لا شك أن الحب الأول أحد الأشياء التي تعلق في القلب والذاكرة والذهن ولا تستطيع اقتلاعها من ذاكرتك بسهولة،فتجاوز هذه المحنة أو نسيان الحب الأول قد يكون أصعب بكثير مما تتخيل. وتنبع قوة الحب الأول بالأساس من أنه يعد اللامس الأول للمشاعر، والعازف الأول على أوتار القلب، حيث تطبعت الأحاسيس به، وتحركت العواطف على أثره، ولأن البدايات دائمًا لا تنسى.. فإن نسيان الحب الأول من الأشياء التي لا يمكن فعلها أيضًا بسهولة لأنه الشعور الأول الذي يتذوقه الإنسان لهذه العاطفة القوية الجامحة المسماة بالحب لذلك لا يمكنك نسيان أي من تفاصيل الحب الأول ولا نسيان الشخص الذي منحك هذا الشعور الأول بالعاطفة، هذا الشعور الأول بالسعادة، هذا الشعور الأول بالفرحة وشعورك بأنك تطير فوق كل هذه المدن والبلدان، لأن هذه هي فرحة الحب الأول .. وعلى هذه المشاعر نظم الشعراء قصائدهم وكتب الروائيون قصصهم وغنى المطربون أغانيهم.
ومن خلال الدهشة المصاحبة للحب الأول، ومن خلال الفرحة الغامرة التي تصيبك عندما تقع في الحب لأول مرة، تكمن قوة الحب الأول، وتكمن كذلك صعوبة نسيانه، لذلك، إليك بعض النصائح التي يجب عليك أن تأخذها بحسبانك طالما مررت بهذه التجربة، والتي تجعلك لا تستطيع نسيان الحب الأول .
نصائح من أجل نسيان الحب الأول
لا تعلق حياتك على أحد
لكل إنسان حياته المنفصلة و وجوده المستقل وكيانه غير المرتبط بكيان شخص آخر، ومعنى أن هناك اثنان ارتبطا ببعضهما في علاقة عاطفية هذا لا يعني أن كل واحد منهما قد علق حياته على حياة الآخر وربط وجوده بالآخر، بل هذا يعني أنهما قررا أن يستمرا سويًا لإكمال المشوار بجوار بعضهما البعض، لذلك.. لا تجعل حياتك متوقفة على حياة شخصٍ آخر ولا تجعل وجودك مرهون بوجود شخص آخر، هذه هي النصيحة الذهبية لتجاوز أي علاقة عاطفية منتهية، وخصوصًا لو كان الحب الأول ، لذلك إن أردت نسيان الحب الأول ، وطي هذه الصفحة من حياتك يجب أن تقنع نفسك أن حياتك ليست مرهونة بوجود أحد ولا متوقفة على بقاء أحد أو مغادرته، حياتك ستستمر بهذا الشخص أو بدونه، إن اقتنعت بهذه الحقيقة فربما تتمكن بالفعل من نسيان الحب الأول والمضي قدمًا متجاوزًا إياه.
تغلب على الحنين
الحب الأول كما أشرنا سابقًا هو أول من عرفك معنى الحب وأذاقك من حلاوته وربما مرارته أيضًا، والأمكنة التي كنت تذهب إليها وحيدًا أو كنت لا تذهب إليها مطلقًا، اكتشفتها من جديد برفقة الحبيب، ربما تمشية على الكورنيش وحيدًا أو مع صديق أو زميل قد تبدو مملة أو غير مستحبة أو عديمة المتعة، لكن تمشية مع الحبيب في المكان ذاته قد تجعلك تنسى العالم حولك، ربما يتغير ديكور الكون تمامًا، ربما تهدأ كل هذه الضوضاء ويختفي كل هؤلاء البشر وتسكن كل هذه الحركة لأنك لا تنتبه لأي شيء يحدث في العالم من حولك، ربما حديقة معينة كنت تمر عليها ولا تلقي لها بالاً ولم تفكر قبل أن تقع في الحب أن تدخلها، حدث لك فيها أجمل الذكريات بعدما أحببت قلت فيها أصدق الكلمات وشعرت فيها بأرق المشاعر ونلت فيها أحلى الأحاسيس التي تذوقتها في هذه الفترة من حياتك، ربما كان الليل بالنسبة إليك وقتًا للنوم والاسترخاء، ولكنك جربت له استعمالاً آخر وهو أن تسهر حتى الصباح تحادث من تحب في الهاتف، في أحاديث لن تنتهي ولا تعرف أنت كيف تأتي بكل هذا الكلام لمدة ساعات متواصلة وتستطيع أن تأتي بأضعافه وأضعافه أيضًا.
لكن هل تظن حقًا أنك تشعر بالحنين لهذه الأماكن والأوقات وتتمنى لو تعود مع هذا الشخص؟ لا ريب أننا نشعر دومًا بأن أي أوقات سابقة كانت أفضل من الوقت الحالي، وأن كل الأماكن كانت أفضل فيما سبق وقد ساءت حالتها الآن، ولكن للأسف هذا ما نغفله لأننا لا نشعر بالأمور السعيدة إلا عندما تمر، ولكن لا نعي ولا ندرك شعورنا بالسعادة في وقت حدوث الأشياء السعيدة لأن حدوثها يعمينا عن إدراكها، فربما يكون الوقت الحالي وقتًا سعيدًا لكنك لا تدرك ذلك.. لذلك في أشد أوقات الحزن أو الملل أو الروتين نشعر أن خلاصنا الوحيد هو الرجوع لهذه الأيام وتجديد الوصال مع هؤلاء الأشخاص والذي كان وجودهم يصنع السعادة بعيدًا عن الوقت الحالي والأشخاص الحاليون والأماكن الحالية حيث لم يأتوا إلا بمللٍ ورتابة وتعاسة، ولكن مع استحالة رجوع الزمان لسابق عهده، فلا ينبغي عليك أن تترك نفسك في دوامة الحنين لأن ذلك سيصيبك باكتئاب عندما تكتشف أنه مستحيل عمليًا أن تعيد الأيام لسابق عهدها لأن الأحوال تتغير، والأزمنة تتعاقب والأمكنة تتبدل، بل إن الأشخاص أنفسهم لا يصبحون هم الأشخاص.. وليس معنى أن هناك حب أول في حياتك أن تظل عائشًا على ذكراه للأبد، بل يجب أن تنظر للأمام، وأن تنشد السعادة في أدق وأبسط الأشياء العابرة، فالغرق في بحور الحنين لن يفضي بالأمور إلا إلى الأسوأ، لذلك لا تسجن نفسك في سجون الحنين وعليك نسيان الأول، وعش اللحظة الآنية واستمتع بها، لأنك تملكها ولكنك لا تملك السابق.
لا يوجد توأم لروحك
في فيلم “500 يومًا من سمر” أو 500 days of summer تقول الطفلة لتوم البطل، بعد صدمة عاطفية كان على أثرها قد أحب فتاة ولكنها لم تكن تأخذ مشاعره على محمل الجدية أو لم تكن تحبه بنفس القدر الذي أحبها به، وبذلك لم تكن متأكدة تمامًا من رغبتها في الارتباط به أم لا، وبناءً عليه بعد فترة انفصلا.. تقول الطفلة الصغيرة صديقة توم بطل الفيلم: “يجب أن تؤمن تمامًا أنه ليس هناك ما يسمى بتوأم روحك”، وبالطبع.. هذه هي الخدعة الأكبر التي نوهم بها نفسنا خصوصًا في العلاقات العاطفية ولاسيما في الحب الأول .. حيث نوهم أنفسنا أنه لم يناسبنا إلا هذا الشخص ولن يناسبنا غيره ولن يأتي بعده من يحل محله مهما حدث، وحتى إن أتى من نكن له مشاعر طيبة فلن يكون بنفس قوة الحب الأول وبالتالي سيظل هذا الشخص مخيمًا بقوة في كل شيء، وحاضرًا في كل التفاصيل.. ولذلك فإننا نخاف من خوض تجارب عاطفية أخرى بحجة أن هذا الشخص كان توأم أرواحنا، وأنه الوحيد القادر على فهمنا والتواصل معنا واحتوائنا بالقدر المناسب لنا، وأنه لن يأتي مثله أبدًا يستطيع القيام بهذه المهمة، وهذا أكبر خطأ من الممكن أن يقع فيه أي شخص، لأنه ببساطة لا يوجد من هو توأم روحك.. لأنه حتى التوأم الذي يلد معك وكنتما تشتركان في البويضة ذاتها، ليس مثلك ولا هو نسخة مطابقة لك، هذا الشخص الذي تربيتما في بيتٍ واحد وتلقيتما نفس المعاملة ونفس القيم بنفس الحالة المادية والاجتماعية لا يشبهك، في فترة معينة من حياتكما ستكتشفان تمايزًا كبيرًا واختلافات عدة في شخصياتكما بسبب تقدمكما في السن وبالتالي تجارب كل منكما المختلفة عن الآخر والتي تنشأ في كل واحد منكما طباعه وأخلاقياته وأفكاره ووجهات نظره وفلسفاته الحياتية المختلفة، فكيف إذن الحال بشخص لم تتربى معه ولم يسكن بيتك ولا شارعك وربما لا يسكن مدينتك بأكملها، وقد يختلف عنك في الحالة المادية والأسرية والقيم التي زرعت فيه من البداية، وبالطبع تختلف تجاربه والمواقف التي مر بها وصقلت خبراته وكوّنت سمات شخصيته أن تطلق عليه بأنه توأم روحك؟
هذه خدعة ووهم كبير نوهم به أنفسنا ويجب أن نتخلص منه في الحال! لا يوجد توأم روح، يوجد شخص يفهمنا، شخص به قدرة على الاستماع والتحليل، شخص صبور ومتزن ويتميز بالحكمة والرزانة اللازمة التي تؤهله للدخول في علاقة، شخص يستطيع التعرف على شخصياتنا والتفاهم معها بالطريقة المناسبة لها، شخص لديه المرونة والخبرة والشخصية القوية والقدرة على التفهم والتواصل ومنح الحب والعاطفة بلا حساب أو حدود.
والعالم به الكثير من الشخصيات الرائعة التي بها هذه الطباع، لا تصدق أن ثمة شخص واحد امتلك هذه الصفات فحسب، لا.. فربما يهيئ لك أن هذا الشخص قد قارب الكمال من حيث حمله هذه الصفات ولكن لأنك لم ترى غيره، قد تظن هذا.. ربما لو خضت تجارب أخرى، لو تعرفت على شخصيات مختلفة للمست أن الحب الأول الذي كنت تراه كاملاً، كان به العديد من النقائص مقارنة بأشخاص آخرين.
فانس مسألة أن يكون الحب الأول هو توأم روحك والقادر على تفهمك والتواصل معك ومنحك الحب والحنان بالشكل المثالي بحيث لا يستطيع أحد القيام بهذه المهام غيره، وامض قدمًا نحو الحياة والتعرف على الأشخاص الرائعين الذي يستطيعون تغيير فكرتك تمامًا، ويجعلونك تمضي نحو نسيان الحب الأول.
لا تترك نفسك للاكتئاب
أسوأ ما يمكن أن تفعله عند تعرضك للانفصال عن الشخص الذي أحببته أن تترك نفسك للاكتئاب، لا يمكن أن تتوقف الحياة بسبب أحد، عليك أن تعلم أن وجودك سيستمر بدون هذا الشخص أو به، صحيح أن وجوده كان يصنع فارقًا إيجابيًا ولكن لا تدع غيابه يصنع فارقًا سلبيًا وقم أنت بنفسك بسد هذا العجز، ولا تنتظر من أحد أن يأتي ليسده لك، علاقة الحب المنتهية تترك أثرًا سلبيًا في النفس وحزنًا عميقًا وجرحًا غائرًا في جدران الروح مما ينعكس على الحالة النفسية والمزاجية ويجعلنا غير مقبلين على الحياة ليس لدينا رغبة في شيء ولا شغف تجاه شيء، وبناءً عليه نجد أنفسنا غارقين في موجة اكتئاب لا تنتهي، وإذا كان هذا قد يحدث عند الانفصال عن شخص نحبه فإن الأمر يتفاقم عندما يكون الأمر يتعلق بنسيان الحب الأول .
ولكن ترك نفسك لدوامة الاكتئاب هذه تلتهمك، وتوهمك أنك هكذا قد انتهيت وتترك نفسك للضياع يفنيك وتقوم على أثر ذلك بالاقتناع بأن حياتك قد انتهت إلى غير رجعة وعلى ذلك تقوم بإهمال دراستك أو عملك أو علاقاتك أو أسرتك، فهذا ما لا يرام إطلاقًا بعد الانفصال، ليس هناك مشكلة من فترة نقاهة أو استجمام، تأخذ نفسًا عميقًا كي تستطيع إكمال المسيرة مرة أخرى، استراحة محارب كما يسمونها بعدها تستأنف مرة أخرى النضال، أما أن تترك نفسك للضياع وأن تفقد روحك خلال هذه الفترة فهذا ما لا يستحب نهائيًا.. فكن دائمًا يقظًا ولا تنجر لهذه الحالات السوداوية الكئيبة والتي لطالما استطاعت استدراج الأشخاص المحطمون عاطفيًا إليها وقامت بالقضاء عليهم تمامًا فلم يبق منهم إلا الحطام ومع ذلك لم يستطيعوا نسيان الحب الأول .
عدوك الحقيقي هو الفراغ
هل تدرس؟ هل تعمل؟ هل لديك هواية؟ انكب على هذه الأمور ولا تترك لنفسك فرصة للتفكير في الأمر أو الدخول في دوامات التفكير المبالغ فيه، اجعل وقتك مشحون حتى آخر دقيقة في يومك، النصيحة الذهبية من أجل نسيان الحب الأول: لا تترك نفسك للفراغ، لا تترك نفسك للعزلة. كلا الاثنين سيشكلان كماشة ستقبض عليك بفكيها ويعتصرانك تمامًا ولن يتركانك إلا حطامًا، يجب أن تعلم أن الحزن يضعف تدريجيًا لذلك أسوأ مرحلة من مراحل نسيان الحب الأول هي المرحلة التي تلت الانفصال مباشرة، لذلك يجب أن لا تقوم بعد الانفصال مباشرة بترك نفسك للفراغ والعزلة، قم بإغراق نفسك في العمل وحقق الإنجازات، هل لازلت تتمتع بالكثير من وقت الفراغ؟ إذن لماذا لا تسافر؟ لا تجرب شيئًا جديدًا؟ لا تتعلم لغة جديدة؟ أو تتعلم العزف على آلة موسيقية، أو تحجز في دورات تدريبية لتعلم مجال جديد، اتخذ الأمر لصالحك، هذه الطاقة السلبية التي تشع بها حولها إلى طاقة إيجابية تستطيع تحقيق إنجاز بها لم تكن تتوقعه، هل لديك أصدقاء؟ الآن حادثهم وأخبرهم أنك تود لو تقابلهم، أصدقاء الطفولة الذين سيذكرونك بأوقاتٍ ستضحك لها من قبل، شاهد العديد من الأفلام، قم بحضور عروض موسيقية أو راقصة برفقة صديقتك أو زميلتك، الأمر ممتاز، زر أقاربك، اجلس مع أسرتك، زر مكانًا لم تزره من قبل، تبرع بالدم، تطوع للعمل الخيري، قم بتقوية العلاقة بينك وبين الله، تقرب إلى خالقك، أقرأ الكتب، تعلم كل يوم شيئًا جديدًا، تابع مسلسل أو قم بمشاهدة مواسمه مرة واحدة، هل تعلم لم كل هذا؟ حتى لا تترك نفسك للفراغ الذي سيلتهمك، والوحدة والعزلة التي ستطبق فكيها عليك وستجعلك تفكر في الانتحار، اجعل يومك من الصباح الباكر إلى الليل مشحونًا لا تترك وقتًا للتفكير.. الإقدام على التجارب الجديدة سيجعل مسألة نسيان الحب الأول جيدًا جدًا.. الدعم المعنوي الذي ستتلقاه من أصدقائك وصديقاتك ولو بشكل غير مباشر، سيكون هو الدافع الحقيقي لنسيان الحب الأول وبداية حياة جديدة، جو جديد، تجارب جديدة بل وعلاقات جديدة.. العالم ليس بجنة ولا بنار، بل مكان مليء بالتجارب والخبرات والعلاقات والمعارف والمعلومات والأسرار التي تنتظرك، فلم تضيع كل هذا من أجل علاقة حب فاشلة؟
خاتمة
يقول الكاتب إحسان عبد القدوس: في حياة كل منا وهمٌ كبير اسمه الحب الأول . نسيان الحب الأول ليس بالأمر المستحيل أو الصعب أو الشاق أو الذي يستلزم وقتًا، أنت تستطيع نسيان الحب الأول طالما أردت أن تنسى الحب الأول ، لذلك.. تجاوز هذه الأزمة وفكر في مستقبلك، فكر في كل هذه العلاقات التي من الممكن أن تنتج شخصًا متفاهمًا معك بشكلٍ أكبر، فكر في العالم المليء بالتجارب والمعارف والخبرات، فكر في أنك تستطيع المضي قدمًا مع شخصٍ أفضل وأكثر تفهمًا، قد تظن أنك لن تجده أبدًا لأن حالة الإحباط ما بعد الانفصال قد تهيئ لك ذلك، لكن طالما قررت نسيان الحب الأول والبدء في علاقة جديدة فستجد هذا الشريك الجديد ستجده، ونتمنى لك علاقات سعيدة خالية من أي ألم أو مشكلات.
أضف تعليق