الحب المقدس هو غاية كل علاقة حب بين البشر. كل البشر، رجال ونساء، أطفال وكبار، الجميع يكبرون ويصلون لمرحلة الاحتياج إلى الحب من الآخرين. وعندما يجد كل شخص المحبة لدى الآخرين، كلما كان أكثر سعادة وغبطة من غيره. معنى كلمة الحب المقدس، ليست معقدة ولكنها جوهرية. بمعنى أن الحب معروف، ولكن القداسة، الكثير من الناس يخلطون بينها وبين العفة والشرف. ولكن في الأصل معنى كلمة مقدس تعني “مخصص”. ولذلك عندما نقول الحب المقدس فهذا يعني الحب المخصص لشخص واحد أو لشيء واحد، حسب نوعية الحب وحسب توجيه هذا الحب.
علاقات الحب المقدس ، ما هي وكيف تبنيها بطريقة صحيحة؟
لماذا التخصيص؟
في ظل الزحام والمشاغل التي لا تنتهي تقريباً، أصبحت فكرة الحب ذات نفسها ضنينة جدًا. وقليل من الناس الذين يتركون وظائفهم أو مشاغلهم ويركزون فقط على فكرة العلاقات وأهميتها. ولذلك في هذا المقال عزيزي القارئ سوف نوضح لك كيفية الوصول إلى رحلة من الحب المقدس، وما الذي يجب عليك أن تفعله وما الذي يجب عليك أن تعرف أنك تحتاجه في الآخرين، لتعرف أنهم يحبونك أو لا. سنعرف أنواع الحب المقدس، ومن هم الأشخاص الذي يجب أن يكون حبك ناحيتهم مُخصص.
الإخلاص
أول سمات الحب المقدس هي الإخلاص لمن تحب، فالخيانة هي أول علامات انهيار العلاقات. الحب هو علاقة بين شخصين أو أكثر، أي كانت نوعية العلاقة. ولكن يجب أن تكون خصوصيات هذه العلاقة بين أفرادها فقط ولا تخرج خارجًا. أيضًا يجب على المشاعر أن تكون موجهة نحو شخص واحد فقط. فمثلًا، الحب المقدس بين الأزواج، لا يمكن أن يكون فيه طرف ثالث، أو مشاعر موجهة لطرف ثالث، بل يجب أن تكون كل المشاعر العاطفية موجهة فقط لشريك حياتك، وليس لشخص أخر. أن تكون مخلص وسط الكثير من الإغراءات والكثير من المسئوليات هو أمر صعب، فالإخلاص للناس ليس سهلًا بل يحتاج مجهود ومقاومة نفسية كبيرة. لأن الإنسان بطبعه أناني وأحيانًا كثيرة يطلب أكثر من اللزوم لنفسه، ويستسلم للإغراءات بسهولة جدًا. ولذلك حتى تصل إلى مرحلة الحب المقدس يجب أن تكون مخلص جدًا في حياتك مع الأشخاص الذين يحبونك.
الصدق
الحب المقدس لا يمكن أن يكون مبني على الكذب، فأي علاقة حقيقية من الطبيعي أنها تكون مبينة على الصدق. سواء في المشاعر أو في الكلمات المنطوقة الآخرين، لأن ببساطة الصدق هو جسر الثقة الذي يبنى بين أي شخصين، أو أي مجموعة أشخاص. ومن هنا نجد أن فكرة الحب نفسها تنمو من خلال الصدق، حتى لو أخطأ أحدهم في حق الأخر من خلفه وجاء ليصارح فهذا سيحسب له في الأخير. وهكذا نجد أن فكرة الإخلاص تتزامن هي نفسها مع الصدق. وكمثال بسيط، من الممكن أن يعيش زوجان مع بعضهما البعض، وهما يكذبون على بعض من حيث المشاعر، كل منهم يزيف مشاعره وابتساماته للأخر. هل هما الاثنان لن يعلموا هذا الزيف؟ بالطبع لا، هما يعلمان لأن مشاعر الحب تُعرف. ولذلك كلما كذب أحدهم على الأخر انكسرت الثقة عند الأخر. ومن ثم علاقة الحب المقدس لن تكون موجودة لأن كل شخص سيشعر أنه الأخر لا يخصص له مشاعر خاصة بل فقط يكذب عليه لأجل أن تسير الحياة ليس أكثر. الصدق أساس يجب أن يتخذه البشر في كيفية تحول الحب من عادي إلى شيء محترم ومقدس.
التضحية
الحب المقدس مبني على التضحيات أيضًا، إثبات الحب ليس بالكلمات بل الأفعال، ويجب أن نفهم جميعًا أن الأفعال في الحب هي غالبًا أفعال مضحية من أجل الآخرين. وأبسط مثال هما الأب والأم، حيث أن محبتهم لأطفالهم تكون من خلال التضحية بوقتهم وبحياتهم وبمجهودهم اليومي الذي قد لا يعرف قيمته الأطفال من الأساس. فمن الممكن أن يكون الرجل مرهق جدًا من عمله ومن ثم يخرج كي يأخذ أطفاله من المدرسة ليوصلهم بأمان إلى البيت. وهو يوصل أولاده قد تجدهم غاضبين منه لأجل شيء طفولي جدًا، وعلى الرغم من كل هذا الأب يحاول أن يفرح أطفاله في عز إرهاقه. والأم أيضًا التي تقدم الغذاء وتغسل الملابس وتسهر على صحة أولادها في المرض، قد يأتي موقف بسيط يحدث بين الأم والابن ويكون المقابل من الابن أن يقول لأمه “أنا أكرهك”. ومع ذلك الأم لا تنقطع عن تقديم كل ما لديها لأطفالها. ومن هنا نفهم سر جديد عن الحب المقدس أنه غريزي، وأن الحب يستطيع أن يجعل الإنسان العاقل يضحي بأي شيء من أجل من يحبهم دون أي شعور بالخسارة ناحية هذه التضحية.
تقديم التنازلات
تقديم التنازلات في الحب ليس إهانة للكرامة كما يعتقد البعض، بل بالعكس تمامًا، الحب المقدس، يقدم تنازلات لأن الحب أهم من الأنانية. الأخر يكون أهم من النفس ذاتها، وهذا شيء مقدس جدًا، وأي كان الشخص الموجه له هذا التنازل فإنه من الطبيعي أن يشعر بامتنان. بل ونجد أن الكثير من العلاقات التي لا تكتمل من الأساس هي لم تكتمل لأن كل فرد في العلاقة لا يريد أن يقدم تنازلات للأخر، لأنه يشعر أنه لو قدم تنازل فهذا سيجرح كبرياءه، ولكن هذا ليس صحيح. ومن ناحية أخرى أحيانًا البعض يتعاملون من تنازلات الآخرين باستهانة رديئة، حيث يوجد بعض الأشخاص يعتبرون تنازلات الآخرين شيء طبيعي أن يقدم لهم، وأنه استحقاق لهم وأن هذا هو المفروض أن يكون. ولكن ما يجب أن يفهمه الناس عمومًا هو أن تقديم التنازلات ليس لاستحقاق فينا بل، لأن الآخرين يحبوننا ليس أكثر، ولذلك يجب دومًا تقدير فكرة تقديم التنازلات وعدم التعامل معها بتعالي وكبرياء. لأن هذا يؤذي الذين يقدمون التنازلات ويجعلهم لا يقدمون على فعل هذا مرة أخرى.
الانحياز للمحبوب
الحب يجعل الناس عميان، لا يرون غير الذي يريدون أن يرونه. فما بالك بالحب المقدس الذي يعتمد تمامًا على فكرة الحب لهذا الشخص فقط لا غير، أو هذا الشيء فقط لا غير. فهذا يجعل الناس ينحازون أكثر للأشخاص الذين يحبونهم، بمعنى أن من الطبيعي لو هناك مسابقة بين الأطفال الصغار أن كل أب وأم سيركز على طفله هو فقط وسيشجعه أن يهزم الآخرين. هكذا أيضًا في كل تفاصيل الحياة البسيطة، فلو الرجل وجد زوجته في احتكاك مع شخص أخر حتى وإن كانت زوجته على خطأ، ولكنه لن يَرى سوى حبه لها. وهذا الحب سيجعله ينحاز لها دون أدنى تردد، فالحب لا يجعل الأمور حيادية أبدًا.
لا حدود في العطاء
الحب المُقدس ليس له حدود في العطاء، فهو حب نقي، غالبًا مثل هذا النوع من المحبين هم أشخاص طيبين جدًا. مثلًا الأمهات جميعًا نرى فيهم هذه النقطة بتجلي كبير جدًا، حيث أن الأنثى عمومًا كائن يتميز بالقدرة الكبيرة والمتتالية على العطاء دون كلل أو ملل. ولذلك نجد الأمهات لا يتوقفون أبدًا عن العطاء، ناحية الزوج والأبناء، بل والغريب، أن أنوثتها تتحقق برؤية زوجها وأبنائها يأخذون منها، كمية عطاء بلا حدود. فالأم عادة تفرح جدًا عندما تسمع من أطفالها أنهم أحبوا الحلوى التي صنعتها لهم، وتشعر بفخر عندما يعجب الأكل زوجها ويقول لها هو ذلك. فكرة العطاء بلا حدود هي من الأفكار المميزة جدًا للحب المقدس لأنك ترى دومًا فكرة العطاء دون انتظار مقابل، بل العطاء لغرض المحبة فقط وليس لغرض انتظار مقابل.
أنواع الحب المقدس
في هذا الجزء عزيزي القارئ سنتكلم عن أنواع الحب المقدس، والتي ربما لم تكن تعرف أنها موجودة في كل مكان. سنتكلم عن العلاقات التي يكون فيها الحب هو الأساس حتى لو كنت لا تعرف حقيقة هذه العلاقة. فنحن نفتح عينك عليها لأن من الغير جيد ألا تعرف قيمة علاقات الحب في حياتك، وتقدرها.
حب الأطفال
من ضمن أنواع الحب التي يعجز الوصف عنها هي حب الآباء للأبناء. حب غريزي، وليس في البشر فقط، بل أيضًا في الحيوانات. ولذلك ندعوه حب مقدس أو مخصص، لأن لا شريك في حب الأولاد، لن يحب أب وأم أي أطفال بقدر أطفالهم، ولن يقوموا بحماية أي طفل واحتمال مسئولياته سوى لو كان ابنهم بالفعل. ولذلك على الأبناء تقدير هذا الحب جدًا، بل ويجب على الأبناء أن يعرفون أن لولا الأب والأم لكانوا في محض اللا وجود. فهم السبب الحقيقي في وجودك وتنشئتك كما أنت الآن. ولذلك بر الوالدين واجب جدًا في كل الأحوال والأوقات، كنوع من تسديد جزء من هذا الدين الجميل الذي تسبب في وجودك للحياة.
حب الزوجين
الزواج هو علاقة مقدسة، أو مخصصة بين اثنين فقط لا ثالث بينهما. رجل وامرأة الاثنان يحبون بعضهم البعض إلى منتهى الحياة. ولذلك هذا النوع من الحب يدعى “سر” أو شيء غريب. فكثير من الناس يتخيلون أن الزواج هو مجرد غريزة، ولكن هذا خاطئ جدًا فالزواج أسمى من ذلك بكثير. وهذا يميز زواج البشر عن تكاثر الحيوانات، فزواج البشر قائم على فكرة العلاقة والحب والاحترام والتقدير والعطاء والبذل، وكل هذه المعاني الرائعة التي لن تجدها أبداً سوى في الزواج. ولذلك يجب علينا نحن كبشر أن نفهم هذا النوع من الحب المقدس. حتى عندما يقبل الشباب على فكرة الزواج، يكونون مدركين إلى أن هذه الخطوة ليست حماسية، بل هي خطوة حياتية كبيرة جدًا يجب أن يفهمونها بعقولهم وقلوبهم قبل أن يتخذوها حتى يستمتعوا بها قدر الإمكان.
حب النفس
نسمع كثيرًا عن فكرة الانتحار، وهو عبارة عن أن ييأس الإنسان من الحياة ومن ثم يقرر أن ينهي حياته بنفسه. ولكن ما يجعل الكثير من الناس لا يقبلون على هذه الخطوة برغم الظروف الصعبة جداً في هذه الحياة، هو هذا النوع من الحب المقدس، وهو حب النفس. كل منا يحب نفسه بشكل خاص بشكل مقدس، وهذا ليس عيب. العيب أن تكون محبتك لنفسك تتخطى حدود ونطاق الآخرين. ولذلك لا يجب أن يحسب بعض الناس أن حب النفس هو شيء مقيت بل هو غريزة داخلية تدفعنا للحياة. ولذلك هو نوع غريب من المحبة ويجب أن ندركه ونتفهمه.
أخيرًا عزيزي القارئ الحب المقدس هو شيء جميل لو حصلت عليه أو حدث لك. أن تعيش علاقة خاصة مع حبيب أخر أي كان نوع الحبيب سواء كان أبيك أو أمك أو صديقك أو شريك حياتك أو طفلك. كلها علاقات مقدسة لن تتكرر سوى مرة واحدة في الحياة. ولذلك استمتع بكل علاقة حب تحدث لك لأن هذه هي غاية الإنسان، الرابط الاجتماعي المبني على الحب والنقاء.
أضف تعليق