت بالحرب الإيطالية الإثيوبية الثانية التي بدأت في أكتوبر 1935، كما أن نبرة الحرب تصاعدت في الأجواء مع بداية معركة خالخين غول التي وقعت بين اليابان وقوات منغولية والنظام الجديد في روسيا بعد الثورة “الاتحاد السوفييتي” واستمرت حتى أواخر عام 1939، أما تاريخ نهاية الحرب، فالشائع أن الحرب انتهت عند توقيع هدنة الرابع عشر من أغسطس 1945 وهو يوم الانتصار على اليابان.
الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية
في الفترة بين الحرب الأولى و الحرب العالمية الثانية من عام 1918 وحتى عام 1940 تقريباً، لم تهدأ الأمور كلية في العالم وخاصة بأوروبا، وكانت الفترة مليئة بالأحداث ونذكرها في نقط مختصرة كالتالي:
- انتهت الإمبراطورية الألمانية بثورة ألمانية في عام 1919، وبدأت حقبة سياسية جديدة مليئة بالصراعات بين اليمين واليسار، انتهت النزاعات إلى وصول الحزب النازي للحكم بعد قيام أدولف هتلر بعمل انقلاب فاشل على السلطة في عام 1923، لكنه وصل لدرجة مستشار للحاكم عام 33، وبدأ من فوره في إنهاء المكاسب الديمقراطية من الثورة والتلاعب بنغمة الوطنية والحرب والتوسع الاستعماري خلف حجج دائما عن أمن ألمانيا.
- في إيطاليا استولت الحركة الفاشية برئاسة موسيليني على الحكم، وكان حكم فاشي مستبد قمع كل القوى السياسية من الاشتراكية، والليبرالية واليسارية، واتبعت سياسة توسعية احتلالية، على أمل تأسيس “الإمبراطورية الرومانية الحديثة.”
- في الصين تطورت الأحداث السياسية الداخلية لتندلع حرب أهلية، في عام 1931، قررت اليابان مد نفوذها إلى الصين.
المشاكل والحروب الممهدة للحرب العالمية
- بدأت الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق حينما ضمت ألمانيا إليها إقليم سار عام 1935، وخرق هتلر معاهدة فرساي، وزود عدد الجيش والسلاح الخاص بألمانيا بشكل ضخم.
- أما روسيا، فلقد سقطت القيصرية أبان الحرب العالمية الأولى، وتكون الاتحاد السوفيتي، الذي كان غير متفق مع توسعات هتلر للسيطرة على مساحات واسعة من بلدان أوروبا الشرقية، فوقع اتفاقية مع فرنسا بهدف السيطرة على توسع ألمانيا.
- الولايات المتحدة كانت هي الأخرى قلقة مما يحدث في كل من آسيا وأوروبا، وألغت إعلانها الحياد عما يحدث في القارتين بعام 1935.
- تحدى هتلر لمعاهدات لوكارنو ومعاهدة فرساي، لقي معارضة ضعيفة من الدول الأوروبية مما شجع هتلر على الاستمرار.
- حاولت فرنسا الحفاظ على تحالفها مع إيطاليا من خلال توقيع اتفاقية فرنسية إيطالية التي نص أحد بنودها على موافقة فرنسا على احتلال إيطاليا لإثيوبيا.
- عام 1936 كونت ألمانيا مع إيطاليا محور روما-برلين، وفي نوفمبر من نفس العام كونت ألمانيا مع اليابان حلف مناهضة الكومنترن، وانضمت إليه إيطاليا في العام التالي.
- ثم أعطى هتلر الأوامر بدأ الهجوم على بولندا، إلا أنه عرف أن بريطانيا ستدخل لحمايتها، فتراجع عن قرار شن الهجوم ولجا إلى المفاوضات، غير أن المغالاة في الطلبات أفشلت المفاوضات، وأعلنت ألمانيا فشل المفاوضات، وبالتالي العودة لخيار الحرب.
الدول المشاركة في الحرب العالمية الثانية
الدول المشاركة في الحرب العالمية الثانية عددها يصل إلى مائة وسبعة عشر دولة! شاركوا في تلك الحرب الدموية، شارك منهم اثنان وستون دولة بشكل مباشر، أي أنهم دخلوا في الحرب العالمية الثانية بعداد وجيش وأراضي، في حين أن خمسة وخمسون دولة شاركوا بشكل غير مباشر، مثل مشاركة أسبانيا عن طريق إرسال جنود وأسلحة فقط بدون أن تتعرض بشكل مباشر أراضيها لأي غزو أو مشاركة في القتال، وبعض الدول شاركت بأراضيها بدون أن تشارك بجنود، وكانت أرضها جزء من المعركة لحساب طرف من الأطراف، مثل الدول العربية، وعلى رأسهم مصر ومنطقة العلمين التي شهدت معارك طاحنة ولا زال فيها مقابر لجنود أجانب من الحرب العالمية الثانية ، ومنهم من شارك بطرق مختلفة سواء بالامتدادات أو التهديدات أو غلق الممرات والمعابر أمام جيش لصالح جيش، أو بطرق مختلفة عديدة.
حلفاء الحرب العالمية الثانية
انقسمت الدول المشاركة في الحرب إلى فريقين، بعد المعاهدات والاتفاقيات التي ذكرناها سابقاً، تحولت الحرب إلى فريقين:
- الطرف الأول دول لحلفاء: وهم خمسون دولة منهم ثمانية عشر دولة خاضت المعارك الحربية بنفسها، وعلى رأس دول الحلفاء كل من: بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
- الطرف الثاني هم دول المحور: وهم تسعة دول أصليين بالإضافة لدول صغري دعمتهم، وخاض منهم سبع دول فقط المعارك الحربية، وعلى رأسهم ألمانيا “بمساحة وساعة بعد توسعاتها الاحتلالية”، واليابان وإيطاليا.
تنتمي الدول المشاركة في الحرب العالمية الثانية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الست قارات من العالم.
أسباب الحرب العالمية الثانية
بعد الحرب العالمية الأولى تم فرض معاهدات ظالمة على الطرف الخاسر، خاصة ألمانيا، قدمت ألمانيا تنازل عن 12.5% من مساحتها وعن 12% من إجمالي عدد سكانها، بالإضافة إلى حوالي 10% من صناعتها، وخسائر تصل إلى 74% من إنتاجها من خام الحديد، وخسرت حوالي 15% من إنتاجها الزراعي، كما نصت المعاهدات على عدد للجيش الألماني بحد أقصى مائة ألف.
عام 1929 أصاب الاقتصاد العالمي مشاكل أدت إلى انتشار الحماية الجمركية مما أحدث مواجهات بين الأنظمة الديمقراطية والفاشية للسيطرة على الأسواق الخارجية وتوسيع المستعمرات. عام 1933 فشل مؤتمر جنيف في محاولته لنزع السلاح وانسحبت ألمانيا من منظمة عصبة الأمم تعبيرا عن تمسكها بشرعية طلبها في إعادة بناء جيشها دون قيود.
بوصول هتلر وفكره النازي إلى الحكم، بدأ في التحرر من معاهدة فرساي وفرض التجنيد الإجباري لزيادة عدد الجيش، وعمل على تطوير الصناعات الحربية، وبدأ خطة لتوسيع أراضي ألمانيا بحجج مختلفة، منها التوسع على حساب النمسا وبولونيا، واحتلال السوفيت وأراضي واسعة من تشيكوسلوفاكيا.
كل الأحداث السابقة تفاعلت بمستويات داخلية وخارجية واكتملت بالأسباب التالية لتنتج الحرب العالمية الثانية ونكمل ذكرهم:
- معظم الدول في هذا الوقت احتل السلطة فيها أنظمة فاشية سياستها الخارجية توسعية عدوانية.
- غزو اليابان لمقاطعة منشوريا الواقعة بالشمال الشرقي للصين عام 1931 بدون أي رد فعل من المجتمع الدولي.
- احتلال إيطاليا لإثيوبيا سنة 1936 وأيضاً لم تفلح العقوبات الاقتصادية الدولية عليها بعد أن ساعدها حليفتها ألمانيا بالانسحاب وأيضاً اليابان من عصبة الأمم، كما امتنعت فرنسا عن تطبيق العقوبات.
- تحالفت الأنظمة الفاشية معاً وكان من أبرز التحالفات، تحالف محور برلين-روما-طوكيو.
- الحرب الأهلية في أسبانيا وطلبها الدعم من إيطاليا وألمانيا جعلها مدينة لهما بالدعم.
- عجزت تماماً عصبة الأمم عن وضع للعنف وسباق التسلح، بسبب التحالفات الفاشية، وتحولت المنظمة لدول الحلفاء وبعض البلدان التابعة لهم بعد انسحاب الدول ذات الأنظمة الفاشية منها.
نتائج الحرب العالمية الثانية
- وصل عدد قتلى الحرب العالمية الثانية في العالم من رجال الجيش والمدنيين إلى اثنان وستون مليون شخص ونصفهم من المدنيين.
- بالإضافة إلى عشرات الملايين من مصابي الحرب من الجرحى والمشوهين بدنيا ونفسياً.
- شهدت فترة الحرب تعديات خطيرة جدا على حقوق الإنسان، تم قتل الملايين من الأبرياء نتيجة للغارات الجوية، وكذلك قتل عدد ضخم في معسكرات إبادة ومُرس التعذيب بشكل ممنهج، كما سجلت حالات كبيرة من اعتقال لأطفال ولنساء.
- تم ارتكاب مجازر في حق عدد من الشعوب، كما استعملت الأسلحة الذرية للمرة الأولى.
- الخسائر المادية والاقتصادية من جراء الحرب العالمية الثانية ، كانت كبيرة فقد أصاب الدمار البيوت والشوارع والمصانع وكافة وسائل النقل، والمزارع الزراعية والحيوانية، وعليه انقلبت دول أوروبا من دول مصدرة إلى دول مستوردة، وتحولت القوى إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
- تمكنت أمريكا من تجاوز المشاكل الاقتصادية وضاعفت إنتاجها الصناعي، مما ساعدها على تجميع ما يعادل 80% من رصيد الذهب العالمي، وتحول الدولار لعملة التبادل العالمية.
- بخلاف الآثار العسكرية والاقتصادية، عانت البلاد المتقاتلة من آثار اجتماعية تراكمت مشاكلها، ظهرت في:
- مشاكل اجتماعية كبيرة ناتجة عن كثرة أعداد المشوهين ومصابي الحرب والمرضى، وزيادة عدد الأرامل واليتامى، بالإضافة للفقر الشديد.
- أدت الحرب العالمية الثانية لتضخم المشاكل النفسية وتنوعها وتعقدها، زاد التساؤل المحير عن سبب كل هذا الخراب والدمار الذي حل على العالم اجمعه، مما زاد النفور والتشكيك في القوات العسكرية وعقيدتها، وخوف من المستقبل وعدم إقبال على العمل والحلم بغد أفضل.
- ربما الإيجابي الوحيد من الحرب العالمية الثانية أنه نتج منها اختراعات علمية وطبية وعسكرية مهمة، صحيح أن أغلبها تم اختراعه بالأساس للشر مثل القنبلة الذرية، لكن منها ما هو إيجابي مثل تطوير وسائل النقل والمواصلات والاتصالات، واختراعات طبية مفيدة من لقاحات ومضادات حيوية، والأهم على الإطلاق اختراع البنسيلين.
آثار الحرب العالمية الثانية على الوطن العربي
بعد الحرب العالمية الثانية حدثت تغيرات سياسية كبرى في الوطن العربي والعالم كله، انتهى دور الدول الأوروبية وظهرت قوى جديدة ممثلة في العملاقين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. وظهرت منظمة الأمم المتحدة، وقامت على أساس واضح لمراعاة السلام العالمي وحفظ حقوق الإنسان، وتقديم الدعم للبلاد الخاضعة للاحتلال.
وعن طريق المنظمة بدأت الدول العربية كفاحها لأجل التحرر من الاستعمار والاستقلال، وانتهى ذلك بنجاح بعض الدول كمصر، ومن فورها بدأت مصر دورها في دعم أشقائها العرب. ظهرت ملامح تكتل عربي فعال، وحينها دعت حكومة الوفد المصرية الدول العربية إلى مؤتمر في الإسكندرية عام 1944، حضرت معظم الدول العربية، وتم الاتفاق على بروتوكول الإسكندرية، ومنه تم تمهيد قيام جامعة الدول العربية سنة 1945، وكان مقرها القاهرة.
أما مساوئ الحرب العالمية الثانية على الوطن العربي، فكانت بدأ ظهور اللعنة التي شغلت ولا زالت تشغل حيز كبير من اهتمام العرب، وتمتص طاقاتهم وتهدد امنهم، وتتمثل المساوئ في النقاط التالية:
- اللعنة التي تحدثنا عنها هي القضية الفلسطينية، فقد شجعت بريطانيا دخول اليهود إلى فلسطين وذلك عن طريق وعد بلفور، واعتبار فلسطين وطن قومي لليهود! وبعد الحرب العالمية الثانية وصلت بريطانيا النزاع بين أصحاب الأرض العرب وبين اليهود المحتلين في فلسطين إلى منظمة الأمم المتحدة، وللأسف بالضغط البريطاني الأمريكي، أقرت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة عربية وأخري للمحتل الصهيوني في عام 1947.
- في عام 1948 أعلنت المنظمة الصهيونية قيام ما يسمى بدولة” إسرائيل” وحدثت حرب 48 بالجيوش العربية، لكن للأسف انهزمت الجيوش العربية، وقرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إعلان هدنة بين الطرفين المتقاتلين، ففرض الأمر الواقع.
- من يومها تم تكريس الكيان الصهيوني كسرطان في جسد الوطن العربي مستمر حتى اليوم في القتل واحتلال الأراضي وحياكة المؤامرات، ويهدد سلامة الأراضي العربية كلها من سيناء في مصر إلى العراق والسعودية وكافة بلاد العرب.
الحرب العالمية الثانية كانت أكبر لعنة حلت على الكرة الأرضية، بخلاف ملايين القتلى الذين ذكرناهم، وخراب الديار والمصالح وتدمير موارد وسقوط دول وتغيير موازين الكون، كانت اللعنة الأكبر واقعة على الجانب الشرقي من الكرة الرضية، إذ أن ثوب الفاشية والنزاعات الذي خلعته عنها أوروبا بعد أن ذاقت ويلات الحرب، وعرفت معنى الدم والدمار أسقطته على أكتاف العرب، وارتدوه حتى اليوم في تخبط وعجز، بعد أن تم احتلال مواردنا على مر سنوات، وتحكم قوى عالمية في زمام أمورنا، وأصبحت أمريكا القائم بأعمال أوروبا وبدأ الحرب الباردة بدلاً من الحرب الدموية، وبالرغم من أنها أقل ضرراً في الدماء لكنها افدح ثمناً في الوطنية ومعاني المواطنة في الشعوب، بالإضافة لتدمير الأوطان من قلبها بدس الفتن والأفكار الإرهابية، فإن كانت أوروبا منذ حوالي ثمانين سنة قد تحررت منقبضة الأنظمة الفاشية، وانتصرت على محبي الحروب وأنهت الحرب العالمية الثانية فربما نحن قادرون اليوم على تفادي إشعال حرب عالمية ثالثة وإنهاء الحرب الباردة.
الكاتب: شيماء سامي
أضف تعليق