حتى وقتٍ قريب، لم يكن العالم يعرف شيئًا عن الجراثيم المقاومة للعقاقير ، أو على الأقل بالشكل المعروفة به الآن، ولم يكن لأحد أن يتخيل وجود جرثوم قادر على إيقاف قدرة وفاعلية العقاقير، بما يعني أن تلك الجراثيم ليست مُجرد مرض، بل هي بوابة للكثير من الأمراض التي ستفشل فاعلية عقاقيرها بسبب تلك الجراثيم الفتاكة، وكانت النتيجة أن تعرض أكثر من سبعمائة ألف شخص للموت سنويًا، وأشارت التقارير إلى أن أكثر من عشرين مليون شخص سيفقدون حياتهم بحلول العام 2050، ولم يكن أمام العالم بأكمله أي طريقة سوى الانتفاض والتكاتف لمواجهة تلك الجراثيم المقاومة للعقاقير، وإيجاد حل سريع وفعّال لها.
ما هي طريقة التصدي لأنواع الجراثيم المقاومة للعقاقير ؟
ما هي الجراثيم المقاومة للعقاقير؟
ببساطة، الجراثيم المقاومة للعقاقير تُشبه إلى حدٍ كبير المطرقة، فبعد أن تقوم العقاقير من مُضادات حيوية وغيرها بمهاجمة المرض والبدء في اجتثاثه، تُهاجم تلك الجراثيم فاعلية تلك العقاقير وتُجاهد للقضاء عليها وإبطال فاعليتها، بل ومع الوقت تُصبح تلك الجراثيم مُضادة للمُضادات الحيوية، ويُصبح جسم المريض طارد لتلك العقاقير وحاضن للجراثيم، وهذا هو الهدف الأول والرئيسي لهذا الداء الفتّاك.
الغريب أن العلماء لا يعرفون حتى الآن من أين جاءت تلك الجراثيم وكيف أصبحت بكل هذه القوة، إلا أن بعض الاجتهادات تقول إنها تأتي عن طريق الجينات، وتُكتسب كذلك من الطبيعة، وهذا في الحقيقة يُعقد الأمر أكثر وأكثر، لأن ذلك إن صح فسيجعل من تلك الجراثيم المقاومة للعقاقير بمثابة عدو لا يُمكن أن يُقهر.
أشد أعداء الجراثيم المقاومة للعقاقير
تُعتبر المضادات الحيوية أشد أعداء الجراثيم المقاومة للعقاقير، حيث قامت تلك الجراثيم بإيقاف فاعلية هذا العقار ومنع الجسم من الاستجابة، وخاصةً عقاريّ “الميثدلين، الفانكوماسين”، وتقوم تلك الجراثيم بقتل تلك العقاقير فور تناول الشخص لها، ومع الوقت يُصبح الجسم طاردًا لتلك العقاقير، بل ويؤدي تناولها إلى نتائج عكسية، فيتوقف المريض عن تناول العقاقير لتبدأ بعدها حالته في التدهور يومًا بعد يوم حتى ينتهي الأمر بموته، لتنجح تلك الجراثيم في مهمتها.
ومن المعروف أن الجراثيم تدخل الجسم بصورة طبيعية وبطريقة تلقائية، ثم تقوم بعد ذلك بالاندساس داخل الجينات ومن ثَّم الانتشار بجميع أجزاء الجسم والتربص لأي عقار، ويمكن للإنسان تفادي تلك الجراثيم في حالة إذا ما استمر في تناول المضادات الحيوية ولم يلتفت للآلام الوهمية التي تختلقها تلك الجراثيم لإيقافه لتناول العقاقير، ويحتاج هذا الأمر عزيمة وإصرار كبيرين، لأنه إذا تم فسينتج عنه التعافي من المرض مع طرد لتلك الجراثيم.
أسبابها
كما أسلفنا، لا أحد يعرف حتى الآن أسباب انتشار الجراثيم المقاومة للعقاقير أو من أين جاءت، حتى الذين اجتهدوا وقالوا إنها قد تنتقل عن طريق الجينات والطبيعة لم يتأكدوا بعد من ذلك، وهذا يفتح الباب للأخذ بما قال البعض الآخر من أن تلك الجراثيم تنتقل عن طريق المعادن السامة الثقيلة والإكثار من المضادات الحيوية وكثرة الاختلاط بالحيوانات، إضافةً إلى الإكثار من المواد الحافظة المُعلبة، والتي تكون على الأغلب مُسرطنة، وكل ما سبق كما قُلنا مُجرد اجتهادات لإيجاد أسباب لهذا العدو، إلا أنه لم يتم التأكد من صحتها حتى الآن، وبالطبع هذا لا يمنع من أخذ الاحتياط منها كذلك.
ردة فعل العالم تجاهها
بعد اكتشاف العالم أن تلك الجراثيم المقاومة للعقاقير ما هي إلا عدو أشد فتكًا حتى من السرطان، تكاتف الجميع للحد من تلك الجراثيم والقضاء عليها، وجعلت الأمم المتحدة من هذا الأمر شغلها الشاغل، وأقسمت الدول الأعضاء على بذل كل ما لديها من جهد في سبيل كسب هذه الحرب، التي تم اعتبارها كحرب عالمية ثالثة، يواجه فيها العالم عدوًا تكمن قوته في عجز العالم عن معرفة سلاح مضاد له حتى الآن.
هذا ومن الواضح جدًا خطورة الأمر واهتمام العالم به، لأن هذه المرة هي المرة الرابعة التي تجتمع فيها الأمم المتحدة من أجل مناقشة موضوع يتعلق بالوضع الصحي، فقد سبق وأن اجتمعت من قبل ثلاث مرات لمواجهة خطريّ الإيدز والسرطان، وقامت بالفعل بإيجاد حلول لهما، ولذلك يطمح المجلس في أن ينتهج نفس النهج مع الجراثيم المقاومة للعقاقير، خاصةً وأنها لا تضرب الإنسان وصحته فقط، بل تتخطى ذلك إلى التأثير على الاقتصاد الدولي والتلاعب به.
تأثير تلك الجراثيم على الاقتصاد
الجراثيم المقاومة للعقاقير لا تؤثر على صحة الإنسان فحسب، بل تقوم أيضًا بضرب اقتصاد البلاد، لأنها وببساطة، تجعل صناعة الأدوية بلا قيمة على الإطلاق، وهذا ما أكده مركز الدراسات التحليلية بقيادة جيم أنيل، والذي أكد على أن الخسائر المادية الناتجة عن الجراثيم المقاومة للعقاقير قد تتجاوز المئة تريليون دولار على الأرجح.
ليس هذا فحسب، بل إن تلك الجراثيم التي تفتك بالجميع ستُسهم في تقليل عدد السكان، مما ينتج عنه قلة الأيدي العاملة ومن ثَّم تدهور الاقتصاد، وهذا ربما ما أشارت إليه الدراسات البريطانية في تقريرها الأخير، حيثُ أكدت على أن استمرار تلك الجراثيم يعني أن تُصبح بريطانيا في خلال ثلاثة عقود مديونة بأكثر من مئة مليار دولار، لأن ميزانيتها ستتعرض لخسارة سنوية تُقدر بثلاثة مليارات، بالإضافة إلى موت ما لا يقل عن مئة ألف بريطاني، وكل ما سبق لا يُعد سوى تعريفًا من تعريفات الكارثة، كارثة تفوق في شدتها الحروب والزلازل، كارثة حقيقية، أشد ما فيها أنه لم يتم اكتشاف دواء قادر على مواجهتها حتى الآن، وإن كان هناك من يقول أن ثمة حل قد ظهر.
الحل الأمثل للقضاء على ظاهرة الجراثيم المقاومة للعقاقير
التكاتف بالطبع هو الحل الأمثل للقضاء على أي عدو يُهدد بقاء الجنس، وأهم الأعداء حاليًا بصورة أو بأخرى هي الجراثيم المقاومة للعقاقير، لكن العلماء قد أوجدوا حلولًا أخرى يُمكن استخدامها في القضاء على الجراثيم المقاومة للعقاقير، وأهم هذه الحلول ما يلي:
تغيير العقار المُستخدم
الجراثيم مع الوقت تتعرف على العقار وتتمكن من تكوين مُضاد فعّال له حتى تتمكن من إيقافه، لكن مع التغيير المستمر في النوع المُستخدم من تلك العقاقير تحدث حالة من الارتباك لدى الجراثيم ولا تتمكن من مُلاحقة العقار، حتى تتلاشى مع الوقت، وبالطبع هناك عدة بدائل لكل عقار موجود، فيُمكن استخدامها تحت إشراف الطبيب لحين التخلص من تلك الجراثيم، ثم بعد ذلك يُمكن المعاودة لاستخدام العقار أو المضاد الرئيسي.
“التيكسوباكتين”، معجزة القرن الواحد والعشرين
مع اقتراب العالم من التسليم للجراثيم المقاومة للعقاقير ظهر عقار التيكسوباكتين ليُغير كل شيء ويؤكد على أن البشر بمقدورهم مواجهة أي خطر مهما كان، حيث أثبت التكسوباكتين، الذي تم صنعه في شركة “أنا كور” على يد الباحث “ديكون” بولاية كاليفورنيا، أنه قادر على التصدي للجراثيم المقاومة للعقاقير وإبطال مفعولها، بل وقتلها أيضًا مع الوقت، وقد جاء هذا الأمر بعد إجراء عدة أبحاث على بعض الحالات المُصابة، وسوف يكون العقار مُتاحًا بكافة أنحاء العالم قبل حلول عام 2020، لينتهي الجميع من هذا العدو وتخمد أخيرًا نار هذه الحرب، حرب الجراثيم المقاومة للعقاقير.
أضف تعليق