الحب المجرد ربما يكون مصطلح جديد على الأذهان، ولكن في الحقيقة “الحب المجرد” هو الوجه المتكامل للحب. وإن أردنا أن نعرفه فسنقول إنه الحب في أسمى صورة، حين يتخلى الإنسان عن كل شيء من أجل فقط الحب. وكمثال بسيط عن هذا النوع من أنواع الحب، نجد حب الأم هو حب مجرد من كل أنانية، هو حب مانح فقط، الأم لا تأخذ أي شيء من الطفل، بل هو الذي يأخذ كل شيء يؤهله أن يحيا ويعيش إلى حد سن معين يستطيع فيه الاعتماد على نفسه.
هذا ليس معناه أن يكون الحب المجرد هو مقصور على الأمهات فقط، ولكن الفكرة الأساسية هي أن الحب المجرد يجعلك تحب الناس بنوع من أنواع التجرد من خلفيتهم. سواء كان أسود أو أبيض اللون، دين مغاير، طائفة مغايرة، بلد مختلفة، أي اختلاف يجعلك تراه بطريقة معينة خلاف أنه سيء أو جيد. بل أنت تحبه لأنك تحبه فقط ليس أكثر ولا أقل الأمر ليس معقد وليس فيه لبس.
الحب المجرد : كيف تصل إلى الكمال في الحب ؟
كيف تحب الجميع بمشاعر مجردة من الكراهية؟
هذا هو السؤال الذي سنجيبك عليه هنا في هذا المقال ببساطة وعملية، فالموضوع ليس سهل عمليًا. الوعظ والكلمات سهل، ولكن الطرق العملية التي تلزم أن يعرفها الإنسان بطريقة فعالة في حياته هي الأهم. وهنا سنقدم لك هذه الطرق بطرق عملية جدًا، تجعلك شخص محبوب، وفي نفس الوقت تحب الآخرين بحب مجرد من الكراهية.
الموازنة في الأنانية
الأنانية هو ذلك الشعور الغالب على حب الذات بصورة شرهة. حيث أنك لا تجد مكان في قلبك لأجل الآخرين، فكل الأفكار والأفعال تكون مركزة لخدمة الذات فقط، وهذا ليس صائب على الدوام. ولا أقول لك في المقابل أن تتخلص من الأنانية وأنها شر طليق يجب أن تسيطر عليه داخل نفسك. فبالعكس أنت مثلك مثل الآخرين لك حق في أن تحب وتهتم بنفسك بحب مجرد أيضًا. ولذلك اخترت لفظ الموازنة في الأنانية، حيث أن عليك أن تعرف أنك لست مركز الكون، ولكن أيضًا أنت بطل حياتك وبالتالي أنت أهم شخص في حياتك الشخصية. ومن هنا يجب عليك أن تعامل الآخرين كما تعامل نفسك حتى تصل إلى هذه المعادلة الصعبة في موازنة الأنانية. والأمر بسيط جدًا، فعندما ترى شخص محتاج لمساعدة عامله كأنك تساعد نفسك، ولكن لو مساعدته ستتسبب في أذيتك فالأولوية لنفسك. وهكذا ستجد أن هناك حب سيولد داخلك تجاه الآخرين وحب مساعدتهم لأنك ترى نفسك في كل شخص أخر.
التخلي عن الكبرياء
هنا أقصد لفظ “التخلي” حيث أن الكبرياء سيؤول حاجزًا، بينك وبين أي نوع من محبة الآخرين بصورة مجردة. فالكبرياء يمجد النفس بطريقة مريضة، تجعل الإنسان يرى نفسه أعلى من الآخرين وأن الآخرين لا يستحقون حبه وعطفه ومساعدته، ولو فعل وساعد إذًا هو يفعل ذلك لأنه أعلى منهم. وهذا في الحقيقة سيقتل كل حب حقيقي داخل الإنسان لأن تمجيد النفس يساوي عبادتها. وعبادة النفس تجعل الإنسان أعمى عن الحب الحقيقي، ومستغل لحب الآخرين. لينتهي المطاف بمشاعر مشوهة، وكراهية وتربص، وغيرة وحقد وحسد. وكل هذا لمجرد أن كبرياء هذا الإنسان لا يريد إلا لنفسه أن يكون هو الأول والأفضل.
أيضًا الكبرياء يجعل الإنسان جاحد وقاسي ويرى الحب ضعف، وهذه هي الكارثة. فالحب المجرد قوة تجعل الإنسان يرتبط بغيره عن طريق حقيقة واحدة تربط هذا المجتمع، ولكن الكبرياء قاتل للمشاعر. فلا وجود لمجال التنازلات، وأهمية التنازلات في العلاقات البشرية كبيرة، لأن لو لم يتنازل كل شخص عن شيء لأجل الآخرين ستصبح الحياة حرب. حرب زوجية أو حرب أهلية، فعدم التنازل عن بعض المشاعر ينجم نوع من الخصومة، تأكل النفس البشرية، ويشعل كبرياء الآخرين فينتج صراع دائم مع الشخص المتكبر.
التحكم في الغيرة
يجب كي تصل إلى الحب المجرد من كل المشاعر السلبية، أن تتحكم في الغيرة التي تمتلكك تجاه الأشخاص الآخرين من حيث نجاحهم أو تفوقهم أو سعادتهم. فالغيرة العمياء ستجعلك لا تركز على حقيقتك ونفسك وأهدافك، بل ستجد نفسك أسير مراقبة الآخرين، ومقارنة نفسك بهم. ومن ثم لو لم تتعامل جيدًا مع هذه الغيرة فسينتج في الأخير شعور بالنقص بصورة مستمرة، والشعور بالنقص سيجعل منك مسخ من الداخل. فستكون شخص يائس نفسيًا ذو إرادة ضعيفة جدًا. غير هذا ستشعر بالنقمة دائمًا على الآخرين، ستصير شخص ناقض لأنك تريد أن ترى السوء في الآخرين لتقنع نفسك أنك لست أسوء شخص في هذا الكون. ومن هنا تجد نفسك على النقيض تمامًا من فكرة الحب المجرد بل ستكره الآخرين بصورة بشعة.
وكي تتحكم في الغيرة بداخلك بصورة عملية، يجب عليك أن تفهم هذه الجملة جيدًا “حسنة هي الغيرة في الحُسنى”. أو بمعنى أبسط جيدة هي الغيرة لو جعلتك تنمو وتكبر وكانت دافع لك لأن تصير أفضل. ولذلك حاول أن تستغل غيرتك، ليس في كراهية الآخرين، بل في محبتهم، ومنافستهم. فليس عيب أن تنافس أخيك في لعبة فيديو، استخدم هذا المبدأ في حياتك مع كل الناس التي تشعر أنها أفضل منك. هو أخيك وأنت تحبه ولكنك تريد أن تصير أفضل منه كنوع من أنواع الطموح والتنافس، ومن هنا ستجد أنك ليس فقط تحبه بل تتعلم منه أيضًا.
لا تفكر في الآخرين أكثر من اللازم
حتى تصل لمفهوم الحب المجرد يجب أن يكون لك فكرك الخاص. ولو سلمت فكرك للآخرين وكلام الناس والقيل والقال، ستجد نفسك داخل بقعة من الطين تلطخك كلما صبرت على وجودك فيها. فكلام الناس لن يجعلك تتقدم وقد يجعلك تتأخر، ولذلك لا تفكر في الآخرين وما يقولونه بصورة جدية. بل مر مرور الكرام على الناس وكلامهم، اجعل هدفك الأساسي أن تحب الناس دون انتظار مقابل، أو دون أخذ صورة مسبقة عنهم.
لا تتبع ثقافة التشويه
ثقافة التشوية هي عبارة عن نوع من أنواع النميمة ولكنها تكون بصورة مبالغة ومشوهة للناس دون علمهم. وفيها يقول الناس كلام بعضهم على بعض بصورة مفترية وغير حقيقية. ويصدف أنك تكون جالس وسط مثل تلك الحوارات ولا سيما أن النميمة هي أكثر المُحادثات متعة كنوع من النقاش أو الكلام بين الجالسين. فلو وجدت نفسك تسمع معلومات سيئة عن شخص لا تعرفه جيدًا، حاول ألا تأخذ ما قيل بجدية مطلقة وحاول أن تكون حيادي ولا تستمتع لأي كلمات تشويه عن أحد غير موجود في الجلسة. لأنك ربما تتعرف إلى هذا الشخص فيما بعد وتعامله ظلمًا في حين أن الناس الذين وصفوه بالسوء هم السيئين ويفترون عليه. ولذلك كي تصل إلى الحب المجرد تجرد من الخلفيات كلامية عن الناس وتعامل مع الناس بقدر المعاملات وليس بقدر ما يُقال عنهم.
ضع نفسك مكان الأخر
هذا أيضًا حل عملي جميل يجب أن يفعله الناس جميعًا في التعامل مع بعضهم البعض. لأن الكل يدين الجميع دون أن يعلم معاناتهم الحقيقية في الحياة والمشاكل. ولذلك قبل أن تحكم على شخص أو تشعر بشيء سلبي نحوه أو أن تتقزز منه، حاول أن تضع نفسك مكانه. وكمثال، ضع نفسك مكان سيدة يتم التحرش بها في الشارع لو كنت رجل، كمية الإحراج والشعور بالتقزز والكراهية والرغبة في الانتقام كبير جدًا. ولذلك لا تحكم على سيدة أنها سيئة أو ترتدي بصورة سيئة دون أن تشعر بما تشعر به هي، في حين أنها حرة ترتدي ما تحب. وأيضًا لو كنتِ سيدة فلا تحكمي على رجل أنه عصبي أو غير مُتفهم أو سيء الطباع، وأنتِ لا تعلمين قيمة ما يواجه من مشاكل وتحديات بصورة مستمرة كل يوم. وعلى هذا الأساس عندما تعرف كيف تشعر بآلام الآخرين ستعذرهم وستعرف قيمة ما يخوضون فيه من مشاكل، فستجد نفسك تكن لهم عطف ومحبة بصورة لا إرادية لمجرد أنك شعرت بألمهم.
الغفران
قد تكون هذه الكلمة غريبة عن البعض، فالجميع يسمع عن الانتقام ولكن القليلين يعرفون بعض الأشياء عن الغفران. وهناك بعض الناس يعتقدون أن الغفران نوع من أنواع قلة الحيلة والضعف الذي يجعل الإنسان لا يمتلك سبيل أخر سوى الغفران كي يعرف كيف يساير الحياة. ولكن الحقيقة أن الغفران كفِعل يحتاج إرادة وقوة داخلية أكثر بكثير من أي شيء أخر. حيث أنك من خلال الغفران تستطيع أن ترى الناس جيدين مهما فعلوا بك لمجرد أن داخلك طاقة إيجابية وحب مجرد. فالناس لا يحتاجون منك سوى الغفران من داخلك حتى تعلم أنت أنهم جيدين، فالكل سيء والكل فيه أخطاء ولكن نظرتك أنت التي ستجعل من السيئ جيد وستجعل من الطالح صالح. وهذه قيمة الغفران الأكبر أنها تجعلك أنت نفسيًا تعيش في سلام دون أن تحمل ضغينة وكراهية لأحدهم.
العتاب
العتاب هو من أفضل وسائل الحفاظ على الحب المجرد. لأنك أحيانًا كثيرة تأخذ أفكار خاطئة عن أشخاص أنت تحبهم وتبدأ في التفكير من داخلك أنهم لا يستحقون هذه المحبة وأنك ندمت على كل ما فعلته معهم وكل هذه الأمور. في حين أنك ببساطة تستطيع أن تعاتب الشخص الذي فعل معك أي شيء لم تحبه، ففي العتاب والمواجهة الكل يعرف الحقيقة. ولا تجعل مشاعرك في العتاب مختفية أو غير ظاهرة، أو تخجل من أن تقولها، فلو لم يتفهم عتابك على أنه محبة إذًا هو الخاسر. فالأمر ببساطة هو أنك تريد توضيح الأمور حتى لا يحدث سوء فهم.
الكراهية ليست حل
لو افترضنا أن الحب المجرد هذا هو شيء سيء، فهل في المقابل ستكون الكراهية هي الحل؟ بالطبع لا، فالكراهية دائمًا ستولد كراهية في المقابل. فأنت لو كنت ستقدم دائمًا شغب وضغينة وسوء للآخرين، فهذا سينقلب ضدك عاجلاً أم أجلاً لتجد نفسك في الأخير في دائرة مغلقة من الشر. أنت تقدم كراهية فتكتسب أعداء وأعدائك سيقدمون لك كراهية أكبر فسيتولد داخلك انتقام أكثر، وهكذا سيكون العالم عبارة عن أرض للحرب وليس مكان للحياة.
أخيرًا عزيزي القارئ يجب عليك دائمًا أن تعلم أن الحب يصنع المعجزات فعلاً وليس مجرد كلمات واهية. بل أن الحب المجرد هذا عندما ستقدمه دون انتظار مقابل، على مدار الوقت ستكتشف أن هناك ناس كثيرين يقدرون محبتك هذه وستقابل في حياتك الكثير من الخير المقدم لك دون أن تعلم من أين أتى هذا الخير. لمجرد أنك زرعته في الماضي وستفاجئ مع الأيام أن الحب المجرد الذي كنت تنتهجه صار نقطة نور في حياة بعض الناس الذين قابلوك.
أضف تعليق